الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النساء فى تونس ، والنساء فى مصر

رفعت عوض الله

2019 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وانا اتابع الاحداث في تونس ، شاهدت جنازة الرئيس التونسي المحترم قايد السبسي . رأيت عبر الفضائيات التونسيين والتونسيات . لفت نظري وشد انتباهي الاعداد الكبيرة من التونسيات السافرات اللاتي بدون حجاب ، كاشفات عن شعرهن ، ومرتديات الملابس العصرية . نعم هناك اعداد كبيرة من المحجبات ، ولكن ان نري سافرات وغير محجبات وباعداد كبيرة في بلد عربي يدين فيه الناس بالإسلام ، فهذا امر مدهش .
في المقابل في مصر حيث الكثرة الغالبة من المسلمين واقلية من المسيحيين . نلاحظ ان المسلمات تقريبا يكاد الكل يكن محجبات مع عدد لا بأس به من المنقبات ويستطيع المرء ان يتبين دين المرأة المصرية من الحجاب والسفور . فالسفور يكاد يكون قاصرا علي المصريات المسيحيات . وانتشار الحجاب علي أوسع نطاق نراة في المدرسة حتي ولو كانت مدرسة أطفال ، وفي الهيئات والمؤسسات والجامعة والشارع .
ما الذي صنع الفارق والاختلاف بين التونسيات والمصريات علي هذا النحو الواضح والظاهر .
في ظني ان الفارق جاء نتيجة للفارق بين شخصيتي الزعيم جمال عبد الناصر والزعيم التونسي الحبيب بورقيبة ، وتوجهاتهما السياسية والفكرية .
عبد الناصر الذي كان ضابطا صغيرا بالجيش الملكي المصري كان ناقما علي الغرب ، ولا يري فيه سوي انه استعمار واستغلال وإذلال للعرب المسلمين ، وكان بصورة او باخري مشبعا بفكر وعقيدة الاخوان الحالمة بإستعادة امجاد دولة الخلافة الإسلامية .
حين نظم عبد الناصر تنظيم الضباط الاحرار كان بالتنسيق مع جماعة الاخوان ، بل ان اختيار التوقيت للانقلاب علي الملك في 23 يوليو 1952 كان أيضا بالتنسيق مع الجماعة .
والامر الدال علي التوجهات الإسلامية لدي عبد الناصر عدم وجود ضابط مسيحى واحد في التنظيم .
عبد الناصر نظر للغرب نظرة غير موضوعية . نعم ان الغرب استعمار واحتلال وتحكم في مقدرات الشعوب الضعيفة ، ولكنه أيضا حضارة وعلم وعقل وحقوق للإنسان وقيم حداثية من علمانية وليبرالية وديمقراطية . للأسف عبد الناصر لم يري هذا الجانب المضيئ . فعاد الغرب وعادي الحداثة . فلما خلع الملك واعلن الجمهورية في مصر حل الأحزاب إلا تنظيم جماعة الإخوان ، وحكم بوصفه حاكما فردا لا يقبل اختلافا ولا معارضة . يصفق له الناس والجماهير ، ويهتفون له بروح القطيع الذي يسير خلف الراعي ،الأب للجميع .
انحاز عبد الناصر لأهل الثقة وابعد اهل الخبرة والكفاءة ، واحد الأمثلة علي ذلك : وزارة المعارف " التربية والتعليم " التي كان وزيرها في حكومة الوفد الأخيرة العظيم طه حسين الذي نادي وعمل ونفذ ان يكون التعليم كالماء والهواء ، وان الجهل كالحريق علينا الإسراع في إ طفائه بكل الوسائل وإلا حولنا الي رماد .
شغل كرسي طه حسين في عهد عبد الناصر الصاغ الجاهل كمال الدين حسين ذو التوجهات الاخوانية . فماذا حدث ؟ بدأ الانحدار التدريجي في التعليم ووصلنا الي تعليم هو مسخ تعليم وليس تعليما حقيقيا بفضل سياسات عبد الناصر ومن خلفه .
انطلاقا من إسلامية عبد الناصر تشكل في نفس الرجل ايمان قوي بالعروبة والوحدة العربية ، وجاء بكتب التربية الوطنية المقررة علي التلاميذ بالمدارس أسس وعوامل تلك الوحدة من تاريخ مشترك ، ولغة واحدة ودين وعقيدة واحدة ، وكأن كل العرب مسلمون ، في نفي وتهميش واضح لغير المسلمين من العرب
هذا التوجه الناصري نحو الإسلام اسفر عن فتح الطريق والباب واسعا امام الأصولية الإسلامية بعد هزيمة يونيو1967 التي اجهزت علي المشروع الناصري .
بعد رحيل عبد الناصر استعاد الاخوان المسلمون موقعهم في توجيه الدولة والمجتمع نحو اسلمة الحياة مظهرا ومخبرا ، بعد ان فتح لهم السادات أبواب السجون ، واطلق يديهم في المجتمع . وكانت اول نتيجة هي تحجيب المصريات الذي بدأعلي استحياء ، وما لبس ان صار تيارا ضخما استوعب كل المصريات المسلمات تقريبا .
هذا ما حدث في مصر ..... فماذا عن تونس ؟
الحبيب بورقيبة ناضل ضد فرنسا لتحصل تونس علي الاستقلال ، ولكنه رغم نضاله المر ضد الاحتلال الفرنسي لتونس لم يعادي الغرب ، ولم ينظر للغرب علي انه استعمار . وهذا هو جوهر الاختلاف عن عبد الناصر . بورقيبة كان مؤمنا بالحضارة الغربية ويراها حضارة إنسانية شاملة فكان مؤمنا بالحداثة ، وبالعلم والعقل ، وكان مؤمنا بمركزية التعليم الجيد الاستناري ، فلما حصلت تونس علي استقلالها عمد لإنشاء مؤسسة تعليمية راقية علي غرار نظام التعليم في فرنسا ، فخرجت متعلمين تعليما جيدا وراقيا ، تعليم احترم العقل والعلم ، وحصن المتعلمين ضد فيرس الأصولية الدينية . ومن حسن حظ الشعب التونسي ان المؤسسة التعليمية الراقية التي أسسها الرجل العظيم مازالت قائمة ، ومازالت تخرج تونسيين وتونسيات مؤهلين تأهيلا جيدا .
هذا الذي بذر بذرته الرجل العظيم بورقيبة تمخض عنه ليس افرادا علمانيين ولكن تيار علماني استطاع ان يحد ويحجم حركة النهضة الاخوانية الأصولية والتيار السلفي .
بفضل بورقيبة تونس هي البلد الوحيد المسلم الذي ليس به تعدد زوجات .
كم نحن بحاجة لنظير بورقيبة في مصر لتتحرر نساؤنا من قيد واسر الحجاب وتغييب العقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran