الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنوير … و عصى الدين في الدولاب !!

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2019 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من مرور اكثر من قرنين على ميلاد التنوير في اوربا ، و ما انتجه من فصل الدين عن الدولة و قيام الدولة الحديثة ، وانطلاق عجلة التقدم الصناعي الى امام ، و بالرغم من محاولات رواد حركة التنوير العرب في بدايات القرن الماضي و حتى ما قبله في نقل التجربة الاوربية الى المنطقة العربية … و لم تفلح كل جهودهم عن شئ بسبب وجود عصا الدين المعرقلة لكل نشاط انساني ، تقدمي يدفع باتجاه انشاء حركة تنوير عربية تستطيع اختراق الجدار السميك لهيمنة الدين على العقل الجمعي العربي ، و استقراره في وعي الناس بفعل ثقافة التلقين و التوجيه المبرمج التي يمارسها الشيوخ و مؤسساتهم الدينية ، وانحسر هذا الجهد تدريجيا لصالح الفكر الديني المحافظ … و بعد حصول ما يسمى بالصحوة الدينية في سبعينيات القرن الماضي ، و كان شؤم الختام في العقود الاخيرة ظهور داعش و اخواتها من الحركات الاصولية التكفيرية ، و ما قامت به من ممارسات متوحشة راح ضحيتها الالاف من المسلمين ، بدء الشباب العربي يتراجع الى الوراء و يولي الكثير منهم ظهره الى الدين و يغادره غير ماسوف عليه ، و قسم اخر منهم برد حماسه للدين و انزوى بعيدا يستمتع بما توفر بين يديه من وسائل التكنلوجيا الحديثة غير مبال بما يجري حوله ، وظهرت طبقة من المفكرين التنويريين قامت بنقد الدين و مناهج التعليم التي تكرس ثقافة الوهم و الخرافة و تشجع على الارهاب ، كما وجهت سهامها الى التراث الديني من فقه و حديث ، ثم بدء المثقفون يميلون الى الاستفادة من التجربة التي مرت بها اوربا مع الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصية التي تمتاز بها منطقتنا ، و الفارق الحضاري الكبير بيننا و بينهم . فنحن استوردنا كل شئ من الغرب و تمتعنا به و لا نزال ، فما الضير في ان ناخذ ما يفيدنا من ناتج منظوماتهم الفكرية اذا كانت عقولنا خاملة لاتحسن الخلق و الابداع ! ذلك الناتج الفكري الاوربي الذي جاء بعد مخاض عسير و تضحيات جسام قدموها في حروب دينية دمرت نصف اوربا تقريبا ، و لم ينعموا بالاستقرار الا بعد ان تخلصوا من الاصولية المسيحية ، و فصلوا الدين عن الدولة ، و قاموا ببناء نموذج انساني حديث لنظام الحكم يقوم على اساس العدل و الحرية و الديمقراطية . فاستقر الرأي عندنا على عرض فكرة التنوير كبضاعة اوربية بغثها و سمينها ، فان استحسنتها اشتريتها ، وان لم تعجبك ردها الينا ، و يا دار ما دخلك شر ! و على الرغم من خصوصية مجتمعاتنا التي لايزال الغالب منها مغيب ، لكن هذا لا يمنع من اجراء التطعيم مع الثقافات الاخرى اذا اردنا ان نبقى اعضاء في المجتمع الانساني ! … ثم لماذا نُدخل كل قادم من الغرب في خانة الكفر وانه موجه ضد الاسلام و ثوابته ؟ اي دين سريع الكسر هذا الذي يصاب بالرعب من افكار حداثية يفرضها الواقع ، و حركة التاريخ الحتمية السائرة باتجاه التقدم و الرقي ، و لا يستطيع احد ان يقف في طريقها او يحتويها مهما كان ، خاصة بعد ثورة المعلومات التي انتجت لنا الشبكة العنكبوتية ، و التي نستطيع من خلالها ان نمرق الى اي مكان بكبسة زر ، و لم تعد محاولات التلميع و التطريز بلون واحد تنفع ! ان تكريس ثقافة النوع الواحد التي يمارسها الشيوخ و تجريم كل محاولات العقل في ان يتقبل من الثقافات الاخرى ، خلقت اجيال خاملة تعاني من فقر فكري لازمها قرون طويلة ، و تركته يصول و يجول و يتمدد آمنا مطمئناً دون اي اعتراض . ان استخدام الانسان لعقله بشجاعة و بثقة مطلقة في امكانياته ، ورفض اي وصاية او سلطان عليه مسألة حتمية تفرضها تحولات التاريخ . اما محاولات التثبيط و الحجر على العقول و توجيهها باتجاه واحد ، و تحويل مسار العقل من عقل مجرد الى اخر منحاز لجهة بعينها اصبحت مملة و لا تتناسب و الواقع المتحرك الذي نعيشه ، و الذي يفرض علينا ثقافة التنوع و الحرية في الاختيار بين القبول و الرفض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض