الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرأيتيون

كريم عرفان

2019 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل ظهور الإمام الشافعى (ت204 هـ) كانت الساحة الفقهية فى حوزة الفقهاء وحدهم ولم يكن لأهل الحديث ذلك الوجود البارز
عُرف الفقهاء - قديما - بأصحاب القياس وأهل الرأي ( وإن غلب هذا اللقب على أهل العراق ) وأيضا لقبهم خصومهم من أهل الحديث ((بالأرأيتيين)) لأنهم كانوا يسألون دائما عما سيقع ويفترضون الإجابات عليه واشتهر لديهم السؤال ..
"أرأيت "لو حدث كذا وكذا فماذا سيكون الحكم ؟ فقد توسعوا فى التفريع وتأهبوا للوقائع قبل حدوثها فاشتهر لديهم ( الفقه الإفتراضى )..
وكانت هناك علاقة ديناميكة تقوم بين المحدثين وأهل الرأى ..يجوب المحدثون البلدان يجمعون الاحاديث النبوية الشريفة ثم بعد ذلك يقومون بتمحيص السند ومعرفة أحوال الرواة من حيث ضبطهم وعدالتهم وانتفاء الشذوذ والعلل التى تقدح فى الحديث . أما نص الحديث أو ما يعرف بالمتن فكانوا يتركون فقهه ووتأويله للفقهاء وأهل الرأى ..
وكان هؤلاء الفقهاء يقومون بعملية فحص وتنقيح تالية ..
أى ان أهل الرأى يقومون بقراءة المتن قراءة انتقادية أولا حتى يطمئنوا إلى صحة النص الذى بين أيديهم – وفقا لمعايير وضعوها - فمن الجائزأن الحديث الذى صححه المحدثون سندا وقبلوه متنا لا يقبله الفقهاء ولا يعملون به - ثم تأتى مرحلة أخرى حيث يقوم الفقهاء بتحليل المتن وتأويله ثم استنباط الحكم الشرعى منه ؛ هذه العملية الديناميكة – كما ذكرنا- التى كانت تتم بين الفقهاء والمحدثين - فى القديم - يلخصها لنا هذا الموقف ..
فقد احتار كبير المحدثين الإمام سليمان بن مهران الذى عرف بالأعمش فى مسالة فقهية فسأل أبا يوسف يعقوب بن ابراهيم الأنصارى (ت 182 هـ ) وأبو يوسف هو أنجب تلامذة أبى حنيفة إمام أهل الرأى؛ فأجابه يعقوب على تساؤله فقال له: من أين قلت هذا؟ فقال أبو يوسف : لحديثك الذي حدثتناه أنت، ثم ذكر له الحديث، فقال له: يا يعقوب، إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يجتمع أبواك، فما عرفت تأويله حتى الآن . ويختصر تلك العلاقة الإمام الأعمش فى قوله «نَحْنُ الصَّيَادِلَةُ وَأَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ».
وهذا اعتراف من محدث له وزنه بأن أهل الرأي ( يعنى الفقهاء بالمعنى الواسع ) هم الأعلم بتاويل النصوص وان دور أهل الحديث لا يتعدى حفظ المتون والإهتمام بالأسانيد .
ولم يكن الأعمش حالة استثنائية بل كان هناك رضا عام من شيوخ المحدثين الكبار بهذه الآلية بل كانوا يتبعون ائمة اهل الرأى ويأخذون عنهم الفتوى ويسلمون لهم تسليما ...فنجد أئمة الحديث كوكيع بن الجراح الكوفي يفتى بقول أبى حنيفة إمام أهل الرأى ؛ وايضا الحافظ يحيى بن سعيد القطان يقول: «لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، و قد أخذنا بأكثر أقواله».
وذلك كله يدل على إقرار أصحاب الحديث بأن أهل الرأي أي( الفقهاء بالمعنى الواسع) هم الأجدر على إصدار الأحكام الشرعية لأنهم من يجيد تدبرالنصوص الشرعية وفقهها ..أما اصحاب الحديث ..فليس عليهم سوى تمحيص السند ومعرفة أحوال الرواة ثم تقديم تلك الثروة الحديثية لأهل الرأى عن طيب خاطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة