الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وباء الوحدة

أشرف محمد نجيب عبد اللطيف

2019 / 7 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وباء الوحدة

أشرف مُحمَّد نَجيب عبد اللطيف

إن الشعور بالوحدة أمرٌ بالغُ الخطورة في حياة الإنسان ، فمن عواقب الوحدة أنك من السهل ألا تتمكّن من وزن الأمور علي قدرها الصحيح ، فبدون شخص يُطمئنك أو يَمنحك الفرصة لتتحدث عما يُضايقك ستتفاقم لديك المخاوف الصغيرة وتبدو أكبر مما هي عليه بالفعل ، وذكرت الكاتبة الرائعة "ليندا بلير" في كتابها الشيق " كلام في الصميم " أنه من السهل عندما تكون وحيدًا أن تتخذ أنماطًا ثابتة من السلوك ، وقد تصبح العادات السيئة مترسخة تمامًا وستشعر بعد ذلك أنه من الصعب عليك التخلص من هذه العادات" ، وذهب " كيفين سكنر " في كتابه عن الإدمان إلي أبعد من ذلك إذ أشار إلي أن العزلة الاجتماعية قد تؤثر علي الصحة العقلية ، وأكد أن هناك عددٌ محددٌ من الاتصالات الاجتماعية يجب علي الفرد أن يقوم بها أسبوعيًا كي يبقي سليمًا ، وأضاف أنه إذا لم يقم الإنسان بالتواصل مع سبعة أشخاص على الأقل فهذا الإنسان يُخاطر بالإصابة بمرض عقلي. إن الصحة النفسية هي التمركز حول الآخر ، والاضطراب النفسي هو التمركز حول الذات " علي حد قول د. أحمد عكاشه. وتشير الأبحاث في علم النفس العصبي أن موادً كيمائيةً تُفرز في الجسم في حال التقارب من الآخرين تسمي " الأوكسيتوسين" Oxytocin تُقلل من معدل وقوع أمراض القلب والأوعية الدموية ، في حين أن العزلة تثبط هذه الآلية الدفاعية الطبيعية . ولا يغيب الهدي النبوي عن هذه القضية فيوصينا رسولنا الكريم بأن " المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر علي أذاهم أحب إلي الله من المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر علي أذاهم" ، وجاءت الآية الكريمة في سورة آل عمران لتؤكد هذا المعني " الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {134} ، وهي آية كريمة تحمل دلالة واضحة أن الأصل هو الاختلاط بين الناس علي الرغم ما يلاقيه الإنسان من غيظ ، بل يجب علي الإنسان أحيانا العفو والتسامح والتعايش مع الناس ، وعليه في أحيان أخري دفع الأذى والضرر ومحاربة الباطل كما جاء في قوله تعالي في سورة البقرة " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ {251}.
ولقضية الوحدة النفسية خصوصية لدي كبار السن ؛ إذ تتسم حياتهم في آواخر أيامهم بالانسحاب الكامل من أنشطة مجري الحياة ؛ ولذلك أثر بالغ علي قدراتهم المعرفية ، وتشير نتائج الأبحاث المعرفية التي أوردتها سوزان غرينفلد في كتابها الرائع " تغير العقل" إلي أن المشاركة الأكبر في الأنشطة الفكرية والاجتماعية ترتبط بتدهور معرفي أقل . ويبدو أن نمط الحياة النشطة عقليا قد يقي من التدهور المعرفي عن طريق زيادة كثافة المشابك العصبية وبالتالي تحسين فعالية التواصل بين الخلايا العصبية السليمة ، والعكس ؛ فإذا لم يجر الحفاظ علي الإثراء أو التحفيز فقد يتدهور الأداء ، مما يؤدي إلي تغيرات سلبية. وقد يحدث هذا نتيجة للانسحاب من المواقف الاجتماعية أو انخفاض مستوي النشاط أو التواصل ، لذا فإن الأفراد المسنين الذين يعيشون في مجتمع يظهرون أداء أفضل في الاختبارات المعرفية من نزلاء المؤسسات العلاجية وغيرها ، إذ يعمل الدماغ وفق مبدأ استخدم قدراتك وإلا ستخسرها ، فمشاركة المسنين في الأنشطة لاجتماعية والعقلية يحدث تغييرات ايجابية في عمليات وبنية الدماغ تساعد في درء التدهور المعرفي الذي يحدث مع تقدمنا في العمر .
وقد ميز "إبراهيم قشقوش" بين نوعين من الوحدة النفسية : الوحدة النفسية الأولية ، والتي تعد أحد سمات الشخصية التي تدفع الفرد إلي الانسحاب الانفعالي عن الآخرين ، إذ يشعر الفرد أن هناك حاجز يتعذر تجاوزه أو تخطيه يباعد بينه وبين الآخرين ، والوحدة النفسية الثانوية ،وهي شكل من أشكال الوحدة النفسية يحدث فجأة كاستجابة من الفرد لتمزق مفاجئ في البيئة الاجتماعية للفرد مثل الحرمان من شخص ذي أهمية لدي الفرد ، كما في حالات الطلاق والترمل ، وفقدان علاقات الحب و الغربة ، وهو احساس يسكن أو يخف عندما يتغير الموقف المؤلم.
ويحاول الأفراد أن يهربوا من احساسهم بالوحدة النفسية عن طريق محاولة الانخراط في سلوك يحارب العزلة مثل الارتباط العاطفي بوسائل التواصل الاجتماعي إذ تتيح فرصة للإفصاح الذاتي والكشف عن مكنون ذواتنا لا يجده المرء في حياته الواقعية بسبب معوقات التواصل ، بالإضافة إلي الحصول علي اهتمام وقبول لا يجده في الواقع ، وفي فترات العزلة الطويلة يلجأ البعض للإباحية كآلية تأقلم عندما يشعرون بعد أهليتهم الاجتماعية ويشعرون بالخوف من الصد أو الاستهزاء ، وقد يربط المرء الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية بمشاهدة الاباحية ليوفر إصلاحا سريعا لطرد الملل عن طريق إفراز المواد الكيميائية المرتبطة بالمشاهدة.
ولعل أفضل ما ننصح به للنجاة من الوحدة هو تحديد أهداف في الحياة ، فالهدف يوفر للفرد شيئا للعمل عليه كما يؤمن تصميما إضافيا للنضال ، وعندما يضع المرء لنفسه أهدافا فغالبا ما توجهه هذ الأهداف نحو سلوكيات اكثر تركيزا وتوجيها ؛ فالتميز في النشاطات ( كالركض أو الفن أو الموسيقي ...الخ) قد يكون من الأمور الأكثر إفادة كي يستطيع المرء تجاوز وحدته النفسية ويزاحم أفكاره السلبيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة