الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات الاسلام السياسي في العراق

بولص ديمكار

2019 / 7 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




الاسلام السياسي و تداعياته
في العراق

بلاد الرافدين/ العراق الحالي/ هذا البلد العظيم بتأريخه و إرثه و ثرواته اليوم يكاد ان يكون في مهب الريح حيث تتلاعب به الأقدار يميناً و يساراً و بسبب الفساد و ألكساد المتفشي في كل مفاصله. تجده غارقاً في عصور ما قبل التأريخ من حيث التطور الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي ، فالبطالة و البطالة المقنعة و الفضائيين في كل مؤسسات الدولة و ارقام خيالية للموظفين لا يعقلها و لا يتقبلها من له و لو باع بسيط في الاقتصاد و الإدارة. التربية و التعليم بكل مراحله في اسوء حاله والنتائج للعام الدراسي الماضي اكبر دليل ، تخيل لميتم درج العراق في القائمة الخاصة بالمستويات العلمية و الدراسية العالمية . الأسرة التي هي أساس المجتمع يجري تدميرها من خلال العنف الأسري و عدم منح المرأة حقوقها و شرعنة زواج القاصرات و تعدد الزوجات و ارتفاع حالات الطلاق التي وصلت ارقام مفزعة و خيالية. الشبيبة امل المستقبل و مصدر بناءه اصابها اليأس و فقدت الأمل بالحياة و بالمستقبل و متنفسها المخدرات او الانتحار. اما عن المحاصصة و الطائفية فحدث و لا حرج. و ما هذا الا انعكاس مباشر لتدخل الدين في شؤون الدولة و توظيفه لخدمة مصالح سياسية غير وطنية انعكست على الواقع الحياتي المعيشي للشباب كما و لبقية فئات المجتمع العراقي.
هذا الواقع الردئ الذي فرض على الشعب العراقي الذي تأمل خيراً من تغيير النظام في 2003، و كأن ما عاناه ايّام الحكم الدكتاتوري الفاشي لم يكن كافياً ليزيد عليه لا بل يتجاوزه ليعيد بلاد الرافدين مهد الحضارات الى عهود ما قبل سرگون الاكدي و حمورابي حيث الانسان محترم و الكاهن في صومعته لا علاقة له بالدولة و السلطان.
التأريخ يشهد بأن اول فصل للدين عن الدولة نبت من ارض الرافدين في الألفية الثالثة قبل الميلاد على يد الحكيم سرگون الاكدي و من بعده حمورابي العظيم باعتماده أساساً لبناء حكمه و إمبراطوريته ، حيث وضع الكهنة في معابدهم و منعهم من ممارسة السياسة. و النتيجة ازدهار الإمبراطورية و تطورها وتقدمها في كل المجالات الافتصادية و الاجتماعية و صولاً لوضع اول قانون وضعي ينظم حياة الناس و يضمن العدالة و المساواة بين البشر. و كم حريُ بقادة اليوم ان يحذون حذو اسلافهم العظام.
قد يقال انها حكاية قديمة، لابأس ما بالكم بالتأريخ القريب و تجربة حكم الكنيسة في أوروبا و سيادة الظلام و التأخر و قتل النفس و انتشار الشعوذة والبلادة و الإيمان بالخرافات و الذي ينطبق تماماً على العراق اليوم فنجد مراقد وهمية ( مرقد كمونة ، مرقد العرابيد...) و مزارات لا تخطر على البال او طرق علاج ( الكاروبة _المقدسة) لا يطيقها العقل المتفتح. و انظر الى أوروبا اليوم بعد ان وضعت حداً فاصلاً بين الدولة و الكنيسة ، التقدم التطور و البناء الذي حققته في جميع مجالات الحياة و تحولها الى قبلة للعالم الشرقي يتمنى أفراده الهجرة اليها و العيش فيها. نعم هذه التجربة واضحة و قريبة و تبين بوضوح التأثيرات السلبية لتدخل الدين بالسياسة، و الإيجابية عند ابعاده.
للاسف حكام العراق الحاليين يريدون اعادة البلاد الى ما قبل عصر الاكديين و البابليون / الكلدان و لا أقول فقط الى القرون الوسطى حيث الاسلام السياسي متغلغل في كل مفاصل الدولة و كلام و توجيهات المرجعيات الدينية لا يعلو عليها صوت و فتاويها سارية المفعول. أين قاد و يقود العراقيين كل هذا ؟ قاد الى استغلال الدين الحنيف لتبرير سلوك و أخلاقيات و قرارات و افعال المسؤولين في الدولة و كأنهم وكلاء الله على الارض و من يخالفهم الرأي و الطاعة أبواب الجهنم مفتوحة أمامه ، و كأن ما يعانيه في حياته الأرضية غير كاف ليكتمل بحياة الآخرة.
قاد الى انتشار الجهل و الأمية حيث تغليف العقل و تجميده و غلق مجالات التفكير و الإبداع. قاد الى استشراء الفساد و استغلال المركز لتحقيق مأرب و مكتسبات شخصية على حساب الفرد الفقير و المعدوم، قاد و يقود الى تخلف المجتمع و انحلاله، قاد الى انهيار الاقتصاد و فقدان فرص بناءه و تطوره. قاد الى ان تخرج الجماهيرالمحتجة للشارع و لترفع شعارات ضد رجال الدين و استغلالهم.
"باسم الدين باگونا الحرامية" لعله الشعار الذي يختصر و يعبر بشكل جلي عن موقف الشارع من الذين يحكمون العراق بأسم الدين. وهو شعار تبنته الجماهير الغاضبة و رفعته في مظاهراتها منذ 2010 و ماتزال. بكل تأكيد لم يأتي الشعار من فراغ بل ليعبر عن واقع مأساوي ازداد سوءاًمع مرور الوقت و استمرار حكم الاسلام السياسي المتمثل بالأحزاب الدينية والتي غالبيتها جاءت بمركب القطار الأمريكي.
قد يعتقد الاسلام السياسي ان تصرفاته و نتائج احتكاره و فرضه لسلطته لا ينعكس على الدين و إيمان البشر بالخالق و معتقتداته . فها هي استفتاءات المؤسسة المستقلة للأبحاث في العراق تؤشر واضحاً و بشكل جلي ابتعاد العراقيين عن المؤسسات الدينية وترددهم على الجوامع و الحسينيات و الى ابتعادهم عن الدين و حتى إلحادهم. فحسب اخر استطلاع للرأي اجرته المجموعة المستقلة للبحوث في العراق العام الماضي فان الثقة بالمؤسسة الدينية في العراق انخفضت بشكل حاد من 76٪ سنة 2014 الى 54٪ في تموز 2018 اي بأكثر ممن20٪ و بقياس زمني لا يتعدى الأربع سنوات فهو مؤشر يخطف الانتباه و برهان على ان العراقيين لم يعودوا كما في السابق رغم كل ما تمتلكه المؤسسات الدينية من أدوات و آليات التأثير فإن الحقيقة بدأت تتضح للمواطن بأن غالبية مأسيه و معاناته مرتبطة بالمؤسسات الدينية و الاسلام السياسي تحديداً. و في استطلاع آخر للمجموعه المستقله للابحاث انخفضت نسبة من يذهبون لمسجد او حسينيه اكثر من مرة اسبوعياً الى 19٪ مقابل 26٪ قبل 4 سنوات. و هي واضحة عند الشيعة اكثر حيث سجل اكبر انخفاض (من 30 الى 13٪ ) في ذات الوقت زادت نسبة من لا يذهبون نهائياً من 31,6٪ الى 40٪ و هنا أيضاً هذا الانخفاض ملموس اكثر لدى الشيعة ( من 22 الى 43٪ ) وهذه المعطيات هي الاخرى تثبت ان حكم الإسلام السياسي لم يعد موثوقاً و ادى و يؤدي الى ابتعاد العراقيين عن ممارسة شعائرهم الدينية.
اما الابتعاد نهائياً عن الدين فأن استطلاع آخر اجرته المستقلة للبحوث في نفس الفترة اظهر انه تضاعف ما بين 2004 و 2018. و سجل ارتفاع ملحوظ في عدد غير المؤمنين من 4٪ الى 8٪. و مما يجدر الإشارة اليه بأن التغييرات التي تشير اليها الاستفتاءات في الموقف من الدين لم تحصل فجأةً بل تحققت تدريجياً و بمنحنى تنازلي منذ ان بدأت المجموعة المستقلة ترصد التغيرات بعد تأسيسها في 2003م . و يبدوا لي ان هذا الابتعاد و الانحدار مستمر و سيستمر و يمكن ان يتعمق طبعاً اذا واصلت الحكومة نهجها الحالي بزج الدين في مفاصل الدولة و الاعتماد عليه لتسيير دفة الحكم.
كل هذه المؤشرات و الأرقام تثبت و تشير الى حقيقة واحدة ساطعة ان لمزج الدين بالسياسة عواقب وخيمة ليس على الممارسة اليومية للسياسة بل على الإيمان و المعتقد حتى و لو كانت جذور هذا المعتقد راسخة في عمق التأريخ . لا ادري كيف بالامكان إقناع الاسلام السياسي و أحزابه اذا كانت كل هذه المؤشرات و الدلائل غير كافية لاقناعه كون زج الدين في السياسة بات مرفوضاً و منبوذاً لدى العراقيين.
ان فصل الدين عن الدولة و مؤسساتها ضرورة حتمية للنجاح و لخروج العراق من أزمته الراهنة ببساطة لانه يحمي الانسان و المجتمع من الاستبداد المغلف بالدين كما انه يحمي الدين من التشويهات و الاستغلال السياسي و الاجتماعي. ان الدين ضروري ليس فقط لفرض الأخلاق الحميدة في المجتمع، بل للتطور الروحي و النفسي للفرد أيضاً . فالحديث هنا ليس طلباً لترك الدين و التخلي عن المعتقدات و الإيمان بالخالق . العكس تماما المطالبة هي لترك الامر للفرد و قناعاته و ما بينه و بين الخالق الذي هو امر خاص به. المطلوب هو الاستئناس بما يفرضه التأريخ و ما يفرضه مصلحة الفرد و المجتمع.
العالم بات قرية صغيرة بفعل الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي الذي زاد من وعي الشبيبة حيث اصبحوا مدركين و ما عادت تنطلي على شباب اليوم دعوات عدم اليأس و انتظار الحل من الغيب او ان هذا قدرهم و عليهم الاستكانة و قبوله و الرضوخ للأمر الواقع و التكيف معه .رفض هذا الواقع من قبل الشباب غدى واضحاً لكن للاسف تجلياته سلبية قد يكون مبعثها الخيارات المطروحة أمامهم اليوم و بالاخص افتقادهم لقيادة واعية ترشد وتوجه طاقاتهم نحو تفاعل إيجابي. فلن يستغرب الفرد من معطيات دراسة نشرتها هذه السنة المجموعة المستقلة للابحاث وكالوب الدولية، بحصول قفزة كبيرة في نسبة العراقيين الذين يودون الهجرة، حيث واحد من كل ثلاث عراقيين يرغب بالهجرة للخارج حالياً بعد أن كانت النسبة 17٪ فقط اَي اقل من الخمس ( واحد من خمسة) عام 2012م . المواطن العراقي في مسعاه للخروج من مأزقه يلتجئ اما للهجرة او استخدام المخدرات و اخيراً الانتحار بعد خيبته.
لا ادري متى تصحى المؤسسات الدينية و تنئ بنفسها عن السلطة السياسية و تداعياتها السلبية عليها و على الدين الحنيف و على العراقيين. نعم هناك اعتراف من قبل بعض رجال الدين لهذا الواقع المزري ولكن بدلاً من وضع حلول ناجعة بابتعادها عن السلطة تبحث عن أساليب جديدة بعد اقرارها بأن القديمة نفذت و ما عادت نافعة من ضمنها مخاطبة الشباب بلغة الايباد(Ipad) و الايفون(Iphone) عسى و لعلها تنفع لكن الجرح أعمق و ما عادت المسكنات و المهدئات تفيد. و في سابقة خطيرة قل مثيلها في التأريخ هناك محاولات لتغيير تركيبة المحكمة الاتحادية اعلى محكمة في البلاد لجعلها محكمة دينية بامتياز عبر اضافة فقهاء شرع وجعلهم اصحاب قرار على حساب فقهاء القانون الوضعي و اذا تحقق سيكون ذلك فعلاً نهاية للعراق كما عرفناه.
هذا الواقع و هذه الصورة و تراكماتها الكمية لابد ان تؤدي الى تغيير نوعي و حصول ردة فعل قد لايحمد عقباها و بدأت بوادرها و انعكاساتها تبرز للسطح عبر ظهور و تعمق الخلافات بين احزاب و شخصيات الاسلام السياسي. فها هو الأخلاف يتعمق بين عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء الحالي و عمار الحكيم و قبله بين رئيس حزب الدعوة نوري المالكي و نأئبه الاول حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق و بالتأكيد ستكون عواقب اخرى على مستوى الشارع . اَي ان الطبقة الحاكمة لم تعد قادرة على الاستمرار في الحكم بالطرق القديمة. و ان الشارع مهيأ و يتقبل التغيير و المطلوب فقط توفر القيادة لكي يضمن حدوث التغيير و نجاحه.
املنا ان لا يكون حراك التغيير فوضوياً بل علمياً و مدروساً و ان يبلور و ينظم و يوجه بشكل إيجابي من قبل قيادة واعية للمرحلة مستجيباً لآمال و طموحات الشعب المتألم. هذا التغيير الذي يمكن ان يتحقق من خلال التعبئة الإيجابية عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة او قبلها بتحريك الشارع و فرض الجماهير لمطالبها خاصة و ان البرلمان كرس من خلال إجرائه الأخير تعديلاً مجحفاً على طريقة سانت ليغو الانتخابية المعتمدة في العراق برفع القسمة الانتخابية الى ( 1،9) بمعنى سد الباب امام الكتل الصغيرة من فرص المشاركة بالحكم او إلغاء طريقة سأنت ليغو بشكل غير مباشر.
فعلى المهتمين بالتغيير و من يضع مصلحة الوطن و ابناؤه نصب اعينهم استغلال الوضع لا بل قيادته نحو تغيير جوهري يعيد الدين الى موقعه في المجتمع لممارسة دوره الروحاني في خلق اجيال تحترم الانسان وتقدره و تفسح في المجال امام الحكم المدني القائم و المبني على سيادة القانون و تطبيقه بعدل و مساواة على جميع العراقيين دون النظر الى دينهم او عرقهم او لونهم ، من دون تحقيق ذلك فإن الأمل ضعيف امام العراق و العراقيين للتمتع بحياة حرة و كريمة في الآجل المنظور.















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah