الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عامان و ما زالوا

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2019 / 9 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


توقفت عن الكتابة لمدةٍ تُقارب العامين..و ظننت إن خلال تلك المدة سيتغير و لو القليل من واقع الأمور التي تحتل بداخلي مساحة لا بأس بها..طبعاً -كما تتوقع- كنتُ ساذجةٍ جداً و لم يتغير الكثير أو ربما لم يتغير أي شيءٍ على الإطلاق..و لعلي حققت ما كان يبدو في حينه أنه المستحيل على الصعيد الشخصي حيث تنقلت بحقيبة سفري بين قاراتٍ ثلاث في رحلات مكوكية حتى وصلت إلى مُستقري الأخير فقط لأجد أن ما توقفت عن الكتابة عنه ما زال كما هو ينتظرني حيث هو للكتابة عنه مُجدداً..بل و لأجد أن مجتمعاتنا العربية الفاضلة جداً و القابلة للتجدد كثيراً "ما زالت" عاجزة عن الانتقال من خانة المستحيل إلى خانة الممكن.

أصبحت في بلدٍ يكاد مستوى الحرية فيه أن يصل إلى حدود السماء و ما زالت ثقافة العبودية و التمجيد لحاكمٍ يسوق الآخرين بالحديد و النار هي السائدة بين العرب..و ما زالت الآلة الإعلامية العربية تُمارس خلق الأصنام باحترافٍ يكاد ينافس الرب في حرفته..و ما زال "فُتات" الحقوق الذي يُلقى للشعوب العربية يُوصف بالـ "إنجازات العظيمة" التي من أجلها يستحق أن يُسبِّح هذا الشعب أو ذك بحمد ذلك الحاكم الذي تكرَّم عليهم فألقى بحيَّته التي تسعى حتى خُيِّل إليهم بأنها حقوق و امتيازات عظيمة و ما هي إلا فُتات يُسلب منهم في مقابله الكثير..أيضاً ما زال الخطاب الإعلامي العربي يُفضِّل الاستهانة بعقول مشاهديه على احترامها و احترامهم..لكني لا ألومه كثيراً على ذلك..فحتى يتجاوز ذلك الإعلام المُهترئ مضموناً و شكلاً مرحلة الاستهانة تلك و ينتقل منها مُجبراً إلى مرحلة الاحترام فعليه أولاً أن يواجه بردة فعلٍ قوية و رافضة تجاه ما يُقدمه..و لكن ما يحدث في حقيقة الأمر هو أن المشاهد العربي مشاهدٌ مثالي بامتياز..مشاهد تُوفي عقله سريرياً منذ اللحظة التي آمن فيها بأن من يحكمه هو خليفة الله على الأرض و بأنه هو كمواطن في هذا المجتمع العربي يتمتع بأفضليةٍ -لا تقبل الجدل أو النقاش- على جميع نساء داره فقط لأنه يمتلك قطعة لحم متهدَّلة بين ساقيه.

لهذا ما زالت ثقافة امتهان المرأة هي القاعدة التي يُحرَّم الشذوذ عنها..و ما زال عرش الرب سيهتز ليسقطه من فوقه لو حصلت النساء على بعضٍ من حقوقهن..ما زالت المرأة عورة و ما زالت المرأة تجاهد لإكمال تعليمها الثانوي و لن أجعل خيالي يتجاوز حدودهم المسموح بها فأنطق بعبارات كُفرية كالـ "التعليم الجامعي" أو "التعليم العالي"..ما زالت المرأة تقاتل في معظم الدول العربية للحصول على حقوقها دون الحاجة إلى ذلك القتال المستميت الذي يجعلها لا تصل إلى حدود الحد الأدنى من تلك الحقوق إلا و هي مُنهكة و مُستهلكة إما نفسياً أو جسدياً..ما زال امتهان المرأة فكرة تنافسية تتقاطع كثيراً مع فكرة دوري الأبطال الأوروبي..فالجميع يشارك فيها بحماسٍ غريب بُغية تحقيق رقمٍ قياسي يميزه عن الآخرين..و الآخرين هنا هو دولةٌ عربية تنافس أخرى في معدلات التحرش و الاغتصاب و جرائم اللا شرف و الختان..و إن التفت صوب الجمهور الذي يشاهد تلك المنافسة المقيتة ستجد أنهم يحملون ذخيرة حية لا تنضب و تحرض على استمرار تلك المنافسة..ذخيرة تحمل أسماء تروق للعرب كثيراً كالدين و العادات و التقاليد و العُرف الاجتماعي.

ما يقارب العامين دون كتابة..عامان حدث فيهما الكثير -ليس على الصعيد الشخصي و حسب بل في العالم بأسره- و لكن ما زال كل شيء حيث هو و كما تركته بالضبط..أمرٌ يجعلني أتساءل عن سبب إفتتان العرب بفكرة "ما زال"..عن سبب قتالهم المستميت للبقاء في كهفٍ جامد يتغير مظهره الخارجي فقط ليبقى كما هو من الداخل..هل الجينات العربية عصِيةٌ عن التغيير لهذا الحد؟؟..إلى الحد الذي يجعل شعوب منطقة جغرافية بأكملها ترفض و تقاوم التغيير في مجالات معرفية و حقوقية تجاوزت دول غربية بأكملها الحديث عنها لأنها أصبحت بالنسبة إليها ماضٍ سحيق..هل يخاف العرب من المستقبل لهذا الحد؟؟..هل يملؤهم الكثير من الخوف تجاهه لهذا يصرون على البقاء في مرحلة "كان" و "ما زال"؟؟..ربما..و ربما الحل لهذه المُعضلة هو كما أخبرتني إحدى الصديقات ذات مرة بأن تُلقى على هذه المنطقة الجغرافية قنبلة ذرية كالتي أُلقيت على مدينة هيروشيما لعلها حينها ستحاول إيجاد مُستقبلاً لكي تتطلع إليه بدلاً من البقاء و الموت في جُّبُّها الذي يمتلئ حتى التخمة بالأكاذيب و الخرافات الدينية و أوهام العظمة التي لم تكن لتبقى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس