الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس بالجمعيات والمدارس الدينية تتطور الأوطان وتتقدم

ميشال شماس

2006 / 5 / 15
المجتمع المدني


سألني صديقي باستغراب: لماذا يتم الترخيص لجمعيات مدارس دينية والسماح لها بحرية النشاط العلني في سورية، وفي نفس الوقت يتم حجب هذا الحق عن الحركات والجمعيات التي تُعنى بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، أو تلك التي تمارس نشاطاً سياسياً معارضاً ..الخ؟
فقلت له: من تقصد بسؤالك هذا ؟ أجاب: ألم تقرأ الخبر المنشور في الصحف وعلى الانترنيت المتعلق بسماح السلطات السورية للداعيات «القبيسيات»التابعات لـ «الآنسة» منيرة القبيسي، بإعطاء دروس دورية في عدد من المساجد في دمشق، بعد أن كن ينشط بشكل سري داخل المنازل، لينضموا إلى الجمعيات والمدارس الدينية التي تنشط على الساحة السورية.والتي تحاول نشر الثقافة الدينية كل وفق منظورها ورؤيتها الخاصة للدين، علماً إن أمثال تلك الجمعيات والمدارس الدينية شكلت تاريخياً الوعاء الذي انطلقت منه الحركات الدينية الأقصائية والتكفيرية تحت شعار" الجهاد في سبيل الدين والله".
فقلت له : نعم قرأت الخبر، وكان يجب أن توجه هذا السؤال إلى المعنيين اللذين أعطوا الأمر بالموافقة على السماح "للقبيسيات " بالنشاط العلني، ولكنني أسألك هنا لماذا أنت معترض على الترخيص لنشاط القبيسيات ؟
أجاب صديقي: لست معترضاً على السماح للقبيسيات بالنشاط العلني، ولا على السماح بتخفيف القيود على العناصر الدينية المحافظة، ولا على تولي شيخ وزارة الأوقاف، ولا على السماح أيضاً بإقامة نشاطات دينية في ملعب رياضي أو السماح بإلقاء محاضرات دينية على العسكريين، وإنما اعتراضي ينصب فقط على ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين، فمن جهة يحجبون هذا الحق عن الحركات والجمعيات التي تمارس نشاطاً سياسياً معارضاً أو تلك التي تعنى بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، ومن جهة أخرى يسمحون بالنشاط للحركات والجمعيات ذات الطابع الديني..فلماذا لايتركون الحرية لجميع أطياف المجتمع وألوانه أن تعبر عن نفسها ؟
الواقع يا صديقي،أن سياسة الانفتاح على التيار الديني ومحاولة استرضائه، لم تقتصر على سوريا وحدها، بل شملت المنطقة العربية برمتها التي بدأت تتجه أكثر نحو مزيد من الانتماء إلى الهوية الدينية، خاصة نحو الحركات والجماعات السياسية الدينية كحركة حماس الإسلامية في فلسطين، وجماعة الأخوان المسلمين في مصر، حتى أن الرئيس الجزائري بوتفليقة أصدر قانوناً يمنع فيه التبشير لغير الدين الإسلامي تحت طائلة العقاب بالحبس، إرضاءً للتيار الإسلامي المتنامي في الجزائر. حتى إن بعض أنظمة الحكم أخذت تزايد على الجماعات الإسلامية، فأسست نظاماً دعائياً منظماً وفعالاً جداً يعتمد على استخدام رجال الدين وحلقات العلم الدينية وعلى "التأثير الذي تمتلكه وسائل الإعلام على الشباب".
ولهذا لم يكن مستغربا ًحصول جماعة الإخوان المسلمين مؤخراً على 88 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المصرية، بالرغم من سعي الحكومة المصرية لمنع أنصار الجماعة من التصويت.وفوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، وهذا لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة فشل المشروع القومي العربي وأحزابه أولاً في التصدي للأخطار التي واجهت البلدان العربية ومازالت تواجهها، وفشله ثانياً في قيادة عملية التنمية والبناء والتطوير، وثالثاً استئثاره بالسلطة والهيمنة على القضاء والإعلام وتعطيل دورهما وتغييب الحياة الديمقراطية..الخ. منذ الخمسينات من القرن الماضي وحتى الآن.
وأمام كثرة اللاءات والمحظورات والممنوعات التي تقف بوجه المواطن العربي،كان من الطبيعي أن يلجأ هذا المواطن إلى الجوامع والكنائس والجمعيات والحركات والمدارس الدينية، ليس لأنها تؤمن له الغد الأفضل المشرق، بل لكونها فقط المجال الوحيد المتاح أمامه الذي يستطيع دخوله دون أن يعاقب أو يلاحق . فيدخل المواطن إلى تلك الجمعيات والمدارس الدينية، وهو يجهل امتلاكها لأية آفاق سياسية، أو تصورات ذات قيمة، أو أنها تتحلى بفكر حديث، ورؤى عصرية يمكن التعويل عليها في حل المشاكل التي يعانيها أو حمايته من الأخطار التي تهدده .
فاستغلت تلك الجمعيات والمدارس الدينية مشاعر الناس الكامنة والمعادية لثقافة الاستبداد السائدة ، واستغلت أيضاً مشاعر العداء المتزايد للغرب، لتعبئة رأي عام داعم لها في أوساط العامة وخاصة لدى الجهلة. وقد نجحت إلى حد ما في توجيه كل تلك المشاعر لمصالحها السياسية الخاصة، واستطاعت أيضاً أن تستقطب بذلك شرائح واسعة في الشارع العام الجاهز، والمخدر بثقافة الغيب والتغييب، والتعويل المستمر على السماء في حل كافة المشاكل المزمنة والأزمات المستعصية التي تعانيه مجتمعاتنا.
ربما يفسر البعض كلامي هذا، بأنني ضد أي دور لرجال الدين. فإذا كنت ضد أن يقوم رجل الدين بالعوة إلى تكفير الأخر أو بالإفتاء لتبرير سلوكيات السلطة واختلاق كل مايبرر انحرافها وطغيانها، إلا أنني مع الدور الحقيقي والصحيح لرجل الدين ومايجب أن يكون عليه الدور الذي يجب أن يؤديه داخل الكنيسة أو الجامع وأينما كان، من من خلال التوجيه للمجتمع بالالتزام بالمنظومة الأخلاقية والوقوف بوجه الانحراف والفساد بكافة أشكاله سواء كان في السلطة أم في المجتمع و المشاركة والمساهمة في المواقف الوطنية والسعي لتحرر المجتمع من سطوة الجهل والظلم ومقاومة الاحتلال ..الخ.
لقد علمنا التاريخ ومازال يعلمنا -إذا أردنا أن نتعلم – إنه إذا كان ليس بالاستبداد تُبنى الأوطان، فإنه أيضا ليس بالحركات والجمعيات والمدارس الدينية تتطور الأوطان وتتقدم إلى أمام. فالدولة الدينية تاريخياً فشلت في حماية نفسها ولم تستطع الاستمرار والصمود بالرغم من وصولها إلى حدود الصين شرقاً وإلى اسبانيا غرباً، فانهارت وانقسمت إلى دويلات وإمارات وممالك، لازالت تتخبط في تخلفها، مما أدى إلى اتساع الفارق الحضاري بينها وبين بقية الدول المتطورة.
فالمجتمعات التي تفتقد إلى الحرية هي مجتمعات عقيمة غير مبدعة وغير قادرة على التناغم مع التطور الطبيعي للحياة على هذا الكوكب كما هو حال العرب اليوم. فجل ما نحتاجه اليوم في مجتمعاتنا العربية هو أن نمارس حياتنا بحرية وانفتاح على بعضنا البعض في إطار فكر وسياسة تتسع للجميع بعيداً عن أي قسر أو إكراه أو إقصاء أو تهميش أو إلغاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل


.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ




.. نتنياهو: شروط غانتس تعني هزيمة إسرائيل والتخلي عن الأسرى