الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيوب..الرهان الجائر وجدلية الايمان والتجديف(3).

ماجد الشمري

2019 / 9 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان رجل في ارض عوص-اين تقع ارض عوص؟لااحد يعرف!.ربما كاتب النص وحده يعرف!م.ا-اسمه ايوب،وبعد تقديم ايوب ووصفه وبيان احواله الشخصية وتعداد ممتلكاته.يقفز النص الى مشهد آخر سماوي:فذات يوم-الزمان هنا ايضا غير محدد،مجهول!م.ا-اجتمع بنو الله-"بنو الله"مذكورة حرفيا في النص التوراتي،وليست من عندنا!م.ا-امام الرب،وحضر الشيطان الاجتماع!(يبدو ان الله وبنوه كانوا يجتمعون في منتدى سماوي، فيتحاورون ويتسامرون،وحضور الشيطان ليس غريبا او مفاجئا،فله حضوة،ومرحب به كعضو في النادي الرباني!.م.أ)ادرك الله،ان الشيطان قد:"وضع قلبه على عبده ايوب".وهو يسأله-هذا ماورد في بداية السفر-ومن هنا اصبح ايوب موضوعا،للعبة الله-الشيطان ،او الطرف السالب-المفعول به، في معادلة المقامرة او المساومة والتباري السماوي ولشوط طويل،من الرهان العبثي،والمفتقر للمغزى،هدفه:فوز الذات الالهي او الشيطاني!،فهو رهان لايخرج عن كونه صراع ارادات،واشتباك امزجة،ولاعلاقة له بحق او باطل،او خير وشر،بل هي منافسة بين غريمين غايتها اثبات الذات،والانتصار في معركة بالغةالصبيانية و السفه،على حساب الم وعذاب انسان لم يرتكب جرما،وخضع كرها لتجربة،كفأر مختبر لاحول له ولاقوة!.فأيوب كان مثالا في الاستقامة والصلاح والنزاهة،وقدوة في التقى والكرم والاحسان ومكارم الاخلاق،وأنموذجا في الرحمة والشفقة،ونجدة المحتاجين من:ارامل،وايتام،ومساكين،وعابري سبيل.ولم يكن الشخص المناسب لتجربة اختبار مدى ايمانه،ودرجة رسوخ تقواه وبره.فهذا محقق وثابت، ومشهود له من خلال ورعه ومثاليته الدينية وسلوكه الانساني،فهو متخم بالايمان،وكما جاء في سفره،تعدادا لمناقبه واخلاقيته الرفيعة.فقد كانت له عائلة غاية في الطاعة والانسجام والسعادة:7بنين و3بنات،وزوج كاملة في الصلاح والوفاء،امرأة فاضلة تقية،تطابق ايوب سلوكا وعقلا ودين.وكان عنده الكثير من العبيد،وارض واسعة مترامية،وقطعان من الماشية:7آلاف من الغنم،و3آلاف من الجمال،500فدان بقر،و500أتان،وخدم منزل عديدون.وبهذه الملكية الكبيرة،كان ايوب من اعظم ابناء الشرق غنى وبلهنية حياة،وكان يطعم الجياع بغير حساب،ويبذل الوسع في العناية بيتامى منطقته،وكان جوادا كريما مرحبا بأبناء السبيل،والعابرون،ولم يقصر او يتوانى في تقديم العون والمساعدة لكل محتاج ذو خصاصة،فكانت خدمة المحتاجين هي واجبات عليه،وحقوق لهم.اما الجانب العبادي-الديني فكان يلزم نفسه حتى بتقديم اضحيات خارج المقرر،والواجب الديني الطقسي التكليفي المطلوب من اضاحي،وكل يوم تحسبا،وخشية من ان يكون هنالك ذنب او معصية ارتكبها ابناءه سهوا او جهلا،او:"جدفوا على الله في قلوبهم"!.فهل انسان بهذا السمو الديني والانساني ممكن ان يشكك في ايمانه،ويجب تعريضه للامتحان لقياس نسبة ايمانه،بتدمير حياته كليا،ليرى المراهنان السماويان،هل سيبقى ايوب مؤمنا صامدا، ام لا؟!..
تراجيديا ايوب بدأت عندما تباهى الله متفاخرا بتقوى وورع ايوب،وقامر على ذلك ضد الشيطان،طبعا على ايمانه به،وليس على اخلاقياته وسلوكه الفاضل،وانسانيته الفريدة!.قبل الله التحدي،وهو يراقب ايوب امام الشيطان الذي استهان بهذا التفاخر الالهي وقلل من قيمته.فقد فسر الشيطان كمال ايوب الديني،وتقواه،برده الى ثرائه الفاحش،ورفاه حياته،وايضا ليس لديه مايشكو منه او ينقصه،اي ان ايمانه نوع من المجانية غير المكلفة، اوتدين الاغنياء المرائي،وهذا هو العامل الذي جعل من ايوب متميزا في ايمانه وعبادته،وبهذه الاستقامة الورعية والتقى الملزم،ترف في العيش يجب ان يقابل بالشكر والامتنان.جادل الله الشيطان محاججا،بأن ايوب سيبقى مؤمنا ورعا،ومخلصا في عبادته،حتى لو كان فقيرا محروما من كرم وعطاء الله.وعندما طلب الشيطان من الله ان يطلق يده حرة في التصرف،وفي تعريضه للتجربة العملية،ليثبت رأيه،بأرتداد ايوب،وكفره،حالما يفقد مايملكه،ويفقد ابناءه ايضا.وافق الله على ما اقترحه سيد الغواية والسقوط،،واعطى له الضوء الاخضر في العبث وتخريب حياة ايوب،من اجل النصر في الرهان اللاهوتي الحكيم!. خاض-وبالاحرى خضع مرغما- ايوب تلك التجربة المرة،-كلعبة يتجاذبها طفلان!-بجلد وصبر لايلين،بين سندان قناعة الرب بثبات ايمان ايوب الراسخ،وبين مطرقة الشيطان وألآعيبه التي لاتنتهي،والضرب بقوة لزعزة ذلك الايمان،واسقاطه في وهدة الكفر والتجديف،وايضا لاثبات قناعته بفساد الانسان وميله للانحراف.كان ايوب يسحق دون رحمة.في واحدة من اكثر صور الكتاب المقدس قسوة وبربرية،وعنف سادي دموي،تبدأ حفلة الابادة الجماعية للحرث والنسل والدواب والعبيد!.ويرسل الله-وبدون ان يرف له جفن-رسله الواحد تلو الاخر ليبلغوا ايوب بأنباء المصائب الجسام،فيخبره الرسول الاول:ان السبئيين،سرقوا بقره،وحميره،وجماله،واحتزوا اعناق كل عبيده في كل مراعيه.وقبل ان ينتهي الرسول الاول من اكمال سرد الحادث الجلل،اقبل الرسول الثاني،ليخبره بنبأ مأسوي اخر،وهو:ان نارا اسقطت من السماء فأحرقت كل خراف ايوب،ورعاتها!.وسرعان ماحضر الرسول الثالث-المصائب لاتأتي فرادى،بل جحافل!-وحالما انهى الرسول الثاني كلامه،حتى اخبره الرسول الثالث،بالنازلة الفادحة الجديدة،قائلا:ان الكلدانيين،سرقوا الجمال،وقتلوا من تبقى من عبيده!.واخيرا،ومرة اخرى،وقبل ان يكمل الرسول الثالث خبره،جاء الرسول الرابع والاخير،ليطلعه على الطامة الكبرى ،والنكبة الاعظم التي حلت باحبائه،قائلا:ان ريحا عاتية هبت من الجبال،واطاحت بالبيت الذي كانت تقام فيه مأدبة كبيرة جمعت ابناءه وبناته،كبارا وصغارا،فماتوا جميعا!.كان رد ايوب على جحافل المصائب هذه ردا طبيعيا مألوفا،فعندما يبتلى الانسان بهذا الكم الهائل من الارزاء والنوائب القاصمة لظهر اقسى الجبابرة،فكيف بأيوب:المرهف،الرحيم،المحب،الشفوق؟!.شق ثوبه،وجز شعر رأسه،ثم خر ساجدا،وهو يقول:"عريانا خرجت من بطن امي،وعريانا اعود الى هناك.الرب اعطى والرب اخذ،فليكن اسم الله مباركا".
ايمان ايوب الصادق،ويقينه بحكمة ربه،مده بالصبر،وتحمل فجيعته الشاملة،قدرة جبارة،وغير متوقعة في الاتزان،وعدم الانهيار.كان ايمانه هو درعه الحامي،وعاطفته الراجحة التي سيطرت على عقله وارادته،و التي زودته بالصمود والثبات،فقد احتمل ايوب الم فقدانه لابناءه،وزوال ملكيته من اطيان وحيوان وعبيد،وسلم امره لخالقه،متوكلا على الله،محتسبا،كاظما لحزنه وآلامه،والتي لاتكفيها،ولاتبررها حكمة وعدل وارادة الله السرية!.فرح الله،وهو يشاهد استسلام وخضوع ايوب لمشيئته المجهولة،واعترافه بأن الله هو وحده المعطي وألآخذ.في اجتماع لاحق حضره ايضا:بنو الله،والرب،والشيطان،التفت الله للشيطان،منتشيا بانتصاره في هذه الجولة،وخاطبه مزهوا بتوقعه الصائب لردة فعل وسلوك ايوب،وتسليمه ومباركته لاسم الرب.ليسأله:ان كان قد اقتنع بتقوى ايوب الصادقة؟.لكن الشيطان وكالعادة،كان يعتقد جازما:بفساد الانسان،وسهولة اسقاطه،وكفره.ليرد على الله مغترا واثقا من نفسه:"جلد بجلد،وكل ما للانسان يعطيه لاجل نفسه،ولكن ابسط الان يدك،ومس عظمه ولحمه،فأنه في وجهك يجدف"!.وماعناه الشيطان هنا هو:ان ايوب تقبل مصيبته واستكان لها،طالما هي لم تمسه بسوء،ولم يتعرض لضرر ذاتي ،وان كل شيء يهون،اذا مانجا الانسان بنفسه.ولو تعرض ايوب لشر في جسده،فسيختلف الامر.وايوب المؤمن الخاشع لله سيجدف حتما عليه وامامه،ودون تردد اذا مسه الضر،او اصيب بمرض شنيع.رد الله على الشيطان ببرود ب:ان يفعل بأيوب مايشاء،شريطة الابقاء على حياته،مع الاختبار المؤلم-الابقاء على حياة ايوب ضروري،لان بموته تنتهي الحكاية،ويفشل الرهان!م.ا-.بعد ان اخذ الشيطان الموافقة من ربه،سلط عليه مرض التقرح الجلدي من باطن قدمه حتى هامته،اي اصابه بمرض الجرب الفتاك.(من الجدير بالذكر،ان الشيطان نادرا مايظهر في الكتاب المقدس،وحتى هنا في سفر ايوب،سيتوارى،ولن يظهر ابدا بعد ذلك!.م.أ).كان رد فعل ايوب على داءه الجديد،هادئا،وهو يشاهد جلده يتقرح،ولحمه يتعفن،وكان يتألم بصمت.فأخذ قطعة من الخزف ليحك بها جلده المتشقق،ثم قام وجلس فوق الرماد.فأنفجرت زوجه في وجهه،وقد بلغ منها اليأس مبلغا،فقالت متذمرة:"الا زلت متمسكا بكمالك؟.جدف على الله ومت".ولكن ايوب كان متمسكا بحبل ايمانه وصبره وثقته وقبوله بما كتب الله له من عاقبة،ومتماسكا لم يستهلك طاقته بعد،ليجيبها بمنطق الايمان المقنع ،لابمنطق الجزع الانساني:"أألخير نقبل من عند الله،والشر لانقبل؟".جاهد ايوب مرضه بسكينه وسلام،فبعلو همته،وصبره الجميل،نجح في ذلك،ولو الى حين،ومع تلك الارادة والتحمل الخارق،وهو يكابد آلامه المبرحة،مذعنا يستمد المقاومة من عزمه الراسخ،واتكاله على مشيئة ربه.-نستدرك هنا ونتوقف وهله،ونسأل ونحن نتأمل قصة ايوب المحزنة،عن:تلك العلاقة الوطيدة بين الله والشيطان،وذلك التواطء والمهادنة،وتبادل الادوار والمصالح بينهما،ومستوى الاذعان الالهي للشيطان،ومجاراته،وقبوله بالخطط الشيطانية،والموافقة على مقترحاته دون اعتراض،وتلك الدالة الملزمة والتفويض الكامل،بفعل مايرغب به عدو البشر من اجل اسقاطهم بحبائله،وتحطيم ايمانهم،وزعزعة يقينهم،واغرائهم بأرتكاب الخطايا والمعاصي والتجديف، اهو امر مفصود،احدهم يضل والآخر يهدي؟! والا..فما معنى ذلك؟!وماهي الحكمة في التخصص وتوزيع الادوار،واحتدام المنافسة بين الهداية والتضليل،بين الخير الالهي المزعوم،والشر الشيطاني المعلوم؟!-...
.........................................................................................................................................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م