الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دير سمعان

رستم محمد حسن

2019 / 8 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


دير سمعان (قلعة سمعان) في منطقة عفرين:
تقع قلعة سمعان شمال غربي مدينة حلب على بعـد / ٤٠/ كم وجنوب مدينة عفرين على بعد / ٢٠. / كم في القسم الجنوب الشرقي من منطقة جبل الكرد على قمة من قمم جبل ليلون المحاذي للضفة اليسرى لـوادي نهر عفرين

من هو القديس سمعان :
ولد هذا القديس مابين عامي /380_390/ في قرية تدعى (صـيص ) اسـم المنطقـة الحاليـة هـي (اصلاحية) في الشمال الغربي مـن قـورش ـ نبـي هوري حالياً ـ على مسافة 25 كيلو متر من ميـدان اكبس، وكانت قورش حينها مركز أسقفية ثيوذوريتوسالتي كانت تشمل 800 رعية، وتعلم من والديـه أن يرعى القطعان لكي يتوافق مع الرجال العظـام في الكتب المقدسة، وفي يوم ثليج مكثت الخراف في الحظيرة ، فرافق سمعان والديـه إلى الهيكل الإلهي ، وهناك سمع كلام الإنجيل عن الكثير من الخيرات ، ثم سأل أحد الموجودين هناك عما يفعله المرء ليربح كل هذه الخيرات ، فأوحى إليـه بالتوحد .
وبقي في ذلك الهيكل لفترة ومن ثم ذهب إلى دير تلعدة في أقصى الجنوب من جبل الكرد ـ وكـان ذلـك عام / ٤٠٠م / وكان في تلعدة حينها 80 من رفاقـه الجهاديين وكان يتفوق عليهم جميعاً، وفي عام / ٤١٢م / طالبوه ب الخروج مـن الـدير وذلـك بـسبب تفوقـه اللامحدود على الموجودين في الدير، فخرج إلى قمـة جبل شيخ بركات الذي كان أكثر خلـوة، ووجد هناك صهريجاً (بئراً) لا ماء فيه وغير عميق نزل إليه ، وكان يقدم لله التسبيح نشيداً .
وبعد مرور خمسة أيـام أرسـل رؤساء الجهاد في تلعدة اثنين وراءه ليقنعاه بالعودة إلى الدير، فاخرجا ه من الصهريج وأخذاه إلى ديـر تلعـدة، وبعد أن أمضى وقتاً لدى هؤلاء الرهبان جاء إلى قرية (تيلانيسوس) في جبل ليلون، وجد هناك بيتـاً صـغيراً حبس نفسه فيه لمدة ثلاث سنوات من عام ٤١٢ م إلـى عام ٤١٥، م وقضى هذه السنوات الثلاث في البكـاء والصلاة، وأحياناً كان يبقى / ٤٠ يوماً / بدون طعام .
وخلال هذه السنوات الثلاث تقدم روحياً، وبعد أن قضى ثلاث سنوات في ذلك البيت خرج إلى قمة الجبل (مكان قلعة سمعان ) حيث أنشأ لنفسه حائطا دائريـاً وقـضى هناك أربع سنوات تحت الثلج والمطر ولفحات الـشمس المحرقة، وكان يأتيه كثير من النـاس، طعامـه كان في الاغلبعدساً منقوعاً وشرابه الماء.
ولما ذاع صيته في كل الأرجاء توافـد إليـه الناس من كل حدب وصوب، وكـان بدعائـه يجعـل الأعرج يمشي ويطهر البرص وينطق الخرس ، ويشفي الأمراض المزمنة ويجعل المشلولين يركضون، وكـان المرء يستطيع أن يرى بحراً بشرياً من الناس ومن كـل الشعوب تتآلف في هذا المكان، ولما أصبح الزوار بهذه الأعداد الكبيرة ، بنى له عموداً وأقام عليه إلى أن وصل طول العمود في عام / ٤٤٤/ م إلـى 36 زراعـاً .
وكان مدة عيشه على العمود 37 سنة من عام /٤٢٢م حتى ٤٥٩ / م ولم يكن يسمح لأحدٍ بالصعود إليه، فخلال الليل كله والربع الأول من النهار كان يصلي بلا انقطاع، وبعد ذلك كان يوعظ الناس .
وبعد أن توفي سمعان وهو على العمود ، أعلـم بـالأمر أسقف أنطاكية ، وفي اليوم التالي لوفاته انطلـق أسـقف أنطاكية مصحوباً بستة أساقفة ، وكذلك الحاكم العسكري (ارادابوريوس) على رأس حاميـة مـن 600 نفر ليمنعوا القرى المجاورة المجتمعة مـن أجـل سـرقة الجثمان الموقر . وقـد أحـضروا معهـم تابوتـاً مـن الرصاص فأودعوه الجثمان ، وتشابك النـاس حتـى أن المرء ما كان يرى الجبل (أي جبـل ليلـون ) بـسبب الجمهور ودخان المباخر والشموع والمشاعل، وشاء أسقف أنطاكية أن ينتزع شعرة مـن ذقن القديس سمعان ليقتني ذخيرة فيبست يـده، وكانت الوفاة يوم الأحد ٢٦ تموز ٤٥٩. م وحمِلَ التابوت على الأيادي حتى قرية شيحدير الحاليـة Şa-dir-ê.
ومن هناك وضع التابوت على عربة وهكذا أُخذ الجثمان إلى أنطاكية وسط الشموع والمباخر وترانيم المزاميـر .
ولما وصلت العربة التي تحمل الجثمـان إلـى قريـة (ميربي) وهي جلمة Celemê حالياً وقفت العربة والبغال دون حراك، لأن رجلاً في هذا المكان قد ارتكـب منـذ عشرين سنة جريمة شنيعة فـابتلى سـريعاً بـالخرس والصم والشلل، وكان يعيش هناك رجلاعلى صـدقات باسـم االله، ولما توقفت البغال انطلق بدون أي علم بالأمر يـصرخ "ارحمني يا قديس االله سمعان ،" وأتى ولمـس المركبـة وتعافى، فمجد الجميع الله واهتز المكـان كلـه بـصياح الناس، وأما الرجل فكان يـصرخ : " خلـصت اليـوم بفضلك يا خادم االله لأني كنت هالكاً ب خطيئتي ." وصـل
الموكب أنطاكية في يوم الجمعة ٣١ تموز وقادوه إلـى كنيسة (كاسيانوس). وفي عام / ٤٧٤م / نُقل الجثمـان إلى قسطنطينية وأودع شـهيد قـرب عمـود دانيـال العمودي.

انشاء قلعة سمعان :
حين توفي القديس سمعان العمودي عام / ٤٥٩ م / بعد أن عاش على العمود مدة / ٤٢ / عاماً، لم يكن في موقع قلعة سمعان أي بناء باستثناء السياج الـذي كـان يحيط بالعمود، وحين اسـتلم (زينـون ) الإمبراطوريـة الرومانية في عام / ٤٧٤ م / أراد أن يبنـي كنيـسة لا مثيل لها في كل الإمبراطورية علـى شـرف القـديس
سمعان العمودي ، فكانت بداية العمل بكنيسة دير سمعان في عام / ٤٧٦ /. م و تم الانتهاء من الكنيـسة حـوالي عام / ٤٩٠ م ./
وتتألف الكاتدرائية والتي تبلغ مساحتهانحو 25 الف م من أربعة كنـائس بشكل صليب يتوسطها قاعدة مثمنة الأضلاع ، يقوم فـي وسطها ترس العمود المقدس الذي كـان يتعبـد فوقـه
القديس سمعان ويلقي مواعظه، وكنيسة صغرى إلى الجنوب الشرقي من الكاتدرائية ، كانت مؤلفة من ثلاثة طوابق ، لا تـزال أجزاء منها قائمة حتى الآن، والمعمودية وتبعد جنـوب
غرب الكاتدرائية نحو 250 متراً، وتتصل من ناحيتها الجنوبية بكنيسة صغيرة، وإلى الغرب مـن المعموديـة بقايا أبنية مستطيلة كانت بمثابة نزل للحجاج القـادمين لزيارة كنيسة سمعان الكبرى، وكل هذه المنشآت محاطة
بسور معزز بأبراج يعود بأبراجه إلى القـرن العاشـر الميلادي .

محطات تاريخية للقلعة :
دمرت الزلازل التي ضربت المنطقة وخاصةً زلزالـي عام / ٥٢٦ ـ ٥٢٨ / معظـم مدينـة أنطاكية ،. وألحقت أضراراً كبيرة بقلعـة سـمعان ، وحـين انتصر نقفور فوقاس في عام / ٩٦٩ ـ ٩٧٠ م / على الدولة الحمدانية في حلب قام بترميم ما هدم من الكنيسة والدير، وخلال العام / ٩٨٥ م / حاصر سعد الدولة بن سيف الدولة دير سمعان وكان فيها الكثير من الرهبـان وقتل أكثرهم والذين لم يقتل وا منهم تم بيعهم كعبيد، ومـن الفترة الممتدة من / ٩٨٥ وحتـى ١١٢٨ / م أصـبحت عموم منطقة جبل الكرد وخاصـةً القـسم الـشرقي الجنوبي منها ـ منطقة جبل ليلون ـ منطقة صراعات بين قوى متعددة من بيزنطية وفاطمية وسـلجوقية ممـا أدى إلى خراب أغلب الكنائس والفـيلات والحمامـات والفنادق ودور السكن وخاصةً على أيـدي الـسلاجقة الأتراك الذين جلبوا إلى المنطقة الخراب والدمار ، وكان لدير سمعان نصيب من ذلك الخراب . وخلال الـصراع البيزنطي الفاطمي على مناطق أنطاكية وحلب تحولـت الكثير من مناطق جبل ليلون القسم الجنوبي الشرقي من جبل الكرد إلى مناطق دفاعية إستراتيجية بنيت فيهـا أسوار حول الأديرة وتم تحويلها إلى قلاع منهـا : سـور
قلعة سمعان وسور قلعة كالوتة وسور الحامية البيزنطية في قرية براد وغيرها من الأسوار .
وحتى القرن السادس عشر الميلادي كانت دير سمعان مركز حج للمسيحيين ، وكانت تقـارن بأمـاكن الحـج المسيحية في فلسطين ، ولا يزال في وسط الدير قطعـة من العمود ا لذي تآكلت أطرفه بسبب تهافـت الحجـاج على اقتطاع ذخائر وتذكارات منـه ب ارتفـاع حـوالي المترين، ويعتقد المسيحيون أنـه إذا أُخذ منه حكاكة على اسم المريض يشفى من الحمى ويقال أن إبراهيم عليه السلام عندما هاجر إلى الشام كان يرعى غنمه في أرض حلب ، ويقال حوله مـن الجبال ومنها جبل ليلون الذي كان في حينهـا أحـسن الأماكن وأكثرها خصوبة للرعي وألطفها مناخاً . وذكـر ابن العديم جبل ليلون قائلاً : فيه من العمائر وبناء الروم
آثار تروق الطرف ، وتبسط النفوس وهو كثير الأشجار من التين والزيتون والرمان والجوز والـسماق ، و فيـه قرى فيها أعين ماء، وهذا صحيح فحتى الربع الأول من النصف الأخير من القرن العشرين كـان يوجـد نبع بين كفر نبو وقلعة كالوتة يستفاد من مياهه إلى أن جف قبل ثلاثين عاما ًمن الآن تقريبـاً .،ومثلهـا كانـت موجودة في الجنوب الشرق من قرية براد ، ومنها نبـع لولك الواقع إلى الغرب من قرية دير مشمش وجنـوب قرية كورزلة وهو جارٍ حتى الآن.
المصدر الرئيسي :
كتاب عفرين عبر العصور للباحث مروان بركات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة