الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [2]

إبراهيم جركس

2019 / 7 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [2]

[7]
هناك عشر سمات ومشاغل وجودية شائعة مشتركة بين جميع الوجوديين، وتظهر في جميع أعمالهم وكتاباتهم مراراً وتكراراً، في أعمالهم الفلسفية، إلى جانب الأفلام، والفنون، هي:

1] العَبَث/المُحال: بالنسبة للوجوديين، الحياة عَبَثية، لا معنى لها، وغير مُجدية، ولا غاية تُرجى منها، لكنّ البشر بحاجة لإضفاء المعنى عليها، أن يكون للحياة معنى وهدف.
2] رفض كافة أساليب إضفاء المعنى: لا يكتفي الوجوديون بالقول أنّ الحياة عبثية وتخلو من كل معنى، بل يؤكّدون باستمرار أنّ أساليب إضفاء المعنى كالفلسفة والدين والعلم فشلت في إضفاء أي معنى على الحياة والوجود.
3] الاغتراب: يعني الشعور بأنك غريب عن حياتك الخاصة، غريب في هذا العالم الموحِش واللامبالي.
4] القلق: يعني الشعور بالخيبة والتوتر الذي ستشعر بهما عندما تدرك بأنّ بلامبالاة العالم وعبثية الحياة وتفاهتها.
5] الهجران: يعني الشعور بالوحدة والهجران الذي ينتابك عندما تدرك أنّ وحيد في هذا العالم الغريب، وأنّه ليس بمقدور أحد مساعدتك كي تشعر بوجودك وكينونتك.
6] المسؤولية: كلنا يحمل على كاهله مسؤولية. جميعنا تثقله المسؤوليات. لم يسلّمنا أحد كتيّب لكي نعيش حياتنا بالوجه الأمثل، لذا علينا تحمّل مسؤولية خياراتنا والطريقة التي نختارها كي نعيش حياتنا ونضفي معنىً شخصياً خاصاً بنا عليها.
7] الأصالة: الناس يريدون العيش بأصالة، أي أن يعيشوا حياتهم بطريقة تتناغم مع حقيقتهم كبشر يعيشون في عالم موحِش ولا مبالٍ بهم.
8] الفردانية: أهم جزء في عملية تطوير حياة وجودية أصيلة ومُرضية يتمثّل في التفرّد أو الفَرادة. إنّ العقل، والعلم، والأنساق الأخرى تسعى لتغطية وتزيين عبثية الحياة تنزع منّا فردانيتنا وتقوّض أصالتنا.
9] الشغف/الارتباط: كوننا نمتلك شغفاً تجاه شيء ما أو ارتباط بشيء ما جانب محوري آخر لعيش حياة أصيلة وحقيقية، والتي تتعرض لهجوم من نفس القوى التي تسعى لتقويض فردانيتنا.
10] الموت: وهو السياق النهائي والإطار الأقصى لجميع الأفعال الإنسانية، المصدر الأكبر لعبثية الحياة وتفاهتها.

==============================
[8]
# لماذا سُمّيَت الوجودية بـ"الوجودية"؟
إنّ وجود تعريف أكثر تحديداً وتفصيلاً للوجودية يوضّح لنا سبب تسميتها بذلك. الوجودية تعني دراسة الوجود. إذ كنتَ تعني تعني بالوجود كل ما هو موجود _كالكراسي والطاولات، الناس والجِمال والأحصنة والأشجار_ فكافة الفلسفات والعلوم والأديان تبحث في نفس الموضوع. ولكنّ الوجودية ليست دراسة كل ما هو موجود، بل هي دراسة "الوجود" بذاته _دراسة "معنى" وجود الشيء مقابل عَدَمَ وجوده. كما أنّه دراسة معنى وجود الشيء بدلاً من لاشيء. طبعاً الموضوع الأساسي للفلسفة الوجودية نوع معيّن من الوجود، نفس نوع الوجود الذي يتضمّن وجود اشياء كالإنسان مثلاً، لأنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يدرك وجوده ويعي كينونته.

==================================
[9]
# موقع الوجودية في تاريخ الفلسفة:
كانت الفلسفة في العالم القديم تُعنى بدراسة كل شيء يمكن دراسته بالعالم. أمّا التخصّص بالدراسة فلم يكن موجوداً حينذاك. وهذا ما مَنَحَ الفلسفة منظوراً أوسع للأمور، ولم يكن هناك شيء خارج نطاق عدستها. وكانت الأسئلة المتعلقة بمكانة الإنسان في الكون والمغزى من الحياة وتناولها الفلاسفة الأوائل بإسهاب. من أبيقور، الذي نادى بالسعي وراء السعادة واللذة الفكرية، إلى أرسطو طاليس الذي دافع عن السعي لتحصيل الفلسفة، وحاولا تحديد ما يميّز الحياة الجيدة والمليئة عن الحياة السيئة والتعيسة، وكيفية تحصيلها.
انشغل كلٌ من سقراط وأفلاطون، وهما من كبار الفلاسفة المبكرين، بالأخص بكيفية قضاء الإنسان لحياته وطريقة عيشه. فبالنسبة لهما كانت المسألة في الأساس مسألة أخلاقية وروحية. فقد رأى أفلاطون العدالة بوصفها النظام الصحيح والحقيقي للنفس وشبّه الفيلسوف بالطبيب الذي يهتم بصحة الروح وسلامتها. فالفلسفة حسب رأيه كانت نشاطاً براغماتياً بامتياز يهدف لحسين نوعية الحياة والوجود.
ومع تطور الفلسفة والمجتمع، تغيّر هذا التوجّه تماماً. فخلال القرون، كان النزوع العام في الفلسفة ينحو باتجاه التخصّص والتجريد أكثر وأكثر . وبعد أنّ أصبح السير إسحق نيوتن الشغل الشاغل وأصبح نموذج النموذج السائد في مختلف المجالات المعرفية، اتجهت الفلسفة نحو الطابع العلمي أكثر. أمّا التساؤل عن معنى الحياة وسلامة النفس فقد أفسح المجال أمام مسائل أكثر تقنية وعلمية، واختفى من مختلف مجالات الحياة اليومية. حتى مجال الأخلاق أصبح مجالاً ضيقاً مقتصراً على التفريق بين الخطأ والصواب، بدلاً من تقرير ما يجعل الحياة ذات قيمة ومعنى وجديرة بأن تعاش.
هنا، في هذه المرحلة، ظهرت الفلسفة الوجودية على الحلبة، ومن هنا نفهم لماذا كان يُنظَر إلى الوجوديين بصفتهم نقلة نوعية من الفكر الفلسفي الذي كان سائداً إلى نوع جديد من النماذج الفكرية الفلسفية. وأعتقد أنّ الوجودية، بطرق شتى، تمثّل عودة إلى الجذور الأصلية للفلسفة، عودة إلى المشاغل الأساسية الأصلية المتعلّقة بنوعية الحياة والطريقة التي ينبغي أن نحيا وفقها، وسلامة النفس. ومع أنّ أغلب الوجوديين لن يتقبّلوا فكرة وجود الروح أو النفس الماورائية بالمعنى الأفلاطوني، إلا أنهم كانوا يهتمون بسلامة جميع الأمور والمفاهيم المتعلقة بالروح والنفس، كالإرادة، والحيوية، والمتعة، والقوّة العقلية.


يتبع.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل