الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اجماع الايمان و فردية الشك

سينثيا فرحات

2006 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أعلمت يا سيدي ... عن الله الذي في السموات؟
لم يعد هناك ...قد رحل وترك النجوم تسبح في لانهائية الفناء....
والآن وجدوه إيمان أو غموض في عقل البشر...
تعبير في لغة الإنسان...
لوحة يختارها تليق عليه ويليق عليها ... حتي وإن توارثوها ستختلف قيمة وفهم اللوحة عند الإبن عن القيمة والفهم التي كانت لأبيه . لم تتغير الرتوش في اللوحة لكنه تغيـُر حتى وإن كان تغير طفيف أو درامي داخل منطق النقل... مازال تغيُر ...
لم ولن يتوحد البشر على الموافقة علي وجوده ما بالك طبيعتة!

أريد أن أقول لك سراً يا سيدي أنت قد أشركت بالله... بتغيير المفاهيم عنه داخل الكيان الواحد... بتغير وتناقض صفاتة داخل التعريف الواحد والدين الواحد... قد تعددت هوية الله داخل العقل الواحد...
هو حقاً الإله الصمد تلك الصفة العميقة التي أعطاها له اليهود الواحد المتعدد الهوية ما بين الوثن والأحد والعدد والآب والإبن...
قد أشرك البشر أجمعين يا سيدي، لأنهم بشر فشلت الطبيعة في إستنساخهم...
ولعل هذا خير ما فعلت...
لم يتوحد البشر في الثلاثة ملايين عام التي علمنا عن استيطان الإنسان فيها لكوكب الارض ، لم تذكر مرة واحدة في تاريخ الإنسانية على مدي ثلاثة ملايين سنة أنهم اتفقوا على هوية الإله ولن يحدث بسبب طبيعتهم الجميلة المتغيرة القابلة للتطور أو الرجعية بمختلف اتجاهاتها . لم ولن يحدث الإجماع لأن طبيعة الله متغيرة مع طبيعة البشر بحكم التاريخ الإنساني منذ أن كان حفنة تمر، طمي في هيئه تمثال، سبع كواكب، قوة قاسية، طاقة عظيمة او قدرة هائلة على الحب... اختلف درجة القبول أو الشعبية ولكن البشر ضد طبعتهم أن يتفقوا عليه وإلا كنت نظرت أنت في وجه أخيك لترى ملامحك ولكنت شاركت أبيك في اسمه...

ما أجمل وأرقى الإجماع على الاختلاف...
لولا الهوية الفردية لما وجد الفن لما وجد جنون الاختراع، لما وجد سحر الإبداع الذي أصبح فخر البشرية... لولا الإبداع لكانت اندثرت البشرية .

الهوية الخاصة ليست خاصة بنا نحن فقط كبشر لكن أيضا بالثدييات عامة، كالدرفيل ذلك الكائن المميز جداً الذي يعرف بعضه حتى بالأسماء !! ويتخاطب بالصفير...
يا لروعة الهوية الفردية الخاصة جداً ... مفتاح صناعة الحضارات...
الهوية سر توظيف الإبداع الكامن داخل كل منا والعنف في الاختلاف ما بين عالم الذرة ورسام الموناليزا... والحاجة القصوي للاثنين...

ساحر أنت أيها الإنسان... نشوة المشي على القمر والسهر ليلاً على ضفاف النيل... أُلفة البدوي بالنجوم... والفلاح بالتربة الخصبة
و حبك أنت لهويتين مختلفتين مرسخ نحتهم...
الغزو في النفس أساس كل العلوم، النظر في داخل غرف أرواحنا المغلقة
أساس كل المعرفة، انتصار الهوية الفردية المختلفة أساس كل الاختراعات... والجرأة أساس كل الاكتشافات...
رائع الاعتراف بهم، رائع الاعتراف بالآخر والاعتراف بعدم حكر المعرفة، بعدم حكر الإله... وإعطائة الحرية ليكون ما يكون داخل مشاعر البشر ، واعطاء البشر الحرية ليكونوا ما يكونوا به... وتعدد الاحتمالات تزيد فرصة تواجد الحقيقة... الحرية التي تعطي فرصة الابداع حتي بالخطأ...

كم عيوناً بكت .. كم نفس قـَتـَلت وقـُتـِلت من أجل الصواب... من أجله
كم شفاه باتت ملطخة بدماء أحبابها تقرباً له وطمعاً به
أتخشى المجهول لهذا الحد ؟
أيقتلك الخوف منه لحد اشتهائك للهلاك لأجله؟
من قال لك أن الموت أفضل تضحيةّ ... هذه غالباً ما تكون أكذوبة من يخشى التضحية بالحياة في الحياة ، من يخشى العيش بالحرمان لو أفاض العطاء في الدنيا..

يا سيدي ... لا تنتظر يوم الحساب العظيم...
فقد أتى وسيأتي وهو موجود الآن
في كل لحظة تدير وجهك عن النظر في أعين الواقع ، في كل مرة يرتعش بك القرار كتيار الكهرباء الفقير ..
في فقدان الأمل أجدك تبحث عن الموت... النومة الاخيرة... لكن في الواقع هو الصحوة الاخيرة
لولا الموت لما علمنا أننا احياء.

في فقدان العدل أجدك شارداً تبحث عنه في يوم القيامة
بين أشباه الأحياء والموتى... وحنكة المنطقية التي احترفتها أجدها تتجمد بصمت القبور حيث لا وجود لوجع فقط رهبة الصمت في الخوف من المجهول...
الذي منه ولدت الأسطورة... لكن أسطورة أيزيس لإيزيس ، وأسطورة أرجوس لأرجوس! تلك ليست أساطيرك...
فالتخلق أسطورتك أنت .. خذ القلم وشخص الكتاب ليخاطب عقلك أنت
أليست تلك نسختك؟
لا تزّوره لأن له حقوق نشر، فلتصنع أسطورة تحترم القانون .
لكن فتت نسختك يا سيدي . اخلق أسطورتك أنت... هرطقتك انت... عشيقتك أنت... هكذا تـُصنع الحضارات ، هكذا تـُبنى فوق أنقاض الماضي، كفي الهاكه وإبتزازه بالترميم ... كم عملية تجميل يتحملها الكهل قبل أن يتحول إلى تراب...

قد أشركت بالله يا سيدي ... لم يكن قرارك بل قرار طبيعتك الإنسانية...
أتذكر تلك الحظة التي بها شككت؟
لقد حدث! أشركت به في ذات تلك اللحظة... أشركت به الشك... ومنه ابتدعت المجهر ... الذي اختبرته به... اختبرته داخل نفسك .. في حضانته الأساسية حيث كان مولده الأول... ونسيت يا سيدي أي منكم خلق الآخر... أي منكم خُلق أولاً...
أنت عمرك ثلاثة ملايين عام... فكم عمره في إيمانك؟
وهل إستطعت فصله عن حضارته ومسقط رأسه ؟ أم هو لا يستطيع أن يبقى حولك وداخلك دونها؟
هل يستطيع أن يحيا إلهك خارج البادية... خارج القرن السادس في الجزيرة العربية... خارج مصر وإسرائيل... أو الثقافة اليونانية... هل تستطيع إبقائه دون فرضه عنوة على نفسك والآخرين في هذا القرن البراق الحزين ؟

هل توحش غرورك لدرجة عدم قبولك لفناء جسدك، أم فشلك أو منعك الإرادي أو اللاإرادي لعيش نفسك وذاتيتك في الدنيا يجعلك تحلم بائساً لتكون "أنت" في بعدً آخر...
يا سيدي الجسد لا يفني ابداً فنحن فقط ناخذ شكل اخر علي الارض... ناخذ شكل الارض... و حينئذ نسهم في تربتنا بهيئة اخري، ثوبً اخر لا تحيا تربتنا كما هي بدونه...

من يخشي فناء الجسد لم يترك إرث حب في الأرض
او يخشي مجهولاً لم يجرأ ان يعرفه،
أم ترك حباً كبيراً ولا يحتمل عدم الإتحاد الأبدي به...
فأي واحد منهم أنت يا سيدي...
هل ضميرك الإنساني يضبطه غرائز الجنة وسوط النار أم القانون أم إحترامك لإنسانيتك و انسانية الاخر؟
سيشكل وجودك على الأرض هذا المفترق... علمك بتعريف ما يضبط و يشكل قدرتك في هذه الأرض يخبرك أين تحيا في وجدان الأرض بعد أن تذهب ... وما هي الأرض إلا قلوب من عرفت، من أحببت، من وجدت نفسك بينهم ومن إخترتهم...

يقول البعض عن التغيُر: "من يجد منكم منكراً يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطيع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان"...
فما أقوى أضعف الإيمان هذا... ما أقوى تغيّر القلب لما هو أرقى لتصبح ثورة الإنسان الداخلية لتطوير الذات منبراً حي لحمي ينبض للإعلان عن كل ما هو خَيّر وطيب، فخير من الوعظ العمل الممثل للإيمان داخل قلب الإنسان...
وما أوهن الإعتداء علي الآخر باليد أو بالفظ للعب دور الإله الأرضي الجارح الفاني لتغيير ما يعتبر ضعيف إذا وجد في القلب وحده !
فكل تلك المعادلة خالية من الايمان وليس حتى أضعفه.

يقول فيلسوف مجهول الإسم: " يا إلهي أعطني الشفافية لتقبل ما لا أستطيع تغييره، والشجاعة لتغيير ما أستطيع أن أغيره ، والحكمة لمعرفة الفرق بين الإثنين."
الحكمة في معرفت الذات و احتضان فرديتها و التعرف علي شخصية بصمتها هي الطريق لمعرفة الاخر و الله الذي هجر السموات ليسكن داخلنا او يهجرنا نحنً ليتقوقع في السماء الزرقاء في العرش الذهبي بالدور السابع...
اختبار الذات للذات نفسها هي التي تعرفنا بكل ما حولنا معرفة حقة... فكثير منا يخشا معرفة عثرات الاخر لانها تذكره بعثرتة هو... و كثيراً منا يكره بالاخر ما يكره بنفسه فيكون اسهل له رفضة في شخص ممثل خارج نفسة من رفضة لنفسه هو شخصياً، لتجنب ثمن المواجهه و صعوبة اتخاذ القرار بالتغيير لعدم الايمان بامكانية القدرة علي الاقدام علي تلك الخطوة التي تلخطنا و تغمسني في جوهر الحياة الذي هو جوهر انفسنا...
يقول الكاتب ميكل جاريت مارينو: "العلاقة المبنية علي المعرفة الحقة لا تتركك مكسور القلب."
فالايمان المبني علي المعرفة الحقة لا يحرجك في مواجهتة و لا يتركك مخزولاً مكسور القلب.
فالايمان و الشك ليسوا وجهين لعملة واحدة بل وجه واحد و لوحة واحدة ممتدة احداهما ناتج عن الاخر علاقة مد و جذر و ولادة مستمرة بين الاثنين... خطوة تقود للاخري في طريق عيش الذات في رحلة اكتشافها الانهائية... لان من يجزم انه عرف ذاته كلياً كمن يدعي معرفة كل اسرار الكون...
لان سر الكون يكمن بداخلنا...
الايمان المختار بالارادة الحرة ياتي بعد اختباره ايضاً بالارادة الحرة الغير ملوثة بافرازات الخوف المعتمة عن للتحليق، فالخوف من المعرفة والمعلومة قرار بالتجمد بين الموت و الحياة يصيب متخذيه في مقتل... قرار من لم يقدر ان يكون شبح او يكون انسان.

الإيمان الحياتيّ الحي يأتي معه الحكمة في اعتناقه وتطويره بسلام و هدؤ المعرفة به و بانفسنا ان كان الايمان بقدرة في الذات او بفكر او بقضية او فن او باله خارجك او مشبع بك في كل الاحوال ما هو الإيمان إلا حياة وما هي الحياة الا بحر هائج معدوم الاستقرار والثبات...

عدم ثبات الايمان ليس دليل علي ضعفة بل علامة علي صحة العقل و عدم تصلبه و ضموره... في مناجاه هادئة داخله...
و علامة علي وجود المد و الجزر و الحراك المستمر الذي يبقينا احياء و يعلمنا كيف نحتضن الشك بكل ايمان به.
فهل هناك شئ في حياتك يا سيدي تضمن بقائه إلا ما صنعته بايمانً محب؟
وحتى فقط بعض الحب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في