الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشمولية -المقدّسة -و تصنيع الديكتاتور الإسلاموي

إيمان بوقردغة
شاعرة و كاتبة و باحثة تونسيّةـ فرنسيّة.

(Imen Boukordagha)

2019 / 8 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تنشأ الأعمال الاستبدادية "المقدسة "من ربط بين لا محدودية العالم الإلهي بتناهي التجربة البشرية المادية فتنخرط في مفهوم الأصولية المنبثقة عن "شرعية إلهية المصدر" تُفرض حتما و لا زمنيا على الجميع وفي هذا المقام يتعين على "الحاكم المقدس" أن يختلق نسخة مقدسة للشخصية لإثبات أنه أكثر ذكاء وقوة وتفوقا على أي إنسان لغرض تسييدها على الواقع المجتمعي و السياسي وهو يعجز عن أن يجد خارج هذه الشخصية علل وجوده و هيمنته .
ووفقًا لنظرية "الحاكم المقدس" ، فإن مصدرالشرعية هو الله فقد "تم تعيينه من قبل الله". وتطبيقا لذلك فإن الطاعة أمر واجب. حيث لا يعني العصيان جريمة فحسب ، بل خطيئة أيضًا فتندمج هذه النظرية في صناعة الديكتاتور الإسلاموي المسيَّج بالنصوص الدينية فيستوي على العرش لإخضاع المحكومين لسلطانه الشمولي.
وبتعبير أدق فإن الديكتاتور "المقدس" ليس مسؤولا أمام أي شخص، ولا منظمة، ولا مؤسسة اجتماعية. بل هو يخلق انطباعا بأنه يحمل في كف يده وجود كل شخص وكل منظمة. فهو "الكائن الأسمى" المخترَع و "المبرمج إلهيا "ليخدم البشرية جمعاء خدمة عظيمة. ولهذا السبب تختفي حقوق الإنسان والحقوق المدنية في ظل الديكتاتورية الإسلاموية والحال أن الإنسان كائن قانوني بالطبع إذا ما اطمأنّت عقولنا إلى قاعدة أنه كائن "ذو بعدين تمتد حياته الإجتماعية في الآن ذاته على مستوى الكينونة و على مستوى الكينونة الإلزامية" التي تضبطها حقوق والتزامات .وحقوق الإنسان غير قابلة للإستلاب "ليتأكد مفهوم الإنسان كمبدئ كوني مجرد ولد حرا ووهب عقلا وهو متساو مع بقية البشر "في إعلانات شرعة الحقوق على غرار إعلان حقوق الإنسان والمواطن وفي هذا المقام أقرّ Jean Joseph Mounier الذي تم انتخابه رئيسا للجمعية التأسيسية الوطنية بأنه "لكي يكون الدستور جيدًا ، يجب أن يستند إلى حقوق الإنسان ويحميها ؛ يجب أن نعرف الحقوق التي تمنحها العدالة الطبيعية لجميع الأفراد ، ويجب أن نتذكر جميع المبادئ التي يجب أن تشكل أساسًا لجميع أنواع المجتمعات ، وأن كل مادة من مواد الدستور قد تكون نتيجة لمبدئ "
Pour qu’une constitution soit bonne, il faut qu’elle soit fondée sur les droits de l’homme et qu’elle les protège il faut connaître les droits que la justice naturelle accorde à tous les individus, il faut rappeler tous les principes qui doivent former la base de toute espèce de société, et que chaque article de la Constitution puisse être la conséquence d’un principe .

فإنكار حقوق الإنسان هو قتل للإنسان ينتج عنه التأسيس الهدّام للشمولية وهي النتيجة المنطقية التي عبّرت عنها حنة أرندت حيث أقرّت بأن "أول خطوة على الدرب المؤدي إلى الهيمنة الكلية تتمثل في قتل الشخص القانوني في الإنسان "
ومن ناحية ثانية ألمع أستاذ القانون في جامعة نانت وعضو معهد فرنسا الجامعي في كتابه الإنسان القانوني: بحث في وظيفة القانون الأنثروبولوجية إلى أن "إنكار وظيفة القانون الأنثروبولوجية باسم واقعية بيولوجية أو سياسية أو اقتصادية مزعومة لهو القاسم المشترك بين كل المحاولات الشمولية"
و تطبيقا لهذه الرؤية الشمولية للحكم فإن الديكتاتور الإسلاموي لا يطيع قواعد غير تلك التي من صنعه؛ فوفقا لل"شخصية المقدسة" التي ابتدعها فإنه يصبح كائنا فوق القانون ينخرط في ميل إلى التخلي تماما عن القواعد القانونية. فيستعيض عن سيادة القانون بسلوك تعسفي وأوامر فوقية فنراه يأمربالقتل و بالنفي وبحرمان الإنسان من حقوقه المدنية و السياسية دون رادع فيخرق مؤسسة الدولة كمصدر حي و أعلى لسن القوانين .
وتحقيقا لهذه المقاصد المذمومة فإنه يسيّج سلطته بأشخاص لا يتمتعون بالقدر الكافي من الكفاءة والنزاهة وهم يحافظون على مواقفهم المؤيِّدة للديكتاتورية بخبث وانتهازية .
فإن كانت السياسة لها علاقة بالاختيار وتنفيذ القرارات وبالتالي، فإن عالم السياسة يشكل" أحد أعلى جوانب الثقافة الشعبية".فإن حكم الديكتاتور الإسلاموي يعمل على التقليص من مجال السياسة للإندماج في فن التلاعب كما يتقلّص التمييز في نفس السياق بين السياسة العامة والمصلحة الخاصة. ولهذا السبب فإن الديكتاتور الإسلاموي كثيرا ما يستند في القرارات الإنتقامية التي يفرضها على الأحقاد والثأر وهو ما يعادل ما قد نطلق عليه تسمية "السياسة الحاقدة" و العمياء التي تسجن و تضطهد و تقتل و تُهجّر المواطنين من أوطانهم .
وتُشهِّر بهم دون وجه قانوني بل فقط استجابة لنوازع مرضية قد تشكِّل عوارض اكلينيكية "لجنون العظمة التوسعي الحاد " وهو نوع مختلف من جنون العظمة الحاد ،" الذي يتميز بأوهام مصابة بجنون العظمة (عظمة ، اختراع ، قوة ، أو محتوى ديني)."
فالديكتاتور الإسلاموي ينخرط في عمل أحادي الجانب وبالتالي يفكر ويلاحظ أيضًا في اتجاه واحد فتشتّد عوارض جنون العظمة حتى أنه قد يتباهى بغطرسته و خرقه للقواعد القانونية و للفضائل الأخلاقية على المستوى الداخلي لكن في سياق أصبح فيه مطلب الحرية عالميا، فقد بات القمع يستشعر الحاجة إلى التمويه حيث أن مناخ الرأي العام الدولي هو السبب الذي يجعل ديكتاتورية الحاكم الإسلاموي تفضل البقاء متنكرة في جُبَّة أو في بدلة و ربطة عنق إن اقتضت الحاجة إلى التمويه ذلك.
ومثل كل الديكتاتوريات الكلاسيكية، فإن الديكتاتورية الإسلاموية تعزز عبادة الشخصية و تندمج في مفهوم "الجاهلية "الذي طالما زعمت أن عملها هو في الإتجاه المخالف له منذ "أدبيات سيد قطب" بل إن الخاضعين للديكتاتوريات الإسلاموية عميان قد انحجب عنهم أصل توحيد الله وهو المستحقّ وحده للعبادة.
"فلا يبلغ درجة الاتّحاد والجوهر البسيط المودع في الانسان أعني الروح الانساني إلا إذا صفا عن أخباث الطبيعة وخلص عن سجنها بالتطهّر عن العلائق المادّية وتخلّى عنها و انجذب بحكم المناسبة المشار إليها إلى عالم القدس واشتاق إلى أشباهه من الذوات النورية المجرّدة. ثم إلى نور الأنوار ومنبع الخيرات واستغرق في مشاهدة جمال الحق
ومطالعة جلاله ، وانمحى في أنوار تجلياته المفاضة عليه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على خاطرووصل إلى مقام التوحيد الذي هو من أعلى المقامات".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه