الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام و العلمانية ( الماء و الزيت )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2019 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما نقول الاسلام و العلمانية كأننا نقول الماء و الزيت ، يختلف هذين المفهومين بعضهما عن البعض الاخر حد التصادم ، و المقصود به التصادم بالمفاهيم. يقول اولفييه روى : ( ان العلاقة بين الإسلام والهوية العلمانية للغرب قد أضحت علاقة جدلية تصادمية إلى أبعد حد ) ، و هو امر طبيعي جدا اذا اخذنا بنظر الاعتبار جذور الانتماء الحضاري لهما ، و تأثيرهما على مجموع الاتباع لكل منهما . فلو بدأنا بالاسلام و امتداده التاريخي الى مرحلة البداوة ، و ما تحمله من كم هائل من القيم البدائية ، مكسوة بدثار سميك من القداسة الالاهية ، التي لا تقبل التغيير و الزحزحة من مكانها الى مكان اخر ، تتقارب فيه او تتوائم مع ما سيستجد من تطور حتمي قد تسوقه الحضارة الحديثة ، و يستمر الاسلام بحركته السلحفاتيه و هو مشرنق نفسه بجدار صلب من الرفض لاي تاثير لما يسميه ثوابت قد يأتي من هنا او هناك اثناء ذلك المسير الطويل .. فالاسلام دين ثابت موحا غير متحرك محكوم بقوالب جامدة ترفض اي نقد ، او مطالبة بتغيير او حتى تخفيف بعض الغلو الموجود في بعض نصوصه ، دون مراعات او ادنى اهتمام لحركة التاريخ الحتمية نحو التطور و التغيير . من ناحية اخرى ، ظهرت العلمانية كرد فعل لحركة الدين المسيحي الفاعلة و تغلغلها في كل مفاصل الحياة في اوربا و تحكمها في شؤونهم الحياتية حتى العادية منها ( كانت قوانين الكنيسة و تشريعاتها القانون النافذ و يمتد تاثيرها الى السلطات القضائية و حياة الشعوب في جميع انحاء اوربا ) اذ كانت من اقوى المؤسسات المؤثرة في الحياة العامة بما في ذلك التعليم و الزواج و الميراث … الخ . وعلى الصعيد السياسي كان للكنيسة ايضا سيطرة مؤثرة في المجتمع الغربي . ( انتقد مارتن لوثر الفساد في الكنيسة الكاثوليكية و في مقدمة ما انتقد قضية صكوك الغفران و شراء بعض المناصب العليا في الكنيسة و المحسوبية اضافة الى ظهور ما يشبه عوائل مالكة تحتفظ بالكرسي الرسولي مثل ال بورجيا ) ، ولم تتبلور العلمانية بشكلها الحالي الا في القرن السابع عشر على يد الفيلسوف اسبينوزا . ان العلمانيةلا تعتبر شئ جامد بل قابل للتحديث والتكييف حسب ظروف الدول التي تتبناها ، فهي ترفض اعتماد الشرائع الدينية كمصدر للحكم ، و لاتعادي الدين بقدر ما تقف بالحياد منه . بالعكس نرى الدول العلمانية تسمح بممارسة الاقليات الدينية طقوسها و بناء دور عبادتها ، وفي فرنسا مثلا ، مهد العلمانية ، يمارس المسلم كل حقوقه الدينية دون تمييز بمساعدة و تاييد من اليسار الفرنسي ، الذي يعيب على اليمين تطرفة و تضييقه على هذه الممارسات ، لكن الاحداث الارهابية الاخيرة التي حدثت في فرنسا و غيرها من الدول الاوربية دفعت ببعض اعضاء اليسار الى التحول الى اليمين و اصبحوا اكثر تطرفا حتى من اعضاء اليمين نفسه . يظهر اليمين الفرنسي تخوفه من خطورة ما يسمى بالاسلام المهاجر و الذي يرفض فكرة الاندماج و يصر على ما يستجلبه معه من افكار قد لا تروق للكثيرين في فرنسا ، كتاييده و قناعته بعدالة القضية الفلسطينية ، و تمسكه بالمظهر الكاشف للهوية الاسلامية كالحجاب و اللحية . كما يعلن اليمين تخوفه ايضا من الاسلام الراديكالي و ما يمكن ان يشكله من خطورة على قيم الجمهورية الفرنسية . و من ناحية اخرى ، فالمسلمون يصورون العلمانية على انها ضد الدين و تخلو من الضوابط الاخلاقية و انها تدعو الى فصل الدين عن الدولة ، و ابقاء الدين محصورا بالعباداة دون المعاملات ، التي تدخل فيها الشريعة الاسلامية كمصدر وحيد للتشريع . و على هذا الاساس ، خرج عدد من الفتاوى والقرارات الفقهية التي حكمت على العلمانية بالكفر الصريح والخروج التام عن الدين وأنها وصيف الإلحاد، ومن ذلك ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بجده في دورته الحادية عشرة ما نصه: «إن العلمانية نظام وضعيّ يقومُ على أساسٍ من الإلحادِ يُناقض الإسلامَ في جملته وتفصيله، وتلتقي مع الصهيونية العالمية والدّعوات الإباحيّة والهدّامة، لهذا فهِي مذهب إلحاديّ يأباه الله ورسوله والمؤمنون».يظهر من تلك الأحكام القاطعة أن الرأي الشرعي يكاد يجزم بكفر العلمانية، وإن كانت هناك آراء فقهية تفصّل في الحكم عليها، كما أن هناك من يرى خطأ تكفيرها، لكن الصوت السلفي هو الأعلى في بيان حكم كفرها، وغالب من يكفر العلمانية يعتمد على أصلين كونها تمنع الشريعة من التطبيق ، وتنازع الله في حاكميته . اذن من خلال ما تقدم نرى مدى التباعد الحاد و شبه الطلاق بين الاسلام و العلمانية . فالمسلمون يكفرونها لكنهم لا يمانعون من التمتع بانجازاتها العلمية و التقنية الهائلة ، و يتهافتون للهجرة الى بلاد الكفر هذه للتمتع بمساحة الحرية الواسعة قياسا بما يلقونه من قمع بكل اشكاله في بلدانهم الاسلامية . هذا ما نقصده عندما نقول بأن الاسلام دين محكوم بنصوص سماوية موحا بها تعاند التغيير بل ترفضه جملة و تفصيلا . ان فكرة فصل الدين عن الدولة ليست بتلك الخطورة التي يصورها السلفيون ، بل انها قد تاتي لصالح الدين و الدولة ، نرى على سبيل المثال ، ان الهند المتعددة الاعراق و الاديان نجحت فيها تجربة الدولة المدنية العلمانية بامتياز و اصبحت دولة قوية ، متماسكة و من الاقتصادات الواعدة . ويجمع المراقبون على أن الهند تدين بتماسكها الاجتماعي الى العلمانية التي دافع عنها نهرو وغاندي، أبوا الاستقلال ، والتي ترسخت في الدستور . نلاحظ في ذروة التطرف الإسلامي حول العالم، أظهرت الهند، الديمقراطية العريقة، مناعة لافتة حيال تأثير داعش وأخواته ، في ظاهرة تعود أساساً إلى تقليد طويل من التوافق بين المعتقدات الدينية في هذه البلاد الشاسعة، وتوليفة غالباً ما وصفت بأنها "عبقرية" لإدارة التنوّع في إطار الديمقراطية . اذن فالدول ذات التعددية العرقية و الطائفية قد تكون العلمانية حلا لمشاكلها مثل لبنان و العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل تشريع ينسب الى الله تجاوزاً.
أكرم فاضل ( 2019 / 7 / 23 - 16:01 )
ومن ذلك ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بجده في دورته الحادية عشرة ما نصه: «إن العلمانية نظام وضعيّ يقومُ على أساسٍ من الإلحادِ يُناقض الإسلامَ في جملته وتفصيله، وتلتقي مع الصهيونية العالمية والدّعوات الإباحيّة والهدّامة، لهذا فهِي مذهب إلحاديّ يأباه الله ورسوله والمؤمنون».يظهر من تلك الأحكام القاطعة أن الرأي الشرعي يكاد يجزم بكفر العلمانية.

يأباه الله والرسول والمؤمنون؟؟؟ أذا كان الرسول والمؤمنون يأبون العلمانية فأين قال الله أنه يأباها؟؟؟


2 - اذا كان مفهوم العلماني العلم
عبد الحكيم عثمان ( 2019 / 7 / 23 - 18:21 )
العلاقة بين الاسلام والعلمانية علاقة توافق ان كان مفهوم العلمانية العلم والتطور التكنولوجي اما ان كان مفهومها الكفر والاباحية فعلاقة الاسلام معها فعلا كعلاقة الزيت والماء

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض