الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان أجذير إيزوران: طقس العبور الثالث.

سعيدي المولودي

2019 / 7 / 21
المجتمع المدني


مهرجان أجذير إيزوران: طقس العبور الثالث

يوم الأربعاء 17 يوليوز 2019 أعلنت جمعية أجذير إيزوران للثقافة الأمازيغية بخنيفرا خلال لقاء إعلامي عن تنظيم الدورة الثالثة لمهرجان أجذير إيزوران والذي سينظم تحت الرعاية الملكية السامية في ما بين 23 و 27 يوليوز 2019 ويومي 17 و18 أكتوبر 2019، تخليدا للذكرى الثامنة عشرة لخطاب الملك محمد السادس التاريخي بأجذير سنة 2001، والذي تم الاعتراف فيه باللغة والثقافة الأمازيغية كمكون أساسي ومقوم بارز من مقومات الهوية الوطنية المغربية.
ويأتي تنظيم هذا المهرجان بعد النجاح الباهر الذي حققته الدورتان السابقتان سنة 2016 و 2018 اللتان رسختا أبعادا جديدة ومنظورا مغايرا لمقاربة قضايا الثقافة الأمازيغية وتداعياتها المختلفة، والشعارات التي اعتمدت لتوجيه مواد ومراحل وطقوس المهرجان خلال الدورتين: "معا لتثمين التراث الأمازيغي" في الدورة الأولى، و"الفعل الثقافي الأمازيغي دعامة أساسية لتنمية المناطق الجبلية" في الدورة الثانية تحمل في العمق معالم دلالية تصب في مسعى التسلح باليقظة والإدراك الواعي وإثارة الانتباه إلى الإشكالات الحقيقية التي تواجه الثقافة الأمازيغية ورهاناتها الاجتماعية والثقافية والسياسية.
والشعار الذي اختير لهذه الدورة الثالثة:" التراث اللامادي الأمازيغي رافعة لاستدامة التنمية" امتداد عملي وفعلي لها، ويواصل طرح إمكانيات وبسط آليات التعرف على الثقافة الأمازيغية ومكوناتها المتعددة. فالالتفات إلى التراث اللامادي الأمازيغي والبحث عن الوسائل والطرق الممكنة والناجعة لصونه والحفاظ عليه وتطوير آليات ديناميته واستمراريته يطرح نفسه بإلحاح، لأنه يحتل المرتبة الأولى في الأهمية بالنسبة للنهوض بالثقافة الأمازيغية وقيمها وخبراتها ومعارفها الكبرى، وهو على درجة عظيمة من الفاعلية لتوجيه الممارسات والعمليات الاجتماعية المرتبطة بالسلوك لدى الإنسان الأمازيغي. وثمة اعتقاد خاطئ يسود لدى أوساط عديدة يرى الأنماط الثقافية التي يشملها أو يحتويها التراث اللامادي غير ذات جدوى ولا تعدو أن تكون مجرد شكل عابر لموروثات اجتماعية عابرة، والحقيقة أن هذه الأنماط بكل تنويعاتها تضطلع بدور مركزي في بناء المنظومة الثقافية والمعرفية لأي مجتمع ضمن الاشتراطات والمواصفات الحضارية الخاصة به.
وقد حددت منظمة اليونسكو (2003) كما هو معلوم عناصر التراث الثقافي اللامادي في هذه العناصر: التقاليد وأشكال التعبير الشفهية بما فيها اللغة كأداة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي، وفنون الأداء، والممارسات والطقوس والاحتفالات الجماعية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية، وهي عناصر تندرج جميعها في بناء الهوية الخاصة وترسخ الإحساس بالانتماء إلى مجموعة ثقافية معينة، ولا تتجسد أهميتها في مظهرها الثقافي فحسب وإنما كذلك في الخبرات والمعارف والمهارات والكفايات المتعددة التي تتوارثها الأجيال، وتبدو واجهة لإنجاز غايات محددة، والتراث الثقافي اللامادي الأمازيغي غني لدرجة الامتلاء ويشمل ذخائر وكنوزا معرفية وثقافية متنوعة، تشكل المصدر الدائم للتصورات المتميزة حيال العالم والذات والعلاقات بينهما، وتنهض بوظائف ثقافية يمكن من خلالها منح التجارب الفكرية والأخلاقية والعاطفية والعملية معنى أوسع يوجه رؤية العالم لدى الإنسان الأمازيغي. فالعادات والتقاليد والطقوس والمعتقدات والممارسات الشعبية والاحتفالات والمهن والحرف والألعاب والحكم والأمثال والأحاجي والحكايات الشعبية والأشعار المتداولة شفهيا وأشكال الغناء والموسيقى والرقص.. هي معالم ثقافية تمثل طريقة وأسلوب حياة، ولاعتبارات شتى تظل مهددة مع مرور الوقت بالاندثار والانقراض، الأمر الذي يفرض التفكير باستعجال في اتخاذ ووضع التدابير الكفيلة بضمان استمراريتها وفعاليتها ، وتعزيز دورها في بناء التماسك والوجود الاجتماعي، وإبراز دورها في خضم التفاعلات والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، لتلعب دورها في ضمان التنمية المستدامة وتطوير أسبابها وعناصرها.
والواقع أن جمعية أجذير إيزوران للثقافة الأمازيغية لا توظف هذه الشعارات بشكل اعتباطي أو من باب الإثارة والاستهلاك، فهي حاملة لمشروع ثقافي طموح يهدف إلى إبراز ثراء الثقافة الأمازيغية والعمل عل تعزيز قيمها الاجتماعية والحضارية والتحريض على حماية وإحياء ظواهرها ومظاهرها ومواجهة كل محاولات تشويهها أو فصلها عن حياة الإنسان الأمازيغي وهويته ومشاعره وإحساساته الكلية والوجودية.
وبكل أسف فإن كثيرا من الانطباعات الانفعالية السامَّة تشوش على أهداف المهرجان وغاياته، وعلى الطابع الدينامي الذي تحاول الجمعية أن تضفيه على كثير من خطواتها ومبادراتها الهادئة من أجل خدمة الثقافة الأمازيغية والإسهام في تعزيز مقوماتها الحضارية بوجه عام، ولذلك تروِّج هذه الانطباعات المحبَطة لثقافة سوداء تجرد كل التراث الثقافي الأمازيغي غير المادي من كل قيمة موضوعية، فالرقص والغناء والإنشاد وكل الطقوس المصاحبة إن هي إلا مظاهر أو ظواهر أو ممارسات تافهة لا مغزى لها، وهذه الرؤية في جوهرها لا عقلانية تماما وغير موضوعية وتعكس في الغالب رواسب ثقافة عدائية للفنون قد تكون مرجعيتها المعتقدات أو الاختيارات الأيديولوجية الدينية المتخلفة و المنغلقة التي تراهن على فصل الإنسان الأمازيغي عن أحاسيسه وتمنعه أن يكون ذاته، وتصادر حقه في الاستمتاع بروعة العالم ونعمة هبة الجمال.
إن الموسيقى والرقص والغناء هي أصوات أزلية كامنة في حياة الإنسان الأمازيغي وهي تعبير عن شيء ما في تاريخه، وجزء من متضمنات الشروط الاجتماعية والثقافية والروحية التي تؤسس وجوده، وصوت وإيقاع الجسد والروح منه، وبمعنى آخر هي تلك القوة العاتية التي تقوده لمواجهة العالم المحيط به، وتفسح له المجال للاحتماء به والانتماء إليه، وتخترق وجوده بالطريقة الأكثر فعالية، ومن غير المنطقي أن نتجاهلها أو نصرف النظر عنها لتضيع وتتلاشى وتغمرها عوادي النسيان.
من جانب آخر فإن مهرجان أجذير إيزوران في دورته الثالثة، على الأقل في تقديرنا الخاص، وضع نفسه في صلب تجريب غير محسوب العواقب فيه الكثير من مظاهر المجازفة والمخاطرة، إذ تم توزيع مواده على فترتين زمنيتين متباعدتين الأولى منهما في شهر يوليوز والثانية في شهر أكتوبر (2019) وهو إجراء يحمل العديد من المؤشرات التي يمكن أن تسهم في تقويض المهرجان وتهجين فعالياته، وتحويل اتجاهه نحو غايات مبهمة، واستثمار إشعاعه خارج المنظور العام الذي انبنى عليه منذ انطلاقه، ومن ثمة التشويش على معالمه المميزة له ليتحول إلى طقس للادعاء والتظاهر. ولذلك فإن تجزئ وتشتيت لحمة المهرجان يخرج به عن معناه المعتاد، إذ نجد أنفسنا عمليا أمام مهرجانين وليس مهرجانا واحدا، إضافة إلى أن العملية في حد ذاتها تحمل ضمنيا "إساءة" بمعنى من المعاني إلى تاريخ 17 أكتوبر الذي ارتبط به المهرجان في دورتيه الأولى والثانية، باعتبار الدلالة والقيمة الرمزية والتاريخية والثقافية التي يجسدها هذا اليوم في تاريخ الثقافة الأمازيغية. ونأمل أن يتم التغلب على كل الإكراهات التي يفرضها هذا الخيار، خاصة وأنه يحمل في طياته الكثير من عوامل استنزاف طاقات المهرجان والجمعية وإمكانياتهما.
وسيشهد المهرجان لقاءين فكريين متميزين أولهما سينعقد أيام 26 و 27 يوليوز 2019 حول موضوع " تثمين الذاكرة التاريخية وتنمية اقتصاد الجبل: الأطلس المتوسط نموذجا" بشراكة مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ويتوزعه محوران أساسيان: الذاكرة التاريخية التي ستنصب موضوعاتها على استنطاق الذاكرة الجماعية للأطلس المتوسط عبر تاريخه العريق وأدواره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بينما المحور الثاني يهم اقتصاديات الجبل وستتناول موضوعاته الإشكالات المتعلقة باستراتيجيات تنمية الجبل ضمن الشروط والمتطلبات العامة للتنمية المستدامة، وهو امتداد واستكمال على ما يبدو لموضوعات: الجبل الأمازيغي: التاريخ، الثقافة ورهانات التنمية التي تمت معالجتها في الدورة الثانية للمهرجان.
أما اللقاء الفكري الثاني فسيعقد يومي 17 و18 أكتوبر 2019، ويضم في الواقع لقاءين أولهما هو الملتقى الأول للشعر الأمازيغي، والثاني حول موضوع : أَمَانْ (الماء) في الثقافة الأمازيغية، بشراكة وتعاون مع مجموعة من الهيئات والمؤسسات التي لها علاقة بالموضوع.
وبكل تأكيد فإن هذه الموضوعات في مجموعها تسائل واقع الحياة اليومية لدى الإنسان الأمازيغي وتتوخى تعميق الاهتمام بالتجليات المختلفة للثقافة الأمازيغية بالأطلس المتوسط، وهي تعكس بكل وضوح الإطار العملي لحرص جمعية أجذير إيزوران للثقافة الأمازيغية على الوفاء بالتزامها الصارم بمشرعها الثقافي الشامل الهادف إلى ترسيخ وعي عقلاني وموضوعي بقضايا الثقافة الأمازيغية ونداءاتها الكامنة في أعماق الذاكرة الجمعية للإنسان الأمازيغي.
وفي الختام لا يسعنا إلا التشديد على أن مهرجان أجذير إيزوران ليس مسؤولا عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الرهيب والمرعب الذي يعرفه الأطلس المتوسط وإقليم خنيفرة بالذات، وليس مسؤولا عن صناعة النخب السياسية التي تتولى تدبير شؤون الإقليم على كافة المستويات، وهو على الدوام يطمح أن يكون رفيع الأداء، وينقلنا إلى صميم الاشتغال بالقضايا الاساسية الملحة في الثقافة الأمازيغية بمختلف تجلياتها، وتطوير مستويات الوعي بإشكالاتها المتباينة، ويرفض أية تشويهات سخيفة لغاياته وأهدافه.وعلى الرغم من قوة الإكراهات وحدة المعيقات فإنه يشق الطرق الأكثر مسؤولية لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها الثقافة الأمازيغية في كل المجالات، وبهذا العبور الثالث يضع الأشياء في حقيقتها أو يقترب من ذلك ويبحث عن نوع من يقينها الغائب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف