الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التصوف نقيا و ثريا و وافدا غريبا

حمزة بلحاج صالح

2019 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان لا يجب أن نقرأ تراثنا الصوفي بشرطيات وعي خارجية و لا بمفاضلات و تبجيلات في عمقها أيديولوجية توظف و تستخدم العرفان إستخداما تبريريا مثل توظيفه لنشرالخرافة و لتخدير الشعوب ..

أو لاستبعاد مختلف القراءات الإسلامية مثل " الإسلام السياسي " أو توظيفه لتبرير " العلمنة " و تكريس التدين الفردي الذي لا يقلق أنظمة الحكم عندنا و لا القوى الهيمنية الدولية و الرأس المال العالمي الفاسد و الملوث و الملطخ بالدماء ..

نحن نقرأ تراثنا الصوفي في كثير من الأحيان مبعضا و مفضلا و بروافده الهرمسية تارة و الغنوصية ..الخ في قوالب جاهزة و محضرة و منمطة ...

أو نقرأه غالبا بعنعنة إستشراقية أو بوعي خارجي مشروط من خلال مثلا لا حصرا " بولس نويا " ...

أو تأويل " الصوفي" "سريالي" كما فعل أدونيس مثلا و يفعل بعض الكتاب الحداثويين العرب..

بل نقرأ تراثنا " الصوفي " و نفككه و نحلله و نحن ننتج أدواتنا و مفاهيمنا أو نحرر الأدوات المستخدمة من كل ما لا يتلائم مع النسق المعرفي العربي الإسلامي و أعني النقي الثري..

نوظف هذه الأدوات و نستخدمها و نقوم بأقلمة المفهوم - نعم - أؤكد " أقلمة المفهوم " أداة و محتوى ( على حد ما وسم به كتابه احد الكتاب اظنه كوش ) ..

أنا أدرك أن الإستشراق هو قراءة الاخر و اكتشافه لنا .. و نحن نقرأ الإستشراق القديم و الحديث معا نصا لا بد من استحضار هذا المعنى...

فكثير من النصوص الإستشراقية بعضها أو كلها بما لها و ما عليها إضافة جديدة إلى وعينا و من بينها ما لا يخلو من حضور للنزعة " الكولونيالية " " المتمركزة "حول ذاتها و مصالحها ...

إننا نستحضر " بولس نويا " و نذكره هنا بعقل متيقظ و متبصر و لا نتنكر اكتشافه لبعض النصوص الصوفية النادرة ...

لكن لا بد من كلمة حول الهوس الذي يسكن البعض في نقل النموذج اللاتيني بكل تمثلاته و أسسه الفلسفية و ثقافته و قيمه ...

الحداثة حداثات ...لا واحدة فقط..

كل أمة تصنع حداثتها...

لسنا ملزمين بالنموذج لكن باختصار المسافة و تحصيل كثير من منجزاته مفصولة عن بطانته الفلسفية و أسسه و إطاره اللاتيني مع إدراك سياقاته و الذي انبثق عن تمركزاته كل من الإستشراق القديم و الحديث مثلا ..

و نعتقد بأن التقنية و العلم و أعني العلماء و هم يمارسون مهمة الإختراع في مخابرهم قد بنيت عقولهم على فكر الأنوار و الحداثة و ما بعدها و لذلك ابتكروا و اخترعوا (هنا تتضح أهمية تاريخ العلوم و نشأتها و تكوينها و سوسيولوجيا الحداثة و ما بعدها )...

إن الفلسفة تلاحق العلم ( و هي متأخرة اليوم بسبب سرعة تطور العلوم على حد تعبير ستيفن هوكينز ) و تنظر لصالح العلوم و تتابع المنجزات و الأدوات و تؤرخ ثم تصوغ أو تبني المفاهيم ...

و لا نريد عبر هذه الإشارة ان ندخل أسئلة كثيرة كيف صنع الأمريكي حداثته و هل تفلسف و استحضر الحداثة و الأنوار ثم بنى بها العقول الباحثة و المخترعة في " النازا " و "سيليكون فالي" ليبني إمبراطورية عاتية و كذلك الروسي و الاسيوي..

أم سبق العلم الفلسفة و المنهج و بناء العقل أم ساير كل منهما الاخر ...

إذا أجبتني بان الامر لا يتعلق بالفلسفة و حضورها التاريخي في سيرورة و صيرورة التطور - باعتبار التاريخ وعاء الفعل الحضاري و الحداثة نظرية و مفهوما هي قراءة الفيلسوف لتلك السيرورة و الصيرورة في المنجزات و الادوات بإنشاء المفاهيم و الأدوات

و المناهج ...

ثم إن أردت أن تقارب مسألة الدين و كيف غرقنا في وحل ثنائية الوصل/ الفصل العلمانية و الدين وهي إشكالات جاء بها التراثيون و الحداثيون معا لأنها أفكار و إشكالات مستقيلة عن الواقع -

و سأعود في دراسة خاصة لبحث الموضوع و لن أطرحه من زاوية الائتمانية مقابل العلمانية كما فعل الفيلسوف طه عبد الرحمن بل من مقترب اخر ...

ثم إن قال قائل منهم و هل لنا من غير النموذجين سبيل و خيار اخر سوى العلمانية أو الثيوقراطية أجبناه أليست الحداثة تجاوز للجاهز و رفض للوصاية ..

دع العقل يقوم بحفرياته و تقبل الإبداع باعتبار النصوص مفتوحة لا مغلقة لكن مفتوحة على المعنى الذي يترسب قارا لبناء الحضارات و لا يتحول باستمرارحتى لا نكاد نقبض عليه ..

إن المعنى يرتبط بالقيمة و منها الجمال و الذي نتلمس اثاره و قسماته و نتذوقه و ليس الجميل هو الذي لا يلبث و يمكث و يقبض عليه ...

و الجميل ليس هو الذي ينتقل من دائرة الصمت إلى الكلام المدون المنطوق المسموع المقال المتلقي - غامضا و مبهما - فلا يكاد يستقر حتى يحل محله كلمح البرق " جميل " اخر يحرم المتلقي من إدراك لذة الإستمتاع بالأول و الإستقرار النسبي و مكوثه مراسا

و ذوقا حتى يمله و يكل منه و يتحرر من ربقته..

فلا ينتج "جميل" - بالمفهوم العبثي - إلا و حل محله جميل اخر عبثي أيضا شارد..

إنها حالة من القلق الموجع و الذي يعكس الصورة و الوضع النفسي للمجتمعات الحديثة في حالة سيكولوجية " فصامية جماعية " خطيرة على الأمن النفسي الفردي و الجماعي و الكوني...

كيف يمكن للمفردة الصوفية أن تكون بشحنتها اللاهوتية و النسكية " من النسك " أن تسعف كتابا يعتبرون الجميل متحولا لا يمكن القبض عليه فيتعسفون في تأويل النص الصوفي و مفرداته لإقحامه في نصوصهم و تزيينها بتلك المفردات المجردة من النسكية و

التعبد و التجربة العبادية و الروحية معا ..

إنهم عرفانيون يمنحون للخمرة شحنة عرفانية و للغياب و للحضور و لمعانقة المطلق و الرمز الصوفي ما يبررون به نزواتهم و نشواتهم و شبقية نصوصهم ..

عندما يختزل الصوفي إلى سريالي فوق الواقع متعال كتعالي المطلق و الرمز و علامة تحقق فيها السيمياء و علم الدلالة العربي في أصله و نظريات غريماس ..

عندما يتحول اللاهوت إلى غريزة أرضية حيوانية تحت المحايثة ..

عندما يختصر المطلق في بهيمية رعناء و تؤنث الذات الإلهية باسم العرفان ..

عندما يهرمس العرفان و يشرقن و يغربن و يتحول إلى غنوص " دريدي " و " ميشيلي " نسبة الى ميشال دو سارتو ..

عندما يفرغ التصوف من الفقه و من القران و الأخلاق و الزهد الإسلامي الذي يحقق معنى الإستخلاف و منه زهد في شهوات حيوانية غالبا ما ينطبع بها النص الشعري و النثري فقط للفرار من إسلام الفقه و التزاماته ..

كيف يمكنك أن تحدثني عن التصوف و أنت تراه في خصر امرأة و بين نهديها و تقول لي إنها إصطلاحات المتصوفة ...

كيف يمكنك أن تحدثني عن التصوف و أنت لم تفكك منظومته لتعلم ما هو أساسي و أصيل و نقي و ما هو وافد مستوعب و جميل وحسن و ما هو وافد غريب و نشاز ..

كيف يكون التصوف عونا يدعم الحكام السفهاء و المستبدين و المفسدين و يحرم الخروج السلمي عليهم و كل هذا بمبرر قطع الطريق على الإسلام الارثدوكسي و السياسي فقط..

كيف يكون التصوف مبررا للظلم و الحقرة و الفساد و الإستبداد ..

كيف يكون التصوف شاهد زور و نص يبرر السفه و الخمر و الزنا و الربا و العبث ..

ليس هذا من العرفان في شيء يا مولانا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب