الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيغل - رُؤيَةٌ مُبَسّطة ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2019 / 7 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس هناك من حال يمكن أن يُحسَدَ عليه المهتم بالفلسفة ، أكثر من حال يجد نفسه فيه يكتب عن فيلسوف كبير، يُجمع عليه معظم الباحثين والدارسين بأنه أكثر الفلاسفة غموضاً وإشكالية للادراك والفهم ..
إنه بلا أدنى شك الفيلسوف "هيغل " الملقب بـ أرسطو الفلسفة الحديثة.
الذي يعتبر مجرد القول الحديث عنه ببساطة يحتوي - باعتقادي - على مخاطرة كبيرة بالفهم والحقيقة ..
أما عقد العزم على الخوض في فلسفته فهي مغامرة صعبة بكل تأكيد ، يضاعف من صعوبتها عدم الاتفاق بين الفلاسفة حول فهمها،
واختلاف الشراح على كثير من معاني مفرداتها ، ويُضاف الى كل ذلك، غموض وعمق واشكالية المصطلحات التي يستعملها الفيلسوف، والتي كثيراً ما تحمل دلالات متعددة ، ومختلفة تماماً عما اعتاد البحّاثة وكثير من الفلاسفة الاشارة إليه ..
غيورغ فيلهم فريدريش هيغل هو الاسم الكامل للفيلسوف الألماني الأكثر اشكالية في تاريخ الفلسفة برمته . وهو العقل الذي سيطر على الفلسفة الغربية الحديثة ، على الأقل خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر .
وقد اعتبر – بحق - آخر فلاسفة الأنساق الفلسفية المتكاملة
وقد نجح بالفعل في طبع نتائج فكره على كل الفلسفات التي جاءت في هذا القرن وما بعد .
في البداية وقبل الخوض في الحديث عن "هيغل " لابد من ان نتذكر معاً ، أن الفيلسوف الألماني " كانط " كان قد وضع العقل البشري ككل والمعرفة الإنسانية أمام إشكالية كبيرة للغاية ، و استحالة عجز لا يمكن تخطيه ، وهو ان الانسان لن يمكنه ان يعرف الواقع بذاته noumenal بل ظاهرياً phenomenal فقط وذلك عبر الحواس وحسب.
وعليه فقد اعتبر ان الانتقال بالفهم من عالم الحس الى عالم حقيقة الأشياء في ذاتها أمر مستحيل على الانسان .
لكن مع هيغل ومن خلال مؤلفه الأهم لديه " فينومينولوجيا الروح " استطاع ان يردّ على الإشكالية الكبرى للفلاسفة ، الذين أكدوا على ان هناك فارق اكيد وكبير، بين العالم المادي الظاهراتي ( عالم الشهادة ) وعالم إدراك العقل أو الفكر (عالم الغيب ) ،
وكان اشهرهم بالطبع ممن سموا بالمثاليين مثل : فيخته و شلينك و بيركلي وغيرهم.
حيث رأى بعضهم انّ كل ما نراه من نتائج التجارب والفعاليات للجنس البشري ، وما نشهد من أفعال وأقوال وأعمال و .. الخ ، القابعة في هذا العالم المادي ( الظاهراتي ) إنما لها أصل انفصلت عنه ، كامن في عالم الفكر (الغيب)
وهو العالم الذي اكد لنا أنصار مذهب الحلولية ،على أنه عالم محلول برمته في العالم المادي (عالم الشهادة ) وان ليس هناك حاجز بينهما البتة ..
إلى أن أتى كانط وأعاد الحاجز والفصل القوي والتام بين عالم الواقع الظاهراتي (عالم الشهادة أو الواقع) وبين العالم الآخر أو عالم ما وراء الطبيعة (عالم الله أو الغيب )
وهو الامر الذي تؤكد عليه أكثر الأديان بعامة ، والأديان الابراهيمية بخاصة ، من ان عالم الله أو كيان ملكوته ولدنه ، مهما كان قريباً مجيباً ، يجب ان يختلف عن مخلوقاته في عالم الواقع والوجود الظاهراتي ، الذي نحياه ونشعر به أو نعيشه و ندركه .
لكن حدث في القرن التاسع عشر أن جاء "هيغل" بالمذهب الذي ألغى تماماً فيه الفصل بين هذين العالمين ، أي بين عالم ملكوت الله والغيب و عالم مخلوقاته في العالم الظاهراتي ، حيث مكّننا من القول أن هذا الفصل بين العالمين زائف وباطل في الأساس ، وان عالم ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا الغيب الله وعالم الوجود واحد ، وإن لا يوجد هناك في الأصل سوى عالم موجود كلي واحد وليس عالمين كما يطيب للبعض التوهم ..
وأخبرتنا فلسفته بأنّ كل هذا الوجود و العالم الظاهراتي وكل التاريخ الذي ندركه ككل ، انما هو الجانب المعقول الذي يُمكننا القول عنه انه الجانب المُتجلّي من الله ( العقل الفعّال الحي ).
ورأى هيغل أن كل ما حدث ويحدث في التاريخ من أحداث وأفعال و أفكار ..الخ تدل على إرادة الله (العقل الحي ) وفعاليته أو تجلّيه ..
ولكن هنا ، يتأتى في الذهن سؤال ..
هل يعني هذا أن عالم الله والعالم المادي هما عالم واحد تماماً كما أراد فهم الفيلسوف الهولندي " سبينوزا" أن يومىء لنا يوماً...؟!
للحديث بقية ..
- مقال مجتزأ من كتابي : هيغل : رؤية مبسطة ..












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة