الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التغيير والفضيلة

ميشيل نجيب
كاتب نقدى

(Michael Nagib)

2019 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Michael Nagib

التغيير قبل أن يكون عملاً وممارسة على أرض الواقع، هو ثقافة عصر جديد تحدد لنا كيفية التغيير والأساليب الفعالة التى تقودنا نحو الهدف الذى ينشده الجميع من وراء هذا التغيير، وحتى نكون على ثقة من نجاح مشروع التغيير، يجب على أفراد المجتمع أن يكونوا على بيَنة من وضعهم المتخلف عن باقى الأمم وعن العصر نفسه، وعليهم إمتلاك الرغبة فى إحداث التغيير وليس أمامهم طرق آخرى لتغيير أحوالهم، فالشعور بالمشكلة هو أول خطوة على طريق العمل الناجح.

لكن المعضلة الكبيرة هى أن ذلك يعتبر من المستحيلات فى مجتمعات أفرادها لا يفكرون بأنفسهم أى بعقولهم، بل تركوا فضيلة التفكير للآلهة ولرجالهم وعلماء دينهم المقدسين، حيث الثبات على ثقافة الآلهة وتراثها هى الثقافة التى تقودهم إلى الفضائل والأعمال الصالحة وتشجعهم فى الثبات على الإيمان بإلههم، والعمل على تنفيذ إرادة الله والدعاء بأن يأتيهم رزقهم وهو القادر على كل شئ، هنا تبدأ عملية الصراع الحقيقى بين الدين والدنيا، بين الله والإنسان، بين ثقافة التغيير الإنسانى وبين ثقافة الفضيلة الدينية، ثقافة التغيير يحتاج إليها الإنسان ليتعلم إيجاد حلول لمشاكله اليومية وتغيير الواقع الذى تلبسته الشيخوخة وعلامات العصور الوسطى.

ثقافة التغيير لا بد أن يؤمن بها الأفراد والجماعات بمختلف طوائفهم وأتجاهاتهم، وإلا لن يكون هناك إمكانية القدرة على إيجاد حلول للأزمات التى لا تنتهى من نقص الغذاء والدواء، ونقص فرص العمل وأنتشار البطالة وعدم وجود مجالات العمل الحقيقية التى تحتاج تأهيل الشباب على وظائف جديدة تبنى الوطن، ويكون لها عوائد مستقبلية فى مراحل التنمية الأقتصادية التى يخطط لها، لكن رجال الإعلام والثقافة بدلاً من المساهمة فى حملات التوعية وتشجيع ثقافة التغيير لمستقبل أفضل، يحدث العكس وكأنهم يتجاهلون عن عمد ذلك فى وسائل الأتصال المختلفة التى تمتلئ بثقافة الفضيلة التى تشجع الأفراد على التمسك بوعود الله، وأنتظار تنفيذ إرادة الله ومشيئته للمؤمنين به.

الحالة الثقافية التى يعيشها المثقفين العرب هى حالة ضبابية لا ترى فيها ثقافات واقعية متجانسة مع واقعنا العتيق الذى أكل عليه الدهر وشرب، والنتيجة أن أجيالنا الحاضرة تعتبر القراءة أو أقتناء كتاب رفاهية لا تسمح بها ميزانيته المالية، والناتج الطبيعى هو تخلف وفقر وركود وتصحر ثقافى، يحد من قدرة الشباب على الإبداع وإكتساب خبرات جديدة للتغلب على الواقع المزرى الذى ساهم فى صنعه الحكام والحكومات بسياساتهم التى تعمل فى المحافظة على الحكم، والتصحر الثقافى يقابله دائماً إنتعاش لثقافة الفضيلة التى تدعو أفراد المجتمع فى العودة إلى الدين.

والواقع التعيس يؤكد لنا أن الدين لا يستطيع أن يعطينا حلول وإجابات منطقية على مشاكلنا فى عصرنا الحاضر، وبكل بساطة لأن الدين ما هو إلا أعتقاد فيما هو مكتوب فى كتاب يقدسونه ويعبدون وينفذون ما جاء به من أوامر إلههم، الدين هو مجرد ميراث تاريخى لا يوجد به حلولاً سحرية لمشاكلنا الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، وثقافة الفضيلة الدينية لا تملك علاجاً لأمراضنا المستعصية، لأننا تحت تأثير العاطفة الدينية نتمسك بأمراضنا ومشاكلنا ولا نريد الأعتراف بأن الدين ليس الحل وليست النوايا الحسنة طريقاً واقعياً للحل والعلاج الحقيقى.

لا توجد أسباباً تجعل الإنسان العاقل يؤمن ويعتقد أنه كلما زاد تمسكاً بالدين وزاد فى ممارسة صلواته وعباداته ودعواته بأن يعم الخير والنعم بيوت المؤمنين ويحل الخراب والفقر بيوت الكافرين!!
التمسك بالدين ليس هو عصا موسى التى تتغلب على الكفار بينما إهمال الدين يجلب الفقر والبطالة والأزمات الأقتصادية، وخير دليل على ذلك أنه تحت ضغط الجماعات الإسلامية وخاصة الأخوان المسلمين، قام الرجال بإطالة لحاهم وتحجبت غالبية نساء مصر المسلمات وأمتلئت المساجد الساحات بالمصلين، ومع مظاهر هذا التمسك بالدين رأينا تفاقم المشاكل وإزدياد إرتفاع الإسعار وبصورة يومية، والنقص الشديد فى الكثير من المواد الإستهلاكية الحيوية.

ومع ذلك لم يرتفع صوت مواطن أعتراضاً أو أحتجاجاً على الله لأنه لم يسمع دعواته ولم يستجيب لها، وأنه تجاهله وهو يمارس صلواته اليومية ويجتهد فى عبادته، وكما أن المواطنين لم يحتجوا على الله كذلك لم يستطيع المواطنين الأحتجاج على الحكومة والنظام الحاكم، لأن ثقافة الفضيلة الدينية تأمر المؤمنين بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه حتى وإن ظلم!

هل كل هذا يعنى أن المجتمع وأفراده فى أزمة لا يعرف الخروج منها؟ هل لجوء المواطن إلى الدين هو علامة كبيرة على أنه يعانى من أزمة حقيقية؟ نعم, إن غياب ثقافة وفكر التغيير الإنسانى خلق فى المجتمعات فراغ وفوضى مستمرة، لن يزيلها إلا أن تعود الأمور إلى نصابها ويرجع الإنسان إلى مزاولة ثقافته الإنسانية التى تواكب العصر وتغيراته السريعة.

ما لم يتحرر المجتمع من ثقافة الخنوع والسمع والطاعة للحكام المستبدين منتظرين الله ليخلصهم منهم، سيستمرون على ثقافة التراث الموروث وسط تشجيع رجال الدين الموالين للسلطة، ملوحين لمن يعصى بالجحيم والنار الأبدية أو قبول هذا التراث وعدم المساس به أو تغييره ليدخلهم الله الجنة، لانه ليس فى الإمكان أبدع مما كان!!

فالتخلف الحضارى الذى تعيشه المجتمعات العربية ومصر خاصةً نابع من توقف العقل عن العمل والتفكير، وأكتفوا بثقافة الفضيلة التى تصيب عقولهم بالشلل لأنها ترهبهم فكرياً خوفاً من الوقوع فى المحظور الذى حذرهم منه رجال الدين، بألا يشكوا فى كلام الله وعصيان مشيئته وإرادته ويتحولوا من مؤمنين إلى أعداء الله، حتى لا يكون مصيرهم فى نار جهنم حيث الظلمة الخارجية وهناك يكون البكاء وصرير الأسنان والعذاب الأبدى الذى أعده الله للعصاة والطغاة وغير المؤمنين به!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال