الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفكر الذى قال لا كهنوت فى الإسلام فقتلوه

أمينة النقاش

2019 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى الثامن عشر من شهر يناير الماضى، مرت الذكرى الرابعة والثلاثون لإعدام المفكر الإسلامى الصوفى «محمود محمد طه»- 1909 -1985-الذى يعد واحدا من أبرز المجددين فى الفكر الدينى، ومن أكثرهم اهتماما بقضية تطوير التشريع الإسلامى، ليتوافق مع تطورات العصر، وبما يجعله قادرا على مواجهة المشكلات الطارئة التى تواجه المسلمين فى حياتهم المعاصرة. وربما من أجل ذلك تم إعدامه، بعد أن مثل نقيضا لحالة الدروشة الدينية التى تلبست الرئيس السودانى الأسبق «جعفر نميرى» فى آخر أيام حكمه، وقادته إلى رفض كل المناشدات الحقوقية العربية، لوقف تنفيذ حكم الإعدام فى المفكر الكبير.
وفى كتابه البديع «القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى» فند ملاحظات عابرة كان يكتبها فى مجلة صباح الخير مصطفى محمود، ثم جمعها فى كتاب تحت عنوان «القرآن محاولة لفهم عصرى». و فيه وصف الكتاب بأنه يؤرخ لتحول فى الفكر الإسلامى فى الشرق العربى، لا لأنه كما يقول « كتاب جيد» ولكن لأنه كتاب جرئ، وليست الجرأة على الخوض فى أمر من أمور الدين بمحمودة على كل حال، ولكنها إنما حمدت فى هذا المقام، لأنها تمثل ثورة على الجمود الفكرى، والعقم العاطفى الذى ضربه حول الدين، من يطيب لهم أن يسموا أنفسهم رجال دين. فقد جمد هؤلاء الدين، وحجروه، فى عصر اتسم بالسيولة، واحتشد بالحركة والحيوية والتجديد، فلم يبق سبيل إلى الانعتاق من أسر جمودهم غير الثورة، فلا كهنوت فى الإسلام.
ويشير» محمود طه» إلى أن عصور انحطاط المسلمين، هى وحدها من شهدت ظاهرة من يسمون أنفسهم رجال الدين التى تقترب من الكهنوت، وهى ظاهرة لاتزال قائمة تحت دعوى حماية الدين.وهو هنا يدعو إلى أن المسلم الحق الذى يجسد قيم الدين السامية والفاضلة هو وحده من يحمى الدين، بما ينطق به لسانه قبل لسان غيره.
وبرغم من أن المفكر محمود طه قد وصف الكتاب بأنه مجرد خواطر عابرة فجة، وينطوى على شطط الإفراط فى القول بغير علم فى أدق أمور الدين، هذا فضلا عن أن البشرية لاتحتاج إلى تفسير القرأن، بل تحتاج إلى تأويله، إلا أنه ثمن عاليا بضمير عالم، اجتهاد المؤلف، وشجاعته التى تصل إلى حد الثورة على التزمت والجمود.
فى عام 1967 أصدر محمود طه كتابه الهام «الرسالة الثانية من الإسلام». والكتاب المذكور ينطوى على رؤية شديدة الاستنارة لخدمة تطوير التشريع الإسلامى. فهو يذهب فى الكتاب إلى أن الإسلام قد جاء برسالتين، الأولى أوحى بها إلى الرسول فى المدينة وتتضمن فروع القرآن الكريم، التى يتوجه بها النص إلى المؤمنين والمنافقين، مثل «يا أيها الذين آمنوا» و «وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض» وغير ذلك. وكانت الثانية فى مكة، ويتوجه فيها النص إلى البشر جميعا فى أنحاء الكون، كما فى»يا أيها الناس» وفى « يا بنى آدم». وينتهى محمود طه إلى القول، أن التشريع الذى استند إلى الرسالة الأولى لم يعد صالحا لعالم اليوم، لأنه كان مُنَزَّلًا فى الظروف التاريخية والاجتماعية التى سادت المدينة فى القرن السابع الميلادى.
ويأتى الكتاب إلى جوهر دعوته الحداثية والتجديدية، حين يؤكد المؤلف بالبرهنة من النصوص، أن الإسلام الصحيح هو فى الآيات المكية التى تستند إلى أصول القرآن، وبها يكمن جوهر الدين الإسلامى وروحه وقيمه العاليا التى تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان ووصون حياته، و إلى الرحمة والتسامح، وإلى المساواة بين المؤمن وغير المؤمن، إلى الحرية والعدالة، ومنها ينبغى التشريع بما يتوافق مع مقضيات التطور فى القرن العشرين.
تربصت قوى من سماهم «محمود طه» بجماعات الهوس الدينى بكتبه، أفكاره وحياته نفسها ومبادئ الحزب الجمهورى الذى أسسه، وتصدى لدعوته تلك، جبهة الميثاق الإسلامى- جناح حركة الإخوان المسلمين فى السودان- بقيادة حسن الترابى، ورهط من مشايخ الأزهر فى طليعتهم شيخه أنذاك «حسن مأمون» وتم حبسه واتهامه بالردة والكفر، وهى نفس التهمة التى قادته إلى الموت شنقا، لنقده الحاد لقوانين سبتمبر التى نفذت تطبيق الحدود على السودانيين، ووصفها طه بأنها تنسب زورا إلى الشريعة، ودعا إلى إلغائها لأنها تشوه الإسلام، وتذل الشعب السودانى وتهدد وحدته الوطنية، فاقيمت محاكمة هزلية حكمت عليه بالإعدام شنقا بمبررات صاغتها حركة الإخوان السودانية بقيادة حسن الترابى.
لن يذكر التاريخ سوى فى صفحاته السوداء من قتلوه باعتبارهم من عتاة المجرمين الفاشست، لكن افكاره واجتهاداته لتجديد التشريع الإسلامى، تبقى حاضرة بقوة منهلا لداعاة الاجتهاد والتجديد فى العالم الإسلامى، وعبرة لمن يريد أن يعتبر، أن خلط الدين بالسياسة هو استبداد وفاشية دينية جلبت المقاومة الشعبية التى أطاحت بمن قتلوه، والذين يتجمع نسلهم وأنصارهم الآن فى مليونيات فى الخرطوم تطالب بتطبيق الشريعة، وفى مسعى لإجهاض دعوى الحرية والتغيير التي يتوحد حولها الشعب السودانى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام المدني لاحق على الاسلام المكي
ملحد ( 2019 / 7 / 17 - 22:27 )

اقتباس من كلامك نقلا عن كتاب محمود طه:( ويأتى الكتاب إلى جوهر دعوته الحداثية والتجديدية، حين يؤكد المؤلف بالبرهنة من النصوص، أن الإسلام الصحيح هو فى الآيات المكية التى تستند إلى أصول القرآن، وبها يكمن جوهر الدين الإسلامى وروحه وقيمه العاليا التى تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان ووصون حياته، و إلى الرحمة والتسامح، وإلى المساواة بين المؤمن وغير المؤمن، إلى الحرية والعدالة، ومنها ينبغى التشريع بما يتوافق مع مقضيات التطور فى القرن العشرين.)

تعقيب: ولكن ما اسميتيه بالاسلام المدني هو لاحق(=جاء بعد) لما اسميتيه بالاسلام المكي, فكيف يكون (كلام الله) السابق(=اسلام مكي) هو الذي يمثل اصول القران, بينما (كلام الله) اللاحق(= الذي جاء بعد السابق= اسلام مدني) لا يمثل جوهر الاسلام ???????????!!!!!!!!!!!
ملاحظة: لا اقبل اي تبرير لانه حسب الاسلام فكلام (الله) مطلق الصحة والكمال وصالح لكل زمان ومكان????!!!!!!
ما يسمى بالتاويل ليس الا ضحك على الذقون….

تحياتي

اخر الافلام

.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024


.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد


.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟




.. الرئيس السيسي يستهل زيارته للأراضي المقدسة بالصلاة في المسجد