الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في المشهد اليمني (3/2)

منذر علي

2019 / 8 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تناولنا في الحلقة الأولى اثر الفقر، بشقيه الاقتصادي والمعرفي، على الأوضاع اليمن ، ومكانة اليمن في محيطٍ غني ،طامع وذات نزعة توسعية . كما تناولنا الموقع الاستراتيجي الهام وانعكاساته السلبية على اليمن في ظل فساد وتخلف النخب السياسية المهيمنة.

وفي هذه الحلقة سنتناول التنوع والمشترك الوطنيين، حيث أنَّ التنوع ، بمعناه الايجابي، تورَّمَ ، بشكل مرضي ، وتحول إلى تناقض مدمر ، فيما المشترك، بمعناه الايجابي ، ضمر ، وتناقص بشكل مُقلق ، وأسفر هذا الخلل السياسي ، Political imbalance، عن تصور فيدرالي مختلق ، لم يعمق الحالة القائمة غير السوية ، فحسب ، ولكنه سرعان ما تحول إلى تفتيتٍ للوطن وتناقضٍ بغيض بين مكوناته المختلفة.

تري أين التنوع ، وكيف يتجلى ، وما المصير الذي آل إليه المشترك الوطني ؟

لا غرو أنَّ اليمنَ بلدٌ متنوع، diverse، من الناحية الجغرافية. إذْ نجد أنَّ التركيبة الجيولوجية له، تحتوي على جبال شاهقة وسهول ممتدة، وسواحل طويلة ، ينتج عنها اختلافات جليِّة في البيئات المناخية وطبيعة الإنتاج الزراعي ، و مكامن الثروات الطبيعية ، و مجمل الأنشطة الاقتصادية ، و لكن، و مع كل هذا التنوع ، فأنَّ اليمن في مجمله يشكل كتلة جغرافية واقتصادية طبيعية مشتركة ومتداخلة.

واليمن متنوع من الناحية الاجتماعية ، ليس فقط ، بسبب التناثر السكاني، والعزلة النسبية بين المناطق المختلفة ، والتركيبة القبلية المتباينة ، ولكن أيضاً بسبب تنوع "نحلة الناس من المعاش"، على حد تعبير ابن خلدون، التي الطرق التي تكونت في ظروف تاريخية طويلة، جراء التنوع في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والغزو الخارجي ، والتقسيم الاستعماري، والعزلة بين المناطق اليمنية.

في اليمن ثمة جماعات متنوعة، منها من يغلب على نشاطها العمل في الزراعة وأخرى في التجارة ، وثالثة في العسكرة، Militarization ، ورابعة في القطاعات الخدمية، Service sectors ، بمختلف أنواعها ، وخامسة في الهجرة، سواءً الداخلية أو الخارجية ، وإن بنسب متفاوتة من منطقة إلى أخرى. فعلى صعيد الهجرة الداخلية نجد، مثلاً ، إنَّ المهاجرين من منطقة الوسط الجغرافي موجودون ، بشكل واسع، في أغلب الحواضر اليمنية ، بينما نجد أنَّ المهاجرين من الهضبة الشمالية إلى الحواضر اليمنية، أو من الجنوب، موجودون بشكل أقل وفي مناطق محدودة. وهناك مناطق يمنية تكثر منها الهجرة وأخرى تقل منها الهجرة ، كما سبق أن أشرتُ، بما يترتب على ذلك من آثار على حياة الناس وأنماط تفكيرهم.

ومن جانب آخر ، تتم الهجرة الخارجية لليمنيين إلى بيئات مختلفة ، وغالباً متخلفة. و فيما ينتج عن الانعزال و التنوع في الداخل، تنوعاً في التجربة الحياتية و الرؤى السياسية والفكرية ، يترتب على الهجرة الخارجية ، إنَّ العائدين إلى اليمن من المهجر ، وخاصة الخليجي ، ينقلون إلى بيئاتهم الأصلية الكثير من القيم المتخلفة والقليل من القيم المتقدمة. ويمكن الإشارة ، بشكل عابر ، أنَّ أغلب الذين عادوا من إيران أحيوا الميول الطائفية ، التي سقطت مع ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، و بعض الذين رجعوا من الإمارات تحمسوا للفدرالية ، وكثير من الذين عادوا أو أرجعوا من السعودية كانوا مشبعين بالتوجهات السلفية الوهابية.

وللهجرة بهذا المعنى تأثير عميق على البنية السياسية و الاجتماعية والثقافية لليمن. فليس غريباً أنَّ مجموعات كبيرة من سكان المناطق الوسطى ، سواء كانوا إسلاميين أو يساريين ينزعون بقوة للتمسك بالمشترك الوطني اليمني ، بينما تميل بعض الجماعات في المناطق الشمالية والجنوبية إلى التفرد الطائفي والتوجه الانفصالي.

وعلى صعيد تأثير الهجرة الخارجية على البنية الاجتماعية والسياسية، بشكل عام ، يكفي ،مثلًا ، أنْ نذكر في هذا الصدد ، أنَّ المهاجرين من المغرب العربي إلى أوربا الغربية ، وبشكل خاص إلى فرنسا، ينقلون إلى بلدانهم في كثير من الأحيان ، بجانب الفوائد الاقتصادية العديدة ، أنماطًا جديدة من الأفكار، كالديمقراطية والحرية والتسامح وغيرها من قيم الحداثة ، فضلاً عن أشكال مختلفة من أنماط العيش وطرق الإنتاج ، بينما المهاجرون من اليمن إلى الخليج العربي، وبشكل خاص إلى السعودية ، بما في ذلك زوار إيران ، لاعتبارات سياحية ودينية وسياسية ، يقومون في بعض الأحيان بعملية تدوير التخلف والتطرف ، Recycling of backwardness and extremism . إذْ إنهم ، إذا لم يُطردوا طبعًا ، ينقلون إلى وطنهم ، عند العودة ، بجانب الفوائد الاقتصادية المحدودة ، أفكاراً تقليدية متخلفة ، كالحث على طاعة ولي الأمر ، والنزوع الطائفي ، والتحقير للمرأة ، ومنع اختلاطها بالرجل ، واعتبار الحرية والديمقراطية ضلالة ، يستوجب محاربتهما ، فضلاً عن أنماط متخلفة من طرق العيش، لا ينتج عنها ، في الغالب، سوى الأمراض، كالبدانة و السكري وانسداد شرايين القلب ، وتلبد المعدة ، فضلًا عن تبلد العقل، وأتساع رقعة البلادة والجهل ، فيتضاعف التخلف في بلادنا ، ويفرز نتائج مدمرة على المشترك الوطني اليمني ، كالصراع ، مثلًا ، بين الوهابية والزيدية ، وبين التوجهات الإسلامية المعتدلة ، وغيرها من الاتجاهات المتطرفة، فضلًا عن النزعات السياسية ، الجهوية والطائفية والقبلية ، التي تقوض الولاء الوطني المشترك ، وتحث على الولاء، بشكل مبشر وغير مباشر ، للخارج تحت ذرائع مختلفة، على الرغم من التبجح و الصراخ الممجوج عن الوطنية و الوطن!
للحديث بقية.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو