الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العداء العربى لرموز التنوير

طلعت رضوان

2019 / 9 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العداء العربى لرموزالتنوير
طلعت رضوان
أثناء قراءتى لكتاب د. جابرعصفور(ضد التعصب) الصادرعن هيئة الكتاب المصرية- عام 2000وجدتُ فقرة مهمة عن المفكرالكويتى د. أحمد البغداى جاء بها: لقد استمعتُ إلى الدكتور أحمد البغدادى فى إحدى الندوات..وقرأتُ بعض ما كتب..وكنتُ أتصورأنْ تفخرجامعة الكويت بوجود مثل هذا الأستاذ، الذى يعمل على تنويرالعقول المغلقة..والذى أخذتْ سمعته العلمية تجاوزالكويت إلى غيرها..وكنتُ أتصورأنّ قوى الاستنارة فى المجتمع الكويتى لابد أنْ تسعد به. لكن جاءتْ الرياح بما لاتشتهى السفن..وبما يؤكد أنّ جامعة الكويت تــُـعانى المخاطرنفسها التى تــُـهـدّد بالدمارالجامعات العربية كلها..وأنّ قوى الاستنارة فى الكويت هامشية وواهية..ومن ثـمّ أضعف من أنْ تفرض تأثيرًا قويـًـا..وقد شعرتُ بالحزن والغضب وأنا أرى فى الصفحة الأولى من العدد الخامس من أكتوبر1999بجريدة الحياة (اللندنية) خبرالحكم بالسجن على د. أحمد البغدادى فى سابقة قضائية بالغة الخطورة..وعن (الجريمة) التى سجن بسببها أنه ((تعرّض لجهود الدعوة فى المرحلة المكية (فى بداية الإسلام) وذلك فى بعض كتاباته..واجتهد برأيه فتـمّ توجيه تهمة الإساءة إلى نبى الإسلام، مع أنّ الجملة التى أخذها المتعصبون ضده على أنها (دليل الإدانة) لاتحتمل (مقصد الكفر..ولا تؤدى معنى الإساءة الى الدين الإسلامى، إلاّفى عقلية تتربص بالآخرين لتكفيرهم..وذكرعصفورمثالا آخرهوالحكم القضائى الصادرفى مطلع عام 1999وقضى بسجن رئيس تحريرصحيفة القبس الكويتية (محمد الصقر) ستة شهورفى قضية تتعلق- كذلك- بتوهم الإساءة للإسلام (من ص353- 363)
ذكــّـرنى كتاب عصفوربالراحل الجليل د. أحمد البغدادى (يناير1951- أغسطس2010) وأعتقد أنه برحيله المُـبكرخسرالمؤمنون بالتعددية النابذون للأحادية، كاتبًا امتلك شجاعة اقتحام أرض الأصوليين رغم كثرة الألغام بها..وبدأ الهجوم عليه عندما أكد فى كتاباته المبكرة أنّ الحرية والتقدم لن يتحققا إلاّبعلمنة مؤسسات الدولة. أى بفصل الدين عن السياسة. بفصل المقدس عن غيرالمقدس. بفصل الثابت والنهائى عن المتغيرواللانهائى..ولذلك صوّب عليه الأصوليون مدافع التكفير، خاصة بعد أنْ نقد نظام التعليم الكويتى الذى يُـقحم الدين حتى فى المواد العلمية، لكن التحريض على قتله لم يجعله يتراجع، وإنما كتب مقاله الشهيرالذى ذكرفيه أسباب سحب ابنه من مدارس الكويت، لأنه يتمنى له أنْ يكون فنانًا تشكيليًا أوموسيقارًا أوطبيبًا أوعالمًا يُفيد البشرية ولايريد له أنْ يكون ضمن كتائب المتاجرين بالدين فى الفضائيات..ولم تكن معركته مع الأصوليين وحدهم، وإنما مع الثقافة العربية السائدة..وهوواحد من تيارالليبرالية قليل العدد عظيم التأثير، أمثال المفكرالسورى صادق جلال العظم والمفكرعزيزالعظمة والمفكراللبنانى عادل ضاهروالمفكرالعراقى هادى العلوى والمفكرالسعودى عبدالله القصيمى والمفكرالمصرى عبدالهادى عبدالرحمن وأ. محمد سعيد العشماوى والراحل خليل عبدالكريم، وبالطبع جيل الرواد أمثال لطفى السيد وطه حسين وسلامة موسى وسعاد الرملى إلى آخرقائمة هذا الجيل.
فى كتابه (أحاديث الدين والدنيا) الصادرعن مؤسسة الانتشارالعربى عام 2005أكد الحقيقة التى يتغافل عنها الأصوليون وهى أنّ بعض الأحكام الدينية توقف العمل بها مثل الرق وملك اليمين..وأشارإلى ما أثبته السيوطى فى كتابه (الإتقان فى علوم القرآن) عن اختلاف القراءات وما أدخله البعض من تعديلات على بعض الكلمات..وأنّ الخليفة عثمان جمع المسلمين على مصحف واحد وأحرق بقية المصاحف..وأنّ البخارى أخذ سبعة آلاف حديث من أصل سبعمائة ألف، لذلك أصبح من لايصلى كافرًا استشهادًا بحديث قاله نبى الإسلام، فى حين أنّ القرآن الذى هوالأصل ومبتدأ الوحى لم يقل بذلك..ومع ملاحظة أنّ الأحاديث كــُـتبتْ بعد أكثرمن مائتى عام من زمن الرسول..وعلى المفكرأنْ يسأل عن مدى صحة الحديث المنسوب إلى الرسول (يقطع الصلاة الكلب والحماروالمرأة) الوارد فى صحيح البخارى وكذلك حديث (ما أفلح قوم قط ولوا أمرهم امرأة)
ما يُميزالراحل أحمد البغدادى رفضه للتزويرأوحتى التزويق (= التجميل) فرغم أنه كويتى الجنسية فهويرى أنّ تخلف العرب (الثقافى والمادى) وثيق الصلة بالموروث العربى، وعلى سبيل المثال فإنّ مايفعله الحكام العرب فى القرن الحادى والعشرين..هوماكان يفعله الخلفاء فى العصورالوسطى (( فإهدارالمال العام وإطلاق يد الحاكم فى إنفاق هذا المال بما يُهدد مبادىء العدالة والمساواة، هوأمرمألوف فى التراث العربى الإسلامى على المستوى السياسى، بسبب خلوهذا التراث من مبدأ الفصل بين السلطات الذى أخذ به الفكرالأوروبى لغل يد الملوك من التصرف فى الشأن العام)) لذلك تخلوكتب الفقه من الحديث عن مفهوم (الدولة) ((والفقهاء الذين حرصوا على تبيان أدق التفاصيل حول الوضوء لم يبدوا أى إهتمام بالسلطة السياسية. وتخلوكتب الأحكام السلطانية والسياسية من أى تأصيل فكرى حول كيفية نشأة السلطة..ومن ثم الدولة على غرارالفكرالأوروبى..كما أنّ اللغة العربية تخلومن المعنى الاصطلاحى للدولة)) (ص 123) وعن المواطنة ذكر((لايرد فى دساتيرالأنظمة العربية أى ضمان لحرية الأديان ويقتصرالأمر على حرية العقيدة التى تظل حبيسة الصدرمن دون الممارسة الخارجية خوفــًـا من مُـحددات النص الدينى، فى حين أنّ حرية الأديان حق أصيل من حقوق الإنسان..وبسبب ترسخ مبدأ المواطنة ماعاد أحد يهتم بديانة أحد..وبلغ الأمرمداه فى إلغاء شرط الديانة من تولى المناصب العامة فى الدولة القومية حتى لوكان دينها الإسلام)) إنّ الدولة القومية رسّختْ فكرة المواطنة ((وألغتْ التمايزبين المواطنين بسبب الدين فكان من الطبيعى أنْ يزول مصطلح (أهل الكتاب) لعدم ملاءمته للواقع الاجتماعى والسياسى الحديث حيث أصبح الجميع سواسية أمام القانون))
ولم يُـخالف د. البغدادى ضميره العلمى حين كتب ((إنّ الحياة المرفهة التى عاشتها النخب فى العصورالإسلامية، ماكان لها أنْ تتم لولا الاستغلال الفاضح للأعراق الأخرى غيرالعربية التى تمّـتْ مصادرة حقوقها الإنسانية كرقيق، فالعرب كانت تتعامل مع فكرة الغزوكمؤسسة مالية واجتماعية توفرالرقيق للعمل اليدوى فيما هم ينصرفون إلى ممارسة التجارة واللهو، كما يوفر الغزوسبى النساء للمتع الجنسية بشكل واضح وصريح وقاطع..وأنه لولاالغزو ومشروعيته لما توفرالمال بين المسلمين)) وأنّ الجماعات الإسلامية المعاصرة يستندون إلى حديث "من قتل قتيلا فله سلبه" وهذا فى الغزويدل دلالة قاطعة على أنّ الغزوكان المورد الاقتصادى الوحيد..وبتعبير آخرلم يكن المجتمع الصحراوى منتجًا للسلع ولايزال..ومجتمع لاينتج لايمكن أنْ يكون فيه اقتصاد حقيقى بالمفهوم المعاصر)) (ص 152،153)
وإذا كان الخليفة عمربن الخطاب أوقف بعض النصوص مثل المؤلفة قلوبهم فإنه أسس قاعدة (إذا اتسع الواقع ضاق النص) ولذا فإنّ ((الدنيا أوالواقع اليوم واقع مُـفارق للنص مهما حاولنا إيجاد الأعذار، فاتساع الدنيا الجديدة أكبربكثيرمن حجم النص الذى تحدّدتْ أحكامه ب (دنيا) المدينة المنورة..وهى دنيا ضيقة لايتوافرفيها تراث حضارى كما هى الحال فى مصروالعراق والشام..ومع انعدام التراث الحضارى لم تشهد الجزيرة العربية أية نهضة حضارية خاصة وأنّ العرب أمة أمية. إنّ الحضارة ترتبط بالدنيا لابالدين..ومن هنا خطأ مقولة (الحضارة الإسلامية) كما أنّ اللغة العربية والدين الإسلامى يخلوان من أى تعريف لغوى أواصطلاحى للحضارة، لأنّ التراث التاريخى والفلسفى والعلمى لم يقم على النص الدينى..وهذه الثقافة الدنيوية ليست مستمدة من الدين..وإنما من المؤثرات الثقافية للبلاد التى تم غزوها باسم الإسلام)) (من 158- 162)
ومن بين أسباب غضب الأصوليين عليه موقفه من المتاجرين بالدين حيث ذكر((لقد أصبح الدين اليوم مجالا للاسترزاق..ورجل الدين اليوم دنيوى بكل معنى الكلمة. رجل الدين خلقه الواقع لاالنص الدينى..وهل قضى النص الدينى على الفقركما يدّعى د. يوسف القرضاوى، فى مجتمع مُـنقسم اجتماعيًا إلى طبقتين: الأحراروالعبيد، حيث تمتلك الطبقة الأولى كل شىء ولاتمتلك الثانية إلاّعبوديتها)) (ص 181) أما القضاء الحقيقى على الفقرفقد تم بوسائل بشرية100% (التوزيع العادل للثروة ، توفيرفرص عمل) أى الوسائل الاقتصادية الحديثة..وليس فرض الزكاة والصدقات التى لايمكن أنْ تفى باحتياجات المجتمعات المعاصرة.
وعن دورأمريكا فى دعم الأصولية ذكرأنها هى والسعودية شجعتا على مصطلح الجهاد، دافعة بالشباب نحوأفغانستان لإذلال الجيش السوفيتى بالسلاح الأمريكى والمال السعودى، حتى تجارة المخدرات كانت مقبولة ومسكوتًا عنها..وتدورالدائرة فإذا بمنشورات الأصوليين، سواء حين الاعتداء على القوات الأمريكية أوالمؤسسات السعودية أوحين يقومون بذبح أحد الرهائن، دائمًا يفتتحون منشوراتهم بآية قرآنية ويختتمونها بآية أخرى من آيات القتال، وهى مشاهد تؤكد للغرب أنّ الدين الإسلامى يدعو للعنف، لذا يجب تفعيل باب أسباب النزول والتحفظ على قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لابخصوصية السبب) لأنّ ذلك سيؤدى إلى كارثة بالإسلام والمسلمين (من ص 202- 205) وفى فصل مهم عقد مقارنة بين مواد حقوق الإنسان العالمى ودساتيرالدول العربية المخالفة لهذه الحقوق بسبب التفرقة بين المواطنين على أساس الجنس (ذكروأنثى) والدين (مسلم وغيرمسلم) وأنه إذا كانت دولة عربية ترفض بناء كنيسة على أراضيها، فهى فى نفس الوقت تبنى آلاف المساجد فى البلاد ذات الديانة المسيحية.. ويرى أنّ خروج العرب من مأزقهم الحضارى لن يكون إلاّ بتحويل ((النظام السياسى العربى من العلمانية الجزئية التى يعيشها (فى إشارة إلى ما نادى به د.عبدالوهاب المسيرى) إلى العلمانية الكاملة على مستوى الدولة، أى تبنى سياسة فصل الدين عن الدولة، بوضع حاجزواضح قاطع بين الدين وصناعة القرارالرسمى بأنواعه المختلفة..وهذا هوالأسلوب الوحيد لإنهاء حالة النفاق السياسى الذى تمارسه الأنظمة العربية والإسلامية مع الدين، فى حين أنها تمارس الميكافيلية بأبشع صورها..ومن دون أنْ نتجاهل حقيقة التحالف السياسى بين أنظمة سياسية فاقدة للمشروعية الدستورية..والجماعات الدينية التى توفرالمشروعية الدينية لأنظمة سياسية مستبدة)) (ص 280، 281)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امظاعن وأحقاد وهزائم
وديع العبيدي ( 2019 / 9 / 21 - 12:15 )
لابد ان جابر عصفور ذكر أمثلة مصرية للاضطهاد الثقافي، ومنهم من اغتيل وكانت مصر السباقة في اضطهاد مثقفيها الحقيقيين، فلماذا اقتنص الكاتب الغيور حالة كويتية محدودة وتهرب من واقعه الميداني، وكان أولى به شمول اسباب الظاهرة ذات الخيوط السلفية المرتبطة بأفكار الاخوان ودورهم السلبي المعروف في تسميم اجواء المجتمع الكويتي المحافظ
نجيب محفوظ ونوال السعداوي عندما تتجاوز أفكارهم السقف المصري يطبعون كتبهم في لبنان على غير الطبع المصري، ومصر رائدة بلدان المنطقة في الخير والشر، وقد عرض الكاتب بالموضوعية وكثير من خصائص الكتابة، لتسخير جهده في طعن العرب والعروبة
مبروك وكل تحية وإلى أمام

اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah