الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التواصل سر السعادة

أيوب الوكيلي

2019 / 10 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يختلف هدف الإنسان من الحياة حسب التصور والمنظور الذي يعيش به، لكن إذا سألنا معظم الناس، ما هي الغاية التي نهدف ونسعى من ورائها أثناء انجاز أي عمل أو نشاط في الحياة؟ من الواضح أن الإجابة سوف تكون مشترك بين معظم الناس وهي أننا نبحث ونسعى وراء تحقيق السعادة والهناء والإحساس بالراحة والاستقرار على المستوى النفسي والاجتماعي....، غير أن مشكلة الكائن البشري أنه لا يتوفق عن رسم طموحات وأهداف وغايات الشيء الذي يجعله فاقدا للبوصلة التي تقوده نحو المسار الصحيح من أجل الحصول على السعادة و الرضى عن الذات، من هذا المنطلق يمكن القول أننا نمتلك كنوزا في الحياة تمكننا من الحصول على السعادة والراحة، لكننا نضيعها ونهدرها لأننا أضعنا المفاتيح والسبل التي تقود إليها بسبب طغيان المنظور المادي والاستهلاكي في الحياة بشكل عام. إذن ما هو المصدر الأساسي للسعادة؟ هل المال هو الغاية القصوى التي تقود إلى تحقيق السعادة أم أن التواصل وبناء العلاقات الإنسانية الناجحة هو المصدر الأساسي للحصول على السعادة؟

معظم البشر يظنون أن السعادة في توجد في الخارج ويطاردون أوهام مزيفة، تكمن في امتلاك المال والسلطة والقوة، والسفر إلى أماكن جديدة و الاستهلاك وشراء الأثاث الغالي، وأخر موديل السيارات....، هذا الوهم سوف يحطمنا في النهاية، قد يلهث الإنسان عمره كله وراء جمع المال لكنه لن يذوق طعم السعادة إذا لم يكن له المنظور الصحيح الذي يجعل الإنسان حكيما حيث يتبع القوانين والمبادئ الكبرى التي تحكم وتحدد الحياة السعيدة.

لأن مهما امتلك الإنسان من أموال وثروات، فإنه يظل فقيرا إذا لم يعرف ما هي المفاتيح التي تقود للسعادة والهناء والصفاء الداخلي، لأن الإحصاءات والدراسات تؤكد أن السعادة لا يمكن نحصرها في الحصول على المال، طبعا الحد الأدنى من المال الذي يضمن الحياة الكريمة والاستقرار ضروري ولازم، لكن النجاح المهني والشهرة والمال قد يقود أصحابها في الكثير من الأحيان إلى الانتحار والمرض النفسي. لأنه يوجد الكثير من الأشخاص الذين امتلكوا الثروة المادية والشهرة، حينما يشارفون على الموت تصدر عنهم بعض الأفكار والتصورات التي تنم على الحكمة، رغم أن بينهم وبين الحكمة مسافات فلكية، لأنه فرق كبير بين من ينطق بالحكمة والذي يعيش بها كذلك الأمر في مجال الفضيلة، ليس كل من يقول شيئا عن الفضيلة فهو فاضل.

لأن الإنسان الذي يجهل القانون الذي تسير به الحياة، لن يكون حكيما، والمصيبة عندما لا نعرف ما هي الغاية والهدف الذي نريده من الحياة؟ حيث يعتقد الناس أن السعادة تكمن في تجميع الأموال ومراكمتها رغم أن الأمر ليس كذلك حيث أن الكثير من الأغنياء يحسون بالتعاسة وصعوبة العيش، وتنتهي حياتهم بالانتحار أو المرض النفسي المزمن مع الاكتئاب أو الهوس وغيرها من الأمراض النفسية والعقلية.

من خلال هذا التصور نفهم أن منظورنا في الحياة هو الذي يحدد طبيعة الحياة التي سنكون عليها، في هذا يقول ستيف جوبز، في أخر لحظات حياته قبل أن يفارق الحياة "إن تهافتنا المستمر خلف الأموال وجني الربح سوف يجعلنا في حالة كومة، بحيث لا أحد يمكن أن يعاني في مكناننا عندما نقعد في سرير المرضى، توقف يا رجل من تجميع المال لأنك سوف تنتهي محطما".
هذا الخطاب تصريح مباشر من رجل عرف كل أشكال النجاح المهني والمادي والشهرة وغيرها من الأشياء التي يلهث وراءها معظم الناس، غير أنه ندم على هذه السعي وراء المال والشهرة، لأنه لم يدرك ما هي الغاية الجوهرية من الحياة؟ حتى شارف على الموت، بدأ ينطق ويلهج بالحكمة. هنا تكمن مشكلة الإنسان أنه لا يدرك عمق وحقيقة الحياة إلى في اللحظات الأخيرة حينما يقترب من الموت لهذا السبب فإننا يجب أن نتساءل بشكل مستمر حول الفلسفة التي يجب أن تكون منظورنا في الحياة، بحيث نستطيع أن نختار التوجه الذي يأخذنا التفكير و السلوك الحكيم الذي لا نندم عليه في أخر العمر، لأن حكمة الإنسان تقاس بالقرارات التي نندم عليها فكلما كثر المتندم عليه، فإن هذا الشخص لم يكن حكيما في حياته. بموجب ذلك فإننا في حاجة إلى معرفة القوانين والمبادئ التي تحدد وتؤطر الحياة السعيدة.

لأن السعادة الحقيقة تتطلب منا الحكمة في التعامل مع كل السياقات التي نعيش بها سواء باعتبارنا أزواج أو أباءا وموظفين وأصدقاء....، إذن فالجهل بالقوانين والمبادئ الكبرى في الحياة، يجعلنا في الكثير من الأحيان نختار الطريق الخاطئ، في هذا السياق توجد قصة شهيرة حصلت للفيلسوف شوبنهاور حيث أنه أراد أن يثبت للعالم أنه كاتب ذو شأن عظيم، حيث ذهب إلى الصالون الثقافي الذي يرأسه المبدع جوته، وقدم له كتاب حول الإرادة، بعد مدة عاد شوبنهاور إلى الصالون الثقافي وطلب رأي جوته في الكتاب فكانت اجابة جوته صادمة حيث قال له " قبل أن تبحث عن معنى لهذا الوجود يجب أن تجد معنى لحياتك الخاصة"، من هذا المنطلق ندرك أن البحث عن عمق ومعنى الحياة الإنسانية هو الذي يقود الإنسان إلى الراحة والسعادة.

ما هو المصدر الأساسي الذي يحقق السعادة؟

السعادة مفهوم فضفاض ومتنوع يصعب علينا أن نضع له تعريفا محدد، لكن نستطيع أن نحدد المعالم الكبرى التي تقود إلى الحياة السعيدة، حيث تعتبر العلاقات الإنسانية القائمة على التواصل و الصداقة والاحترام المصدر الأساسي لسعادة، لأن الأصل في السعادة أنها فعل جماعي أكثر مما حالة فردية، تنشأ عن طريق عملية الحوار والتبادل والتعاطف وغيرها من أشكال التواصل التي يعرفها الإنسان في الحياة.

يمكن القول أن جوهر السعادة في التواصل الواعي مع، وليس في بناء العلاقة مع الأشياء المادية، مهما كانت قيمتها ولو بالملاين، فإنها تظل محدودة، في حين أنه إذا وضعنا علاقتنا بالحيوانات تجعلك أقرب إلى السعادة، لأن الفرق شاسع بين التواصل مع الأشياء والحيوانات، فهي تحس بنا وتسمعنا وتدرك ما نقوله من أنشطة وأعمال في الحياة، تحس بصاحبها كما هو الشأن مع الكلاب التي تضحي بنفسها في سبيل أصحابها. بعدها المرتبة الكبرى تتشكل أثناء التواصل مع البشر والعلاقات الإنسانية المبنية على الحب المتبادل بدون شروط أو مصالح "صداقة الفضيلة" بتعبير أرسطو.

إذن فالتواصل مع الذات ومع الغير يعتبر من الأسس التي تعزز حالة السعادة، إضافة لنمو الروحي والمشاركة في الأنشطة الفعالة والإيجابية، كالأعمال الاجتماعية أو الخيرية أو التعاونية، تعد هذه المقومات الشرط الجوهري لتحقيق الثروة النفسية والحصول على الهناء و حسن الحال الذاتي، كما أقر عالم النفس الألماني "الفرد أدلر" ساعد عشرة أشخاص في بعض المجالات وسوف يتطور لديك بعد مدة نوع من الرضى والإحساس بالسعادة نتيجة لمساعدتك للأخرين". من جهة أخرى توجد مجموعة من الدراسات، تقر أن التواصل و بناء العلاقات والصداقات الانسانية، تعتبر من العوامل الأساسية لتحقيق السعادة لدى الإنسان وهنا يتجلى دور المجتمع والتواصل والتعاطف الإنساني كمدخل لتحقيق حالة التوازن والفرح.

لهذا فإن السعادة الحقيقة تتحقق حين نقوم بعمل إنساني يعزز قيم التعاطف والمساندة مع الأخرين، هذا الأمر يجد مصدره في الأبحاث العصبية التي تؤكد على أن بعض الباحات في الدماغ تنشط حين نساعد بعضنا البعض ونتخلص من الأنانية والفردانية، فالسعادة فعل جماعي.
هل المال يقود دائما إلى تحقيق السعادة؟

التوصل هو سر الذي يقود إلى الحياة السعيدة، حيث يكون الشخص ممتلكا للحد الأدنى من المال الذي يضمن له الحياة الكريمة، لكنه يحس بحالة من الرضا والسعادة لأنه اختار القانون والمبدئ الصحيح في الحياة كما قال النبي ص "ارضا بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس"، إذن القضية ليست في الغنى والفقر إنما في المنظور الذي يعيش به الإنسان في الحياة، لكن لا أحد يختلف أن القدر اللازم من المال لتحقيق ضرورات الحياة الكريمة شرط أساسي وليس كافي لتحصيل السعادة، لذلك توجد الكثير من الدراسات العلمية، تؤكد على أن الحد أدنى من المال ضروري لتحقيق السعادة ولكنه ليس كافيا حيث تنضاف إليه شروط أخرى حتى تتحقق السعادة، لأنه من الصعب الحديث عن سعادة بالنسبة لشخص يشتغل طيلة اليوم حتى يحقق فقط قوت يومه ليس له وقت لراحة أو القراءة والجلوس مع العائلة، فالإنسان الذي يشتغل 14 ساعة كل يوم حتى يوفر الضرورات هو أشبه بالألة هذا الأمر غير طبيعي، لهذا فإن تحقيق شروط الحياة الكريمة مهمة لتحقيق السعادة لكنها غير كافية بل تحتاج في نفس الوقت إلى جملة من الشروط الأخرى أهمها التواصل الواعي مع الأخرين، لأن الغير عالم ممكن أن ندركه ونفهمه عن طريق الحوار والتواصل، بتعبير الفيلسوف ميرلوبونتي.

الأستاذ أيوب الوكيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف