الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لسان الملك داود بينقط سكر !!

ابرام لويس حنا

2019 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كما يعلم معظمكم بأن الرجل يحتاج الي التبول مثله مثل المرأة، وقديماً لم تكن هناك دورات مياه مخصصة للتبول وللإفراغ بل كان يتم هذا في الصحراء، في مناطق نائية، في أماكن مهجورة من المنزل، في الادغال، وراء أشجار، دورات مياه بسيطة في المنزل.
لكن عندما يصل الأمر بملك يُقال عنه ان رجلاً حسب قلب الله وانه صانع كل مشيئته[1] ونجده يُعير ويشتم رجلاً بإنه يتبول مثلما ما تتبول الكلاب، بل ونجد كاتب السفر يجعل كل القصة تحقيراً واستهزاء لهذا الشخص فنحن بالتالي لسنا سوى أمام رواية سفيهة نعرف منها حقيقة الأشخاص.

تبدأ روايتنا [2] برجل يُدعي "نابال" وكان يسكن في مدينة تُدعي كرمل وكان غنياً جدا لكنه كانت له شخصية قاسية[3] فكما تترجمها ترجمة The New Revised Standard Version of the Bible (NRSV) بانه "فظاً و خبيثاً"، بل في الواقع ايضاً معني اسمه هو" احمق" كما قالت زوجته [4]، ولكن على عكس شخصيته ، فقد كانت زوجته" ابيجايل" "ذكية و جميلة"[5] كما تصفها الرواية ، ولكن لا تعرفنا القصة كيف انتهي الامر بشخصية جميلة وذكية بشخص أحمق ! ولكن يُحتمل من أجل ماله أو من أجل الحب وهذا يُستبعد لأنها عرضت نفسها بصورة مُبطنة للملك داود[6]

عوداً لروايتنا، كان "نابال" مشغولا بجز غنمه في الكرمل حين جاء إليه وفد من الملك داود؛ عشرة رجالاً طالبين منه بإمدادهم بالغنم، ولكن في رسالته التي أرسلها داود الي "نابال" أشار فيها الي كيف يقوم هو ورجاله بحماية رعاة وغنم نابال في:
(روحوا إلى نابالَ في الكرمَلِ، وسلِّموا علَيهِ با‏سمي وقولوا لَه: «عشتَ ودُمتَ سالِما أنتَ وأهلُكَ وكُلُّ ما لَكَ. سَمِعتُ الآنَ أنَّكَ تجُزُّ غنَمَكَ فا‏علَمْ أنَّ رُعاتَكَ كانوا معَنا، فما أذَيناهُم ولا أخَذْنا مِنهُم شيئا طُولَ إقامَتِهم في الكرمَلِ. سَلْ رُعاتَكَ يُخبِروكَ. فليَنعَمْ رُسُلي بِرِضاكَ، لأنَّهُم جاؤوا إليكَ في يومِ خَيرٍ، فا‏بعَثْ معَهُم لا‏بنِكَ داوُدَ ورِجالِه ممَّا تَيسَّر)[7]

يشبه هذا الخطاب أي خطابات العصابات (المافيا) عندما تهدد شخصاً ما أو تبتزه، ولكنه كان على الأقل كان ابتزازاً بصورة مؤدبة ومعقولاً إلي حد ما فبالرغم من عدم كونه الملك لكي يطلب بالأمر لكنه طلبه بصورة منطقية فقد كان يحمي غنم "نابال" و كَلمَهُ بصيغة الأبوة لرجل عجوزعلى مشارف موته قائلاً :
( فَأَعْطِ مَا وَجَدَتْهُ يَدُكَ لِعَبِيدِكَ وَلابْنِكَ دَاوُدَ )[8]
وقد تكون تلك لهجة "التسول، و أي كانت الطريقة فقد كانت طريقة مُهذبة للطلب.

لكن "نابال" كان مُدركاً بأن داود ليس هو الملك وليس من حقه فقد كان الملك هو شاول وكان دواد هارباً من شاول ماكثاً في الحصون وفي الجبال :
(واقام داود في البرية في الحصون ومكث في الجبل في برية زيف.وكان شاول يطلبه كل الايام ولكن لم يدفعه الله ليده)[9]

بالإضافة الى إنه ليس من المعقول بأن يخصص داود رجالاً لرعي غنم رجل لا توجد علاقات أو معارف بينهم، لرجل مشهورعنه انه هارب وعدو للملك[10].

لكن رد "نابال" لم يكن ولا مؤدباً ولا ذكياً بالمرة، فقد اهان داود ناعتاً إياه بالعبد الهارب ، وبالرغم من تلك حقيقة و وبالرغم ايضاً من حقيقية ان داود ليس له اى حق في طلبه لكنه لم يكن رداً ذكياً :
(مَنْ هوَ داوُدُ؟ مَنْ هوَ ا‏بنُ يَسَّى؟ كثُرَ اليومَ العبـيدُ الّذينَ هرَبوا مِنْ عِندِ أسيادِهِم. كيفَ لي أنْ آخُذَ خُبزي ومائي وذبـيحَتي الّتي ذَبحتُ للَّذينَ يَجُزُّونَ غنَمي وأُعطيها لقومٍ لا أعرِفُ مِنْ أينَ هُم؟)[11]

وبالطبع أغاظ هذا الرد داود ولذا أمر رجاله بحمل السيف والسير ناحية نابال لقتله ولقتل كل ذكر قائلاً:
(ويلٌ لي مِنَ اللهِ إنْ أبقَيتُ إلى الصُّبحِ ذَكَرا مِنْ جميعِ أهلِ بَيتِهِ)[12]

وهنا مشكلة أخلاقية نفسية في هذا الشخص المدعو داود أمن أجل رفض طلبه يقتل البريء مع الظالم؟ ومن هو لكي يَسن قانون بأن لا تُكسر أوامره وبأن لا يُطاع، وهل نتيجة رفض شخص اهداء شخص آخر القتل ؟! إنها شريعة الغابة وسيدها هنا في تلك القصة هو داود الملك الذي قلبه مثل قلبه إلهه الذي لا يَختلف عنه كثيراً.

الجدير بالذكر أن داود رجع عن هذا الامر ليس بسبب تبكيت او نصح من إلهه ولكن بسبب زوجة "نابال" التي نصحته بالا ينتقم لكرامته وألا يسفك الدماء البريئة بدون سبب ويترك هذا الامر لإلهه قائلة له :
(فلا يكونُ هُنالِكَ ما يُخلِّيكَ تشعُرُ بالنَّدَمِ وتَبكيتِ الضَّميرِ لأنَّكَ سَفَكتَ دَما بِــغَيرِ سبَبٍ ا‏نتِقاما لِنَفْسكَ)[13]

ولحسن الحظ انه وجد في كلامها فطنة وعقل ، وتراجع الملك داود بسبب كلامها قائلاً :
(مُبارَكَةٌ أنتِ، لأنَّكِ مَنَعتِني اليومَ مِنْ سَفكِ الدِّماء ا‏نتِقاما لِنَفْسي بـيَدي)[14]

فحتى هنا نجده يعترف بانه كان يُريد الانتقام لنفسه، لذا ليست كل الحروب هي لله وليهوه كما يزعمون ولكن هناك حروب وهي كثيرة من أجل الزعامة والكرامة.
ونلاحظ حتى في كلام "أبيجايل" لداود تذكره بانه ليس الملك بعد:
(وإذا عَمِلَ الرّبُّ لكَ يا سيِّدي كُلَّ ما وعدَكَ بهِ مِنَ الخَيرِ وجعَلَكَ رئيسا على إِسرائيلَ)[15]

فهو ليس أكثر من شخص هارب يسكن الحصون شارداً في الجبال منتهزاً الأشخاص يُحارب ويدخل حروباً تارة من أجل الله و تارة من أجل نفسه.

عودة الى قصتنا، فرَّ احد العبيد الى زوجة نابال وهى "ابيجايل" عندما راي بأن رد سيده "نابال" غير حكيم و بانه سيؤدي الى حروب:
(فقالَ واحدٌ مِنْ خدَمِ نابالَ لأبـيجايلَ زوجَتِهِ: «أرسَلَ داوُدُ رُسلا مِنَ البَرِّيَّةِ يُسلِّمونَ على سيِّدِنا، فثارَ غضبُهُ علَيهِم. ورجالُ داوُدَ أحسَنوا إلينا جِدًّا، فما آذونا وما أخذوا لنا شيئا كُلَّ أيّامِنا معَهُم في البَرِّيَّةِ، وكانوا يُدافِعونَ عنَّا ليلا ونهارا طُولَ إقامَتِنا معَهُم ونحنُ نرعى الغنَمَ. فا‏علَمي هذا وا‏نظُري الآنَ ماذا تَعملينَ، لأنَّ الشَّرَّ يتهدَّدُ سيِّدَنا وكُلَّ أهلِ بَيتِهِ، وهوَ صَعبُ المزاجِ لا يَقدِرُ أحدٌ أنْ يُكلِّمَهُ)[16]

فما كانت من "أبيجايل" إلا بأن أعدت نفسها وجهزت الهدايا لداود:
(فأسرَعَت أبـيجايلُ وأخذَت مئتي رَغيفٍ، وزقَّي خمرٍ، وخمسةَ خرافٍ مَشويَّةٍ، وخمْسَ كيلاتٍ مِنَ الفَريكِ، ومئةَ عُنقودٍ مِنَ الزَّبـيبِ، ومئتَي قُرصٍ مِنَ التِّينِ، وحملَتْ ذلِكَ كُلَّهُ على حميرٍ)[17]

وذهبت للقاء داود، وعندما رأته سجدت امامه وامتصت غضبه بجزالة اللسان و لباقة الحديث و فصاحتها:
(فلمَّا رأت أبـيجايِلُ داوُدَ، نزَلَت في الحالِ عَنْ حمارِها وا‏نحنَت حتّى الأرضِ أمامَهُ، ووقَعَت على رِجليهِ وقالت: «عليَّ يقعُ اللَّومُ يا سيِّدي، فَدَعْني أنا جاريَتكَ أتكلَّمُ على مسمَعِكَ، وأصغِ أنتَ لِكلامي. لا تهتمَّ بهذا الرَّجلِ اللَّئيمِ نابالَ، لأنَّ ا‏سمَهُ يَنطبِقُ على مُسمَّاهُ وهوَ الحَماقةُ. فأمَّا أنا جاريَتُكَ فما رأيتُ الّذينَ أرسلتَهُم والآنَ يا سيِّدي، حَيٌّ هوَ الرّبُّ وحَيٌّ أنتَ، إنَّ الرّبَّ الّذي منعَكَ عَنْ سَفكِ الدِّماءِ بـيَدِكَ ا‏نتِقاما لِنَفْسِكَ، سَيُعاقبُ أعداءَكَ وكُلَّ مَنْ يَطلُبُ لكَ الشَّرَّ مِثلَ نابالَ. والآنَ إليكَ بهذِهِ الهديَّةِ الّتي جاءَتكَ بِها جاريتُكَ، فأعطِها لرِجالِكَ. وا‏صفَحْ عَنْ إساءةِ جاريَتِكَ إليكَ، ولا بُدَّ أنْ يُقيمَ لكَ الرّبُّ مُلكا وطيدا، لأنَّكَ يا سيِّدي تُحاربُ حروبَ الرّبِّ ولا تفعَلُ شرًّا طُولَ أيّامِ حياتِكَ. وإذا قامَ أحدٌ ليُطاردَكَ ويَطلبَ حياتَكَ، فلتَكُنْ حياتُكَ يا سيِّدي مَصرورةً في صُرَّةِ الأحياءِ معَ الرّبِّ إلهِكَ، وأمَّا حياةُ أعدائِكَ فليَرمِها الرّبُّ كما في كفَّةِ المِقلاعِ. وإذا عَمِلَ الرّبُّ لكَ يا سيِّدي كُلَّ ما وعدَكَ بهِ مِنَ الخَيرِ وجعَلَكَ رئيسا على إِسرائيلَ، فلا يكونُ هُنالِكَ ما يُخلِّيكَ تشعُرُ بالنَّدَمِ وتَبكيتِ الضَّميرِ لأنَّكَ سَفَكتَ دَما بِــغَيرِ سبَبٍ ا‏نتِقاما لِنَفْسكَ. وإذا أنعَمَ الرّبُّ علَيكَ، يا سيِّدي، فا‏ذكرْني أنا جاريَتُكَ)[18]

فما كان رد ملكنا داود ؟
هل كان رده مثل ردود الملوك الذين هم بحق ملوك شرفاء؟
رد داود قائلاً :
(مبارك الرب اله اسرائيل الذي ارسلك هذا اليوم لاستقبالي ومبارك عقلك ومباركة انت لانك منعتني اليوم من اتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي. ولكن حي هو الرب اله اسرائيل الذي منعني عن اذيتك انك لو لم تبادري وتاتي لاستقبالي لما ابقي لنابال الى ضوء الصباح بائل بحائط)[19]

فهنا يُقول صراحة الملك داود انه سيقتل كل ذكر ولكن بلغة آخري وهي باللغة السوقية قائلاً
(انك لو لم تبادري وتاتي لاستقبالي لما ابقي لنابال الى ضوء الصباح بائل بحائط )

فهنا يُشبة لنا الملك دواد بأن كل ذكوربيت نابال يتبولون على الحيطان مثل الكلاب.

ويشرح لنا اللاهوتي و القس Peter J. Leithart بأن الموضوع أكبر من مجرد قالها "داود" بل الموضوع بتعدي ما قام به المؤلف ايضاً في القصة:

أ) ففي البداية يوصف "نابال" بانه " كالبي"[20] وهي كلمة تقترب لدرجة التطابق من كلمة "كلب" في العبرية بل هي تعني "كلب"[21]، مما يوضح لنا السخرية المُضحكة التي تلاعب بها مؤلف القصة ، فكما وصف داود بإن بيت نابل يتبولون على الحيطان ، فلابد ان يكون "نابل" من قبيلة الكلاب لان الكلاب هي من تتبول على الحيطان.
ولكن مؤلفنا هنا ذكي فلم يكتفي تشبيه "نابال" بالكلاب، ولكنه ايضاً اكد الفكرة بما قاله عبده لسيدته "ابيجايل":
(كانوا سورا لنا ليلا ونهارا كل الايام التي كنا فيها معهم نرعى الغنم )[22]

كأن "نابال" هنا مثل الكلب الذي يتبول على السور والسور هنا هو داود ورجاله.
للأسف لا تكتفي روايتنا بالألفاظ السوقية التي قالها الملك داود، ولكن يتحالف مؤلف القصة ايضاً بتأكيد المعني ومعضلة تلك الرواية لا تكمن في مجرد تشبيهات أو شتائم او إساءات، انها تكمن في شخصية ونفسانية "الملك داود" الذي اختاره الله، فهو شخص بارع في الشتائم، يُريد الانتقام لنفسه حتى ولو على حساب قتل أطفال ذكور صغار لمجرد انهم "يتبولون على الحائط" .

الحواشي :
----------
[1] اع 22:13
[2] 1 صم 25
[3] 1 صم 25 : 3
[4] (لا تهتمَّ بهذا الرَّجلِ اللَّئيمِ نابالَ، لأنَّ ا‏سمَهُ يَنطبِقُ على مُسمَّاهُ وهوَ الحَماقةُ) 1 صم 25 : 25
[5] (وكانَت أبـيجايِلُ ذَكيَّةً وجميلةً وكانَ نابالُ رجُلا فظًّا سيِّـئَ التَّصرُّفِ) 1 صم 25 : 3
[6] وإذا أنعَمَ الرّبُّ علَيكَ، يا سيِّدي، فا‏ذكرْني أنا جاريَتُكَ».1 صم 25 : 31
[7] 1صم 25 : 6 - 8
[8] 1صم 25 : 8
[9] سفر صموئيل الأول 23: 14
[10] (فا‏لتفَتَ شاوُلُ إلى خَلفِهِ، فا‏نحنى داوُدُ حتّى الأرضِ، 10وقالَ لَه: «لماذا تُصدِّقُ القائلينَ لكَ إنَّ داوُدَ يَطلبُ أذاكَ؟ ) 1 صم 24 : 9
[11] 1 صم 10 : 11
[12] 1 صم 25 : 22
[13] 1 صم 25 : 31
[14] 1 صم 25 : 33
[15] 1 صم 25 : 30
[16] 1 صم 14 : 17
[17] 1 صم 25 : 18
[18] 1 صم 25 : 24-31
[19] 1 صم 25 : 32 : 33
[20] 1 صم 25 : 3
[21] كالب : اسم عبري معناه ( كلب ) انظر : معجم الكتاب المقدس ، (كالب)
[22] 1 صم 25 : 16

المرجع الأساسي :
--------------------
[ John Kaltner, Steven L. McKenzie, and Joel Kilpatrick , The Uncensored Bible The Bawdy and Naughty Bits of the Good Book , p 93 : 98 ]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 139-Al-Baqarah


.. 135-Al-Baqarah




.. استمرار اعتداءات المستوطنين اليهود على الحافلات المحملة بالم


.. كل يوم - اليهود قبل 48.. شتات بلا وطن واستيطان بلا حق




.. الأردن في مرمى تهديدات إيران وحماس والإخوان | #التاسعة