الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
للخطإ أسبابه
الحسن علاج
2019 / 7 / 9الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد تكهن نيتشه بفظاعات القرن العشرين ، ال" حقائق التناوبية " وازداد نمو البشر ، غير أن فكره ، تعرض أيضا لكل الاستعمالات الخاطئة .
دوريان أستور1
ترجمة : الحسن علاج
ينبغي الاحتراس من الحكمة الحضرية للنقوش الأثرية ، وهذه واحدة منها ذائعة الصيت : " لقد مات الإله " ، من توقيع نيتشه . " لقد مات نيتشه " ، من توقيع الإله . " انتصر الإله عليه ، لا مجال للشك في ذلك . إذا كان هناك من شيء يعود باستمرار ، فهو انتصار ال" قوى الارتكاسية " ، الانتقام الأعظم للقساوسة ( من كل الأنواع ) والمتعصبين للمثال الذي يستحضره [كتاب] جنيالوجيا الأخلاق . صحيح أن روح نيتشه ، ارتقت سلم الخلاص بهدوء : جحيم الجنون ، المطهر الذي تبع الاسترجاع الفاشي ، بعث المدونة ( التي يعطيها الجامعيون اسم نهضة نيتشه ) ومكافأة الفردوس ـ أو مدفن " عظماء الفلاسفة " .
منذ ذلك الحين ، كان يتم الاعتقاد أنه لا ينبغي فقط اتخاذ الحيطة والحذر من " أحكام الفلاسفة المسبقة " التي يفضحها الجزء الأول من [كتاب] ما وراء الخير والشر ، على أنه يظل تعظيم نيتشه نفسه مشبوها : " إنني أحيا على الرصيد الخاص الذي كونته لنفسي ، بل لعل الاعتقاد بأنني أحيا ليس سوى مجرد فكرة مسبقة لا غير ... وأنه ليكفي أن أتحدث لأحد من هؤلاء " المتعلمين " الذين يأتون لقضاء الصيف في أنغادين العليا لكي أدرك أنني لست حيا ... " ( هذا هو الإنسان )2 .
دعونا نتكلم بصراحة : لقد حاولت عبثا الابتهاج بنجاح نيتشه ، لنكن حذرين بأن عودته الأبدية ، المضمنة في المجلات ، كي لا تتحول إلى أغنية مكرورة . ذلك بالضبط ما كان يخشاه زرادشت وهو يعلِّم مذهبه المهيب والمرعب : ألا يحدث التكرار أي اختلاف .
أي قارئ تفترضونه بداخلكم ؟
لتجنب هذا الخطر ، أجيز لنفسي تقديم نصيحتين للقارئ ، وهما ذواتي نفع يعود علينا أيضا ، كصحافيين ( " نشالو الجثث " ) وجامعيين " عمال الفلسفة " . 1 . اشرعوا في قراءة أو إعادة قراءة هذا هو الإنسان ، سيرة ذاتية ذهنية وهو العمل الأخير لنيتشه على الإطلاق ، الذي ينفتح على تلك العبارات : [...] في مثل هذه الأحوال يغدو من الواجب علي القيام بعمل هو في الواقع مما يستثير عاداتي السلوكية وأكثر من ذلك كبريائي ، وهو أن أقول : اسمعوني ! فانا فلان الفلاني . لا تخلطوا بيني وبين شخص آخر "" 3 . تذكروا أن نيتشه كان يتطلع إلى قراء لم يوجدوا بعد ، وحيث أننا نجهل ، على الدوام ، ما إذا كان زمنهم قد أتى : " حينما أحاول أن أتصور صورة قارئ نموذجي ، إن ذلك يمنح شجاعة هائلة وفضولا ، بالإضافة إلى ذلك نوعا من المرونة والدهاء والحصافة ، مغامر ومستكشف ناشئ " ( هذا هو الإنسان ) . أو ، بدلا من النصائح ، دعونا نقول أنها شروط السوق : تشرعون في الاستماع إلى نيتشه ثم تتساءلون: أي نوع من القراء ينبغي عليكم افتراضه بداخلكم من أجل فهمه . بالمقابل ، نبذل قصارى جهدنا من أجل إحداث قليل من الاختلاف في التكرار ، بغية بعث نيتشه ليس مثل واحد من " كتابنا الدائمين " ، بل عبر ما يعتبر ، في الوقت الراهن ، قابلا على صناعة الاختلاف : الاستخدامات التي من الممكن أن تنبثق عنه ، والتي من شأنها أن تشكل موضوعا لهذا الملف . لكن ، قبل ذلك ، كنت أتعهد بمواجهة التحدي الذي سارع يقذف نفسه فيه لما صمم على الحديث عن ما قبل السقراطيين : " سأروي قصة هؤلاء الفلاسفة مع تقديم تبسيط لها : لا أرغب في أن أستخرج من كل نسق سوى هذه النقطة التي هي شذرة شخصية وتنتمي إلى هذا الجزء الذي يتعذر دحضه والذي لا جدال فيه ، الذي يجب على القصة الحفاظ عليه " الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي ) . لنحاول .
شذرات يقينية للشخصية
لم يسبق لنيتشه أن كان أستاذ فلسفة : فقد قام بتدريس الفيلولوجيا الكلاسيكية ، بجامعة بال . إن كتابه الأول نشأة التراجيديا ( 1872) ، الذي كان ينبغي أن يكون كتاب علم ، قد ألقى بحجرة في بركة : أصل ومعنى التراجيدي الإغريقي ، ميتافيزيقا شوبنهاور والدراما الموسيقية لفاغنر تنصهر في زوج ميثولوجي ، أبولون وديونيزوس ، حيث يكمن الهدف ـ بشكل متناقض ، في التغلب على كل ثنائية ميتافيزيقية للوجود والظاهر ، واستبدال الإدانة الأخلاقية للوجود بالتبرير الإستثيقي للعالم، وتخليص الماضي مما لما يتم حدوثه أبدا : إن قوى الإبداع قادرة على الارتقاء بالثقافة في المستقبل . شرعت لا زمنية نيتشه في العمل على عزله . إن الأعمال الأربعة من اعتبارات في غير أوانها (1873 ـ 1876) ، تم تخصيصها على التوالي للمرض التاريخي ، ولمتعلمي الثقافة ، شوبنهاور ، وأخيرا فاغنر ( وبالرغم من أخطاء بعضهما البعض ، ماكان يمكن دحضهما ) ، سجلا استعراض سلاح نيتشه : نازلا إلى حلبة الحداثة ، يفضح حقبة غير قادرة على ترك بصمتها في التاريخ ، ذاكرته المتضخمة وأعصابه المفرطة الانفعال ، عجزه على تقديم وعد للمستقبل . مع كتابات هجومية عنيفة مشابهة ، أنهى صلته بالجامعة التاريخانية ، لألمانيا القومية ، وكذلك بالفاغنيرية المثالية : وانطلاقا من 1877 ، قاد نيتشه حياة " هاربا مترحلا " ، بين إيطاليا وجنوب فرنسا .
متحررا من كل تلك الأثقال ، وبالرغم من التفاقم القاسي لاعتلالات جسده ( الدماغية والمعدية ) ، فقد أصبح نيتشه أخلاقيا على الطريقة الفرنسية ، عالم نفس على الطريقة الإنجليزية ، وفنانا على الطريقة الإيطالية : سجل كتاب إنسان ، مفرط في إنسانيته ( 1878 ـ 1879) سمو " الروح الحرة " ، التي تمت تغذيتها في " مدرسة الشك " ، كاشفا وراء كل المثل ، الأخلاقية ، الدينية ، العلمية أو الإستثيقية ، عن غرائز متلهفة ، دناءات سرية ، أكاذيب صريحة . كشف كل من كتاب فجر (1881 ) والمعرفة المرحة (1882) ، عن التقلب المقلق لرغبتنا في الحقيقة : عطش لتقوية الإحساس بالقوة ، الذي سوف يدعوه نيتشه عما قليل ب" إرادة القوة " ، مبدأ تنظيم تعدد غرائزنا و، أخيرا ، وكل الحقيقة المدركة كعالم قوى . وإذا كانت كل قوة مثل " وجهة نظر " حول العالم ، فإن " شغف المعرفة " يتضمن المغامرة بركوب المحيط اللامتناهي للتأويلات البصرية .
ليس هذا فحسب ، بالإمكان تقييم الثقافة وفقا للمميزات المختلفة لإرادة القوة : تارة بإثبات الحياة والعافية ، وتارة أخرى بتبخيسها والرغبة في الانتقام منها . ومع ذلك ، فإن نيتشه يرى روح الانتقام والضغينة تنتصر ، إرادة العدم ، لمن هم أكثر وهنا من أجل الإثبات ؛ ففي هكذا تكلم زرادشت (1883 ـ 1885) ، حذر نيتشه من " الأناس الأخيرين " : على الإنسان ، مرة أخرى ، تعلم قول نعم ، الرغبة في تجاوز ذاته لصالح قيم جديدة إيجابية ـ على سبيل المثال ، الرغبة في عودة كل شيء ، حبا في كل ما هو موجود . إن طريقة مشابهة في التفكير والحياة سوف تسمو بنا إلى ما هو فوق إنساني .
بعد أن اختبر الأشكال الشعرية ل"إنجيل " جديد ، لن يتخلى نيتشه عن النقد المتصلب للقيم العدمية وشروط قلبها ، ففي ماوراء الخير والشر (1886 ) ، جنيالوجيا الأخلاق (1887) وطيلة السنة المثمرة (1888) ، السنة الأخيرة من حياته الواعية ( قضية فاغنر ، غسق الأوثان ، ضد المسيح ، هذا هو الإنسان ) . كان الزمن يعجل من أجل وضع أسس " سياسة كبيرة " وإتاحة ظهور " فلاسفة المستقبل " . لكن ، في يناير 1889 ، كان الانهيار الجسدي ، متبوعا بسنوات حياة خاملة . ومع ذلك ، فحذار أن نجعل منه شهيدا : " إني أرغب في أن أكون مهرجا على أن أكون قديسا ... " ( هذا هو الإنسان ) . يرى دولوز أن كل من لم يصب بالضحك أثناء قراءته لنيتشه لم يكن قد قرأه إطلاقا .
استعمال ، إنهاك ، إن لم يكن اغتصابا
" إن من يتكلم هنا ليس "نبيا " ، ولا واحدا من أولئك الشنيعين الخلاسيين من المرض وإرادة القوة ، الذين يدعون بمؤسسي الدين " ، يحذر نيتشه في هذا هو الإنسان . ليس هناك ما هو أكثر فظاعة أن يكون المرء مدركا أنه على خطإ . شن نيتشه " حروبا كما لم يسبق لذلك أن حدث من قبل على الأرض " ، ثم إن القرن العشرين قدم له البرهان على ذلك ـ على أنه من يتذكر أن الأمر يتعلق ب"حروب الروح " ؟ استحضر نيتشه " سلالة أسياد " ، وألمان منحطين قدموا له التبرير ـ على أنه يقول أنهم كانوا أسوأ ثأر للعبيد ؟ شرح نيتشه أنه لا وجود لحقائق ، توجد تأويلات فقط ، ثم إن القوى العالمية ، بواسطة حقائق تناوبية وأخبار مزيفة ، تثبت أنه على صواب ـ لكن من سيفسر طغيان الأمر الواقع ؟ مجد نيتشه قدوم الإنسان الأعلى ، والطليعة الرأسمالية ترميق للإنسان المتحول ـ على أنه من سوف يحمله على الفهم أنها تصغِّر من شأن الإنسان ؟
وفي الواقع ، فإن نيتشه كان مخطئا في المنطق . لقد اعتقد أن الحداثة المنهكة ستنزلق نحو نوع من البوذية الغربية ، متطلعا إلى تعطل العدم ؛ اعتقد أن الديموقراطيات القطيعية ستصبح حتمية مثل قطيع النعاج المسيحية ؛ لقد اعتقد أخيرا أن موت الإله سيشكل مفترق طرق بين السخافة والمعنى الجديد ؛ لقد اعتقد أخيرا بأن الشكوكية ، التعدد ، المنظورية ستكون فرصة لانعتاق العقل وشغف المعرفة . حسنا ، لقد كان نيتشه على حق في أن يكون مخطئا .
لقد قام هذا الفيلسوف الطبيب بكشف كل الأعراض وحضَّر فارماكونا كاملا ـ هو في الوقت نفسه سم وترياق : " سوف يشكل وصفة ضد الفلاسفة المتشائمين والحساسية المصابة بالتضخم ، والتي تبدو لي " قلقا للعصر " الحقيقي : ولكن ربما قد تكون وصفة مفرطة في القسوة والتي يمكن اعتبارها ، من القرائن التي يستند إليها هذا الحكم : " الوجود شيء فظيع . " طيب ! ها هي ذي الوصفة ضد " القلق " : إنه القلق " ( المعرفة المرحة ) . من يدري إذا كان ما يزال في حوزتنا ما يكفي من القوى ، كي نجعل من قلقنا علاجا ، أو ما إذا كان وهننا الأقصى لا يصنع من ذلك سما ؟
ثمة عباقرة منسيون ودجالون ذاع صيتهم . من الممكن جدا أن عبقرية نيتشه تعتبر لعنة أسوأ بكثير . إن استعمالات نيتشه لا حصر لها ، فغالبا ما يفضي الاستعمال إلى الإنهاك ، إن لم يكن الاغتصاب . إن غاية هذا الملف ، هو أخذ وتحليل بعض قطرات الدم ، وتقييم مُعايرة للعلاج والسم الذي عمل فكره على حقننا به . من المحتمل أن المرء يكون في حوزته على الدوام نيتشه الذي يستحقه .
ـــ
مصدر النص : المجلة الجديدة الأدبية الفرنسية عد 16 ، أبريل 2019 .
1 ـ دوريان أستور Dorian Astor) ( : فيلسوف ومتخصص في اللغة والثقافة الألمانيتين . له على الخصوص : نيتشه . محنة الحاضر ( 2014) ، كما أنه قام بنشر معجم نيتشه ( 2017) . في الوقت الراهن يشغل أستاذا بجامعة مارك ـ بلوخ باستراسبورغ .
2 ـ هذا هو الإنسان ، ترجمة علي مصباح ، منشورات الجمل ، الطبعة الأولى 2003 ص 7 .
3 ـ نفس المرجع ص 7 .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رقم قياسي جديد لعملة البيتكوين الرقمية | الأخبار
.. أطيب كيكة ليمون
.. انشغال نواب بتصفح هواتفهم خلال جلسة البرلمان يستفز الأردنيين
.. بارنييه يقدم استقالته للرئيس ماكرون ووزير الدفاع الأقرب لخلا
.. -علف الحيوانات والقمامة-.. للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة