الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسات السجنية و المعمار : مقاربة سوسيولوجية

الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)

2019 / 9 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البحث عن أنماط أخرى من العلاقة والتوجه نحو آفاق أخرى اجتماعية واقتصادية وثقافية وتعبدية وتاريخية؟
في احدى زيارات التي نظمتها جمعية للسجن المدني باقليم قلعة السراغنة استوفتني ملاحظات كثيرة من اهمها طبيعة المعمار و شكل الابنية و الاسوار العاالية و ضيق النوافذ و شكل الاقبية و هبهي ملاحظات قادتني لى طرح اسئلة حول علاقة علاقة المعمار وبالعنف على اعتبار ان المؤسسات السجنية هي مؤسسات عقابية .
طبيعة العلاقة و الترابط بين العقاب كشكل من اشكال العنف و طبيعة المعمر و شكل البناء يقود الى استنتاج ان هناك حالات تماهي بين العنف و العقاب و القسوة و كل اشكال التعذيب مع مع الهندسة المعمارية وتطبيقاتها
و يمكن رصد تجليات هذه العلاقة القائمة في الاستناجات التالية :
اولا : اسوار عالية و عقوبة العزلة .
سبق ان حدد الفيلسوف الفرنسي مالبرانش اعلى و أقسى أشكال العنف وفي العزلة حين اعتبر ان اقسى اشكال العذاب ان يكون الانسان وحيدا و لو في الجنة , فالعزلة و الحرمان من التفاعل الاجتماعي يعد شرطا قاسيا للعنف و التعذيب و لعل اكثر تعذيب يكرهه السجين هو الزنزانة الانفرادية , فالاسوار العالية تحيل الى عزل السجناء عن محيطهم و عن واقعهم وهو ما يحيل الى انهم لا يستحقون العيش مع الناس لانهم كانوا خطرا على المجتمع في لحظات حريتهم , فالأسوار العالية و المسيجة تكشف توظيف المعمار و شكل البناء و سنك السور و طوله و طريفة بنائه بطريقة متعرجة يكشف طبيعة الترابط بين المعمار و العنف .
فسور السجن ليس مجرد بناية ثم إنشائها بناء على خلفيات معمارية صرفة و لكنها بنايات خاضعة لمنطق معماري خاص تتحكم فيه الغاية الاجتماعية من سور السجن كمؤسسة عقابية .
بهذا المعنى فالسور هو يتميز كذلك بالعلو المبالغ فيه يشبه هو هو السور الأعلى في كل أسوار المدينة , العلو الكبير يشكل رسالة للجميع ان ان السجن موجود و ان كل من لم يحترم القيم و النظم الاجتماعية وو يخرق قانون الدولة سيكون سيكون مصيره السجن و العزل .
فالسور في علوه يحمل دلالات سوسيولوجية انه بناء معماري فاصل بين عالم الحرية و عالم الحبس , أي ان الحفاظ على الحرية و التمتع بها يقتضي احترام و الخوف من السور .
لذا تكتشف ان اغلب اسوار المؤسسات الاجتماعية : المدارس – المستشفيات – المقاطعات – الاعداديات كلها مليئة بالرسوم الاسور السجن فلا احد يقترب منه , لانه معمار مخيف .
ثانيا : السجون بنيات لممارسة العنف الشرعي
من خلال شكل و طبيعة الحجرات و شكل الابواب و نوع المفاتيح التي تبدو كبيرة و واضحة و يصر حراس السجن على تحريكها و ابرازها بشكل واضح للعموم و للسجناء انها رسالة لجميع ان مفاتيح السجن كبيرة , و ان الهروب او الخروج او التسلل غير ممكن . انها لحظة اللا-امل .
الابواب الحديدية و المفاتيح كبيرة و النوافذ صغيرة تكشف اننا امام معمار خصص أي انها تجهيزات مادية تحتضن ممارسات لأشكال عديدة من العنف المادي والرمزي، وبالتالي تتحول إلى مجالات للتعذيب ، وتتحول إلى مجالات ممارسة ومتملكة بفعل هذا الذي يحدث فيها وبواسطتها. إنها أمكنة- بنايات- أنشأت وهندست، خصيصا لممارسة "العنف الشرعي".
لكم يلاحظ انها بنيات تسمح التهوية وولوج اشعة السمش مما يوفر شروط النظافة و الصحة العامة للسجناء و هو ما يمكن اعتباره احترام حق السجين .
إن السجون هي بنيات هندسية مادية تستجيب لمعايير تقنية دقيقة تخص النظافة والصحة والتهوية والتوزيع الأمني .
و يسجل ان جدران تتم صباغتها باللون الرمادي بالنسبة للذكور هي مؤشر على القتامة بالمؤسسات السجنية والصرامة وعدم التسامح مع أي سلوك خاضع ضوابط المؤسسة .
فالسجون ببنيتها المعمارية الخاصة ,من حيت العلو و شكل الزنازن و اللون و النوافذ و الابواب و المفاتيح و الشكل الهندسي فيكشف انه تشكل تجسيد لطبيعة سلطة الدولة أي انها انها تطبييق لفلسفة الدولة في مجال العقاب و ان كل من يخالف قوانيين الدولة سيكون مكانه السجن كفضاء معزول باسوار عالية يصعب اقتحامها او حتى الفرار منها .
فالمؤسسات السجنية هي اداة من ادوات الدولة لضمان الاستقرار الاجتماي و السياسي لان السجن كمؤسسة عقابية تتكفل بتاذيب و اعادة صناعة الطائشين و المتمردين على سلطة الدولة و الذين لا يحترمون قوانينها .
و قد اعتبر ميشيل فوكو فوكو أن هذه المؤسسات السجنية و العقابية هي نتاج سيرورة تسير أكثر فأكثر في اتجاه مجتمع للضبط والإكراه من اجل صناعة ، مجتمع كلياني.
فالمراقبة و الضبط و العقاب داخل السجون ينتجون أجسادا طيعة وأرواحا هادئة وقوى منتجة، و بها يتم إعادة إدماج بالقوة القيم و القوانيين السياسية و الاجتماعية التي لم يتم احترامها من طرف السجناء قبل الولوج إلى السجن .
فالسجن و عبر اسواره العالية و حتى عبر سياسة الابواب المفتوحة التي تتيحها ادارة السجون تهدف الى نشر وعي بخطورة المؤسسة وهو ما يؤدي الى بناء قيم و استدماجها بان يراقب المواطن نفسه بنفسه، بحيت تصبح السلطة حاضرة باستمرار ومنتشرة في النسيج الاجتماعي بشكل دائم عن طريق إكراه غامض ومنتشر، ولكنه فعّال.
ثالثا : السجن بناء معماري لاعادة بناء المعمار الاجتماعي
من الواضح أن كل تنظيم اجتماعي، سواء كان تقليديا أو حديثا، يحتاج إلى إقامة مؤسسات لتقوية ذاته وإعادة إنتاجها من خلال مواجهة كل أولئك الذين يهددونه، فالدولة تهدف الى الحفاظ على النظام و الاستقرار و هنا يفهم وظيفة المؤسسات العقابية و السجنية منت اجل معاقبة كل من يخرج عن القانون و الاطار الاخلاقي , لذا يعتبر العنف اداة لصناعة النظام .
وهو ما يجعل العنف الذي تمارسه هذه التنظيمات عنفا مشروعا يمارس ويطبق على أولئك الذين ينحرفون عن الضوابط، حسب مسطرة معقدة من الإثبات والحجج والتوجيه والمحاكمة يضعها نفس النظام الاجتماعي. فأمكنة ممارسة هذا العنف الشرعي هي مؤسسات تمت تهيئها من اجل التحكم في الاجساد المتمردة التي لم تحترم القانون .
فالمؤسسات السجنية في هندستها المعمارية تحول العنف الى بناء يحقق الغايات المرجوة من هذه المؤسسات و الهادفة الى صناعة اجساد طيعة و لينة كما عبير عن ذلك ميشل فوكو إذا رجعنا الآن إلى تعريف الهندسة المعمارية كونها تصور كمي وكيفي للمجال، بحيث تكون وظيفتها هي إنتاج الشكل المعماري الذي يتيح التحكم في المجال و تحويله من مجال مفتوح الى مجال خاضع لرؤية المهندس المعمارية و التعميرية حسب خصائص النوع و الفئة و الطبقة و الجنس و الخصائص المناخية و الاحوال الاقتصادية
فالموسسات السجنية عبارة عن امكنة مخصصة للعقاب و تاديب من لم يحترم قانون الدولة و بالتالي فهو فضاء محدد ومرسوم في مجال مادي واجتماعي بحسب وظيفة الضبط و العقاب .
فالسجن هو بناء اجتماعي وسياسي واقتصادي محدد تبعا لوظيفته و الغايات من بنائه مقنن.
إن التصميم المعماري للسجن هو تحويل فكرة العقاب فكرة الى تجسيد فعلي عبر الجدران و الحيطان و الاسوار و شكل البنايات و لونها و غير ذلك من المواصفات التقنية المؤسسة على منطق العقوبة و العذاب .
ان العنف ينبع من المكان عينه أي من طريقة بناء السجن ، و من هندسته المعمارية التي تختزل الإنسان إلى مجرد حياة بدون آفاق، بدون احلام من خلال قتامة الالوان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة