الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض محتوى الديمومة لدى برجسون

هيبت بافي حلبجة

2019 / 8 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حينما نتحدث عن الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون ( 1859 ـ 1941 ) ، فإننا نتحدث عن فيلسوف الديمومة ، عن الحدس النفكيري خارج العقل وخارج الغريزة ، عن محتوى مافوق الشعور خارج الروح وخارج العقل معأ ، عن المذهب الحيوي بصيغة برجسونية ، عن مدلولات الزمن ، عن الدافع الحيوي ، عن الإبداع والتواصل والإستمرارية معأ كوحدة حال رغم الفواصل ، عن الوحدة في الكثرة والتعدد ، عن التطور الخلاق من الداخل ، عن العلاقة مابين الفكر والدماغ في إنفصامهما وتآلفهما ، عن التطور المتباين في كل الإتجاهات ، عن الرياضيات الإحتمالية ، وعن العلاقة مابين الرياضيات الإحتمالية وجوهر السيالة .
حينما نتحدث عن برجسون ، فإننا نتحدث عن مؤلفاته ، التطور الخلاق عام 1907 ( بالدرجة الأولى )، الديمومة والمعية عام 1922 ، الفكر والمتحرك عام 1934 ، المادة والذاكرة عام 1896 ، المعطيات المباشرة للشعور عام 1889 ، الطاقة الروحية عام 1919 .
لكي ندرك حيثيات مفهوم الديمومة لدى برجسون إدراكأ فعليأ ، لامناص من أن نبدي رأينا ، نحن ، في موضوع الجسم البشري تحديدأ ، ومن ثم تعويمه على محتوى ماهو كائن بيولوجيأ ورياضيأ ، نحن نرى الجسم البشري على الشكل التالي بعيدأ عن مفهوم ما يسمى العقل ، الروح ، الوعي ، الإدراك ، الثقافة ، الفكر وكل ما يخص هذه المعطيات لدى البشر . أي إننا نتحدث عن الجسم من خلال مفهوم الخلية والعضو والكل : للجسم البشري تسعة مبادىء أولية ، تسعة خاصيات أصيلة به وأصلية فيه وهي : أولأ للجسم البشري عقل خاص به لاعلاقة له بمفهوم العقل لدى الفلاسفة ،وأسميه بالعقل الجسمي ، وفي الحقيقة إن لكل جسم بشري وحدة عقول خاصة به . ثانيأ الجسم البشري يبحث عن التطور في التكامل والكمال سواء في الأداء أو في البناء أو في التفاعل أو حتى في التصور . ثالثأ الجسم البشري يبحث عن الوحدة والإتحاد ، الوحدة في الجسم كله والإتحاد مابين الأعضاء ، قهو ينافح عن الكل وعن الجزء بنفس الدرجة ، ولايفرط في أي جزء أو عضو إلا إضطراريأ ، كما إن العضو الواحد يدافع عن المجموع بنفس درجة دفاعه عن ذاته . رابعأ الجسم البشري يجدد ذاته فهو يملك كمونأ هائلأ لاحدود له أي مخزون لاينضب من الطاقة والوعي والإدراك في عملية البناء وإعادة البناء وإجراء عمليات جراحية وأخرى تجميلية . خامسأ للجسم البشري نظام خارق لحمايته والدفاع عنه ، وهذا النظام الواعي جدأ والمتقدم جدأ يتصرف على مساحة الكرة الأرضية على الأقل ، وبمقدوره أن يتصرف على مساحة الكون كله إن توافرت المقدمات الفعلية لذلك . سادسأ للجسم البشري قوانين وضعية جزئية خاصة به مثل الجاذبية والتجاذب والإحساس المباشر وغير المباشر ( أي البعيد ) بالأشياء أو بالحوادث . سابعأ للجسم البشري قوانين وجودية يستطيع من خلالها أن يستحضر الماضي وكذلك المستقبل ( بالمفهوم البشري ) . ثامنأ الجسم البشري لايلتزم بخطة واحدة أو معينة أو ثابتة إنما يبدع في إبتكار الخطط والأساليب الجديدة والخطط البديلة بل يخلق حالات خارقة . تاسعأ للجسم البشري ذاكرة لاتنسى الأشياء أبدأ ، وهي بمثابة أرشيف ديجيتالي . وقريبأ سوف نتحدث بالتفصيل عن كل ذلك وعن مفهوم العقل البشري وعن الدماغ حين حديثنا عن مفهوم المادة المدركة الواعية لدينا .
وإلى ذلك لندرك ، الآن ، إن برجسون ، أنطلاقأ من مفهوم ماهو حيوي داخلي كموني ، نبذ جملة قضايا كانت تشغل بال الفلسفة والفلاسفة في القرن التاسع عشر ومنها : أولأ نبذ مفهوم المادة العاطلة الجامدة الهامدة وأعتبرها حالة سلبية بالمطلق أو حالة عدمية أو تكاد ، وألغى عنها أي إمكانية في تحريك أمور حيوية مثل البعد الإيجابي للفكر والبعد التآلفي للحياة والبعد الفاعل للصيرورة والبعد الرياضي للسيالة ، ولقد أخطأ ، كما أخطأ معظم الفلاسفة ، في فهم وأدراك ماسموه جهلأ بالمادة العاطلة ، وفي الحقيقة لاتوجد مادة عاطلة ولا حتى جامدة ، إنما هي إمكانيات أشكال الوجود المشخص ، ويستحضرني هنا المقولة الغبية ل ـ عباس محمود العقاد ـ عندما ضرب يده على الطاولة وصرخ محتدمأ ما مفاده ( كيف يمكن التعويل على هذه الطاولة التي لاتحس ولاتشعر ، هذه المادة المائتة ) . ثانيأ نبذ مفهوم الروح الغيبية الميتافيزيقية المطلقة التي ـ حسبه ـ تفتقر إلى محتوى ما هو نماثلي أو تعوز إلى مضمون التجاذب الفعلي ، وهذه نقطة بل ركيزة إيجابية في عموم فلسفته لإنه جاهد أن يوافق مابين الميتافيزيقيا ومابين المذهب الحيوي . ثالثأ لم يرق له محتوى مقولة الإنتخاب الطبيعي لدى تشارلز داروين في مذهبه في فرضية التطور ، وأعتبر برجسون إن مفهوم الإنتخاب الطبيعي هو شكل خارجي للحركة وهو ، في أحسن الأحوال ، مؤثر خارجي لفرضية تطور الأنواع ، في حين إن التطور الحقيقي ينبغي أن ينبثق من الداخل ومما هو داخلي ، فالإنتخاب الطبيعي لايفسر أبدأ البتة إمكانية حدوث وتشكل العين مثلأ . رابعأ نبذ برجسون مضمون الزمن التقليدي أو بالأدق مضمون الزمن النيوتوني ومايز مابين محتوى الزمن الخارجي ومحتوى الزمن الداخلي ، فالأول مرتبط بالفضاء على النحو المعروف الثابت الجامد ، على شكل اليوم والساعة والثانية ، ولاعلاقة لهذا النوع من الزمن بمفهوم الديمومة ، والثاني مرتبط بالعوامل النفسية ، وهو مرتبط بمفهوم الديمومة ، وهو الزمن الأصلي . خامسأ لم يرق لبرجسون مارآه تناقضأ في المذهب التطوري لدى هربرت سبنسر ، فمن جهة يؤكد إن العقل هو نتيجة محلية للتطور ، الأمر الذي يجعلنا نعتقد إنه قد ولج إلى صميم ولب الأشياء ، لكن سرعان ما يعود إلى المحاكاة اللاتناظرية ، ومن جهة معاكسة يؤكد إن جوهر الأشياء يخفى ( بضم الياء ) علينا وسوف يفر أمامنا دائمأ ، فنحن نموج موجاٌ في وسط العلاقات الضائعة المقدمات ، لإن الحقيقة المطلقة ـ حسب سبنسر ـ ليست في متناول يدنا ، وكأننا نقف أمام الشيء الذي لاسبيل إلى إدراكه . ويدعي برجسون إن هذا المذهب التطوري لايعيد إنتاج ترتيب الحقيقة نفسها ، إنما يذهب إلى نوع من المحاكاة ، في حين إن الديمومة لاتعيد فقط إنتاج ترتيب الحقيقة ، إنما تجسدها .
إلى هذا ، وبتمعن دقيق في مجمل مؤلفات هنري برجسون ، نستنتج إن هذه القضايا تقتضي جملة من النقاط الضرورية لإدراك محتواها الفعلي لأسباب آتية ، أولأ إن بعض النصوص لدى برجسون تعاني / تمتاز بقلق وإرتباك ليس على الصعيد الإبستيمي المعرفي إنما على الصعيد القرار المنهجي ، ثانيأ إن برجسون يخشى موضوع الإصطلاحات ويفضل محتوى الشرح ليختبىء وراء الجمل العائمة ليس على الصعيد التعبيري إنما على الصعيد الإدراكي ، ثالثأ إن برجسون يتفادى معالجة المفهوم وينغمس في معالجة المحتوى ، فالأول يقتضي عملية البناء ليس فقط في المصطلح إنما أيضأ في الإتساق والنسق ، في حين إن الثاني ، أي المحتوى ، لايتطلب إلا عملية توجيه البوصلة نحو مايصبو إليه المعنى . رابعأ إن المعنى لدى برجسون يخضع للديمومة ، لكن المعنى والديمومة يخضعان لمفهوم النمو في التطور ، أي حتى إثناء معالجة برجسون للإفكار والإطروحات ، وهذا هو مفهوم ( الصيرورة ) لديه .
ولننتقل الآن إلى تلك النقاط : الأولى إن برجسون لايكترث للداخلي في إنتقاده للفلاسفة ، إنما هو يكترث فقط لمحتوى الكل بعيدأ حتى عن الكلي ، ويقع أحيانأ في مصيدة الأجزاء ، وهو مضطر لهذه الرؤية لإن الديمومة ـ حسيه ـ لامادية في حقيقتها فينبغي عليه إن يبحث في الكل وليس في الكلي ناهيكم عن الكلي المجرد ، الثانية إن برجسون لايهتم بالتمايز مابين الزمن الخارجي والداخلي ، وبالنسبة له فإن موضوع الزمن الخارجي هو لاشيء ، لإنه فقط ينتمي إلى الفضاء لإنه ليس بمقدوره ـ حسب الواضح ـ إنكار وجوده ، لكنه لاينتمي أبدأ إلى النظام المنهجي لديه ، فهو والعدم سواء في مستوى إطروحاته ، لذلك فإن الزمن النفسي الداخلي هو الزمن الفعلي والمتأصل لديه ، الثالثة إنه حينما يتحدث عن الشعور فقد يقصد مافوق الشعور وربما الروح وربما أحيانأ العقل أو حتى محتوى العاطفة ، لإنه لايلتزم لا بالمصطلح ولا بالمفهوم ، فالمهم لديه هو في النهاية ماهو حيوي وعلاقته بالديمومة ، وبالتالي يهمه شرح الفكرة ، الرابعة إن أساس محتوى المادة لديه ليس إلا فكرة نابعة من محتوى الديمومة ، ولإن هذه الأخيرة هي في منبتها لامادية ، ولإنها تابعة لمحتوى الوثبة الحيوية وللإندفاع الحيوي ، فإن المادة تنشأ تحديدأ من خمول وتقاعس هذه المفاهيم ، أي إن فناء الحيوي وبالتالي الديمومة هو الذي ينشىء المادة ، لذلك تصبح المادة لديه خاملة جامدة تعيسة بالضرورة .
ربما أتضحت ، الآن ، معالم الإطروحات لدى برجسون ، أو على الإقل بعض منها ، مثل الديمومة ، والوثبة الحيوية ، والإندفاع الحيوي ، والزمن النفسي ، والمعية ، ومن ثم محتوى الحدس ، تلك المقولة الشهيرة لديه . وكان لامندوحة من كل ذلك لنتبين مضامين هذه الثلاثيات ، والعلاقة الصميمية الكامنة فيما بينها ، ومن ثم التداخل والتوافق مابين قسم منها ومابين رؤيتنا لموضوع الجسم البشري ، مثل التطور الخلاق والوثبة الحيوية وكذلك الإندفاع الحيوي وكذلك الحدس ، وهذه الثلاثيات هي ( الكون ، الوثبة الحيوية ، الدافع الحيوي ) ، ( الديمومة ، الحدس ، الشعور ) ، ( الزمن النفسي ، التطورالخلاق ، المعية) ، ( الصيرورة ، الرياضيات الإحتمالية ، الذاكرة ) ، ( الروح ، العقل ، الغريزة) ، ( الماضي ، المستقبل ، الطاقة الروحية).
ولنلخص الآن المحتوى الفعلي لأهم الإطروحات التي أستبدت بذهنية برجسون والتي جعلته يقول دائمأ إن فلسفته هي فلسفة الديمومة ، في البدء كانت الوثبة الحيوية الأولى التي من خلال محتوى الإندفاع الحيوي أوجدت الدفقات الأولى من الوجود العيني الذي ـ كما قال برجسون ـ إن يوجد هو أن يتغير ، وأن يتغير هو أن ينضج ، وأن ينضج هو أن يخلق نفسه بإستمرار ( التطور الخلاق ) ، وهذه الحقيقة المشخصة التي هي أس وأساس كافة الأشياء وإنبعاث من الباطن وتحول مستمر وخلق متقدم ويتزاوج فيها الماضي والمستقبل ، هي الديمومة ، والديمومة هي ديمومة الزمن النفسي وتمتاز بإستمرارية منقطعة وغير متقطعة ، وبفواصل متغيرة متلاحقة ، وبتحول من حال إلى حال ، وبإبداع يتكاثر في كل الإتجاهات ، وبمنهج متلازم معها وهو الحدس ، فالكون يعني الديمومة ، والديمومة تعني خلق الأشكال . وهنا لابد أن نقتبس بعض من أقواله ( الديمومة معناها خلق الأشكال والصنع المستمر لما هو جديد على وجه الإطلاق ) و ( الديمومة تقدم مستمر من الماضي نحو المستقبل ، وينتقخ وهو يتقدم ) و ( إن الحياة تلوح كتيار يمضي من جرثومة إلى أخرى عن طريق كائن عضوي متطور ) و ( إن كل نوع من الأنواع الحية قد صدر دفعة واحدة عن نزوة حية من وجدان شبيه بوجداننا وأعلى منه ) و( من الروح بكليانتها ينبجس القرار الحر ويفيض ) و الحدس في مؤلفه المدخل إلى الميتافيزيقيا ( هو ذاك الجهد الذي به ننفذ إلى باطن الموضوع لكي نعرفه من الداخل ) و ( إذا أعتمد الفكر على الحدس غدا لدينا فكراٌ حدسياٌ ، وأن نفكر حدسيأ هو إننا نفكر في الديمومة ، وأن نفكر في الديمومة هو إننا نفكر في الزمن ) إذن نحصل على ثالوث جديد ، فعلي وحقيقي ، الأول هو الزمن النفسي الذي لإستمراريته توجد الديمومة وتستمر ، فبدون الزمن النفسي لاوجود البتة لشيء أسمه الديمومة ، وبدونه يفقد الحدس منهجيته ، والثاني هو الحدس الذي كونه منهجأ يكشف عن الديمومة وعن الزمن النفسي والعلاقة فيما بينهما ، وبالتالي فيما بين الثلاثة ، فبدون الحدس تتحول الديمومة من تجربة ميتافيزيفية إلى تجربة نفسية ، ويتحول الزمن النفسي من تجربة وجدانية إلى تجربة عاطفية ، والثالث هو الديمومة التي تعني ذاتها وكذلك تعني الثلاثة معأ ، فبدون الديمومة يفقد الحدس هنا أيضأ منهجيته ويفقد الزمن النفسي تمظهره . لذلك : أولأ إن تمثل الشيء هو تمثل فارغ ( الدالة الفارغة ) ينقصه الإمتلاء الذي تحتويه التجربة الحدسية ( الدالة الممتلئة ) ، ثانيأ الحدس هو إنقاذ الديمومة من مرحلة التوحش ، ثالثأ إن صياغة الديمومة هي التي أدت إلى أكتشاف الحدس وإلى تمظهر الزمن النفسي ، رابعأ الزمن النفسي الذي هو أس ما يتمظهر وأساسه ، فهو الذي يمنح المحتوى للكل وليس للكلي ، وهو الذي يمنح المحتوى للكون وليس للوجود ، وهو الذي يمنح المحتوى للإندفاع الحيوي وليس للروح ، وهو الذي يمنح المحتوى للوجدان وليس للعقل ، وهو الذي يمنح المحتوى للتمثل وليس للجوهر.
والآن لننتقد هذه الإطروحات البرجسونية : أولأ إن التحول ، أي الإنتقال من حال إلى حال ، قد يكون إما إمكانية الحدوث أو ضرورة الحدوث ، فإذا كان ضرورة الحدوث فهذا يعني إننا إزاء إحدى محتويات الجبرية أو الحتمية ، أي نحن إزاء مفهومي العلة والمعلول ، وتحديدأ في صيغة إن المعلول متضمن بالضرورة في العلة ، الأمر الذي يقلب كل إطروحات برجسون رأسأ على عقب ، وأما إذا كان إمكانية الحدوث ، فإن إمكانية الحدوث لاتعني أبدأ حدوث الإمكانية ، وبالتالي قد لايكون هنالك أي حدوث ، وسنكون عندها ، وفي صورتها الأمثل ، إزاء مفهوم الإحتمال الرياضي الذي لايلغي هنا ولايستطيع أن يلغي محتوى العشوائية التي ، بدورها ، تقتل كل إيجابية محتملة في محتوى الدافع الحيوي والتطور الخلاق ، وهكذا ينتقل التحول إلى مفهوم الحدث ويذوي عندها أي محتوى للديمومة . ثانيأ إن الديمومة لاتستطيع إن تكون خارج محمولها ، أي هي بالضرورة إما فردية وإما موضوعية مستقلة خارج الفردية ، فإذا كانت موضوعية مستقلة فلن تكون ثمت أي قيمة تحليلية للزمن النفسي وبالتالي إذا أنتفي الزمن النفسي أنتفت الديمومة ، وإذا كانت فردية ، فالفردية لاتستطيع إلا أن تكون حادثة ، ولايمكن أن تكون ظاهرة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فالفردية هنا ستكون مشبعة بالصدفة ، الأمر الذي يلغي أي فحوى مفهومي عن الدافع الحيوي ، وإذا فقد الدافع الحيوي محتواه فقدت الديمومة محتواها أيضأ . ثالثأ حسب برجسون إن الديمومة هي لامادية ، وإن المادة والزمان والحركة ليست إلا تجلياتها ، والأمر الذي يهمنا هنا هو المادة التي هي في حقيقتها موت وفناء للدافع الحيوي أو على الأقل خمول وجمود وتقاعس له ، هذا يعني تحديدأ إن المادة تجسد حالة إغتراب للدافع الحيوي وللديمومة ، وللتوضيح فقط نذكر مفهوم الإغتراب حسب دورة الكمال التاريخي لدى هيجل وماركس وكذلك العقيدة الإسلامية والعقيدة المسيحية ، والذي يتضمن بطبيعته وتعريفه ثلاثة مراحل على الأقل ، فإين هي هذه المراحل الثلاثة لديه وماهو علة الإغتراب وكيفية النجاة أو التخلص منه ؟ رابعأ فيما يخص الثالوث الجديد ( الزمن النفسي ، الديمومة ، الحدس ) فإن هذه الوحدات الثلاثة ينبغي أن تؤلف فيما بينها وحدة حال لا إنفصام ولا إنفصال ولا إمكانية وجودهما ، لكن برجسون يؤكد على العكس إنه يمكن للحدس أن يوجد بدون ديمومة ويتحول إلى حدس لامنهجي عادي ( عقلي ، ظني ، شعوري ) ، وكذلك يمكن للديمومة أن توجد بدون حدس ، وتتحول إلى تجربة نفسية لا تجربة ميتافيزيفية ، وهاهو يؤكد أيضأ إن الحدس هو التجربة الميتافيزيقية التي فيها تتكشف لنا ذواتنا ، فندرك على أثرها المطلق في صميم نفوسنا ، في حين كان من المفروض القول : إن الحدس هو تجربة عينية التي فيها تتكشف لنا ديمومة ذواتنا ـ لإعتمادها على مضمون الزمن النفسي ـ فندرك على أثرها الفرق مابين المطلق والنسبي ، ومابين المجرد والمشخص ، ومابين الذاتي والموضوعي ، ومابين الإمكان واللا إمكان. وفي الحقيقة إن هذه الوحدات الثلاثة متلاصقة وليست متآلفة ،ومتجاورة وليست متطابقة ، وهي ثلاثة في ثلاثة وليست ثلاثة في واحد ، لذلك لم نضع هذه الثلاثية مابين تلك الثلاثيات التي ذكرناها سابقأ ، وعندها قلنا بثلاثية ( الديمومة ، الحدس ، الشعور ) ، ( الزمن النفسي ، التطور الخلاق ، المعية ) ولم نصنف الزمن النسبي مع الديمومة والحدس ، خامسأ يقول برجسون في مؤلفه المعطيات المباشرة للشعور الصفحة 63 : إن نقطة الإتصال مابين المكان والديمومة هي المعية ، وكذلك ، إن المعية هي المقطع المشترك مابين الزمن والمكان ، إذن حسبه هنالك شيء خارج محتوى الديمومة وهو خارج تمظهر الزمن ، وهو المكان وإذا وجد المكان بهذا المعنى وجد الزمن الموازي له وهو الزمن الفضائي ، الزمن الذي يلغي كل إطروحات برجسون هذا أولأ ، وثانيأ إذا وجد هذا الشيء فهذا يدل دلالة قطعية على إن محتوى الديمومة ليس شاملأ لكل الكون . وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة والسبعين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح