الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة المفكرة المبدعة في عالم ديني ذكوري

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2019 / 8 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


يوافق يوم ١١ فبراير مولد المفكرة الأديبة المبدعة مى زيادة، التى ولدت عام ١٨٨٦، وماتت ١٩ أكتوبر ١٩٤١، وهى فى ريعان شبابها وقمة إنتاجها الفكرى الأدبى، ماتت فى مستشفى داخل مصر، مهجورة من أهلها وعائلتها فى لبنان وفلسطين، منسية من أصدقائها وأحبائها فى مصر. لم تختلف مآسى حياتها وموتها عن المفكرات الكاتبات المبدعات فى الشرق والغرب والشمال والجنوب، منذ أن حكم الإله الذكورى يهوه فى كتابه العهد القديم (التوراة) على حواء وجنس النساء كله، بالسقوط والخطيئة، لمجرد أنه خلقهن إناثا وليس ذكورا، وقع الإله يهوه فى التناقض والعنصرية الجنسية دون أن يدرى، فكيف يكون هو الذى خلق الأنثى، ولم تخلق هى نفسها أنثى، ومع ذلك يعاقبها أشد العقاب على ما فعله هو، يلصق بها العار والدونية والعبودية والإثم، ونقصان العقل، ويجعل لزوجها السلطة المطلقة والشرف والعقل والكرامة والنخوة والشهامة، وهى مجرد متاع له، وعاء لأبنائه تحمل وتلد فى الأسى والألم والهوان وهو يسود عليها كما ورد فى التوراة بالحرف، وانتقلت هذه الكلمات من التوراة إلى ما تلاها من كتب دينية بلغات أخرى وتعبيرات مختلفة، لكنها تحمل المعنى نفسه.

كنت أقرأ هذه الكلمات فى حصة التاريخ والدين بالمدرسة الابتدائية الإنجليزية فى بلدة منوف وسط دلتا النيل، مع زميلاتى اليهوديات والمسيحيات والمسلمات، نشعر بالغضب المكبوت فى قلوبنا من التناقض الدينى الواضح لنا نحن الأطفال، والظلم الواقع علينا لمجرد أننا خلقنا إناثا وليس ذكورا.

كنت فى العاشرة من عمرى بالمدرسة الابتدائية حين سمعت أمى تقول ماتت مى زيادة يا نوال، كانت أمى تقرأ عنها أحيانا فى الصحف، وكانت الصحف تهتم بأخبارها الخاصة عن حياتها الشخصية، عن كونها أنثى جميلة متحررة سافرة لا ترتدى الحجاب، تخالط الذكور، تعقد صالونا أدبيا يجتمع فيه الرجال منهم عباس العقاد وغيره ممن يعشقونها.

أغلب الحكايات عنها سلبية لا تذكر الصحف شيئا عن أفكارها وكتاباتها الأدبية وفلسفتها فى الحياة، لكن أمى كانت تقول إنها كاتبة وأديبة عظيمة، يتجاهلها النقاد، لأنها امرأة، ولأنها سافرة وتخالط الرجال ولا تراعى التقاليد التى تخضع لها كل النساء.

لم نقرأ كلمة واحدة عن مى زيادة فى المدرسة الابتدائية ولا الثانوية، ولا بعد ذلك فى الجامعات، حين حصلت على الشهادة الثانوية وتأهبت لدخول الجامعة نصحنى أبى وأمى بدخول كلية الطب لأصبح طبيبة وليس أديبة، قال أبى الأدباء يا ابنتى يدخلون السجون ويموتون فقراء، والأديبات النساء تشوه سمعتهن مثل مى زيادة لا ينلن أى تكريم من أحد، يغدر بهن الوطن والزوج والعائلة والأصدقاء والأحباء والصديقات، يعشن، وحيدات ويمتن وحيدات.

سمعت كلام أمى وأبى ودخلت كلية الطب، وتخرجت طبيبة بتفوق، لكنى كنت أحتفظ بمفكرتى السرية منذ الطفولة أدون فيها أفكارى ومشاعرى، وما إن بدأت أكتب منذ نصف قرن وأكثر، وأعبر عن نفسى بحرية وصدق حتى انهالت على اللعنات ونهشت الإشاعات عظامى، حتى اليوم ١١ فبراير ٢٠١٩، تحتفل وزارة الصحة والسكان ونقابة الأطباء بقانون وبمشاريع محاربة ختان الإناث فى مصر، وحين قمت أنا منذ أكثر من نصف قرن، بالكتابة عن مآسى ومضار الختان الصحية والاجتماعية وطالبت بتجريمه ومنعه، أصدر وزير الصحة حينئذ، عددا من القرارات لإبعادى عن منصبى، وتشريدى، وأصدرت نقابة الأطباء ومشيخة الأزهر بيانات تشوه سمعتى، بأننى جاهلة بالطب والدين بل، كافرة ضد الأخلاق، واستحق العقاب.

تعود إلى هذه الذكريات يوم ١١ فبراير ٢٠١٩ فى عيد ميلاد الأديبة العظيمة مى زيادة، وأتوقع أن أموت مثلها وحيدة دون تكريم من أحد لكنى لن أكون أبدا حزينة أو نادمة، بل فخورة وسعيدة، فالسعادة تنبع من داخلى وأعماقى، ومن أعمالى الإبداعية والفكرية، وليست من الخارج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مباركة أنتِ في النساء
ليندا كبرييل ( 2019 / 8 / 23 - 05:55 )
السلام عليك يا نوال، يا ممتلئة عقلا ونورا وعلما، الشعب معكِ، مباركة أنت في النساء

محبة وتقديرا

عندما تكون المرأة ناقصة عقل وفي مستوى الحيوان فهذا انتقاص من صفات الله الذي لم يصنع الإنسان على أكمل وجه
ولا تفسير عندي لتمثيلية ختان المرأة أو فض بكارتها سوى أن الله قد نسي إزالة جزء من جسدها وهو يخلقها
أو أنه ظن التمام في خلقها ثم اكتشف العيب في صنعته ليتداركه بالطلب من موظفيه على الأرض تعديله

إن كان الختان سنة إلهية ومكرمة للمرأة وشرفا لها ولعائلتها، فقد كان على الله أن يأمر بهذه الحكم في كل الديانات تكريما لكل نساء العالم
لا أن يميز المسلمات أو الإفريقيات وتخصيصهنّ بهذا الشرف العظيم دون غيرهن
فهذه اللاعدالة بعينها

نحن الشرقيات لا نعرف عادة الختان، وهناك منْ لم يسمع بها ويظن أنها من العهود البائدة
فهل نحن الشرقيات نتمرّغ في الرذالة والحيونة؟
هل رجلنا ديوث ورجلكم شريف؟
إن كانت عادة إسلامية أصيلة فليكونوا مسلمين مخلصين لأمر ربهم ولينشروا هذه العادة في كل البلاد وحيث وُجِد الإسلام
أطالب شيوخ الدين بأن تتساوى نساء الأرض
أو فليجتمعوا ولْيقرروا رسميا وبشكل قاطع أنها رذالة وليست من الدين



2 - أنتِ انتصرتِ على كل فكر ذكوري وديني
فؤاده العراقيه ( 2019 / 8 / 23 - 16:47 )
تقولين ( أتوقع أن أموت مثلها وحيدة دون تكريم من أحد) وأنا اتوقع بأن هذه العبارة قد سقطت منكِ سهوا , فمن هو هذا الأحد ؟ اليس نحنُ وجميع النساء اللواتي عرفنّ حقوقهنّ بفضل كتاباتكِ
ومن ثم انتصرن على الفكر الذكوري المتعجرف والفارغ ؟
ثم كيف لمثلكِ أن يموت بعد أن دخلتِ لجميع البيوت وعشتِ الحياة كما يجب أن تُعاش , بالحب وبالفكر المتجدد دوما والمشتعل حياة , بالشك وبالسباحة عكس التيار , بالامل المتجدد وبالتفاؤل حيث عرفتِ طعم السعادة فكيف لكِ أن تموتي , وهل يموت الأبداع؟
فكيف يموت أمثالك


3 - خالدة في فكرك وإبداعك وإنسانيتك
مريم نجمه ( 2019 / 8 / 23 - 22:30 )
السيدة الجليلة الكاتبة والأديبة الطبيبة نوال السعداوي تحية واحترام

يكفيك سيدة نوال عدد القراء والمتابعين والكتب التي ألفتِها بخبرتك وجرأتك وفكرك الحي الثافب
هنيئاً لك ولأمثالك ...

ما توقعتِ واستنتجتِه في نهاية المقال الرائع من الممكن أن يحصل , لكن وجود الشبكة الرقمية ووسائل التواصل الإجتماعي العديدة لن يحصل ذلك إطلاقاً وبالعكس تماماً عزيزتي .

لك طول العمر الصحة والحيوية والنشاط مع كل الحب والتقدير .

مساك الورد واللوتس

اخر الافلام

.. موريتانيا.. دعوة لإقرار قوانين تحمي المرأة من العنف


.. القومى للمرأة يطالب شركات خدمات النقل بالتطبيقات بوضع معايير




.. العربية ويكند | استطلاع أميركي: الرجال أكثر سعادة بوظائفهم م


.. عضو نقابة الصحفيين أميرة محمد




.. توقيف سنية الدهماني يوحد صوت المحامينات في البلاد