الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الطفل والوحش يرتقي الإنسان

يارا عويس
(Yara Owies)

2019 / 8 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بداخلنا يسكن اثنين طفلٌ ووحش؛ الطفل صاحب الطلبات الكثيرة الذي يحتاج إلى رعاية ودلال وهو عاطفي متمرد بفطرته؛ يرغب بالمزيد من كل شيء لا يشبع من التوق والفضول والمغامرة، يريد كل شيء؛ وهو بدور القلب.
والآخر الوحش هو صاحب القرارات القوية الوحشية الصارمة والذي يحكم لنا الحياة كلما أوليناه اعتباره واعترفنا بوجوده؛ وهو بدور العقل.
رحلتنا في التعامل مع الذات الإنسانية تبدأ من القلب إلى العقل؛ وربما يجوز الإفتراض أنها من الفطرة إلى الوعي، وتستمر من العقل إلى القلب وهكذا؛ فكلاهما لا يستغنيان عن بعضهما البعض فالعقل الجبار يحتاج الى شعور يدعم مسيرة قراراته فيلجأ للقلب يخضعه لأن يمنح القرار شعوراً، فاذا توافق شأن القلب مع قرار العقل سارت الأمور على أروع ما يكون، أما إذا قاوم القلب العقل فإن أزمات تبدأ تحدث في صراع لا ينتهي بين القلب والعقل؛ فهل نقتل الطفل الصغير في احشائنا بفعل وحش جبار قادر على تسخير كل شيء طوعاً له..؟!
هذا هو السؤال الذي نفرضه عقلياً على ذواتنا في كل أزماتنا، فتخرج قراراتنا ضعيفة هزيلة متأرجحة بين الرفض والقبول فلا تسمو بها النفس مع ارتقاء الروح.
والروح القيمية السامية ليست أسيرة لفعل القلب ورغباته بل إنها حصيلة المثالية القيمية التي تنمو كلما منحناها قيمة تلائمها وتتماشى مع متطلباتها، فقد تتغذى الروح بفعل قرارعقلي وقد تتغذى وفقاً للشعور القلبي المتوازن.
فالأمر يكمن لدينا في تغذية النفس البشرية بقيمة توازن وتعادل متطلبات تغذية الروح؛ لأننا بنمو الروح نرتفع ونرتقي فوق كل أزماتنا.
فبين الطفل والوحش تكمن الحكاية وتُربَط، والسؤال الذي يجدر بنا طرحه على ذواتنا هو: هل أنت قادر ومحنّك أيها العقل الوحش في خلق حالة شعورية ترضي الطفل بداخلك؟
هنا تأتي قدرة الوحش في أعماقك على أن يخضع طفله المدلل لقراراته بالمسايسه إلى حين يصل معه إلى الاعتياد على القرار، لا على أنه قرار حازم وتحصيل حاصل بل على أنه قرار مهادنة واقناع... ويبقى الطفل يشاكس في أعماقك يصبو إلى توقه القديم، أي إلى البرمجة السابقة؛ ويبقى الوحش صارم في تسخير توجهاته إلى الجديد؛ أي البرمجة الجديدة.
وهنا يأتي فعل السلوك المتكرر والأفكار والتي تغذي البرمجة الجديدة؛ فتصب في متطلبات الوحش العقلي، تدعمها وتؤيدها وتوثقها؛ وبالتالي تغلب البرمجة الجديدة البرمجة القديمة، ويفوز العقل بقراراته ليس غافلاً عن ارضاء القلب؛ بل مسايساً إياه لتعويده على كل جديد وفقاً لمتطلبات القرار.
من هنا تأتي تغذية النفس البشرية بالارتقاء إلى سمو الروح القيمية؛ فكلما صعدت نفسنا البشرية بقوة ومتانه ترتقي معنا إلى سمو روحنا فتغذيها وتقويها وتفوز بها، وكتحصيل حاصل يقاد الجسد وفقاً لحصيلة النفس والروح؛ فيساق الى سلوك البرمجة الجديدة؛ إلا أنّ بعض المكتسبات في ذاكرة الجسد تحتاج إلى الوقوف عليها وتخليصها أولاً بأول من خلال احتواء الذات والصفح عنها واعتبار كل ما كان، كان لابدّ أن يكون....
هنا يدخل في أمر ذاكرة الجسد لدى الاناث تحديداً اضطرابات تختلف فيها عن الذكور وفقاً للتركيبة الجسدية الفسيولوجية؛ وذلك بسبب ارتباط ذاكرة الجسد في الكثير من الاحيان مع الوضع الهرموني الشهري؛ وهذا يفاقم الأمر سوءً إذا ما تم علاجه أولاً باول؛ ومن باب الاضاءة التنويرية على الأمر؛ فإنني أرى أن المرأة قادرة على استغلال هذه الظروف للوقوف على معضلات الوعي لديها؛ وكشف جزئياتها المعيقة المختزنة لديها، وبالتالي التحرر من العوالق في ذاكرة جسدها لتصب في الحصيلة في ارتفاع الوعي لديها.
وأخيراً وليس آخراً أرى بأن تفعلّوا الوحش في أعماقكم ليدلل الطفل لديكم؛ فتخرجون بالبرمجة الأكيدة وتقلبون التحديات إلى فرص للتطور والنمو؛ وتذكروا أنّ كل ما كان؛ كان لابدّ أن يكون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟