الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الله - عند اسبينوزا..2

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2019 / 7 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من المعلوم من كتب الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا أنه كان مُعجباً بالفيلسوف الرواقي سينيكا ، الذي رأى يوماً انّ الانسان أشبه ما يكون بكلبٍ وقد رُبطت الى عنقه عدة سلاسل ، تكون بمثابة ضرورات متنافرة ، تقوده في كل مناحي الحياة واتجاهاتها ،
ثم أضاف أن هذا الانسان كلما اسرع في اتجاه ضرورة ما ، شعر باختناق السلاسل والضرورات الأخرى وهكذا ..
من هنا جاء اقتراح اسبينوزا أنه يجب على الحكيم أن يسعى دوما لأن يفهم ماهية الأشياء ..(السلاسل ، الضرورات .. )
بمعنى آخر : لقد اعتاد الناس اذا ما أرادوا معرفة الله ان يقرؤا عنه في الكتب المقدسة ، ولكن اسبينوزا كان له رأيا آخر ، فقد رأى أن أفضل طريقة لمعرفة الله حقاً، تكون في السعي إلى فهم طريقة عمل الحياة والكون ..
أي فهم الله من خلال وسيلة إعمال العقل بالعلم والمعرفة. .
المؤمنون العاديون التقليديون يطلبون دائما هبات وعطايا من الله، بينما رأى اسبينوزا انه من الواجب فهم ما يريد الله والارتقاء الى ما يطلب ، وهذا يتم عن طريق واحد ،
وهو دراسة كل شيء بالمنطق والمعرفة ، عندئذ سيحدث الاقتراب من المنظور الإلهي الابدي .
في الحقيقة لقد ميّز اسبينوزا بين نظرتين للحياة :
أما نظرة ذاتية محدودة ضيقة ضمن الزمان .
وأما نظرة كونية شاملة و واسعة تتماهى مع الأبدية .
ورأى في مجال الأخلاق والقيم..
فقد رأى أننا نطلق كلمة سيء او شر على كل ما لا يتوافق مع رغباتنا
وكلمة جيد وخير على كل ما يفيدنا وينفعنا أو يزيد من قوتنا ..
و لكي تكون أخلاقيا - بحسب اسبينوزا - يجب عليك ان تترفع على الاهتمامات الذاتية .
لقد ابتغى اسبينوزا لفلسفته ان تحرر الانسان من إحساس الشفقة وأسى العار والخطيئة أو الشعور بالذنب وصغار الاستعفار ..
ورأى أن السعادة تكون في اتساق رغباتنا مع الكون، ومشاريع اله الكون ، ومهمتنا هي فهمها وليس شجبها ..
و الشخص الحر هو الشخص الذي يعي الضرورات التي تُخضعه وتتحكم به.
ولهذا كتب معبراً عن ذلك : "أن الشخص الحكيم الذي يسعى لأن يفهم كيفية وسبب الأمور ، ينال رضى أبدي عن النفس .."
بعد كل هذه الأفكار أصبح من الطبيعي تفهم الاضطهاد الذي تلقاه اسبينوزا من مجتمعه ومحيطه الديني والاجتماعي ،
وقد كتب ضده أحد الحاخامات مقالاً شرساً جاء فيه :
"نحن بأمر الله القدوس والملائكة نحن ننبذ ونلعن ونطرد باروخ اسبينوزا .
"بكل اللعنات المكتوبة في القانون، لتحل عليه اللعنات في الغداة والعشي ، وحين يستلقي وحين ينهض ، وحين يقبل وحين يدبر،.."
بعد هذا الإرهاب الداعشي هرب اسبينوزا الى أمستردام واضطر للتواري بعض الشيء ، وعمل في صقل العدسات ، ليعيش بضع سنين بسلام وهدوء مع أفكاره ، التي عكرها قليلا محاولة قتل فاشلة ..طعناً بالسكين ..
لم يمت من الدعاء واللعنات لكنه توفي بعد ذلك في عام 1677
وبعد اهمال طويل لاعماله ، أتى كلا من هيغل وفنتغنشتاين ليعيدا الاعتبار والالق لهذا المفكر العظيم ..
قصارى القول :
بالطبع لم يتمكن - في حينها - الفيلسوف اسبينوزا من اقناع كثير من الناس بعقيدته الجديدة ، وافكاره المختلفة كما سعى وناضل طوال عمره ،
كما لم يستطع ان يجعلهم يتخلون عن ايمانهم التقليدي ، ربما لأنه لم يدرك جيداً - كما غيره ممن سبقه من الفلاسفة - من انْ ما يقود الناس للايمان بهذه العقيدة أو تلك، ليس المنطق او العقل وحسب..
بل هناك عوامل كثيرة أخرى، لاتقل أهمية عن الأولى منها :
المشاعر والرغبات والميول والعواطف والخوف قبل أي شيء ..
ولعله لم يدرِ ، أنّ الناس يتمسكون عادة بعقائدهم ، مهما بدت خرافية ، فقط لأنها قد توفر لهم سعادة ما ، من خلال الطقوس والعادات والموائد او الأعياد او ... الخ
أخيراً : رغم كثير المنطقية والعقلانية الكبيرة التي تتمتع بها كتب اسبينوزا لكنها بقيت أفكارها أسيرة الخواص لدينا في الشرق من دارسي العلم والمعرفة ،
ومازال السواد الإنساني الأعظم يغرق في الجمود والخرافة وعقائد اللا عقل الذي أفنى اسبينوزا حياته يحارب سطوتها على الانسان وحياته ..
للحديث بقية ..

- راجع كتاب الاخلاق اسبينوزا ترجمة جلال الدين سعيد للاستزادة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و