الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الأروبي في بلاد الصين والسير نحو حرب الأفيون

الحجاري عادل

2019 / 7 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الصراع الأروبي في بلاد الصين والسير نحو حرب الأفيون.

رغم الإمكانيات والمؤهلات الطبيعية التي يتوفر عليها الصين، التي تعطي للإقتصاد ومحور التجارة مكانة مهمة لتغذية الرأسمال الصناعي، فمنذ تاريخ نشوء إمبراطورية الصين إلى حدود القرن 19 الميلادي، لم يتغير شيء نتيجة العزلة التامة عن العالم الخارجي، وهو ما أدى إلى وقوع حركة ركود واضحة داخل المجتمع الصيني، ولمحاولة خلق نوع من الإستقرار النسبي عند الأنظمة التي تعاقبت على حكم الصين.

تختلف الصين عن العالم الخارجي، من حيث طبيعة العيش والعادات والتقاليد وفي كافة المظاهر السياسية والإجتماعية والدينية، حيث أن التنظيم السياسي فيها يكون عن طريق الأسرة تتربع على العرش، أي اسرة الإمبراطور، فكان الفساد وغياب الإصلاح محدود للغاية، مما حتم على الفلاسفة والحكماء منهم كونفوشيوس العودة إلى تصحيح وإصلاح ما افسدته السياسيةوالعودة إلى جادة الصواب ، وتربية الشعب تربية سليمة وتوجيه الأفراد إلى التشبت بالأخلاق الفاضلة والحكمة الرشيدة في أرقى معانيها.

يظهر أن بلاد الصين تعيش عزلة تامة، فهي غنية بالإمكانيات المهمة تساعد على تحسين الأسواق العالمية خصوصاً إذ ما فتحت البلاد أمام التجارة العالمية، غير أن طبيعة نظر الصينيين إلى الأروبيين غالبا ما تكون في صورة شيطان أبيض ذوي عيون أزرق، وهي التسمية التي أطلقوها عليهم، اعتبارا أن ليس ما يتعاملون مع العالم الخارجي إلا بإسم السلب والنهب عن طريق مشروعهم الإمبريالي الهادف إلى خلق فائض من الرأسمال الصناعي والتقني، كما أن الإعتماد على مصدر " قصة حضارة الشرق الأقصى - جزء الصين " للمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت، سوف يمكننا من إيجاد بعض المعلومات والمعطيات الرصينة التي تتناول أوضاع الصين من مختلف الجوانب.

أولا: الدور البرتغالي في بلاد الصين.

منذ فترة مبكرة أي القرن 15 الميلادي، وما عرفته اوروبا من كشوفات جغرافية غيرت الأوضاع العامة، كان للبحارة البرتغالين دور في إيجاد أسواق بعيدة المدى، وإذا علمنا أن أول سفينة برتغالية حطت في ميناء الصين كانت في سنة 1517م، فلم يكن لأسرة المانغ الحاكمة أي اهتمام بالتعامل مع البرتغالين، خاصة أن الإقتصاد الصيني في فترة حكمهم، أخذ يحضي نوعا من الإستقرار والإزدهار والإكتفاء الذاتي، وبمجرد وصول البرتغالين اكتشف الصينيين أن الأمر يتعلق بالخلفيات الإستعمارية، مما أدى إلى فرض قيودا ثقيلة على البرتغالين، ومنح لهم مساحة لا تتجاوز 300 متر بجزيرة مكاو قرب كانتون، ويبدوا أن هاته المساحة الضئيلة كانت تحيل إلى التحذير والمراقبة، هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن معاملة الصين تجاه الأروبيين تتسم بشيء من التحذير وعدم الوقوع في مصيدتهم.

ثانيا: الدور الهولندي في بلاد الصين.

بعد تدفق التجار البرتغالين نحو بلاد الصين، وما عرفته العلاقات من حذر وحيطة من الجانب الصيني، بدا الهولنديين يفكرون في البحث عن أسواق خارجية، خصوصاً وأن هولندا رغم ما توفرت لديها إمكانيات كبيرة في خبرات السفن والبحار، ولكونها السيادة التي بنت فوق سطح البحر، ذلك أن تجربة الهولنديين بخبرات البحار مكنتهم أن يدخلوا غمار المسرح الإستعماري لمنافسة البرتغالين على التجارة البعيدة المدى.

وقد حاولت هولندا أن تؤسس شركة " الهند الصينية " في الصين وذلك في متم سنة 1602م، هاته الشركة كانت تخضع مباشرة لإدارة أمستردام، وفي مدة قصيرة من وصولهم لبلاد الصين نجح أسطولهم في انتزاع ما تبقى من مبادرة البرتغاليين والقضاء على تجارتهم نهائيا، كما كان لشأن الهولنديين هو ترويج بضائعم داخل الأسواق الصينية، مما حال بهم خلق جو من المفاوضات مع الإمبراطور الصيني يهمد لهم الطريق نحو إرساء علاقات تجارية متينة.

إثر ذلك تركزت أهداف الهولنديين، وحاولوا إقناع الإمبرطور بربط علاقات دبلوماسية هي الأخرى مع هولندا، مع فتح كامل للأسواق في وجه التجارة، لكن هاته المحاولات بوءت بالفشل نتيجة عدم احتكاك الصينين بالأروبيين كثيراً كما كانوا يطلقون عليهم اسم " الشيطان الأبيض"، حيث لم يفي وعد هولندا بالتزاماتها في ظل فشل المحادثات مع الإمبراطور، وتيقنت أن أسهل طريقة للتعامل مع الصين تكمن في الحل العسكري، فقامت بتنظيم حملة عسكرية وتم الإستيلاء على جزيرة فرموزة سنة 1627 م، ونشأوا بها مركزا تجاريا بالمنطقة.

ثالثا: الدور الإنجليزي في بلاد الصين.

ونحن نعلم أن استيلاء الهولنديين على جزيرة فرموزة وتأسيس مركز تجاري بها، الأمر الذي جعل بريطانيا ترصد تحركات الهولنديين في بلاد الصين بمنظار مختلف، حيث أن خطة التعامل مع الصينيين عند الإنجليز تكون متشابهة عن نظيرتها الهولندية والبرتغالية.

وفي سنة 1637 م، وصلت خمس سفن إنجليزية تجارية إلى ميناء كانتون، هاته الضخامة أدت إلى رفضها وعدم تفريغها، مع العلم أن خيار التجار الصينيين هو إرجاع هاته السفن دون أن تقوم بأعمال تفريغ السلع، إلا أن بريطانيا أبدت بموقف العكس ورفضت الرجوع إلى الوراء، وقاموا بتفجير الحامية الصينية في المناء بقنبلة، وتم إنزال بضائعم بالقوة.

يظهر أن وصول الإنجليز إلى بلاد الصين، وما عرفه من تزايد أعمال العنف، ينطبق على خلق مرحلة جديدة من المتاعب للصينيين بعد فترات طويلة من الإستقرار والإزدهار بعيدا عن الإحتكاك بالأروبيين، فشعر الصينين أنهم أمام هجمة إمبريالية كاسحة، وكانوا يعتقدون أنهم بالإمكان التصدي للأروبيين الذي عرف أوجه الشبه وطريقة التعامل معه وصولا إلى القرن 19م،الذي ساهم في وقوع الصين في مصيدة كبرى وجرها نحو الحرب العالمية الأولى.

رابعا: فكرة البرتغالين لإدخال مادة الأفيون في بلاد الصين.

يبدوا أن وصول البرتغالين إلى ميناء كانتون سنة 1517، واستقرارهم في جزيرة مكاو التي لا تتعدى مساحتها 300متر، حيث فكروا في إدخال طريقة تدخين الأفيون، وأقاموا معملا لتصفية هاته المادة وتنقيته وتحويله إلى مادة استهلاكية، مما حال بهم تطوير هذا المشروع لكي يلقي استجابة كبيرة من جانب المستهلكين الصينين، وبذلك نجحت فكرتهم في تخدير العقول وبالتالي جر الصينين إلى تعاطي مادة الأفيون، فبينما كانوا يتعاطون لهاته المادة، إلا أن الهولندين قد اخذوا طريقة مختلفة للتعاطي مع مادة الأفيون خوفاً من مرض الملاريا الذي أدى إلى تدهور صحة المجتمع الصيني، فكان اختلاط هاته المادة بالتبغ من طرف الهولنديين حرصا على سلامة صحتهم.

خامسا: فكرة بريطانيا في نقل مادة الأفيون.

نجحت بريطانيا في السيطرة الكاملة على النشاط التجاري في الشرق الأقصى بواسطة شركة الهند الشرقية الإنجليزية التي أسستها الملكة إليزابيث سنة 1600م، وبفضل هاته الشركة تمكنت بريطانيا من امتلاك اسطول تجاري وصل تعداده إلى 122 سفينة، بوءت مكانتها في احتلال المرتبة الأولى في التعامل التجاري مع الصين.

لقد عمدت بريطانيا بمعية شركة الهند الشرقية على تشجيع مادة الأفيون لإجبار الصين على الرضوخ أمام التجارة الإنجليزية بعد أن كانوا يمانعون من تصدير البضائع الإنجليزية، وتم نقل هاته المادة من الهند إلى الصين، خاصة بعد اثبات موقفها التجاري أن هاته المادة تدار أرباحا طائلة نظراً لإقبال الصينين على تعاطي هاته المادة.

سادسا: قرار الإمبراطور بمنع دخول مادة الأفيون.

بعد أن كان الصينيين يدخنون مادة الأفيون، أصبح الخوف والتحذير الكبير من جانب الحكومة، التي ترى أن تدخين هاته المادة ستعول على اقتصاد الصين وصحة المواطنين أضرارا خطيرة، لأجل ذلك أصدر الإمبراطور سنة 1800م مرسوما يمنع التجار بهاته المادة وتحريمه من دخول الأراضي الصينية، كما أن الأرباح تميل لصالح بريطانيا بواسطة شركة الهند الشرقية التي تعتمد على التهريب لإغراق موانئ الصين بهاته المادة السامة.

سابعا: بريطانيا وارتشاء كبار الموظفين الصينين.

كانت بريطانيا تستغل الفساد والرشوة قصد إغراق الصين في مادة الأفيون لإنجاح تجارتها البعيدة المدى التي تنافس ألمانيا وفرنسا، حيث تسرب الإنجليز في الجهاز الإداري وفي حامية الموانئ، لربط علاقات تعارف مع كبار المسؤولين القائمة على الزبونية والرشوة، فكان الموظفون يقبلون هذا الغرض شاكرين، وهو ما أدى إلى تشجيع وتهريب عمليات الأفيون.

كانت الحكومة الصينية عاجزة عن مراقبة كبار المسؤولين الذي اخذوا الرشوة، خصوصا وأن الصين، في هاته الفترة العصيبة قد وصلت إلى حالة من الضعف والإختلال، هذا إن دل على شيء إنما يدل على إرغام بريطانيا حكومة الصين على فتح أبواب البلاد أمام التجارة الأروبية ولو اقتضى الأمر بالتدخل العسكري، فكان من طبيعة الخيار هو شراء ضمائر الموظفين الصينين بالرشوة وإفساد أخلاقهم المهنية.

ثامنا: تشجبع البعثات التبشيرية إلى بلاد الصين.

عملت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، على تشجيع البعثات المسيحية وغرس ثقافة المذهب الكاثوليكي والبروتستانت في بلاد الصين، فكان أول تحركات الجمعيات السرية في المجتمع الصيني إبان الأزمات التي تعصف بالبلاد، داعين إلى التلويح بفكرة اسقاط نظام أسرة " تشينغ "، حيث جاهر المبشرون بخلق جو من الكراهية والعداء بين الأوساط الفلاحية والتجارية، وتعبئة عامة الشعب لممارسة الضغط على حكومة تشينغ، وبالمقابل حاولت الحكومة إصدار قرار يمنع من أعمال المبشرين داخل البلاد ويرفض التفاوض مع الأجانب على قدم المساواة.

تاسعا :التمهيد نحو حوب لأفيون.

أدى سوء التفاهم بين الصين وبريطانيا إلى إجبار هاته الأخيرة على اتخاذ طريقة أكثر خطورة، والتي تتضمن الإعلان عن رفع الخيار العسكري ضد الصين، فكانت النتيجة التمهيد لحرب الأفيون ( 1839-1842)، حيث قامت بريطانيا بحشد 60 سفينة حربية و4000 ألف جندي، وتعزيز الإمدادات أثناء وصولهم الى شواطئ الصين ومهاجمة ميناء كاناون.

والحال أن الصين باتت تنتظر إلى الأوضاع بمنظار مختلف، ففكرت جلياً وأخيرا أن بريطانيا عازمة على الغزو، وبذلك نظمت مقاومة " كين تزه شو" بسرعة وقاموا بوضع سلسلة من الخوازق الخشبية المتصلة بسلاسل حديدية على طول شواطئ البلاد، مع تدريب الجنود تدريبا تكتيكيا، إلا أن بريطانيا ورغم توفرها على قوة عسكرية بأساليب حديثة ومتطورة تمكنت من اختراق كامل التراب الصيني، هجوما نحو الشمال لإحتلال شانغاي التي سقطت بين يديهم، وبدا خوف الصينين من تقدم الإنجليز نحو الشمال والقضاء على مستقبل الصين السياسي، فبينما حاول الصين التفاوض مع قائد الأسطول البريطاني، وقاموا بنزع الخوازق والسلاسل التي شيدوها وفتح باب التفاوض مع بريطانيا والسماح بتصدير الأفيون بميناء كانتون، ودفع غرامة 6 مليون كتعويض عن الأفيون المخزون، والتنازل عن جزيرة هونغ كونغ.

كما قامت حكومة بكين على تأدية مبلغ 21 مليون كتعويض عن مصاريف الحرب، مقابل 6 مليون عن الأفيون، حيث أجبرت بريطانيا حكومة الصين على توقيع معاهدة نانكين سنة 1843، التي تنص نهائيا على التعرفة الجمركية على البضائع، وفي عز نجاح بريطانيا في إبرام معاهدات مع الصين، تحركت الدول الأوروبية الأخرى لتحقيق أطماعها داخل الأراضي الصينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي