الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سُجاح بنت الحارث النبيَّة التي أكملتْ رسالتها !

سامي العامري

2019 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الأوهام التي حاولت الكثير من المصادر العربية الإسلامية غرسها في الأذهان أن الإسلام قد حرر المرأة من الرق والعبودية وأن العرب قبل الإسلام كانوا لا يقيمون وزناً للمرأة وكانت حججهم ضئيلة باهتة لهذا فقد كان الخطاب الإسلامي لا يكف عن الإستشهاد بوأد الأنثى في ما يسمى بعصر الجاهلية ليؤكد فقهاء اليوم ذلك ثم تأتي العامة لتعلك هذا البهتان كما يعلكون العلك ( أبو السهم )
استناداً لعقلية لا تريد أن تنضج ألا وهي القبول بالمطروح من آراء مشايخ الدين ، قبوله على أساس الثقة من دون تعمق أو فحص فالوأد كان محدوداً ونادر الوقوع وكان لدى بعض القبائل البدوية فقط، وتبعاً ذلك يُعتبر طرحهم هذا تعارضاً صارخاً للواقع تكشفه أول من تكشفه خديجة بنت خويلد السيدة الثرية ذات الشأن الكبير والمكانة الإجتماعية المرموقة قبل الإسلام وهند بنت عتبة أم الخليفة معاوية ذات الفصاحة والثقة بالنفس وغيرهما وغيرهما،
وبما أني لا أكتب بحثاً هنا وإنما أتتبع بعض المواقف والحالات الدالة بلغة هي إلى الأدب أقرب فأحب أن أتحدث عن امرأة
كانت لها منزلة سامقة وصار لها أتباع من قبيلتها وقبائل أخرى وأعني سجاح الشاعرة الحالمة فهذه المرأة إذا كذّب العرب المسلمون رسالتها السماوية فلن يستطيعوا تكذيب رسالتها الإنسانية والأخلاقية في تحدي سلطة الرجل وإعادة الإعتبار لمكانة المرأة ومهما كانت المؤاخذات التي تنسب لها وأغلبها كاذبة فما من أحد كان يعيش في مثل ظروفها إلا وأصابته الحيرة في شأن خطورة التحديات التي واجهتها.
ظهرت سجاح التميمية على مسرح الأحداث بعد وفاة النبي محمد ، ظهرت شرقي نجد وسعت إلى غزو اليمامة بجيشها البالغ تعداده أربعين ألفاً
قائلة لجيشها سجعاً ( عليكم باليمامة، دفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا تلحقكم بعدها ملامة ) .
وحين علم مسيلمة بذلك عرض عليها أن تنضم إليه في مواجهة المسلمين
كانت هذه السيدة التي ولدت عام 675 م وجيهة رفيعة الشأن في قبيلتها
ولمعت شخصيتها في فترة الردة وكانت على معرفة مسبقة بظهور نبي جديد ودين جديد وعلى معرفة بالأديان التي سبقت الإسلام وذلك بسبب ثقافتها العراقية النصرانية فعشيرتها كانت تسكن العراق منذ القدم
وحين أعلنت نبوتها تبعها جمع من قبيلتها وكان منهم بعض كبار تميم كالزبرقان ين بدر، وعطار بن حاجب، وشبث بن ربعي الرياحي وعمرو بن الأهتم وقد بلغت بها الجرأة أن طلبت من أتباعها السير إلى الحجاز وغزو مكة والإستيلاء على دولة الخلافة.
وبعض المؤرخين وكتاب السير لم يكونوا يستطيعون الجزم إن كانت سجاح بنت الحارث قد أعلنت نبوتها عن قناعة روحية راسخة أم هو الطموح بالسيطرة والنفوذ مستفيدة من الأوضاع السياسية المتأزمة والفوضى في عهد أبي بكر رغم أننا نرجِّح الثانية فسجاح المثقفة كان لها علو المنزلة عند قومها ورأيها كان مطاعاً .
وعندما وصلت بجيشها إلى اليمامة وكان زعيمها مسلمة بن الحبيب ( مسيلمة الكذاب ) و ( اسمه الحقيقي مسلمة ولكنَّ قدامى العرب المسلمين أطلقوا عليه مسيلمة احتقاراً وتصغيراً له ) خاف من ضخامة جيشها على ملكه وطموحه خاصة بعدما عرف أنها أبرز منافسة له على مركز الخلافة فقرر مداراتها والتودد لها وكسبها إلى جبهته وفي ذلك قال عطارد بن حاجب التميمي :
أمستْ نبيتُنا أنثى نطيفُ بها
وأصبحتْ أنبياءُ الناس ذكرانا
( أي ذكوراً )
وفعلاً كسبها مسيلمة إلى جانبه وتزوج منها ورضيت هي بالزواج منه كتكتيك فقد قدَّرت أنها ستحتاجه لاحقاً وأقامت معه بعض الوقت ثم علمت بالغارة الوشيكة لخالد بن الوليد على اليمامة بجيش هائل العدة والعدد فأدركت مقدار الوهم الذي تلبسها بالوصول إلى سدة الحكم !
فكان أن أسلمت وتابت شكلياً لتنقذ نفسها وقومها
وربما لازمها لفترة شعور بالذنب أنها قد ورطت جيشها في مغامرة غير محسوبة النتائج
وانصرفت عائدة إلى أخوالها في الموصل وفي الطريق بلغها خبر مقتل مسيلمة ولم تلبث أن تركت الموصل إلى البصرة لتعيش هناك بقية عمرها حتى توفيت فيها ورغم كل هذا فإن تأريخها البطولي جعلها دائمة الإحترام من قبل المثقفين والمنصفين في عصرها بحيث إنها عندما توفيت صلّى عليها سمرة بن جندب والي البصرة .
ومما يروى عنها أنها لمّا عادت إلى جيشها بعد زواجها سألوها
هل أعطاكِ مسيلمة صداق الزواج ( المهر ) فأجابت : كلا.
فاستنكروا ذلك قائلين لها : هذا لا يليق بامرأة ذات مكانة وشأن مثلك.
فأرسلوا موفديهم إلى مسيلمة طالبين الصداق فطلب هو بدوره مجيء مؤذنهم فلما حضر قال له مسيلمة أذّن في قومك أني مسيلمة النبي أقول لكم لقد رفعتُ عنكم صلاتين: صلاة الفجر وصلاة العشاء...
وهذا كان صداق سُجاح !
ومن طريف المواقف مع مسيلمة أنه لما أتت القبائل العربية لتبايع النبي محمد على نبوته قدم مسيلمة مع نفر من قومه للبيعة في المدينة فبايعوا إلا مسيلمة فقد قال : أريد أن يشركني محمد بالنبوة كما أشرك موسى أخاه هرون
فسمعه النبي محمد فأمسك بعرجون صغير من الأرض
وقال له : والله يا مسيلمة لو سألتني هذا العرجون الصغير لما أعطيتك إياه !!
والعرجون هو أصل العذق اليابس
،،،،،
ومبدئياً أنا ضد الغزو والعنف في الماضي والحاضر ولكن ماذا كان بإمكان بنت الحارث أن تفعل والعنف والإبتزاز والجزية والقتل ولغة السيف هي التي كانت ومازالت السائدة المتسيدة عندنا ؟ وكذلك الفحولة وتسلط الرجل على المرأة حتى وإن كان أحمق فيكاد لسان حال الكثير من العرب المسلمين يقول : رجل معتوه خير من امرأة عاقلة، وهذا ما جاءت سجاح بنت الحارث لتسفِّهه.
أما عن اتهامها في عرضها وشرفها وتساقيها الخمر مع مسيلمة والمجون وغير ذلك فهذه من المبتذَلات التي اعتادوا إلصاقها بكل إنسان مبرز ذي قيمة يهدد وجودُهُ مصالحَ فئة بيدها كل شيء، وملايين لا يملكون في اليدين سوى اليدين !
ــــــــــ
ملاحظة : أثناء قراءتي لسيرة حياة سجاح بيت الحارث ومسيلمة وجدت العديد من الإشارات إلى مراجع ومصادرلأسماء معروفة استفدتُ منها مثل : الطبري والأصفهاني وابن كثير وغيرهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو