الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العود الأبدي ، تكوين وتأويل

الحسن علاج

2019 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العود الأبـــــدي
تكوين وتأويـــــــــــل
باولو ديوريو *
ترجمة : الحسن علاج


1 .عودة المثيل ؟
يؤكد جيل دولوز Giles Deleuze) (أننا نقوم بتفسير خاطئ في " عبارة " العود الأبدي " ، عند فهمنا : عودة المثيل " ، لاسيما أنه ينبغي تجنب " الاعتقاد أن الأمر يتعلق بدورة ، أو عن عودة المثيل le même) (، عودة إلى الشيء ذاته " ، ثم : " ليس المثيل هو الذي يعود ، ليس المتشابه هو الذي يعود ، بل إن المثيل يعتبر عودة لما يعود ، أعني [عودة] المختلف ، المتشابه يعتبر عودة لما يعود ، بمعنى [عودة] غير المتشابه . إن التكرار في العود الأبدي هو المثيل ، لكن كما يتم التفكير فيه فقط في الاختلاف والمُختلف 1 . " انتشر هذا التأويل ، منذ نهاية الستينات ، انتشارا واسعا في فرنسا وفي الخارج ، وبالفعل فهو يستند على شذرة ـ واحدة فقط ـ لنيتشه تم نشرها مثل " كلمة جامعة" 334 من الكتاب الثاني لهذا العمل المزيف الذي هو إرادة القوة 2 .
لقد تم وضع هذه الكلمة الجامعة المزعومة ، والحالة هذه ، من قبل ناشري إرادة القوة انطلاقا من العمل على ضم شذرتين بعد وفاة المؤلف سنة 1881 ، واللتين قام نيتشه من خلالهما بمقارنة تصوره الخاص للعود الأبدي للمثيل بما هو دورة في الزمن ، بالتصور الآلي لجوهان غوستاف فوغته (Johannes Gustav Vogt ) الذي قام بتضمين التواجد الأبدي للمثيل في الفضاء ، إلى جانب العود الأبدي في الزمان . يظهر جليا هذا الحوار بين نيتشه وفوغته في المخطوطة ، لأن الفيلسوف لا يحيل براحة فقط على العمل الرئيس لفوغته ) القوة . رؤيا للعالم الواقعي والواحدي ( قبيل وفي وسط تينك الشذرتين بعد وفاة المؤلف ، بل إنه أيضا في ذات النص للشذرتين الاثنتين يأتي على ذكر تصورات ويستعمل ، عاملا إياها بين هلالين ، مصطلحات تقنية مأخوذة من كتاب فوغته ، مثل مصطلح " طاقة التقلص 3 . " يقر فوغته بأن العالم مكون من مادة وحيدة ، منسجمة قطعا ، لامنتهية في الزمان والمكان ، مجردة وغير تلوفة يطلق عليها " قوة " kraft) ( حيث " أن شكل الفعل الآلي الأساسي ، مركزي وثابت باستمرار هو التقلص 4 " . فبعد قراءة تلك الفقرة من كتاب فوغته ، وبعد الإشارة إليه في الهامش في نسخته ، كتب نيتشه في دفتره 1 III M الشذرة التي استشهد بهاد ولوز :
على افتراض أن ثمة " طاقة تقلص " متساوية في جميع مراكز قوى الكون ، ينبغي معرفة فقط أين يمكن أن يوجد أدنى اختلاف ؟ ينبغي أن يتحلل الكل في حلقات غير منتهية وأفلاك الوجود متطابقة تماما وهكذا سوف نلاحظ عددا لا يحصى من العوالم المتطابقة تماما متعايشة [شدد نيتشه على ذلك مرتين ] إلى جانب بعضها البعض . هل من الضروري بالنسبة إلي القبول بذلك ؟ إضافة تساكن أبدي إلى تعاقب أبدي للعوالم المتطابقة 5 ؟
في الترجمة الفرنسية ل[كتاب] إرادة القوة التي استعملها دولوز ، تترجم عبارة contraktionsenergie" " ب" طاقة التكثيف " بدلا من " طاقة التقلص " ، وIst dies nothing « fur mich , anzunhmen » تترجم ب "هل من الضروري القبول بذلك ؟ " بدلا من " هل من الضروري بالنسبة إلي القبول بذلك ؟ " ، الشيء الذي يعمل على إضاعة معنى المقارنة بكامله .
من خلال الفعل المنظم للتقطيعات التعسفية للشذرات ، الإخلال بالترتيب الزمني ، الإهمالات وعدم دقة الترجمة الفرنسية ، فإن الحوار بين نيتشه وفوغته في [كتاب] إرادة القوة يمَّحي ويبدو أن نيتشه ، في ذلك الشرح المكتوب على وجه السرعة في دفتر ، ليكن بإزاء انتقاده فكرته الخاصة للعود الأبدي بوصفها دورة ـ وهو ما سوف يمثل )مسكرا مرا( unicum) ( في كل إنتاجه المكتوب ـ في حين أن ، كما لاحظنا ذلك ، فهو في الواقع بصدد مناقشة فرضية فوغته . إن دولوز ، الذي يسند كل تأويله على تلك الشذرة بعد وفاة المؤلف [نيتشه] غافلا عن الشذرات الأخرى ، يعلق : " وهكذا تتشكل الفرضية الدورية التي انتقدها نيتشه كثيرا 6 " ، في حين أن نيتشه لم ينتقد الفرضية الدورية ، بل الشكل الخاص الذي اتخذته تلك الفرضية في عمل فوغته ، فالنصوص الأخرى كلها بدون استثناء ، تلك التي عمل نيتشه على نشرها أو ظهرت بعد وفاته ، التي تتحدث عن العود الأبدي مثل تكرار أحداث بعينها بداخل دورة تتكرر باستمرار 7 .
لكن إذا لم يكن العود الأبدي في تأويل دولوز دائرة ، فبأي شيء يتعلق الأمر ؟ أبعجلة ذات حركة نابذة تنجز " انتخابا خلاقا " ، " إن سِرَّ نيتشه ، هو أن العود الأبدي يعتبر اصطفائيا " يقول جيل دولوز :
ينتج العود الأبدي صيرورة ـ فعالة . يكفي إسناد إرادة العدم إلى العود الأبدي لإدراك أن القوى الارتكاسية لن تعود . مهما ذهبت بعيدا ومهما كانت الصيرورة ـ الارتكاسية للقوى عميقة ، فإن القوى الارتكاسية سوف لن تعود . الإنسان الضئيل ، الحقير ، الارتكاسي لن يعود .
وحده الإثبات يعود ، وحده يعود من يكون بمقدوره أن يثبت ، وحده الابتهاج يرجع . كل ما يمكن إنكاره ، كل ما هو سلب ، يتم إبعاده بواسطة حركة العود الأبدي ذاتها . كان بإمكاننا أن نخشى من أن ترتيبات العدمية والارتكاس لن تعود باستمرار . ينبغي مقارنة العود الأبدي بعجلة ؛ غير أن حركة العجلة مزودة بقدرة نابذة ، تعمل على طرد كل ما هو سلبي . لأن الكينونة تترسخ بالصيرورة ، إنها تبعد عن الذات كل ما يناقض الإثبات ، كل أشكال العدمية والارتكاس : إحساس بالخطإ ، ضغينة ... سوف لن تتم رؤيتها إلا مرة واحدة . [...] إن العود الأبدي هو تكرار ؛ بيد أن التكرار هو الذي يصطفي ، التكرار هو الذي ينجد . سر مدهش لتكرار مُحَرِّر ومنتخِب 8 .
من غير المجدي التذكير بأن العجلة ذات الحركة الطاردة ومفهوم تكرار يقصي السلبي لا يوجدان في أي مكان في نصوص نيتشه ، وبالفعل ، فإن دولوز ،لا يسوق أي نص من نصوص نيتشه لتأييد هذا التأويل . أيضا سوف يكون بإمكاننا مرة أخرى ملاحظة مجمل التعارض بين القوى الفَعَّالة والقوى الارتكاسية الذي يوجد في الغالب في أساس تأويل دولوز لم تتم صياغته أبدا من قبل نيتشه . منذ بضعة سنوات ، لفت ماركو بروزوتيه Marco Brusotti) ( الانتباه كون دولوز قام بإدخال ثنائية لا وجود لها في نصوص نيتشه . وبطبيعة الحال فإن الفيلسوف الألماني قدم عرضا لعدد معين من الظواهر التي لها " قابلية رد الفعل " ) على سبيل المثال في المبحث الثاني لجنيالوجيا الأخلاق ، الفقرة 11 ، فهو يتحدث عن " مؤثرات ارتكاسية " ، reaktive Affekte) ( ، " أحاسيس ارتكاسية " ، reaktive Gefuhen) ( ، " رجال ارتكاسيين " ، reacktive Menchen) ( تعتبر بالرغم من ذلك نتيجة لمجموعة مركبة لأشكال مراكز قوى فعالة في ذاتها . فلا الكلمة ولا مفهوم ال" قوى الارتكاسية " لم يظهر أبدا في فلسفة نيتشه 9 .
لكننا سوف نتوقف للحظة واحدة لإلقاء نظرة فلسفية على تأويل دولوز هذا في جملته 10 . عبر [كتابه] نيتشه والفلسفة ، توصل دولوز إلى فلسفة غير مألوفة للإثبات والابتهاج ، التي تلغي كل العناصر الارتكاسية ، السلبية والحقيرة للوجود . فهو في العود الأبدي ، يؤمن بمعاينة إوالية تنتج ، ضد سلب السلب الخاص بالجدلية الهيغلية ) والماركسية ( ، " إثبات الإثبات " :
إن العود الأبدي هو تلك القوة الهائلة ، حصيلة الإثبات الذي يجد أساسه في الإرادة . خِفة من يُؤكد ، ضد ثقل السلبي ؛ ألعاب إرادة القوة ، ضد عمل الجدل ؛ إثبات الإثبات ، ضد ذلك السلب الشهير للسلب 11 .
يعارض دولوز الحركة النابذة للعجلة التي تقوم ببساطة بإبعاد السلبي ، بمسار الفكرة الهيغلية عبر التاريخ ، التي تصطدم ، تقاوم وفي النهاية تجدِّل غائية معزية تقود إلى انتصار الفكرة أو إلى تحرير الكتل ، يعارض دولوز الحركة النابذة للعجلة التي تطرد ببساطة ما هو سلبي . يتعلق الأمر مرة أخرى بغائية متفائلة ومعزية ، التي بدلا من الاصطدام بثقل التاريخ ، بالألم ، بالسلبي ، جعله يتلاشى بضربة عصا سحرية ذات حركة نابذة . أخشى ألا يتعلق الأمر إلا بحركة كبت ، لا تمتلك القوة لتجديل أو القبول بالسلبي ، تسعى فقط لتعزيمه إلى حركة " انتخاب خلاق " . على أن التعزيم يعتبر فعلا سحريا وليس فعلا فلسفيا : ليس من الضروري لسوء الحظ العمل على جعل السلبي يتلاشى ، الذي ينتقم بشكل طبيعي ثم يعود أشد بأسا من ذي قبل .
يعتبر العود الأبدي كما يفهمه نيتشه ، على خلاف " إثبات الإثبات " الدولوزي ، الذي لا يثبت سوى الإثبات ، انطلاقا من منظور غير غائي بالمعنى الدقيق للكلمة ، إنجازا لفلسفة تتمتع بقوة قبول كل مظاهر الوجود ، وحتى تلك الغارقة في السلبية ، من دون الحاجة إلى تجديلها ، ومن دون الحاجة إلى استثنائها [مظاهر الوجود] من خلال حركة طاردة لكبت أيا ما تكون . إنها [الفلسفة] لا تنكر أي شيء ، ثم تتجسد في صورة كالتي يرسمها نيتشه ، في أفول الأوثان ، بالنسبة لغوته Goethe) ( :
ينتصب هذا العقل المحرَّر في مركز الكون مع حتمية مرحة واثقة ، مع الإيمان حيث لا وجود لمدان إلا ما يوجد على انفراد ، ثم إن ، في المجموع ، كل شيء يُحل ويتأكد ـ لا ينكر أبدا ... غير أن اعتقادا مشابها يعتبر أكثر سموا من كل الاعتقادات الممكنة . إني أعطيه اسم ديونيزوس 12 .
2 . زرادشت ، معلِّم العود الأبدي
ينبغي اعتبار العود الأبدي مثل " فكر ما بعد الوفاة " . فهو لم يتم التعليق عليه ، في أي مكان من وجهة نظرية ، في الأعمال التي نشرها نيتشه ، في حين أنه ، في أوراقه المخطوطة ، وخصوصا في دفتر مكتوب في سلس ـ ماريا صيف 1881 ، فقد دون نيتشه مجموع حججه الضرورية لتفسير هذا المذهب ، وهو ما يسمح في ذات الوقت بموضعته [المذهب] في سياق النظريات الفلسفية والعلمية في ذلك العهد . وسوف يشكل ذلك موضوعا للجزء الثالث لهذه الدراسة . ومع ذلك فإني أرغب أولا في تحليل بعض المقامات النصية حيث يعرض نيتشه ، أو بالأحرى زرادشت ، علانية فكره عن العود الأبدي ، وذلك من أجل إظهار أنه من بين النصوص المنشورة وشذرات ما بعد الوفاة فإن مضمون المذهب بقي ثابتا ، حتى وإن كان خاضعا إلى استراتيجية نصية وإلى شكل برهنة فلسفية أشد اختلافا .
في البنية الدرامية والحوارية لهكذا تكلم زرادشت ، ينبغي الإبقاء من جهة على التدرج البلاغي الذي يتأسس بين لحظات تلفظ العود الأبدي ، ولاسيما الاهتمام بالشخصيات التي تتلفظ بالمذهب أو تبلغ عنه. وبالفعل ، فإن نيتشه يسعى في الوقت ذاته إلى إدراج سيرورة نضج زرادشت في تمثل العود الأبدي والمؤثرات التي يحدثها هذا المذهب على النماذج البشرية المختلفة التي يرصد لها . ثم إن ذلك يصنع أصالة ) وقوة ( أسلوب زرادشت بالنسبة للمقالة أو البحث الفلسفي التقليدي . وكما هو الحال في قراءة الأعمال الحِكمية وأكثر من ذلك أثناء دراسة المخطوطات ينبغي دائما استبانة الحوار الذي ينسجه نيتشه ، بواسطة قراءاته ، مع مخاطِبيه الفلسفيين ، كذلك في هكذا تكلم زرادشت من الضروري الاهتمام بالسياق السردي ، بالدور الذي تلعبه بعض الشخصيات وإلى الفروقات حيث تتلون نفس الكلمة التي يتم التلفظ بها من قبل شخصيات مختلفة أو قيلت إلى شخصيات أخرى مختلفة . إن السؤال المزدوج الذي سوف يرافقنا في تحليل مكانة العود الأبدي في زرادشت سوف يكون والحالة هذه : من يتكلم ؟ من يستمع ؟
2 . 1 كلام مقعر إلى حُدب
كون زرادشت " معلما للعود الأبدي " ، فهذا المذهب يعتبر كامنا في الأجزاء الأربعة من العمل . بيد أنه في بعض الفقرات يتم استحضاره بطريقة أكثر جلاء . وقد قمت باختيار خمس منها [الفقرات] سوف أجري تعليقا سريعا عليها 13 . الفقرة الأولى ويتعلق الأمر فيها بمسألة العود الأبدي ، من غير أن يتمكن زرادشت من الإشارة إليها ، وهي فصل " عن الخلاص " من الجزء الثاني لهكذا تكلم زرادشت . هنا تتم مقابلة تصورين للزمنية والخلاص : الخلاص الذي يُحرر من الزمن ، الذي يرى في الخاصية الانتقالية للصيرورة البرهان على خطإه الأصلي ونقص قيمة الوجود ثم إنه يحلم بالتحرر من الزمن كي يدرك الجوهر الثابت ، والخلاص في الزمن الذي شرع زرادشت في تلخيصه متحدثا عن الإرادة التي " ترغب في العودة إلى الوراء " (Le Zuruckwollen) . ثمة مفاتيح تناصية عديدة تدلنا على شوبنهاور مثل هذا الخلاص العدمي الأول علامة روح ثأر ضد الزمن . كتب شوبنهاور :
كل آن المدة لا وجود له إلا شريطة أن يقوض السابق [الآن] الذي أوجده ، كي يفنى بدوره على وجه السرعة ؛ الماضي والمستقبل تجريد مصنوع من سلاسل ممكنة مما تتكون منه ، كذلك فهي أشياء لا طائل تحتها كالأوهام الأكثر بطلانا ، وكذلك الحاضر نفسه ، حدود بدون امتداد وبدون دوام بين الاثنين .
يصور زرادشت فكرة الخلاص ال"أوديبي " بالجنون :
" كل شيء يمضي ، وهذا ما يجعل أن الكل جدير بالعبور ! ثم إن العدالة ذاتها ، يجبرها على افتراس أطفالها " : فهكذا كان الجنون يكرز .
كان شوبنهاور يتحدث عن وجود عدالة أبدية وعن ضرورة إنكار إرادة الحياة :
إن محكمة الكون ، هي الكون عينه . فإذا كان ممكنا وضع كل أوجاع العالم في كفة ميزان ، وفي الكفة الأخرى كل آثام العالم ، فإن لسان الميزان سوف يظل قائما ، بثبات .
حينما تقودنا تأملاتنا ، إلى رؤية القداسة المثالية في السلب والتضحية بكل المشيئة ، حينما نتحرر ، بفضل ذلك اليقين ، من عالم يختزل فيه الجوهر كله ، بالنسبة إلينا ، إلى الألم ، فإن الكلمة الأخيرة للحكمة لا تكمن بالنسبة إلينا ، إلا في الإلقاء بنا في العدم 14 .
أجاب زرادشت :
" ليس هناك عمل يمكن تدميره : كيف ، هل يمكن إلغاؤه بواسطة العقاب ؟ هذا ، نعم ، هذا هو ما يتمتع ب" وجود " أبدي . إن ذلك العقاب ، الذي يتوجب على الوجود أن يؤول باستمرار إلى عمل وعقاب ! ما لم تتخلص الإرادة ذاتها ، في نهاية المطاف ، ثم أن تمسي المشيئة لا ـ مشيئة " لكنكم ، ياإخوتي تعرفون أغاني العته تلك .
على أن ذلك لا يتعلق فقط بمسألة شوبنهاور في هذا الفصل : إن ذلك ينطوي على تقليد فلسفي كامل يعود على الأقل حتى أنكسيماندر 15 والذي يشوش مرة أخرى على الصفحات الأولى من ال[كتاب] الثاني : اعتبار لا وقتي ، حينما كان نيتشه الشاب يتكلم عن ثقل ال" Es war " ، ال" كان " الذي يرغب زرادشت في الوقت الراهن في تخليصه عبر القبول الفعال بالماضي . على أنه حينما كان خطابه ، منذ الآن فصاعدا ، يبدو أنه يقوده إلى عرض مذهبه للعود الأبدي ، توقف زرادشت فجأة :
" هل صارت الإرادة في الوقت الحالي ، من أجل ذاتها ، مخلِّصة ومبشرة بالابتهاج ؟ هل نسيت روح الانتقام وكل صرير الأسنان ؟
فمن يكون إذن ذلك الذي علمها التوفيق بين الزمن وأي شيء كان أكثر سموا مما يفيده التوفيق ؟
ينبغي على الإرادة ، التي هي إرادة قوة ، أن تتوق إلى أي شيء أكثر سموا من التوفيق : لكن كيف ؟ من سوف يعلمها الرغبة في الرجوع إلى الوراء ؟
ـ غير أن زرادشت توقف فجأة ، في هذا الحيز من حديثه ، أشبه ما يكون بمرعوب أشد الارتعاب .
لم يتوصل زرادشت إلى توضيح ، ولا حتى تسمية العود الأبدي . ثم إن الأحدب ) قناع العلاَّمة الذي ينوء بثقل التاريخ وبتبحره ( الذي كان يصيخ السمع إليه عاملا على تجنب وجهه بيديه لأنه كان يعرف منذ تلك اللحظة ما كان زرادشت يود التوصل إليه ، أجابه : لكن لماذا لم تقل لنا ذلك ؟ " لكن لماذا يتحدث إلينا زرادشت بخلاف [حديثه] لتلامذته ؟ " . ثم إن زرادشت الذي ، بعد لحظة تردد ، استعاد بشاشته فرد عليه : " ما المدهش في ذلك ؟ فمع الحُدب ، بإمكان المرء الكلام كأحدب ! " . غير أن الأحدب أدرك جيدا أن زرادشت لا يمتلك فقط القدرة على التبشير بمذهبه ، بل لأنه لم ينجح حتى في أن يبوح بذلك إلى ذاته :
ـ طيب ، قال الأحدب ؛ فمع التلاميذ بالإمكان الثرثرة كما هو الحال في المدرسة . لكن لماذا يتحدث زرادشت إلى تلامذته غير ما [يتحدث] به إلى نفسه ؟
2 . 2 راعي العدمية
بعد فصل " عن الخلاص " حيث لم يتجرأ زرادشت على عرض مذهبه ، في الجزء الثالث من العمل ، يشرع العود الأبدي في أن يُقال . لقد تم التلفظ به أول مرة عن طريق القزم ، في فصل " عن الرؤيا واللغز " . أمام " بوابة اللحظة " التي ترمز إلى اللاتناهيين الاثنين اللذين يمضيان صوب الماضي والمستقبل ، همس القزم : " كل حقيقة هي مُقَوَّسة ، والزمن ذاته عبارة عن دائرة " . يمثل القزم بلادة الذهن ، ثم إنه يجسد أخلاق القطيع ، " الفضيلة التي تُقَزٍّم " ، مثلما تتم عنونة فصل آخر من الجزء الثالث . بإمكان الزم تحمل العود الأبدي دون أدنى مشقة لأنه لا يمتلك طموحا ، لا رغبة له في تسلق الجبال ، رمز للارتفاع والعزلة ، كما فعل زرادشت . نقرأ في شذرتين بعد وفاة المؤلف ، من صيف وخريف 1883 :
يتم تقدير المذهب أولا من قبل السُّوقة ، كي ينتهي به المطاف بواسطة البشر الأعلون .
سوف يبتسم مذهب العودة في بداءة الأمر لعامة الناس ، الذين هم فاترون وليست لهم حاجة داخلية قوية . إنها غريزة الحياة الأكثر اعتيادية التي تقدم موافقتها أولا 16 .
بناء عليه فإن محتوى المذهب يظل هو هو ، لكن بما أن القزم بإمكانه تحمله ، إذ إنه يؤوله [ المذهب] تبعا للتقليد التشاؤمي ل" لا شيء جديد تحت الشمس " ، يعثر زرادشت ، الذي يعتبر " محاميا عن الحياة " في العود الأبدي على اعتراض قوي جدا ضد الوجود ولم يتوصل أيضا إلى القبول به 17 ، كما يتم شرح ذلك في نهاية الحلم . بعد رؤية بوابة اللحظة ، يأتي الفصل على نهايته حول لغز الراعي . تحت ضوء القمر الأكثر وحشة ، في وسط الأجرف المقفرة ، شاهد زرادشت راعيا يتدلى ثعبان أسود من فمه . يمثل الثعبان بالطبع العدمية التي ترافق فكر العود الأبدي ، وجود حلقوم يتسع لما هو أشد صعوبة وأشد سوادا يصعب هضمه . ثم إن زرادشت ، غير راغب في اقتلاع الثعبان من عنق الراعي ، صاح حبه : " عُضَّ ، عُضَّ إذا ! " . عض الراعي ، وقام ببصق رأس الثعبان بعيدا ثم ، بما أنه تحول ، شرع في الضحك .
ذلك هو التجسيد المسبق والحلم المنذر الذي ينبغي على زرادشت مواجهته . لكن سوف تلزمه سنوات وسنوات ، وفقط في نهاية الجزء الثالث من هكذا تكلم زرادشت ، سوف نَعلَم في فصل " الناقه " ، حدوث ذلك ، حتى وأن ذلك جعله مريضا ثمانية أيام كاملة . وقد تم ذكر العود الأبدي ، في هذا الفصل ، من جديد ، هذه المرة من قبل حيوانات زرادشت ، في حين أن هذا الأخير لم يطاوعه لسانه عن الكلام .
لقد أدرك دولوز جيدا التطور البلاغي الذي تم تشييده في هكذا تكلم زرادشت بين التلفظات المختلفة للعود الأبدي . إلا أنه يؤولها بوصفها تعبير عن تغيير في محتوى المذهب : وكما أن زرادشت أدرك شيئا فشيئا أن العود الأبدي ، هو في الواقع ، ليس دائرة تكرر نفس الشيء ، بل حركة انتخابية تتخلص من السلبي .
إذا كان زرادشت قد تعافى ، فلأنه فهم أن العود الأبدي ليس ذلك . فقد فهم أخيرا غير المتساوي في العود الأبدي . وبالفعل فإن غير المتساوي ، المختلف هو الباعث الحقيقي للعود الأبدي . فلأن لا شيء يعتبر معادلا ، لا المثيل ، من " ذلك " الذي يعود ) دولوز ، 1967 ، ص : 284 ( .
وفي الواقع ، فإن لم يكن زرادشت هو من أعلن عن مذهبه ، فلأنه ـ بكونه نجح باستحضار فكر العود الأبدي ، بمصارعة [ فكر العود الأبدي ] وفي آخر المطاف بالتسليم به ، بالقيام بدوره بقطع رأس الثعبان ـ ، لم يتوفر على قوة تعليمه . ثم إن الحيوانات تعهدت بمحبة بتذكيره بأنه مذهبــ)ه(، الذي عليه أن يعمل على تعليمه :
إذ إن حيواناتك تدرك ذلك جيدا ، يازرادشت ، من تكون وما ينبغي أن تصيره : ، انظر ، أنت من تعلم العود الأبدي ، ذلك هو قدرك من الآن فصاعدا ! [...]
اُنظر ، إننا نعرف ماذا تعلِّم : أن كل الأشياء تعود باستمرار ونحن أنفسنا معها ثم إننا كنا سابقا هناك ردحا من الدهر ، ومعنا كل الأشياء .
إنك تُعَلِّم بوجود سنة عظيمة للصيرورة ، سنة لا حد لها : مثل ساعة رملية ، يلزمها العودة إلى الوراء كي تتسرب وتُفرغ من جديد :
ـ بحيث أن كل تلك السنوات تكون متطابقة مع ذاتها ، فيما هو أعظم ، مثلما في ما هو أكثر صغرا ، بحيث أنه خلال كل سنة عظيمة نكون متطابقين مع أنفسنا فيما هو عظيم مثلما في ما هو أقل صغرا . [...]
أعود مع هذه الشمس ، مع هذه الأرض ، مع هذا النسر ، مع هذه الحية ، ـ ليس إلى حياة جديدة ، إلى حياة أفضل أو مشابهة :
ـ أعود باستمرار إلى تلك الحياة المتطابقة بعينها ، في ما هو عظيم وفي ما هو أكثر صغرا ، كي أُعلم من جديد العود الأبدي لكل شيء .
وحتى أقل من القزم ، ليست الحيوانات مفزوعة من ذلك المذهب لسبب بسيط ، لأنها محرومة تماما من معنى تاريخي . لقد سبق لنيتشه ، في بداية [كتابه] الثاني اعتبار لا زمني ، عن المنفعة وأضرار التاريخ بالنسبة للحياة ، جعل الإنسان في مواجهة الحيوان . الحيوان ، مشدود إلى وتد اللحظة . والإنسان ، على خلاف ذلك ، سجين أغلال الماضي وثقل التاريخ . ففي مسودات الفصل الأول من الكتاب الثاني للاعتبار اللازمني ، توجد الإحالة الأدبية موضحة التي أخفاها نيتشه فيما بعد في النص النهائي : النشيد الليلي لراع رحالة من آسيالجياكومو ليوباردي Giacomo Leopardi) (18 . شاعر متشائم ، محبوب جدا من قبل شوبنهاور ونيتشه ، لقد قدم ليوباردي حياة الإنسان مثل حياة راع يناجي ، خلال ليلة في البيداء ، القمر عن انعدام القيمة لكل شيء بشري .
ياقطيعي الذي يستريح الآن ، آه ! سعيد أنت الذي ، أعتقد ، لا تعرف بؤسك ! كم أنا أحسدك ! ليس فقط لأنك تمضي بلا مشقة ، غير آبه بأتعابك ، بآلامك وبمخاوفك الكبرى ، ولكن بصفة خاصة لأنك لم تختبر الضجر أبدا .
ها هي الأبيات الشعرية التي استشهد بها نيتشه في مسودته والتي قام بشرحها في النص النهائي . نفس الراعي الذي تعرفنا عليه في حلم زرادشت ، راعي التشاؤم والعدمية ) تنتهي القصيدة : " من المحتمل أن يشكل يوم المولد ، في أي شكل من الأشكال ، وفي أي ظرف من الظروف ، في الوجار والمهد ، لأي كائن يولد ، يوما مشؤوما " ( ، الراعي الذي تنسل العدمية إلى فمه والذي يتوجب عليه إيجاد الطاقة للتخلص منها بعيدا عنه 19 .
غير أن زرادشت ، الذي يعتبر منافحا عن الحياة ، قد فهم أنه مع امتلاك القدرة على القبول بالعود الأبدي من الممكن مقاومة النزعة التشاؤمية. إن التطور البلاغي في استحضار العود الأبدي لا يدلنا على أن زرادشت يواجه مذاهب مختلفة ، لكنه يضعنا في مواجهة طرائق مختلفة لإدراك مذهب العود الأبدي الذي يماثل درجات مختلفة للمعنى التاريخي . كل ذلك يصبح أكثر جلاء في سلسلة صياغات العود الأبدي . سلسلة ، يشار إليها عرضا ، لا يأخذها دولوز مثل غيره من المؤولين بعين الاعتبار 20 .
2 . 3 لعبة ال" من إلى من "
بعد الفصل المخصص لل" ناقه " ، مباشرة ، نعثر على " أغنية رقص أخرى " . إنها لعبة محاكاة ساخرة تنطلق انطلاقا من رفة جفن تناصية . تقول الحياة لزرادشت :
" يازرادشت ! لا تفرقع إذن بفظاعة سوطك ! أنت تدرك ذلك جيدا : الضوضاء تغتال الأفكار ، ـ والآن تحضرني أفكار أكثر وضوحا . "
ذلك كاف لاستدعاء صورة شوبنهاور ، العدو اللدود ، الذي قام في فقرة من [كتاب] (parerga et paralipomena) ، بعرض الشرط الرهيب للفيلسوف وسط ضوضاء المدينة :
لا بد لي من إدانة الفرقعات الجهنمية حقا للسياط في الأزقة الصاخبة للمدينة كالضوضاء يتعذر اغتفارها جدا والمقززة ، التي تسلب من الحياة الهدوء التام والتأمل الكامل . [...] مع كل إجلالي للمنفعة المقدسة ، أنا لا أفهم لماذا ينبغي على أي جلف يجر عربة رمل أو زبل أن يحظى لهذا السبب بامتياز خنق كل ذرة تفكير ، الواحدة تلو الأخرى ، تحضر في روح عشرة آلاف رأس ) أثناء مسافة نصف ساعة عبر المدينة( . إن ضربات المطرقة ، نباح الكلاب وصياح الأطفال يعتبر مزعجا ؛ بيد أن القاتل الحقيقي الوحيد للأفكار هو فرقعة السياط 21 .
بخصوص إمكانية استعادة الحياة الخاصة من جديد ، كتب شوبنهاور : " سوف لن نجد ربما شخصا ، توصل في آخر حياته ، في الوقت نفسه متعقلا وصادقا ، بهدف الطموح إلى استئنافها من جديد ، وكي لا يفضل كثيرا عدما مطلقا " ، ثم نصح : " اقرعوا أبواب الأضرحة واسألوا الأموات إن كانت لهم رغة في العودة إلى الحياة : سوف يهزون الرأس بحركة رفض 22 " . استنتج إدوارد فون هارتمان Eduard von Hartmann) ( ، وهو مقلد لشوبنهاور ، من هذه الفقرة ، صورة متميزة لفلسفته ، حيث يطلب الموت من رجل من البورجوازية المتوسطة في ذلك العهد إذا ما كان يقبل باستعادة حياته من جديد .
لنتصور شخصا ليس نابغة ، ولم يتلق سوى ثقافة عامة لكل رجل حديث ؛ بحوزته كل مميزات وضع مرغوب فيه ، وفي سن النضج ؛ يمتلك وعيا كليا بالفوائد التي ينعم بها، حينما يُقارن بالأعضاء السفليين بالمجتمع ، بالأمم الهمجية وبرجال القرون البربرية ؛ لا يحمل أي حسد لمن هم فوقه ، ويدرك أن حياتهم مرهقة بالانزعاجات التي ترصدها لهم ؛ أخيرا ، شخص ليس منهوكا ، ولا ضجرا بواسطة المتعة ، وليس مضطهدا بواسطة النكبات النادرة ؛ لنفترض أن الموت سعى في إيجاد ذلك الشخص ثم يحدثه بهذه العبارات : " إن أجلك انتهى ؛ لقد حلت الساعة التي تصبح فيها فريسة للعدم . ومع ذلك فالأمر يتوقف عليك بأن تقرر إذا كنت ترغب البدء من جديد ، في ظل ذات الشروط مع النسيان التام للماضي ، حياتك التي أتت نهايتها الآن : اختر ! " .
يساورني الشك في أن رجلنا يفضل الشروع من جديد في اللعبة السابقة للحياة بدلا من أن يلج العدم ) هارتمان ، 1877 ، ص : 354 ـ 355 ( .
قام نيتشه بدوره باستعادة تلك الصورة ، في الصياغة العامة لمذهب العود الأبدي ، الكلمة الجامعة الشهيرة 341 ـ من [كتاب] المعرفة المرحة . ثمة شيطان ، هذه المرة ، منسلا ذات يوم إلى عزلته الأكثر انزواء ، يطلب من الرجل في ما إذا كان يرغب في عيش حياته من جديد مثلما عاشها [سابقا] . يتلهى نيتشه في " أغنية رقصة أخرى " ، بصناعة محاكاة شوبنهاور الساخرة ، هارتمان و [محاكاته] هو ذاته ، ففي هذه المرة ليست الحياة ، أو الموت ، أو شيطان هو من يحرك العود الأبدي مثل فزاعة أمام الرجل الذي يعيش بشكل جيد ، بل إنه زرادشت ، يائسا وعلى شفا حفرة من الانتحار ، هو الذي يعلن للحياة مذهب العود الأبدي . ثم إنه أسر إليها في أذنها بذلك ، ما بين خصلات شعرها الشقراء :
وهكذا ، فإن الحياة تنظر ، بشكل مستغرق في التفكير ، وراءها وحولها وتقول بهدوء :
" يازرادشت ، إنك لم تكن مخلصا لي !
إنك أبعد ما تكون عن عشقي قدر ما تقول ؛ أنا على ثقة أنك تفكر في مغادرتي قريبا .
ثمة جرس قديم ، ثقيل ، ثقيل جدا : فحينما يرن ، ليلا ، فإن زمجرته تصعد حتى كهفك :
ـ حينما تسمع ذلك الجرس يرن لساعات عند منتصف الليل ، فإنك تفكر في ذلك بين الضربة الأولى والثانية ...
... إنك تفكر في ذلك ، يازرادشت ، أنا أدرك أنك تفكر في مغادرتي سريعا !
" نعم أجبت مترددا ، لكنك تعرفين أيضا ... " ثم قلت لها شيئا في أذنها ، بالتحديد في الوسط ، بين الخصلات الشقراء ، المخبولة والمشبكة بشعرها .
" أنت تعرف ذلك ، زرادشت ؟ لكن لا أحد يعرف ذلك ... "
أول مرة يعلن فيها زرادشت مذهبه ، فإلى الحياة ذاتها يلجأ وفي أثناء هذه اللحظة يشرع في دق جرس منتصف الليل مرفوقا بدوَّارة زرادشت :
واحد !
أيها الرجل !احترس !
اثنان !
ماذا يقول منتصف الليل العميق ؟
ثلاثة !
" نمت ، نمت ،
أربعة !
من حلم عميق استيقظت :
خمسة !
عميق هو العالم
ستة !
وأكثر عمقا مما تفكر فيه الحياة .
سبعة !
عميق هو ألمه
ثمانية !
اللذة ـ أكثر عمقا من الشجن :
تسعة !
يقول الألم : مُت !
عشرة !
بيد أن كل لذة تطمح إلى الخلود ،
إحدى عشر !
تطمح إلى خلود عميق ، عميق
اثنا عشر !
لكن ماذا يعني هذا النشيد الدائري الذي توقف عند منتصف الليل ، بين الانتحار والحوار مع الحياة ؟ وهو ما يشرحه لنا استحضار العود الأبدي ، الذي عهد به إلى الفصول الأخيرة من الفصل الرابع لزرادشت .
2 . 4 الرجل الأكثر ذمامة واللحظة الأكثر جمالا
يعتبر الرجل الأكثر ذمامة ، وهو واحد من الرجال الأعلون الذين خصص لهم الجزء الرابع من زرادشت ، تجسيدا للمعنى التاريخي . بناء على ذلك ، فهو مُغتال الإله ، ومن ثم فهو يدرك إلى أي حد هو التاريخ فظيع وكمثل تكرار تلك المجموعة العبثية من المجازر خيبة الآمال [كم هي] عصية على التحمل 23 . تترافق أسمى درجة للمعنى التاريخي مع المشقة الكبرى للقبول بالعود الأبدي . تلكم هي تماما ، المهمة التي سبق لنيتشه ، أن كشف عنها في الكلمة الجامعة الرائعة 337 من [كتاب] المعرفة المرحة ، ل" وجدان إنسانية " المستقبل :
" وجدان إنسانية " المستقبل . [...] إن كل من يستطيع اختبار تاريخ الرجال في مجموعه مثل تاريخه الخاص ، فإنه يكابد في نوع هائل من التعميم مرارة المريض الذي يفكر في الصحة ، الشيخ الذي يفكر في أحلام الطفولة ، العشيق الذي انتزعت منه معشوقته ، الشهيد الذي ينظر إلى انهيار مثاله ، البطل عشية معركة غير مؤكدة ومع ذلك فقد كلفته جراحا وضياع الصديق ؛ ـ على أن تحمل هذا الكم من المرارات بكافة أنواعها ، القدرة على تحملها وبالرغم من ذلك أن يكون المرء بطلا ، عند بزوغ اليوم الثاني من المعركة ، يلقي التحية على الفجر وحظه ، وذلك شريطة أن يكون أمام ذاته ووراءها أفق من آلاف السنوات ، باعتباره وريثا لنبالة روح الماضي كلها ، لكن وريثا مضطلعا بواجبات ، باعتباره أنبل من كل النبلاء الأقدمين ، على أنه الابن البكر لأرستقراطية جديدة ، كما لم يعش أو يحلم أي عصر بشيء من هذا النوع أبدا : أن يأخذ كل هذا على عاتق روحه ، مواجهة ما هو أكثر قدما ، أكثر جدة ؛ الخسارات ، الآمال ، الغزوات ، انتصارات الإنسانية : امتلاك كل ذلك أخيرا في روح واحدة ، تكثيفه في إحساس واحد : ـ ومع ذلك فإن ثمة ما ينبغي أن يشكل ابتهاجا لم يسبق للرجل أن عرفه قط إلى ذلك الحين ، ـ غبطة إله ، مفعمة بالقوة والحب ، مفعمة بالعبرات والضحكات ، ابتهاج مثل الشمس عند المساء ، تنشر دوما غناها الذي لا ينضب ثم تلقي به في البحر ، الذي مثله مثل الشمس ، لا يشعر بكونه الأكثر غنى إلا حينما يجرف أفقر صياد بمجاديف ذهبية اللون ! وسوف تتم إذن تسمية ذلك الإحساس الإلهي ـ إنسانية 24 !
إنسانية عليا ، يقول زرادشت ، " أنا كل أسماء التاريخ " يقول نيتشه عن نفسه في نهاية حياته الواعية ، من وجهة نظر مهتاجة بسبب الجنون . وفي الفصل ما قبل الأخير ، والحال أن ، للكتاب الرابع لزرادشت ، يعلن الرجل الأكثر ذمامة للرجال المتفوقين ـ أن الحياة جديرة بأن تعاش على الأرض : " إن قضاء عيد ، في يوم من الأيام ، صحبة زرادشت يكون كافيا لتعليمي عشق الأرض : " أليست الحياة هناك ؟ " أقول للموت . " طيب ! مرة أخرى ! " . " في تلك اللحظة ، شرعت النحلة الطنانة القديمة مرة أخرى في الطنين لساعات عند منتصف الليل . تعتبر نحلة منتصف الليل القديمة " التي أحصت نبضات القلب ، نبضات معاناة آبائكم " صورة أخرى ، التي قامت ، في نظر نيتشه ، بتكثيف العدمية وكل مآسي الوجود ، والتي قام زرادشت بمواجهتها بذلك البرهان الذي يعيد استعادة وتحويل المعنى الفاوستي للحظة :
ألم يسبق لكم أن قلتم نعم للذة ما ؟ ياأصدقائي ، إذن فقد قلتم في ذات الوقت نعم لكل ألم . كل الأشياء مترابطة ، متشابكة ، مغرمة بعضها ببعض ،
ـ إذن لم يسبق لكم القول مرة ، مرتين ، إذا لم يسبق لكم القول : " إنك تعجبني ، سعادة ! برهة ! لحظة ! " إذن فقد كنتم تبتغون استعادة كل شيء !
ـ من جديد مرة أخرى ، كل شيء إلى الأبد كل شيء مترابط ، كل شيء متشابك ، عاشقين ، أوه ! هكذا تعشقون العالم ،
ـ أنتم الأبديون ، تحبونه باستمرار وفي كل وقت ؛ وإلى الألم تقولون : " يهلك لكن يعود ! " لأن كل فرح يرغب في ـ الخلود .
إن العود الأبدي هو جواب أشد جذرية بالإمكان معارضته بالغائيات الفلسفية أو العلمية ، وكذلك [معارضته] بالزمنية الخطية للتقليد المسيحي : ففي كون cosmos) ( العود الأبدي ، لا وجود البتة لمكان للإبداع ، العناية الإلهية أو خلاص البشر . لم يعد من الممكن إيقاف أو توجيه الزمن : كل آن ينتهي لكنه مقدر له العودة من جديد ، مماثلا ـ من أجل سعادتنا الكبرى أو التعاسة العظمى . ومع ذلك ، من يكون بإمكانه الرغبة في أن يعيش ذات الوجود من جديد ؟ من سوف يكون بمقدوره التلهي بانتزاع السهم من يد الإله كرونوس من أجل نقل الحلقة إلى إصبع الأبدية ؟ لقد سعى غوته Goethe) ( خلال لحظة كي يستطيع قول : " توقف ، أنت جميل " . وقد انتظر نيتشه ذاته رجلا يكون قادرا على القول في كل آن : " مُرَّ ثم عد مطابقا ، من أجل كل الأبدية " . وذلك الرجل هو الإنسان الأعلى ، وهو ليس متذوقا للجمال ، أو مصارعا ، أو منتوجا لنسالة آرية نازية إلى حد ما ، لكنه هو من يستطيع قول نعم إلى العود الأبدي للمطابق فوق هذه الأرض ، مع الأخذ على عاتقه تماما ثقل التاريخ ، مع احتفاظه تماما بالقوة من أجل بناء المستقبل .
تكشف لنا المسودات أن تلك الإوالية تحظى باهتمام الرجل نيتشه الذي قام ، في منتصف الشذرات الزرادشتية ، بالكتابة في أحد دفاتره :
" لا أرغب في أن حياتي تبتدئ من جديد . كيف بي أن أتحملها ؟ مبتكرا . ما الذي يسوغ لي تحمل الرؤية ؟ النظرة الملقاة على الإنسان الأعلى الذي يثبت الحياة . فقد حاولت أنا شخصيا إثباتها ـ واحسرتاهُ !"
وبعد فترة وجيزة ، على صفحة أخرى ، خاطب ذاته بتلك العبارات :
خالدة هي اللحظة حيث أبدعت العودة . فمن أجل تلك اللحظة أتحمل العودة 25 .
إن رجل المعرفة الذي كان نيتشه قد وصل إلى ذروة حياته ، في الوقت الذي امتلك فيه المعرفة التي كان يعتبرها الأكثر أهمية من كل المعارف . عندما ، أصبح على بينة في آخر حياته بوصوله إلى تلك القمة ، فلم يبق في حاجة إلى قرين كي يثبت الحياة التي تعود بصفة دائمة ، وفي السطور الأخيرة المنشورة قيد حياته ، في ختام أفول الأصنام ، لم يمانع في طباعة تلك العبارات : " ـ أنا ، آخر تلميذ للفيلسوف ديونيزوس ،ـ أنا ، مُعلم العود الأبدي " .
3 . تكوين ، مُناص وباروديا
لنعد إذن مرة أخرى إلى تلك اللحظة حيث تعرض لنقد لاذع من خلال فكره الثاقب . ونيتشه نفسه ، في هذا هو الإنسان ، يحكي لنا تاريخ ومكان ولادة زرادشت ، ظهر إلى الوجود بواسطة العود الأبدي :
سوف أقوم في هذه اللحظة برواية قصة زرادشت . إن المفهوم الأساسي للعمل ، فكرة العود الأبدي ، هذه الصيغة السامية للإثبات ، الأكثر سموا والتي يمكن تصورها ، ـ تعود إلى تاريخ شهر أغسطس 1881 . كانت ملقاة على صفحة مزدوجة مع هذه الكتابة : " 6000 آلاف قدم فما فوق الإنسان والزمن " . كنت في ذلك اليوم أسير عبر الغابة ، بمحاذاة بحيرة سيلفا بلانا Silva Plana) ( ؛ بالقرب من كتلة هائلة من الصخور التي كانت تنتصب على شكل هرم ، غير بعيد عن سورلاي Surlei) ( ، توقفت . وعندئذ جاءتني تلك الفكرة ... ) هذا هو الإنسان ، " هكذا تكلم زرادشت " ، إحالة 1§ ( .
يبدو أن إعادة البناء التي يقترحها علينا نيتشه تموضع بشكل قطعي فكر العود الأبدي في صف الهلوسات الشطحية ، للمعرفة المستوحاة من الأسطورة . بالإضافة إلى ذلك ، فلا وجود في أي من أعماله المنشورة لأي عرض نظري لهذا المذهب الذي بالرغم من ذلك فإن نيتشه كان يعتبره ذروة فلسفته والذي ، حدث بداخله ، في صيف 1881 ، بلبلة عظيمة ) اُنظر رسالته إلى بيتر غاست Peter Gast) ( المؤرخة ب14 أغسطس 1881( . ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن جزءا من النقد شهد في العود الأبدي نظرية مفارقة ، متناقضة ، تم إنجازها انطلاقا من خليط تأثيرات كلاسيكية وذكريات مذاهب علمية لم تفهم حق فهمها . إلا أن الطبعة النقدية لكولي ومونتناري Colli et Montinari) ، ( ، حول ذلك الموضوع وحول مواضيع عديدة أخرى ، تدعونا لرفض ، إلى التخلي لوقت معين عن التحليقات الهرمينوطيقية والتأويلات الفلسفية الكبرى لمباشرة تمارين متواضعة جدا في قراءة النص النيتشوي . وفضلا عن ذلك ، فإن نصا ما ، لا يسبح في الفراغ ، مثل الأفكار لا تنبثق من الفراغ . فإذا كانت الورقة المزدوجة التي دون عليها فكر العود الأبدي للمطابق معروفة لدى النقاد ولطالما استشهد بها وأعيد إنتاجها ، فإن الدفتر الذي استعمله نيتشه في صيف 1881 ، الذي لا يسجل روعة الكشف الافتتاني ، لكنه يتضمن سلسلة براهين عقلانية تعضد فرضية العود الأبدي للمثيل ، التي كانت أقل شهرة .
مخطوط III 1 ـ هذا هو الشعار الذي تم تحته الاحتفاظ بالدفتر بحجم الثمن in – octavo) ( في أرشيفات غوته ـ شيلر بمدينة فيمار ـ يتكون من 160 صفحة ، مملوءة بعناية فائقة جدا بما يقارب 350 شذرة مكتوبة ، مع استثناءات نادرة جدا ، في فترة تنطلق من الربيع إلى خريف 1881 . يتعلق الأمر بدفتر " سري " . لم يوظف نيتشه محتواه في أعماله المنشورة ) ما عدا بعض جوامع الكلم من كتاب المعرفة المرحة وكلمتين جامعتين في ما وراء الخير والشر وجدت في هذا الدفتر صياغتها النهائية ) لأنه كان ينتوي استخدامه [الدفتر] في عرض علمي لفكر العود الأبدي 26 . إننا أمام حالة من الحالات النادرة حيث أن أفكار نيتشه حول ثيمة محددة لا تخضع للتغيير ، لأن البراهين التي تكون في صالح العود الأبدي التي وجدناها في دفاتر السنوات التالية تصدر كلها عن تلك الأفكار الأولى 27 .
والحال أن ذلك الدفتر البالغ الأهمية والذي لم يتم استثماره في الأعمال المنشورة بواسطة نيتشه بقي غير منشور بسبب سلسلة تقلبات افتتاحية ، ولم يتم نشره [الدفتر] إلا في سنة 1973 في شكل كامل ومؤكد بحسب التسلسل التاريخي ، في حين أن الطبعات السابقة على طبعة كوليه ومونتناري " لا تسمح بتكوين فكرة ، ولو تقريبية ، عن هذا الكتاب و عن سيرته المتفردة 28 " . قبل 1973 ، كان من المستحيل على وجه التقريب إذن ، وحتى بالنسبة للشُّراح الذين يتمتعون بفكر نقدي ثاقب وبنباهة تأملية ، فهم الصياغة النظرية بالضبط والروابط العضوية التي توحد هذا " الفكر بعد الوفاة " بقية العمل النيتشوي . وحده الترتيب الزمني للمادة بعد الوفاة ، الذي تم تبنيه من قبل طبعة كوليه ـ مونتناري ، يسمح لنا بمواصلة العلاقة ـ ، خطوة خطوة ، بين الانبثاق الأول لفرضية العود الأبدي ، محاولات البرهنة العقلانية التي ترافقها الصلات التي تعقدها مع علاقات أخرى ثيمائية تم تطويرها في ذات الفترة 29 .
3 . 1 لنتجنب قول ...
لنفتح إذن هذا الدفتر ، وبدلا من تفحص المسودة الأولى من الصفحة 53 ، نقرأ ما كتب نيتشه فورا على الصفحة الموالية :
تجنبوا قول hutet euch zu sagen) (أن العالم كائن حي . في أي اتجاه سوف يتوسع ! من أين يستمد جوهره ! كيف يكون بإمكانه التكاثر والنمو !
ـ تجنبوا قول hutet euch zu sagen) ( أن الموت هو ما يتعارض مع الحياة . إن الحي هو فقط تنويع عما هو ميت : ثم إنه تنويع نادر .
ـ تجنبوا قول hutet euch zu sagen) ( أن العالم يبتكر باستمرار شيئا جديدا .
هل أتكلم كشخص تحت وقع وحي ؟ ألا تمتلكون بالنسبة لي سوى ازدراء ولا تستمعون إلي !
ـ هل ستكونون كمثل هؤلاء الذين ما يزالون في حاجة إلى آلهة ؟ ألا يشعر عقلكم بالتقزز كي يتغذى بطريقة أكثر مجانية ، أكثر فقرا ؟
تجنبوا القول hutet euch zu sagen) ( بوجود قوانين طبيعية . فلا وجود إلا للضرورات : وبالتالي فلا أحد يصدر الأوامر ، لا أحد يقوم بالانتهاك 30 .
إن الأمر يتعلق فيما يبدو بسجال ضد أولئك الذين كانوا يعتبرون العالم مثل كائن حي ، توجيه يتم عبر بنية بلاغية تكرارية : " تجنبوا قول ... " . ماذا يعني هذا ؟ لماذا يهاجم نيتشه أولئك الذين يعتقدون بأن العالم كائن حي ، إلى من يوجه هذا التحذير ولماذا يلجأ نيتشه إلى تلك الصيغة البلاغية ؟ وعلى وجه الخصوص : فما علاقة كل ذلك بمذهب العود الأبدي ؟
للإجابة عن تلك الأسئلة ، بدا لي أنه من اللازم الأخذ بعين الاعتبار ليس فقط ما كتبه نيتشه أثناء صيف 1881 بسلس ماريا ، بل أيضا ما كان بصدد قراءته قبل وبعد المسودة الشهيرة الأولى للعود الأبدي . أرشيفات غوته ـ شيللر حيث يتم الاحتفاظ بمخطوطات نيتشه ، فقد كان ينبغي الذهاب إذن إلى مكتبة الدوقة آنَّا أماليا Anna Amalia) ( من فيمار ، حيث توجد المكتبة الشخصية مصانة لهذا الفيلسوف ، من أجل استعادة المجلدات التي كانت تكوِّن خلال صيف 1881 المكتبة المحمولة لهذا الفيلسوف المترحل . إن قراءة كل تلك المجلدات مجتمعة ، مهتديا بالشروح الهامشية ليد نيتشه ، قد سوغ لي في بادئ الأمر فهم أني أجد نفسي أمام مناظرة غاية في الأهمية كان من اللازم إعادة بنائها والتي كان نيتشه على علم تماما بمصطلحاتها وبأنصارها 31 .
يتعلق الأمر بمناظرة حول تبذير الطاقة وحول الموت الحراري للكون ، التي تم افتتاحها بعد اكتشاف مبدأي الدينامية الحرارية والتي تشكل الإطار النظري حيث ، في الفترة المعاصرة ، يتجدد الصراع بين المفهوم الخطي والمفهوم الدائري للزمن .
ثمة علماء أمثال طومسون Thomson) ( ، هلمولز Hlmholtz) ( ، كلوزيوس Clausius) ( ، بولتزمان Boltzmann) ( و ـ عبر كانط ، هيغل وشوبنهاور ـ فلاسفة مثل دوهرينغ Duhring) ( ، هارتمان Hartmann) ( ، إنجيلز Engels) ( ، فوندت Wundt) ( ونيتشه حاولوا الإجابة عن هذا المشكل باللجوء إلى قوة البرهنة العلمية والنقاش الفلسفي . إن من كان يعتقد بأصل وتوقف نهائي لحركة الكون ، سواء في الشكل الفيزيائي للخسارة التصاعدية للحرارة أو في الشكل الميتافيزيقي لحالة نهائية ل" سيرورة العالم " ، يرتكز على المبدإ الثاني للدينامية الحرارية أو على برهنة أطروحة المفارقة الكوسمولوجية الأولى الكانطية .
وبالمقابل ، فإن أولئك الذين كانوا يرفضون الحالة النهائية للكون ، كانوا يلجؤون إلى البرهان الشوبنهاوري للانهاية a parte ant) ( ـ والذي بحسبه ، في لا محدودية الزمن الذي مضى ، لو أن ثمة حالة نهائية كانت ممكنة ، فقد كان ينبغي لها أن تستقر منذ ذلك الحين ـ من أجل اقتراح بعد ذلك سلسلة حلول تناوبية . كان العلماء يضعون فرضيات بإمكان الطاقة أن تعيد تمركزها حولها بعد احتراق كوني ثم قلب النزوع إلى التبذير . إن ممثلي التيار الواحدي والمادي ، يستندون على المبدإ الأول للحرارية الدينامية وعلى لا محدودية المادة ، الفضاء والزمن ، فهم كانوا يرون في الكون تتابعا سرمديا لأشكال جديدة . من بين العلماء والفلاسفة ، فقد انتشر كذلك نوع من النزعة النقدية الغنوصية انتشارا كبيرا التي ، كانت أحيانا وهي تعيد إثبات صحة الصراع التناقضي الكانطي ، تتجنب اتخاذ موقف بخصوص قضايا ذات طبيعة نظرية . فلاسفة ألمان آخرون ، أمثال أوطو كاسباري Otto Caspari) ( وجوهان كارل فريدريش زولينر (Johann Carl Friedrich Zollner) ، قاموا بإعادة إدخال مفهوم عضواني ونفساني للكون ، مسندين إلى الذرات قدرة التخلص من حالة مستقرة . وعلى الأرجح فإن ثمة عمل لأوطو كاسباري ، Der Zusammenhang derDinge( ( ) تعالق الأشياء ( ، هو الذي أار الانتباه إلى فائدة نيتشه فيما يخص الأسئلة الكونية في صائفة 1881 ، بسلس ماريا .
وتحمل نسخته من ذلك الكتاب الكثير من التأكيدات ، ولاسيما في فقرة من الفصل المعنون بمشكلة الشر مع الإشارة إلى التشاؤم وإلى مذهب العِصمة في الصفحتين 444 ـ 445 . معالجا التشاؤم الصوفي لشوبنهاور وإدوارد فون هارتمان (Eduard Von Hartmann) ، الذي يعتبر الكون بحسبه عملا لجوهر غبي وأعمى الذي ، بعد أن قام بابتكار العالم عن طريق الخطإ ، أدرك أنه ارتكب حماقة ثم ينكب على إغراقه في العدم ، لاحظ كاسباري أنه من التعصب تماما تصور أن العالم كان بمقدوره أن يوجد من حالة أصلية غير متميزة . من أي مكان كان بإمكانه أن يستمد منه اندفاعه الأول ؟ ولكن ، بعد ذلك تابع ، كاسباري ، فحتى لو أن العالم قد توصل من (deux ex machina) بالاندفاع الأول ، فمن الأكيد أن ، في اللانهاية الزمنية المنقضية إلى حتى هذه اللحظة ، أو أنه يصل إلى نهاية السيرورة ( غير أن ذلك مستحيل لأن العالم سوف سيكون قد توقف مع ذلك ) ، أو أنه سوف يكون مجبرا ضرورة على تكرار نفس الحماقة البدئية إلى ما لا نهاية مع السيرورة بأتمها التي ترافقه . على أنه من تكون سيرورة العالم تلك ؟ أعتقد أنه لابد من اتخاذ خطوة إلى الوراء ومحاولة فهم سيرورة العالم فهما جيدا حسب إدوارد فون هارتمان .
3 . 2 إدوارد فون هارتمان : تجنب التكرار
تقترح فلسفة اللاشعور لإدوارد فون هارتمان (1869) 32 نسقا فلسفيا مشيدا على الوصف المفصل لسيرورة العالم التدميري ، الموجه نحو حالة نهائية . إن ال"لا شعور " حسب هارتمان يعتبر مادة ميتافيزيقية وحيدة ، يتكون من تركيب مبدإ منطقي ، الفكرة ، ومن مبدإ غير منطقي ، الإرادة . فقبل بداية سيرورة العالم ، ظلت الإرادة المحض مع الفكرة في أبدية لازمانية حرة في توخيها أو عدم توخيها تحيين نفسها . وبعد ذلك مباشرة قررت الإرادة ، بدون أي تبرير عقلي ، أن تريد . فقد أوجدت ، حينئذ ، مشيئة فارغة " ، ثقيلة بالقصد الإرادي لكنها مجردة من المحتوى ( لقد حان " وقت المبادرة " ) وأخيرا ، فحينما تنجح المشيئة الفارغة في الاتحاد بالفكرة ، فإن سيرورة العالم تبتدئ .
منذ ذلك الحين ، لا شغل للفكرة سوى تصحيح الفعل غير المنطقي التعس للإرادة . فعبر تطور الوعي ، سوغت للكائنات الحية فهم استحالة بلوغ السعادة ضمن النمو الكامل لإرادة الحياة . وهكذا مر تاريخ العالم بمراحل الوهم الثلاث ، إلى أن ، بعد بلوغه الشيخوخة ، فإنه يدرك أخيرا بطلان كل وهم ولن يرغب إلا في الراحة ، النوم بدون أحلام ، غياب الألم كذرى السعادة الممكنة ( راجع هارتمان ، 1877 ، ص : 478 ) .
بفضل تلك المرحلة أنجزت حيلة الفكرة مهمتها : فقد أثارت كمية " إرادة من لا شيء " كافية لإبطال إرادة الحياة . لحظة القرار الجماعي الذي سوف يقود إلى تدمير الكون بكامله وشيك الوقوع ثم ، فحينما تأتي لحظة اللذة والنجاح ، إن الإرادة سوف تعود مرة أخرى إلى صلب " القوة المحض في ذاتها " ، وسوف تصبح من جديد ما كانت عليه قبل الرغبة في كل شيء ، معنى إرادة يمكنها أن ترغب أو لا ترغب " ( هارتمان ، 1877 ، ص : 528 ) . يتوقع هارتمان ، بطبيعة الحال ، أن اللاشعور سوف يفقد ، في تلك اللحظة ، كل رغبة في إعادة إنتاج وادي الدموع ذلك والشروع من جديد مرة أخرى في سيرورة العالم الخرقاء .
خلافا لذلك ، فإن تأويل إرادة شوبنهاور ك"عدم القدرة على عدم الرغبة " ، كمثل إرادة أبدية منتجة لسيرورة غير منتهية في الماضي والمستقبل ، تقود إلى اليأس ، لأن ذلك سوف يعمل على إلغاء إمكانية تحرير لدافع الإرادة الأخرق . على أنه لحسن الحظ ، تبعا لهارتمان ، إنه من الممكن منطقيا التسليم بلا تناه في المستقبل ، سوف يكون من التناقض اعتبار العالم محروما من بداية منتهية في الماضي . وبالفعل ، في تلك الحالة ، فإن اللحظة الراهنة ستشكل نتيجة للامحدودية ، أعني تناقضا في ذاته (contradiction in adjecto) ( هارتمان ، 1877 ، ص : 529 ) . وفي تلك " البرهنة " أدرج هارتمان ـ من دون أن يشير إلى المصدر وخصوصا عدم ذكر السياق التناقضي الذي يشكل جزءا منها ـ البراهين التي توسل بها كانط من أجل إثبات المفارقة الكونية الأولى . هاهو البرهان الكانطي :
أطروحة : " للعالم بداية في الزمان ، وهو أيضا محدود في المكان " . برهنة : " في واقع الحال ، فلو تم القبول بأن العالم لا بداية له في الزمان ، في كل لحظة معطاة ثمة أبدية انقضت ، بناء على ذلك فإن سلسلة غير منتهية لحالات متلاحقة للأشياء في العالم . إن لا محدودية سلسلة ، والحالة هذه ، تكمن تحديدا في كون أن تلك السلسلة لا تستطيع أبدا أن تنتهي عبر تركيب متتال . بناء على ذلك فإن سلسلة لا منتهية منقضية [لحالات] للعالم تعتبر مستحيلة ، من ثم فإن بداية للعالم تعتبر شرطا ضروريا لوجوده . وهو ما كان ينبغي البرهنة عليه في بادئ الأمر " ( كانط ، نقد العقل الخالص ، ص : 454 ) .
كان هارتمان على دراية بالنقد الذي أرهق به شوبنهاورتلك الحجة الكانطية ، مبرهنا أنه من الممكن جدا وليس من التناقض تطوير لاتناه في الماضي انطلاقا من الحاضر ، وبالتالي فليس من المنطقي افتراض بداية للعالم .
تتشكل السفسطة مما يلي : لقد قام كانط في البداية بدون قيد أو شرط بفحص الحالة حيث سلسلة الحالات لن تمتلك قط بداية ؛ لكن ، هجرانه بغتة تلك الفرضية البسيطة ، شرع في التفكير بخصوص الحالة حيث سلسلة الحالات لن تكون لها نهاية ، سوف تصبح غير منتهية ؛ ثم إنه يقيم الدليل عما لا يمكن أن يشك فيه أحد بمعنى أن فرضية مماثلة تكون في تناقض مع فكرة كل منته وعلى الرغم من ذلك فإن كل آن حاضر يمكن اعتباره كنهاية للماضي . سوف نعترض على كانط أنه بالإمكان أن نتصور على الدوام نهاية سلسلة لا بداية لها قطعا ، وليس هناك أي تناقض ؛ زد على ذلك أن القضية العكسية صحيحة ؛ بالإمكان تصور بداية سلسلة لا نهاية لها البتة ( شوبنهاور ، 1942 ، II ، ص :93 ) .
وبالرغم من ذلك فإن هارتمان يعترض بأن الحركة الناكصة التي افترضها شوبنهاور ليست ممكنة إلا من أجل الفكر : تبقى فقط " مسلمة نموذجية " لا يوجد ما يماثلها في الواقع ثم إنها " لم تعلمنا في شيء حول السيرورة الواقعية للعالم ، التي حدثت في الاتجاه المعاكس لعودة الفكر إلى الوراء " . يؤكد هارتمان أنه حتى ولو قبلنا بواقعية الزمن والسيرورة " وهو ليس الحال مع شوبنهاور ) ، فإنه ينبغي الاعتراف ، تحت طائلة السقوط في المفهوم المتناقض للامحدودية المنجزة ، بأن السيرورة ينبغي لها أن تتحدد في الماضي ثم لا بد لها أن تمتلك هناك بداية مطلقة : " إن اللامحدودية التي تظل بالنسبة للفكر في حركته انكفائيا مسلمة نموذجية ، لا يماثلها أي واقع لا بد لها من أجل العالم ، حيث السيرورة هي ، على خلاف ذلك ، حركة ارتدادية ، التوصل إلى نتيجة محددة ؛ أيضا يظهر جليا هنا التناقض " ( هارتمان ، 1877 ، ص : 529 ) .
فعلا ، في هذه الفقرة ، " يبدو جليا " كون أن هارتمان لم يمنحنا دليلا ، بل بالأحرى ، مصادرة على المطلوب . في الواقع ، في مفهوم سيرورة العالم يوجد تحليليا [مفهوم] بداية العالم . فهما لا يستطيعان أن يثبت أحدهما انطلاقا من الآخر . بعد ذلك مباشرة ، فلو تم استبعاد مثالية زمن شوبنهاور فليس المرء بالرغم من ذلك مجبرا منطقيا على القبول بواقعية سيرورة العالم ، كما يؤكد هارتمان ذلك . فإذا كان الزمن واقعيا ، تبعا لهارتمان ، يتوجب عليه إذن أن يمتلك هناك سيرورة للعالم مع بداية ونهاية مطلقين . من الزمن المنفي لدى شوبنهاور ، انتقل هارتمان مباشرة إلى الزمن الموجه .
فيما يتعلق بنهاية العالم ، نجد أنفسنا ، تبعا لهارتمان ، في نفس الوضع : يثبت فيلسوفنا اللاوعي نهاية العالم انطلاقا من فكرة التقدم و ... العكس بالعكس ، ساقطا من جديد في مصادرة على المطلوب :
إذا كانت فكرة التقدم متعارضة مع إثبات مدة غير منتهية للعالم في الماضي ، بما أن في تلك اللامحدودية المنصرمة كان ينبغي أن تحدث كل التطورات التي يمكن تصورها ( وهو ما يتعارض مع فكرة التقدم الحالية ذاتها ) ، ليس بمقدورنا أن نعزو أكثر للسيرورة الكونية مدة لامحدودة في المستقبل . في كلتا الحالتين ، يتم إلغاء فكرة التقدم ذاتها نحو هدف محدد ؛ ثم إن سيرورة العالم تماثل اشتغال فراشات الليل ( هارتمان ، 1877 ، : 495 ) .
نيتشه ، مستشهدا بهذه الفقرة من قبل في [كتاب] فترة غير موافقة للعصر حول التاريخ ( 1874 )، أتيحت له فرصة تسليط الضوء على الجدل الرائع لذلك " النصاب من بين كل النصابين " الذي ، عبر براهينه المتماسكة ، يوضح الأشياء السخيفة التي تسقط فيها كل غائية 33 .
لكن إذا ما انتهت سيرورة العالم ، بحسب هارتمان ، إلى حالة نهائية متطابقة تماما مع الحالة البدئية ، فإن ذلك يعني أنه في ختام المغامرة الكونية للاشعور ، لا نزال ملاحقين بواسطة شبح مشيئة جديدة وبداية جديدة لسيرورة العالم . إن ذلك ، والحالة هذه ، يطرح مشكلة حقيقية بداخل نسق هارتمان ، مع المجازفة بإمكانية تحرير نهائي للوجود والمعاناة . وهذا ما يجعل من فيلسوفنا ، في واحد من فصوله الأخيرة من عمله ، " المبادئ الأخيرة " ، يكد بعناية من أجل حساب درجة احتمال صحوة ملكة إرادية للاشعور . بما أن الإرادة حرة تماما ، غير مشروطة ولا زمانية ، فإن إمكانية إرادة جديدة تكون فقط متعلقة بالصدفة ( بالمعنى الرياضي الدقيق للكلمة ) تستحق إذن ½ . بالإضافة إلى ذلك فقد لاحظ هارتمان إذا كانت الإرادة مستغرقة في الزمن ، فإن احتمال التكرار يصبح معادلا ل1 ، ثم إن سيرورة العالم كان ينبغي عليها ضرورة أن تبتدئ من جديد ضمن عود أبدي يلغي تماما إمكانية تحرير نهائي ( انظر هارتمان ، 1877 ، ص : 538 ) . لحسن الحظ ليست هذه هي القضية ، لأنه بحسب المنطق اللافت للنظر لهارتمان ، فإن سيرورة العالم تتطور في الزمن ، على أن الإرادة الأصلية توجد خارج الزمن . على خلاف ذلك ، بالإمكان التأكيد ، حسب رؤية هارتمانية تماما لحساب الاحتمالات ، أن كل بداية جديدة تعمل على تخفيض ، تدريجيا ، احتمال البداية التالية : لتكن n عدد المرات حيث الإرادة تتحقق ، فإن احتمال إنجاز جديد هو ½ " . " على أنه من الواضح أن احتمال ½ يصغر كلما ازداد n ، بحيث أنه يكفيه أنه يطمئننا في الممارسة " ( هارتمان ، 1877 ص : 540 ) .
3 . 3 دوهرينغ و كاسباري : ضرورة واستبعاد التكرار
لقد فهمنا الآن جيدا معنى سجال كاسباري ضد هارتمان في الصفحتين 444 ـ 445 من [كتاب] (Der Zusammenhang der Dinge) سالفتي الذكر . استعاد كاسباري برهان اللاتناهي (a parte ante) ، وفيه أكد أنه في لا تناهي الزمن الذي مضى ، إذا كانت حالة نهاية ممكنة فإنه كان يتوجب أن تستقر آنذاك وأن كل حركة كان ينبغي عليها أن تتوقف . على أنه ليست هذه هي القضية ، لأن العالم لا زال يتحرك . وبالفعل ، وبعيدا عن تصغير عند كل تكرار ، احتمال بداية جديدة تكون دائما معادلا ل1 ، ثم إنه ينتج بالضرورة تكرار المثيل : وهكذا فإن سيرورة العالم لهارتمان ، بدلا من التطور نحو هدف ، فإنها تتحرك في واقع الحال في دائرة . غير أن تلك الحركة الدائرية اللامتناهية تمثل ، حسب كاسباري ، انحرافا أخلاقيا كبيرا لذلك تستحق بالنسبة إليه وحده كتفنيد نهائي لكل فلسفة هارتمان . وبهذه الطريقة ، اتخذ كاسباري موقفا في السجال الدائر بين أوجين دوهرينغ وإدوارد فون هارتمان الفلاسفة الألمان الأكثر شهرة في ذلك العصر ، بخصوص إمكانية تكرار سيرورة العالم بعد الحالة النهائية . في " تخطيطية العالم " المتضمنة في [كتاب]ـه cursus der philosophie) ( ، قام أوجين دوهرينغ بإقصاء لانهائية الفضاء واللانهائية الانكفائية للزمن ، مع الحفاظ فقط على إمكانية لاتناه للزمن في المستقبل ( دوهرينغ ، 1875 ، الصفحتان 82 ـ 83 ) . لكنه ، بعد أن رسم " الصورة الواقعية للكون " ، أوقف للحظة تشييد نسقه بغية رسم الصورة الزائفة للكون الذي يتخلَّق حينما يقذف " الخيال الطائش " في اللامتناهي الزمني الناكص لعبة أبدية من التغييرات . كان يبدو أنه من الممكن التفكير ، حتى وإن تم الانتقال من الحالة الأصلية غير المتميزة إلى حركة المادة ، بالإمكان العودة من جديد في المستقبل من حالة مطابقة إلى حالة أصلية ثم ـ يشير دوهرينغ ملمحا إلى هارتمان ـ " سوف توجد طريقة للتفكير ، التي كان يمكن لانسجام البداية والنهاية أن يشكلا بالنسبة إليها جاذبية كبرى " ( دوهرينغ ، 1875 ، ص : 83 ) .
على أنه إذا ما توصلت سيرورة العالم إلى حالة مطابقة للحالة الأصلية ، يواصل دوهرينغ ، فإن الحساب الاحتمالي لهارتمان لن يكون كافيا لجعلها تنفلت من التكرار ثم ، نتيجة ل" الضرورات المطلقة للواقع " ، فإن تكرارا لا منتهيا لنفس الأشكال ينبغي أن يحدث بالضرورة . وهنا يقوم دوهرينغ بإقحام اعتراض أخلاقي : إن ذلك التمدد الهائل للفاصل الزمني " ، يقود بالفعل البشرية نحو لامبالاة عامة من أجل المستقبل ، مع العمل على إضعاف دوافعها الحيوية : " من الجلي والحالة هذه ، أن المبادئ التي تجعل الحياة جذابة ، لا تتطابق مع تكرار نفس الأشكال " ( دوهرينغ ، 1875 ، ص : 84 ) . بناء على ذلك فقد تخلى دوهرينغ عن النسق الهارتماني لأن هذا الأخير يقود بالضرورة إلى رؤية لعالم ضد حيوي : إلى التكرار المكدر للمثيل في مستقبل لا متناه . إن العود الأبدي للمطابق يعتبر بالنسبة لدوهرينغ ( مثلما سوف يصبح بالنسبة لكاسباري ) ، النتيجة الأخلاقية اللامرغوب فيها التي تجعل فلسفة هارتمان زائفة ، باطلة وعبثية . ينتهي اتهام دوهرينغ بواسطة تحذير صارم :
لنحترس [huten wir uns] ، مهما حدث ، من أباطيل طائشة ؛ لأن وجود الكون ، بما أنه معطى دائما ، ليس حادثا عرضيا بين حالتي الليل ، لكنه الأساس الوحيد الصلب والمضيء والذي انطلاقا منه نستطيع تطبيق استنباطاتنا وتوقعاتنا ( دوهرينغ ، 1875 ، ص : 85 ) .
في 7 يوليوز 1881 ، توصل نيتشه من أخته بسلس ماريا ب[كتاب] دروس في الفلسفة لدوهرينغ وفي نسخته قام برسم سطر وعلامة تعجب في هامش تلك الفقرة حيث كان دوهرينغ يحذر ضد العود الأبدي : huten wir uns) (. جعلت المحاكاة الساخرة من أنفه ينتصب ...
3 . 4 " حماقة " الذرات البيولوجية
قبل العودة إلى نيتشه لا بد من التذكير مرة أخرى ببرهان الأزلية a parte ante) ( ، كان كاسباري يناهض نوعا آخر من الفرضيات ، أكثر علمية منها من فلسفية ، التي كانت تتنبأ بنهاية العالم بموت حراري . وقد قام في عام 1874 بإصدار كتيب تحت عنوان : فرضية طومسون لحالة نهائية لتوازن حراري في الكون ، مضاءة بوجهة نظر فلسفية ، وفيه هاجم الكوزمولوجيا الإوالية والمادية في عصره باسم رؤية عضوانية وغائية لمجموع الظواهر الطبيعية . كان كاسباري يعتبر في تلك المقالة النقدية الساخرة ، الكون ليس باعتباره إوالية فيزيائية ( ولو بنوع خاص ) ، بل مثل جهاز حي هائل ، بمعنى " وحدة ذات أجزاء أخلاقية " .
قام هارتمان فون هيلمولز ، في عمله الشهير حول صيانة القوة ( 1847) بتقسيم مجموع طاقة الكون إلى طاقة كامنة وإلى حركية ، مؤكدا على البداية المشتركة الكلية بين الاثنتين . لقد أشار وليام طومسون William Thomson) ( ، عام 1852 ، إلى وجود مجموعة صغرى للطاقة الحركية ، الحرارة ، التي ما أن يتم توليدها ، تكون غير قابلة تماما للتحول إلى طاقة كامنة أو إلى شكل آخر من الطاقة الحركية . لكن ، وبما أن تحول الحرارة ( الجزئي ) إلى عمل لن يكون ممكنا إلا في حضور فارق الحرارة ، في حين أن الحرارة تنحو إلى العبور من أجسام شديدة الحرارة إلى أجسام شديدة البرودة موزعة إلى حرارة منتظمة في الفضاء ، وذلك يعني أن الكون يميل إلى حالة نهائية ذات توقف تام للتغيرات الطاقية ، لحركة الحياة : " " لو تحولنا بأبصارنا نحو المستقبل ، لوجدنا أن نهاية هذا العالم ، باعتباره مكانا للحياة بالنسبة للإنسان ولصالح كل كائن حي آخر أو نباتي يعيش فيه حاليا ، من وجهة نظر ميكانيكية ، لا مفر منه 34 . "
ضد التكهن الذي تقدمت به إوالية طومسون ، استعمل كاسباري حجة اللامتناهي a parte ante) ( : " ليس من الصعب البرهنة على أن الكون ، الذي يوجد منذ الأزل ، سوف يغرق منذئذ في وضع ذي توازن تام لكل أجزائه " (كاسباري ، 1874 ، ص : IV ) . إذا توصلت ، والحالة هذه ، كل إوالية إلى حالة توازن وإذا لم يكن الكون قد توصل إليه في اللامتناهي الزمني الذي مضى ، إذن فإن الكون لا يمكن اعتباره مثل إوالية ، بل مثل جماعة ذات أجزاء تتبع ، فيما يتعلق بحركتها ، ليس قانونا آليا ، بل أمرا أخلاقيا . إن ذرات كاسباري ( التي تذكر ب[ذرات] [كتاب] مونادولوجيا Monadologie) (ليبنتز Leibniz) ( وهكذا تقدم نفسها مثل أنواع من مونادات monades) ( بيولوجية ، مزودة بحالات داخلية . كل ذرة تمتثل للأمر الأخلاقي في المساهمة في صيانة الجهاز العام وتتبع في حركتها ليس فحسب التفاعل الطبيعي ، بل أيضا قانونا موحى به بشكل مسبق والذي من خلاله التوازن الحراري ، الذي هو نتيجة محتمة لكل تفاعل آلي محض يتم تجنبه .
من أجل وضع حل للصعوبات المشار إليها أعلاه ، لابد من العودة إلى ليبنتز على الأقل مما يسمح لنا بترقية الذرات إلى ذرات بيولوجية ، أعني إلى نوع من المونادات ، والتي تكون من جهة ، بطبيعة الحال ، خاضعة للتفاعلات المادية الواقعية ، لكنها إلى جانب ذلك تمتثل لقانون صيانة ذاتية ذرية داخلية . يفرض عليها [المونادات] ذلك القانون اتباع بعض اتجاهات الحركة التي يتم عبرها منع تشكل نزوعات الحركة تلك التي ، بواسطة تكاثرها اللامحدود ، تقود الكون ، الذي يتم اعتباره من وجهة نظر ميكانيكية ، إلى حالة توازن كاملة لكل أجزائه ؛ حالة يكون فيها الكون قد استنفد في كل أجزائه القدرة على الحفاظ على الحركة ، بعد ذلك مباشرة يصبح محكوما عليه للأبد (كاسباري ، 1874 ، ص : V ) .
ليس الكون ، والحالة هذه ، ساعة تحتاج إلى إعادة شحنها أو آلة بخارية يكاد وقودها ينفذ . إنه بالمقابل ، وفقا لعبارات ليبنتز : " ساعة تشحن نفسها بنفسها ، يشبه في ذلك الجهاز الذي يسعى إلى تغذيته . [...] إن الكون في ذاته ليس إوالية خالصة ، إوالية ميتة " . " لا ! ، يكتب ليبنتز ضد ديكارت : يتكون الكون منذ البداية من قوة مستقلة لا تأتيه من الخارج " (كاسباري ، 1874 ، ص : 8 ـ 9 ) .
إذا كانت هذه الجملة لم تتلق سوى خط واحد على الهامش ، فإن الاستشهاد السابق لكاسباري قد تم إغناؤه ، في نسخة نيتشه ، بEsel » « ( " حمار " ) كبير متبوعا بنقطتي تعجب .
وبالفعل ، فبعد قراءته أول كتاب لكاسباري ، ترابط الأشياء ، كان نيتشه تحذوه الرغبة أيضا في قراءة مقالته النقدية ضد فرضية طومسون ، بالإضافة كذلك إلى سلسلة كاملة من الدراسات التي عثر عليها مذكورة في صفحات [كتاب] ترابط الأشياء .إن نصوص وقراءات نيتشه تبين لنا بوضوح أنه ، في وقت مبكر قبل 1881 ، معلومته حول المسائل الكوزمولوجية كانت كبيرة بما فيه الكفاية . على أنه منذ صيف 1881 ، في وقت " ظهرت إلى الأفق " فكرته عن العود الأبدي ، انكب نيتشه أكثر بقوة على هذا النوع من القراءات . وفي تصوري ، فإن [كتاب] ترابط الأشياء لكاسباري ، هو على وجه التحديد ، الذي تسلمه نيتشه بسانت موريتز St . Morit) ( من قبل ناشره ( انظر رسالته إلى شمايزنر Schmeitzner) ( في 21 يونيو 1881 ) ، يعتبر مصدرا أساسيا لهذا الدرس من التأملات . ففي الفصل المعنون " الفلسفة المعاصرة للطبيعة لغوستاف فوغت Gustav Vogt ) ( وألفونس بيلهارز (Alfons Bilharz) ، عثر نيتشه على تقديم للوضع الحالي للنقاشات الكوزمولوجية بالإضافة إلى بعض الإشارات الببليوغرافية وفي الرسالة إلى أوفير بيك Overbeck ) ( في 20 أغسطس 1881 ، فقد التمس من صديقه أن يرسل إليه المجلدات التالية ، التي جاء ذكرها على لسان كاسباري :
أود أن أطلب منك أن ترسل لي بعض المجلدات لدى الكتبيين :
1 . أوطو ليبمان O . Liebmann) ( ، تحليل الواقع [ ذكره غاسباري في الصفحات 215 و 223 ] .
2 . أ . كاسباري ، فرضية طومسون ( شتوتغارت 1874 هورستر ) [ ذكره كاسباري في الصفحتين 33 و 51 ] .
3 . أ . فيسك Fick) ( ، " السبب والنتيجة " [ ذكره كاسباري بين هلالين ، في الصفحة 39 و ، اعتباره عملا يكتسي أهمية تاريخية " ، في الصفحة 51 ] .
4 . يوهان غوستاف فوغت ، القوة . ليبزيغ ، (Haupt et Tischlr) 1878 [ ذكره كاسباري في الصفحتين 28 ـ 29 ، وقد تمت الاستفاضة في نقاشه [الكتاب] في الصفحات 41 ـ 48 ] .
5 . أوطو ليبمان ، كانط ومقلدوه [ذكره كاسباري في الصفحة 58 ] . [...]
هل توجد أجزاء [كتاب] (Philosophischn Monatshefte) بجمعية القراءة بزوريخ ( أو بالمكتبة ) ؟ أحتاج إلى الجزء 9 لسنة 1873 [ ذكره كاسباري في الصفحات 80 و 82 و 93 ] وأيضا [جزء] سنة 1875 [ذكره كاسباري دون الإشارة إلى رقم الجزء ، في الصفحات 128 و 134 ] .ثم مجلة كوسموس ) Kosmos (، مجلد 1 [ذكره كاسباري في الصفحات 36، 51 ، 146 ، 180 ، 182 و378 ] . هل توجد طبعة كاملة ل[كتاب] خطاب لديبوا ـ رايمون Dubois – Rymond) )؟ [ذكره كاسباري في الصفحات 20 ، 420 و 486 ] .
علاوة على ذلك ، فقد طلب نيتشه كتاب التفكير والواقع لأفريكان سابير Afrikan Spir) ( ، الذي أعاد قراءته بانتظام حينما كان منشغلا بالمسائل النظرية 35 . وبمجرد استلام تلك المجلدات ، شرع على الفور في قراءة المقالة النقدية لكاسباري ضد طومسون رد فعله الأول ، كما لاحظنا ذلك ، هو اتهام النظرية الكاسبارية للمونادات البيولوجية بالحماقة والتي ستكون قادرة على ضمان الحفاظ على الحركة . رد فعل يوجد في هامش صفحة كاسباري ، لكنه أيضا مصحوب بشذرة مكتوبة في الدفتر M III 1 ( " إن أعظم خطإ هو توكيد أن الكون جهاز . [...] كيف ذلك ! سوف يصبح اللاعضوي هو التطور ذاته والانحطاط للعضوي ! ؟ حماقة !! " ) ومتبوعة [الشذرة] بشذرة أخرى موجهة على وجه الاحتمال ضد كاسباري :
من الضروري أن يشكل التوازن المطلق في ذاته استحالة أو أن تنتقل تغيرات القوة إلى الحركة الدورية قبل أن يتدخل التوازن الممكن بذاته . ـ أن نسند إلى الكائن " الشعور بالصيانة الذاتية " جنون ! و [ أن نسند] إلى الذرات " التوق إلى اللذة والانزعاج 36 " !
في 26 من شهر أغسطس ، عثرنا في المخطوط III M 1 ، على تصميم جديد من أجل عمل حول العود الأبدي : ظهيرة وأزلية ( [195] 11 FP ) . ففي المقاطع اللاحقة ، استعاد نيتشه تأملاته الكوزمولوجية الممتزجة بحوار مستمر مع كاسباري وبنقد صارم لعضوانيته . وبخصوص النظرية الذرية لديموقريطس ـ الذي ، كما قال دانتي ، il mondo a caso pon » « ـ كتب كاسباري فإما أنها [النظرية الذرية] غائية مقنَّعة أو أنها عندئذ نظرية تتناقض مع التجربة ( انظر كاسباري ، 1881 ، ص : 124 ) . لأنه لو أن ثمة عالما تحكمه الصدفة وتمكن من التخلص إلى حدود الوقت الراهن من حالة التوازن الكبرى ، فلن يكون بالإمكان حقيقة الحكم عليه بالأعمى ؛ فقد كان ينبغي عليه أن يحكمه شكل غائي . فلو ، على خلاف ذلك ، لم يوجد أي مبدإ غائي لقيادته ، فقد كان ينبغي عليه آنفا التوصل إلى حالة التوازن الكبرى وتوقف الحركة ؛ على أنه في تلك الحالة سوف يصبح جامدا ، في حين أن التجربة تبرهن لنا على العكس تماما .
رجع نيتشه إلى براهين كاسباري لما كان يكتب ، في شذرة ما بعد الوفاة 11 [201] ، إذ أن العضوانية تعتبر " شِركا مقَنَّعا " ، ظلا حديثا للإله ثم يعكس ضد كاسباري الاعتراض على اللانهاية a parte ante) ( : إذا كان الكون قد تمكن من أن يصبح كائنا حيا ، لكان قد أصبح ذلك بالفعل .
إن التهديد الحديث للإيمان بالإله هو الإيمان بالكل باعتباره كائنا حيا : الشيء الذي يزعجني . وهكذا فإن ما يعتبر نادرا تماما ، ومنحرفا على نحو لا يوصف ، العضوي الذي لا ندركه إلا على القشرة الأرضية ، يجعل منها الأصل ، الشامل ، الأزلي ! إن ذلك لا يعتبر مرارا وتكرارا إلا أنسنة للطبيعة ! ثم المونادات ، التي سوف تشكل مجتمعة الجهاز العضوي للكون ، ليست سوى شرك مقنع ! وهبت بصيرة ! مونادات سوف تعمل على منع بعض النتائج الممكنةالإوالية مثل توازن القوى ! استشباحات ! fantasmagories) ( لو تمكن الكون من أن يصبح كائنا حيا ، لكان قد أصبح واحدا .
على أن كاسباري يعترض ، إن لم تكن قصدية الذرات ، ما الذي منع إلى حدود الوقت الراهن ( وسوف يمنع باستمرار ، بما أنه إلى حدود الساعة قد مرت كمية زمنية لا متناهية ) حالة توازن من أن تتحقق ؟ إذ كان في اللاتناهي " أن كل التركيبات الممكنة لابد لها من الحدوث ، وحتى التركيب الذي يماثل حالة التوازن كان يتوجب عليها الحدوث ، الشيء الذي يعتبر متناقضا مع وقائع التجربة " ( كاسباري ، 1881 ، ص : 136 ) . إن نيتشه ، الذي قام ، في نسخته من كتاب كاسباري ، بوضع خطين في الهامش لتلك الجملة ، يجيب بالتحديد عن ذلك الاعتراض في شذرة ما بعد الوفاة 11 [245] عاملا على تمييز ، من بين مظاهر القوة ، تلك التي تعتبر ممكنة فقط وتلك التي تعتبر واقعية . إن توازن القوى ، الموت الحراري ، هو واحد من الحالات الممكنة ، غير أنه لم يتأثر أبدا وسوف لن يتأثر قط ، إن ذلك إذن ليس حالة واقعية :
لو أن توازنا لقوى تحقق في وقت من الأوقات ، فإنه كان سيستمر كذلك : بناء على ذلك ، فإنه لن يتدخل أبدا . إن الحالة الراهنة تناقض تلك الفرضية . لو تم افتراض أن حالة وجدت في يوم من الأيام وكانت مطابقة تماما للحالة الراهنة ، فإن ذلك الافتراض لا يمكن تفنيده قط من خلال الحالة الراهنة . من بين الإمكانات اللامنتهية ، فإنه ينبغي للحالة الراهنة أن تكون مسلما بها ، إذ أنه لحدود الساعة قد مرت بالفعل كمية لا متناهية [من الزمن] فإذا كان التوازن ممكنا ، فقد كان ينبغي عليه أن يتدخل . وإذا كانت الحالة الراهنة قد تم حدوثها سابقا ، أيضا فإن من أوجدها كالحالة التي تقدمتها ؛ ينتج عن ذلك أنه سبق لها أن حدثت مرة ثانية ، مرة ثالثة وهلم جرا ؛وبذات الطريقة سوف تحدث مرة ثانية ، مرة ثالثة ... مرات لا حصر لها إلى الأمام ـ وإلى الخلف . بمعنى أن كل صيرورة تتحرك ضمن التكرار لعدد محدد للحالات المطابقة تماما . [...] إن سكون القوى ، توازنها يعتبر ظرفا قابلا للإدراك ، غير أنه لا يحدث ، وبالتالي فإن عدد الإمكانيات أكبر من [عدد] الحقائق . ـ أن لا يتكرر أي شيء متماثل لا يمكن أن يفهم بالصدفة ، بل فقط بنية مضمَّنة في جوهر القوة : إذ أن افتراض كمية هائلة من الحالات ، الخروج الطارئ لنفس التركيبة هو أكثر احتمالا من كون أن التركيبة ذاتها لا تتكرر أبدا .
لنحاول إذاً إعادة قراءة الصفحة الموالية لمسودة العود الأبدي ، من ثم ينشأ تحليلنا والذي انطلق مع التحذير : " احذروا قول hutet euch zu sagen) ( أن العالم كائن حي . " الآن كل شيء أكثر جلاء : huten wir uns ) ( هي الصيغة التي استعملها أوجين دوهرينغ في نهاية تفنيده لنسق إدوارد فون هارتمان للعالم ، الذي اعتبره تكرار ضد حيوي ، لأنه كان يقود منطقيا إلى تكرار المماثل ؛ صرخ دوهرينغ : " لنأخذ حيطتنا من حماقات باطلة . " إن العضوانية هي جواب أوطو كاسباري عن مسألة تبذير الطاقة وعن الموت الحراري للكون وعن كل شيء غائي . ضد دوهرينغ ، ضد هارتمان ، لكن أيضا ضد تمدد الكون للمبدإ الثاني للديناميكا الحرارية ، يؤكد كاسباري أن العالم لن يبلغ أبدا الحالة النهائية لأنه يتكون من نوع من الذرات البيولوجية . يتفق نيتشه مع كاسباري في نقده للغائية ، ثم أن البراهين التي يستعملها ضد الحالة النهائية للكون تتطابق مع [براهين] كاسباري . باستثناء أنه يعتبر أن النزعة العضوية تشكل أخير للنزعة التجسيمية ، مثل شرك متنكر يستبعده من كل قواه .
اعتمادا على صورة ساخرة لصيغة دوهرينغ ، (huten wir uns) ، قام نيتشه بفضح وتفنيد التمثلات الزائفة للكون ، مثل عضوانية كاسباري ، إوالية طومسون ، سيرورة العالم لهارتمان ودوهرينغ واستنتج من تلك المناظرة الحجج من أجل فكرته للعود الأبدي للمطابق . إن قراءة بعض الشذرات الأخرى لدفتر M III 1 تؤكد لنا أن الأمر لا يتعلق بصدفة ما ، بل بلعبة ذهنية نافذة .
لنحترس[ huten wir uns] في أن نعزو طموحا ، هدفا أيا كان لهذا المسار الدائري : أو لاعتباره بحسب حاجياتنا مضجرا ، غبيا ، إلخ . بلا شك فإن أرقى درجة الغباوة تتجلى فيه وكذلك العكس : على أنه لن نستطيع الحكم عليه من خلال ذلك ، فلا العاقل ولا المخالف للصواب ليسا محمولين يتطابقان على الكون . ـ لنحترس [huten wir uns] من إدراك قانون تلك الدائرة باعتباره صائرا ، بحسب التماثل الخاطئ للحركات الدائرية بداخل الحلقة : ليس ثمة فوضى في بادئ الأمر ثم بشكل متدرج حركة أكثر تناغما وأخيرا حركة دائرية ثابتة لكل القوى : على خلاف ذلك ، فكل شيء يعتبر أزليا ، ليس صائرا . إذا كان ثمة فوضى القوى ، فإن الفوضى كانت أيضا أزلية ثم إنها تعود في كل دائرة من الدوائر . إن المسار الدائري في شيء مما يصير ، إنه القانون الأصلي شأنه شأن كمية القوى التي هي قانون أصلي ، بدون استثناء ولا انتهاك . إن كل صيرورة تكون بداخل المسار الدائري وب[داخل] كمية القوى ؛ بناء على ذلك ، إن اتباع تماثل خاطئ بدلا من الرجوع إلى الحركات الدائرية التي تصير ثم تضمحل ، كمثل النجوم والمد والجزر ، النهار والليل ، الفصول ، بهدف تمييز الدورة الدائرية الأزلية1881 )[ 157] FP11 ) .
لنحترس[ huten wir uns ] من تعليم مذهبنا مثل ديانة مباغتة ! ينبغي أن يتسرب شيئا فشيئا ، ينبغي على أجيال كاملة إضافته لها وتتخصب به ـ كي يصبح شجرة عظيمة تستظل بها كل البشرية القادمة . الألفيتان اللتان تم الحفاظ فيهما على المسيحية ! (1881 [158] 11 FP (
لنحترس [huten wi uns] من الاعتقاد بأن الكون كان يمكن أن يكون له ميل إلى حيازة بعض الأشكال ، يكون له توق في أن يكون جميلا ، كاملا ، أكثر تعقيدا ! إن كل ذلك ما هو إلا نزعة تجسيمية ! فوضى ، ذمامة ، شكل ـ فكلها مفاهيم غير ملائمة . وبالنسبة للميكانيكا ، فلا شيء يعتبر كاملا(FP [205]1881 ) 37 .
يبدو أن هذه الجملة الأخيرة تعطي نوعا من التفوق للميكانيكا على النزعة العضوية ، وبالفعل فإن النظرة الميكانيكية تعتبر بالنسبة لنيتشه بكل تأكيد أكثر استساغا وأقل تشبيهية منها من العضوانية . على أنه في واقع الحال ، وأمام الصورتين المهيمنتين في النقاش الكوزمولوجي في إبان عصره ، الآلة والجهاز العضوي ، يرغب نيتشه في أن يرد للطبيعة ميزتها الشكِّيلة polymorphe) ) ، متغيرة الشكل ، غير المبنينة ، الفوضوية حيث تعتبر نظرية العود الأبدي ، باعتبارها مبدأ غير لاهوتي وغير غائي ، جزاء أشد قسوة . مثل أول معركة من "المعارك الجديدة" التي اندلعت في وجه من أدرك عواقب موت الإله . ففي الكتاب الثالث من العلم المرح ، الذي كان يحمل في المسودات عنوان (Gdanken eines Gottlosen, Pensée d’un sans Diu) فكر فرد بدون إله ، بعد الكلمة الجامعة الشهيرة ضد ظلال الإله ، الكلمة الجامعة 109 تختزل بتفوق النقاش مع الميول الأساسية للكوزمولوجيا في عصره . تحت عنوان : huten wir uns) ( ...
لنكن حذرين ! ـ لنحترس من التفكير بأن العالم كائن حي . في أي اتجاه سيتمدد ؟ على ماذا سيقتات ؟ كيف سيتكاثر ويكبر ؟ بالكاد نعرف ماهو العضوي : كما أننا نعيد تفسير المنحرف على وجه لا يوصف ، المتأخر ، النادر ، الطارئ الذي ندركه في الوقت الحاضر على قشرة الأرض كشيء جوهري ، كوني ، أزلي ، مثلما يفعل أولئك الذين يعتبرون كل شيء عضويا ؟ إن ذلك يثير لدي التقزز . لنحترس من الاعتقاد بأن الكون هو آلة : فهو لم يصنع يقينا من أجل بلوغ هدف ما ، إننا نعزو إليه شرفا كبيرا مطبقين عليه عبارة " آلة " . لنحترس من افتراض شيء ما حتما وفي كل مكان مكون مثل الحركة الدائرية للنجوم الأقرب إلينا ؛ إن إلقاء نظرة بسيطة على المجرة يثير الشك ويجعلنا نتساءل ألا توجد هناك حركات ناقصة إلى حد كبير متناقضة ، وكما هو الشأن التساؤل عن نجوم متبعة مسارات أزلية ذات سقوط مستقيم وأشياء أخرى من هذا القبيل . إن النظام النجمي الذي نحيا فيه يعتبر استثناء ؛ هذا النظام ، ثم المدة المدهشة التي تعتبر قدرا له [النظام] ، جعلت بدورها استثناء الاستثناءات ممكنا : تشكل العضوي . إن الخاصية العامة للعالم مناقضة لكل أزلية الفوضى ، ليس بمعنى غياب الضرورة ، بل العكس بمعنى غياب النظام ، التمفصل ، المظهر ، الجمال ، الحكمة وكل تجسيماتنا الجمالية اسم معين نخصها به . أن نحكم عليه من وجهة نظر عقلنا ، تلكم الطلقات الفاشلة التي تشكل القاعدة عن بعد ، الاستثناءات ليست هدفا سريا ثم إن الجلبة[spielwerk ] بكاملها تكرر لحنها باستمرار ، الذي لا يستحق أبدا اعتباره لحنا ـ وأخيرا فلا يوجد إلى حدود عبارة " طلقات فاشلة " التي لن تكون منذ ذلك الوقت أنسنة تبطل لوما . لكن كيف يكون لنا الحق بذم الكون أو مدحه ! لنحترس من أن نمنحه فقدان العاطفة والغباوة [herzlosigkeit und Unvernunft ] أو ما يناقضهما : فهو ليس كاملا ، ولا جميلا ، ولا نبيلا [edel] ، ولا يرغب في أن يصير أي شيء من ذلك ، فهو لا يسعى على الإطلاق لمحاكاة الإنسان ! إنه ليس منشغلا بتاتا بأي حكم من أحكامنا الجمالية والأخلاقية ! كما أنه لا يمتلك غريزة للصيانة الذاتية ، و، بشكل عام ، لايمتلك غريزة أبدا ؛ فهو لم يعرف أيضا قوانين . حذار من القول بوجود قوانين في الطبيعة . ليس ثمة سوى : فلا أحد يأمر هناك ، لا أحد يطيع ، ولا أحد ينتهك . إذا كنتم تعرفون أنه لا وجود لغايات ، تكونون على بينة أيضا بعدم وجود صدفة : لأن عبارة " صدفة " لا تمتلك معنى إلا في جوانب عالم ذي غايات فقط . حذار من القول أن الموت هو نقيض الحياة . إن الحي ليس سوى نوع من الميت ، ونوع نادر جدا . ـ حذار من التفكير بأن العالم يبدع الجديد باستمرار . لا وجود لجواهر مدة أزلية ؛ إن الجوهر خطأ شأنه في ذلك شأن إله الإليين . لكن متى نكون قد وضعنا حدا لاحتراسنا وحذرنا ؟ متى سوف ستتوقف إذن ظلال الإله تلك عن إقلاقنا ؟ متى سنقوم كليا بنزع طابع الألوهية عن الطبيعة ؟ متى نمتلك الحق في السعي إلى تطبيع أنفسنا نحن ، البشر ، على مستوى الطبيعة الصافية ، مكتشفة حديثا ، ومحررة حديثا !
لا جدوى من العودة إلى [عبارة] " لنحترس " التي هي ذاتها ، تعود بدون توقف وتبنين ذلك القول المأثور . كنت أريد بالضبط الإشارة إلى بعض الإشارات النصية ، المتناظرة للعبارات الألمانية الموضوعة بين قوسين ، التي تكشف الدرجة القوية للتناص الذي منه تم نسج هذا القول المأثور والتي تشهد عن علاقتها مع المناقشة الكوزمولوجية المعاصرة . يستعمل نيتشه عبارة Spielwerk) ( ، " إوالية علبة موسيقية " ، " مصلصلة " ، كما أجاد ترجمتها باتريك فوتلينغ Patrick Votling) ( ، وضمن هذا السياق ، يتعلق الأمر في ذات الوقت بتلميح إلى العود الأبدي وإلى عبارة Raderwerk) ( ، التي تعني " دواليب " ، " مسننة " والتي داوم كاسباري على استخدامها ضد تخطيطية العالم لدوهرينغ . وفيما يخص فقدان الحس وغباوة الكون ، ثمة مسودة لتلك الشذرة ، في الصفحة 74 من المخطوطة III 1 ، توضح لنا مرة أخرى الإحالة إلى هارتمان وكاسباري :
لنحترس من إعابة قيمة الوجود بواقع أننا نضع جوهر الوجود " عدم الشعور [Herzlosigkeit] ، عدم الرحمة ، الجهل [Unvernunft] ، نقص الإحساس النبيل [ Mangel an edlem Gefuhl ] إلخ . ـ مثلما يفعل المتشائمون [ يحيل نيتشه إلى هارتمان ] ، على أنه في العمق أيضا الموناديون [ مثل كاسباري مع موناداته البيولوجية ] إلخ . لابد لنا من تقديم الكون بطريقة ميكانيكية تماما وليس عقلية ، بطريقة تجعله لا يتأثر بأي محمول ذي قيمة جمالية أو أخلاقية . ـ إنه لا يرغب في أي شيء ، لا يطمح في أن يصير لا أكثر اكتمالا ، ولا أكثر جمالا ولا أكثر نبلا إلخ . ـ كاسباري ، ص : 288 ، لقد استدعى بشكل مخجل " الإحساس الرادع [abmahnende Gefuhl ] 38 " !
إن الصفحة 288 من [كتاب] ترابط الأشياء التي يحيل عليها نيتشه ، تلي على التو نقد أنساق دوهرينغ وهارتمان :
إن من يلاحظ بهدوء تلك الصروح الكوزمولوجية ، كما تم تقديمها من خلال دوهرينغ وهارتمان ، يعترضه الإحساس الذي يلعب حقيقة دورا في العالم ذاته بالغ الأهمية . ذلك هو الإحساس [Gefuhl] الذي أثناه [mahnt] بصوت واضح ودفعه للابتعاد عن تلك الألوهية المزعومة اللاواعية التي تنشئ مونادات دون أن تقدر على التخلي عنها بواسطة الشفقة ، وفي نفس الوقت تصرفه [mahnt ] عن إدراك الكون وأجزائه كمثل دولة شيوعية ، محكومة بطريقة أكثر فقدانا للحس [herzlosester Weise] ، ترمي بكل أعضائها في السجون ، ثم تكرههم على اتباع unisono) ( [ بالإيطالية في النص ] ، من الآن فصاعدا مجردين من الإحساس الفردي ، مولوخ Moloch) ( تروس مسننة فاقدة للحس [gefuhllosen Raderwerkes] 39 .
لكن نيتشه ، من خلال سجال ضيق بين كبار فلاسفة العصر ، قام برسم صورة للكون باعتباره " chos sive natura" ( كما كان يدعوه محاكيا سبينوزا محاكاة ساخرة ) الذي لا يزال يدعونا إلى التفكير في الوقت الراهن . وبالنسبة لنيتشه ، فإن الأمر يتعلق بادئ ذي بدء بجعل البشرية مدركة لقوتها المبنينة الخاصة الخلاقة ، التي كانت في أصل كل المزايا " المعثور عليها " بالتتابع في الطبيعة . " هل كان ينبغي على برومثيوس أن يتوهم أولا نفسه سارقا للنور ، وعليه أن يكفر عن الجريمة ـ لكي يكتشف أخيرا أنه اخترع النور من خلال رغبته في النور وأنه ليس الإنسان فقط ، بل أيضا الإله قد شكلا عملا ليديه ، من الطين المشكل بيديه ؟ أن كل الأشياء ليست في شيء سوى صور لخالق الصور ؟ " تخبرنا الشذرة 300 من العلم المرح ما يفسر نهاية الشذرة 109 ، التي سنقوم بالاستشهاد بها ، التي يضمنها كذلك في المسودات الأولى : " لم يتحرر برومثيوس بصفة دائمة من عُقابه ! " ، بمعنى : أنه لم يكتشف بعد الأصل البشري لصوره عن الكون .
هذا التحليل يبين لنا كيف أن نيتشه تمكن من تجميع ، تكثيف ، تلخيص أحيانا في كلمة أو في جناس لغوي محصلة نقاشه مع نقاش كامل يعتبر في الوقت الراهن نقاشا طواه النسيان على أنه فقد تمت العودة إليه بفضل تحليل مخطوطات وقراءات الفيلسوف ، منحنا المفتاح لفهم تكون ومعنى العود الأبدي . إن التأويل الفلسفي لن يقدر على الاستغناء عن تلك الدراسة التكوينية ، التي تمنعنا أولا من اللجوء إلى كتابات منحولة لشذرات ما بعد الوفاة وأعمال مزيفة مثل [كتاب] إرادة القوة ، وهو ما يدفعنا إلى استعمال طبعة موثوق بها مثل طبعة كوللي ومونتناري (Colli et Montinari) ولاسيما العودة إلى دراسة المخطوطات . لأنه خلافا لذلك ، كما سبق لنا أن أوضحنا ذلك فيما يخص واحدا من أشهر وأمهر متأولي نيتشه ، لن نخرج أبدا من الدائرة المغلقة للتفاسير الخاطئة .

ــ
1 . دولوز ، 1962 ، ص : 55 ودولوز ، 1965 ، ص : 41 ، دولوز ، 1968 ، ص : 384 .
2 . من بين الترجمات الخمس ( على الأقل ) المختلفة المتوفرة لكتاب إرادة القوة ، لجأ دولوز إلى استعمال مُصنَّف فريدريك ورتسباخ Friedrich Wurzbach)) المترجم إلى الفرنسية من قبل جنيفياف بيانكي Geneviève Bianquis) ( ونشر غاليمار عام 1935 . في سنة 1962 ، بعد صدور الترجمة الفرنسية للطبعة النقدية لنيتشه التي نشرت لدى غاليمار على يد جيورجيو كوللي و مازينو مونتناري ، كان الناشر على حق في توقيف إعادة نشر إرادة القوة لترك المجال لنصوص أكثر مصداقية بكثير . أكثر من ذلك يبدو أننا بوغتنا بإعادة نشر هذا النص المثير للجدل والمشكوك فيه ، سنة 1995 ، لدى دار نشر غاليمار ، دار نشر كتاب الجيب . ومن أجل تاريخ هذا الباطل ، انظر مونتناري ، 1996 .
3 . راجع شذرات ما بعد الوفاة 11 [313 ـ 312 ـ 311 ـ 308 ] لسنة 1881 ، الموجودة بالصفحات 126 ، 128 ، 130 من دفتر 1 III M . أقتبس من الطبعة النقدية التي أنجزها كوللي ومونتناري ( نيتشه ، 1996 والتي تليها . ) مستعملا الترجمات الفرنسية المنشورة في غاليمار ، لافون Laffont) ) ، المكتبة الفرنسية العامة ولدى فلاماريون ( نيتشه ، 1968 ، 1993 ، 1983 ، 1997 ) وعاملا على إدخال التغيير على تلك الترجمات اعتمادا على الأصول الألمانية عندما أرى أن ذلك ضروريا . خلافا للاستعمال الفرنسي الذي يحيل على ترقيم ترجمة غاليمار ، ألجأ من أجل الإشارة إلى شذرات بعد الوفاة لنيتشه إلى كلمة موجزة FP) ( متبوعة برقم المجموعة ، رقم الشذرة بين معقوفين وسنة التحرير ( مثلا : FP) ( 11 [125] 1881 ) . الشيء الذي يسوغ بتجديد الشذرة بطريقة بسيطة وبدون غموض ، في النص الأصلي الألماني في كل ترجمة أيضا .
4 . Johannes Gustav Vogt , Die Kraft . Eine real – monistiche weltanschauung . Erstes Buch . Die Contrakionsenergie , die letztursachliche mechanische wirkungsforin des weltsubstrates , Leipzig , haupt et Tischler, 1878 , 655 p . يوجد الاقتباس بالصفحة 20 ، فرضية وجود Conraktionsenergie) ( مفصل فيها بالصفحات 21 ، 26 و 27 ) ؛ توجد نسخة نيتشه محفوظة بمكتبة هيرزوغين أنا أماليا في فيمار Anna Amalia ( الجانب c 411 )وكون أن نيتشه كان يملك هذا الكتاب بسلس ماريا أثناء صيف 1881 ، حتى أتته فكرة العود الأبدي ، وهو ما تشهد به أيضا رسالته إلى فرانز أوفيربيك (Franz Overbeck) بتاريخ 20 ـ 21 لغشت ، حيث طلب الفيلسوف من صديقه أن يبعث بعدد معين من الكتب ومن بينها كتاب فوغت . واصل نيتشه حواره مع فوغت في ال [3] FP2لسنتي 1883 ـ 1884 .
5 . نيتشه ، [311] 11 FP لسنة 1881 .
6 . دولوز ، 1962 ، ص : 55 ، انظر أيضا دولوز ، 1967 ، : 284 : " كذلك فإن مسودات 1881 ـ 1882 تتعارض على نحو أدق وبشكل لا يترك مجالا للشك مع الفرضية الدورية " ومع دولوز ، 1968 ، ص : 382 : " كيف نصدق أنه يفهم العود الأبدي مثل دورة ، وهو الذي يعارض فرضيت"ـه " كل فرضية دورية ؟ " .
7 . كان ينبغي على تلك الملاحظات تحذير الفلاسفة الذين كانوا يعتزمون تشييد تفسيراتهم الخاصة لنيتشه على إرادة القوة ، كما قام بذلك ، وحتى فترة حديثة جدا ، غالبية المفسرين الفرنسيين . ففي النص الذي ذيلت به مونتناري ، 1996 ، أشرت أيضا أنه حتى التأويل الدولوزي لمفهوم إرادة القوة ، الذي يرتكز تماما على شذرة أخرى بعد وفاة نيتشه متضمنا خطأ فادحا في القراءة ، هو تبعا للتدوين الصحيح للمخطوطات يصعب الدفاع عنه من الآن فصاعدا ، لاسيما فيما يتعلق بمفهوم المفتاح " إرادة داخلية " . ففي [كتابه] نيتشه والفلسفة ، يوضح دولوز : " إنه نص من النصوص التي هي غاية في الأهمية الذي كتبه نيتشه ليفسر ما كان يقصد به الإرادة هو على التالي : " إن هذا النص الظافر للقوة ، والذي بفضله تمكن علماء الفيزياء من ابتكار الإله والكون ، هو في حاجة إلى تكملة ، ينبغي منحه إرادة داخلية [ التشديد من دولوز ] الذي سوف أسميه إرادة القوة " . تعزى إرادة القوة إذن إلى القوة ، لكن بطريقة خاصة جدا : إنها في نفس الوقت مكمل للقوة وشيء داخلي . [...] تنضاف إرادة القوة إذن إلى القوة ، لكن مثل العنصر التفاضلي والتكويني ، مثل العنصر الداخلي لإنتاجها " ( دولوز ، 1962 ، ص : 56 ـ 57 ) . غير أنه في مخطوط نيتشه ، لم تتم قراءة (innere Wille) (إرادة داخلية) بل innere Welt) ( ( عالم داخلي ) . لا يمكن إطلاقا التأكيد بأن إرادة القوة هي " في ذات الوقت مكمل للقوة وشيء داخلي " ، أيضا لأن ذلك سوف يعيد إنتاج ثنائية سعت فلسفة نيتشه إلى التخلص منها مهما كلفها ذلك من ثمن . وبالفعل ، من وجهة نظر فلسفية ، لقد سبق لولفغانغ مولر ـ لوتر (Wolfgang Muller- Lauter) أن بين على أن المقطع الذي اعتمد عليه دولوز كان يبدو فيه شبهة بما أنه كان يناقض عددا كبيرا من النصوص الأخرى لنيتشه ( انظر مولر ـ لوتر ، 1974 ، ص : 35 ، ترجمة فرنسية في مولر ـ لوتر ، 1998 ، ص : 76 ) . إن إعادة قراءة المخطوطات بمناسبة الطبعة النقدية لكوللي مونتناري أيد هذا التحليل من وجهة نظر فيلولوجية ( دولوز أورد دولوز ترقيم Wurzbach) ( ، الكتاب II ، § 309 ، وهو ما تم نشره كشذرة ما بعد الوفاة 36 [31] لشهري يونيو ـ يوليوز 1885 في الطبعة النقدية كوللي مونتناري ؛ إن تلك الشذرة بحسب ولفغانغ مولر لوتر لا تشكل أي مشكل للقراءة ولن يتعلق الأمر بخطإ من هذا النوع ، بل بتصحيح واع لبترغاست ، انظر مولر لوتر ، 1995 ، ص : 258 ) ومن أجل إكمال الإطار ، يفسر دولوز تصوره ( خاطئ لسوء الحظ ) للعود الأبدي استنادا إلى تصوره ( الخاطئ أيضا ) لإرادة القوة : " إن هذا ما يجعلنا لا نستطيع فهم العود الأبدي ذاته إلا مثل تعبير للمبدإ الذي هو برهان المختلف وإعادة إنتاجه ، الاختلاف والتكرار . إن مثل هذا المبدإ يقدمه نيتشه كواحد من أهم اكتشافات الفلسفة . مانحا إياه اسم : إرادة القوة " ( دولوز ، 1962 ، ص : 55 ) .
8 . دولوز ، 1967 ، ص : 285 ؛ دولوز ، 1965 ، ص : 37 ؛ دولوز ، 1962 ، ص : 80 ؛ دولوز ، 1965 ، ص : 38 ـ 40 .
9 . انظر بروزوتي Brusotti) ( ، 1992 ، ص : 83 ، 102 ، 103 ؛ دولوز ، 1992 ، ص : 46 ـ 47 وفي مواضيع مختلفة .
10 . سوف يكون بالإمكان التأكد أولا بأن دولوز امتلك بحدس ثاقب بعنونة كتابه نيتشه والفلسفة . وبالفعل فإن الأمر لا يتعلق ب" فلسفة نيتشه " : بل يتعلق الأمر ب"نيتشه وفلسفة دولوز " أو ب" دولوز وفلسفة نيتشه " وهو ما يشكل موضوع هذا البحث . ولإلقاء نظرة سوسيولوجية على تفسير دولوز في سياق الفلسفة الفرنسية في الستينات نحيل على صفحة لوي بينتو Louis Pinto) ( : " إن ابتكار طريق جديد ، لارتجال أكثر منه من شيء مدروس ، لم يكن واضحا ولا سهلا . وبالنسبة لمن كان متخصصا وخصوصا في شرح التقليد العالِم ، فإن عطفة المؤلفين كانت إلى حد ما محتومة ، على أن البعض منهم كانوا متوفقين في التجديد . لعدم وجود جرأة لتقديم نفسه كمبدع ، كان ينبغي تمييز المؤلف يمكن من خلاله أن يكون التجديد مضمونا على وجه مقبول . إن اكتشاف مفكر جديد كان مشروعا جسورا يستلزم ثقة كافية ، التفسير الأصلي ، خلاقا أو مجددا حول فلسفة مكرسة كان يبدو في الأصل سهل المنال على مؤلف شاب " ( بينيتو ، 1995 ، ص : 161 ) .
11 . دولوز ، 1962 ، ص : 225 .
12 . نيتشه ، أفول الأصنام ، " تسكعات رجل غير موافق للعصر " ، رقم المقطع 49 .
13 . إن إعادة البناء الأكثر تفصيلا والأكر أهمية لتقديم العود الأبدي في زرادشت توجد في الكتاب الممتع لماركو بريزوتي Marco Brusotti) ( ( بريزوتي ، 1997 ) . إن الحيز المكاني لهذا العمل لا يسمح لي بالانخراط في حوار مع هذا التفسير الموسوعي ، المدهش والمقنع في مجمله .
14 . دروس شوبنهاور ، 1818 ، مقطع 3 ، 63 ، 71 .
15 . ففي تلك الدروس حول الفلاسفة ما قبل الأفلاطونيين وفي المكتوب ما بعد الوفاة الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي ( مقطع 4 ) ، لقد شدد نيتشه تحديدا على مظهر فلسفة انكسماندر مع تقريبه إلى شوبنهاور ( انظر : نيتشه ، 1994 ، الصفحات 22 ، 118 ، 123 ، والملاحظة 44 من الصفحة 300 ) .
16 . نيتشه ، مقطع FP 10 [44] و 16 [3] 1883 .
17 . إن الاختلاف بين العود الأبدي لنيتشه والنظريات الدورية للأزمنة التي أنشئت منذ العصور القديمة يوجد بالضبط في المعنى الجديد الذي يتخذه هذا المذهب لدى نيتشه اعتباره أداة في مصلحة اختزال القيم العدمية للوجود ، بل [في مصلحة] إثبات غاية في الأهمية . فحتى وإن كانت معرفته سابقة بهذا المذهب ، في أثناء صيف 1881 بسلس ماريا فقد فهم نيتشه للمرة الأولى أنه [المذهب] لم يكن مصحوبا بالضرورة باختزال للقيم ورفض ما هو عابر ، ثم إن العودة كان بإمكانها تصحيح القيمة بالنسبة لما كان يبدو زائلا . بعد الكشف عن هذا المعنى الجديد للعودة ، كتب نيتشه في واحد من دفاتره ، محيلا على " لا جديد تحت الشمس " من سفر الجامعة في نص مارك أوريل Marc Auréle) ( : " يبرز هذا الإمبراطور الطبيعة المؤقتة لكل الأشياء كي لا يوليها كبير أهمية ويظل هادئا . يؤثر في ما هو عابر بشكل مختلف ـ يبدو لي أن كل الأشياء لها الكثير من القيمة من أجل الحكم عليها بأنها هاربة جدا ـ إنه بالنسبة إلي مثلما يتم سكب الخمور والمراهم الثمينة في البحر " ( شذرة 12 [145] 1881 ) . وبعد بضعة سنين ، دون هذه الشذرة في دفتر ، مضيفا جملة موحية : " و عزائي هو في كل ما كان أبديا : ـ يعيده البحر إلى السطح " ( مقطع 11 [94] 1887 ـ 1888 ) .
18 . انظر المقاطع 29 [97] ، 29 [98] ، 30 [2] من سنتي 1873 ـ 1874 .
19 . موريس فيومبيرغ Maurice Wymbergh) ( ، معلقا على هذا المقطع لزرادشت ، حتى أنه كتب " كل مذهب العود الأبدي هو آلة حرب ، ترياق ضد الفكرة التي تعبر عن البيت الأخير المثير للإعجاب لقصيدة [ليوباردي ] : " é funestro a chi nasce il dio natale " ( فيومبيرغ ، 1977 ، : 102 ) .
20 . يتحدث دولوز باستمرار عن عرضين للعود الأبدي في زرادشت ، انظر ، دولوز ، 1965 ، ص : 38 ، 39 ؛ 1967 ، ص : 276 ، 283 ، 1968 ؛ ص : 380 : " تخبرنا حالة نصوص زرادشت أن مسألة العود الأبدي تم طرحها مرتين ، لكن كحقيقة ظلت على الدوام بدون جواب ولم يعبر عنها : حينما القزم ، يتكلم المهرج (III ، " عن الرؤيا واللغز " ) ؛ مرة أخرى لما تتكلم الحيوانات (III ، " الناقه " ) " .
21 . شوبنهاور ، Parerga und Paraliponena) ( ، II ، الفصلXXX : Uber Larm und Gerausch)) انظر كذلك من بين مسودات نيتشه بالنسبة لفصل زرادشت : " ضد الضوضاء ـ ضرب الأفكار حتى الموت " ( مقطع 22 [5] لسنة 1883 ) . لقد تم استعمال هذا المؤشر النصي من قبل نيتشه في واحدة من المحاضرات حول مستقبل مؤسساتنا التعليمية : " يلتفت الأصغر نحونا : " عليكم أن تعلموا أنه في الحالة الراهنة أن تسلياتكم المتفجرة هي محاولة اغتيال تستهدف الفلسفة " ، و ، في اتجاه معاكس ، سوف نعثر عليها في الجزء الثالث من زرادشت ، " عن الفضيلة المصغرة " ؛ " هذا هو الصمت الذي تعلمته : إن ضجيجهم من حولي يبسط معطفا على أفكاري " .
22 . شوبنهاور ، 1842 ، رمز المقطع 59 ، ص : 339 والفصل الثاني عشر ، ص : 275 . غالبا ما تم استعمال تلك الصورة كسمة أخيرة للتشاؤم والعدمية . نعثر عليها على سبيل المثال لدى ليوباردي ، في العمل الأخلاقي الصغير حوار العابر وتاجر التقويمات : " العابر ـ ألا ترغب في بعث العشرين سنة ، وحتى أن كل الوقت مر منذ نشأتك ؟ التاجر . ـ إيه ! سيدي العزيز ، إنشاء الإله فقد كان ذلك ممكنا ! العابر . ـ فحتى لو أنك عشت من جديد تلك الحياة كما عشتها من قبل ، دون أدنى فرق ، مع نفس الأفراح والمشاق بالضبط ؟ التاجر . ـ هذا ؟ لا شيء البتة ! العابر . ـ لكن ما هي الحياة الأخرى التي تنشد بعثها ؟ حياتي ، حياة الأمير ، حياة شخص آخر إذن ؟ ألا تعتقد أن الأمير ، أنا أو أي شخص ، سوف لن نجيب مثلك على هذا السؤال ؟ ، وأنه يجب أن نعيش نفس الحياة ، فإن لا أحد يطمح إلى الرجوع إلى الوراء ؟ التاجر . ـ أعتقد ذلك جيدا . العابر . ـ وأنت أيضا ، لن تتراجع إلى الوراء إذا كنت لا تستطيع فعل ذلك في ظل هذه الشروط ؟ التاجر . ـ بالتأكيد لا ، سيدي " ( انظر ليوباردي ، 1993 ، ص : 228 وما يليها ، ترجمة منقحة ) . من قرن إلى آخر ، من النزعة التشاؤمية للقرن الثامن عشر إلى أدب انحطاط القرن التاسع عشر ، سوف يعثر نيتشه على هذا النمط من البرهنة لدى مؤلفين آخرين ، و ، على سبيل المثال ، ففي نسخته لمذكرات غونكور سوف يشدد على هذا المقطع الذي يوجد تاريخ فاتح ماي 1864 : " لا يوجد امرؤ يطمح إلى عيش حياته مرة ثانية . بالكاد نعثر على امرأة تطمح إلى أن تعيش أعوامها الثمانية عشر من جديد . هذا هو حكم الحياة " ( انظر غونكور ، 1887 ، : 193 ؛ لقد تم الاحتفاظ بنسخة نيتشه ، التي تم التشديد فيها على تلك الفقرة ، بها في مكتبة الدوقة هيرزوغينا أنا أماليا بفيمار ، رقم الكتاب (س c550 ـ a ).
23 . إن حقيقة أن الرجل الأكثر ذمامة يمثل المعنى التاريخي ( وقاتل الإله )تؤكده مسودات الكتاب الرابع لزرادشت : " إن الرجل الأكثر ذمامة ، في حاجة إلى أن يقدم ديكورا ( معنى تاريخي ) باحثا باستمرار عن لباس جديد : إنه يرغب في جعل مظهره محتملا وفي آخر المطاف يختار عزلته كي لا يُرى ـ إنه يشعر بالخجل " ( مقطع 31 [10] 1884 ـ 1885 ) .
24 . العلم المرح ، كلمة جامعة 337 . بما أن عددا كبيرا من المفسرين ، ( بالنسبة للأغلبية طبقا لمارتن هايديغر ) يعتبرون فائدة وأضرار التاريخ بالنسبة للحياة مثل نص أساسي من أجل فهم القصور النيتشوي للزمن ، ليس من غير المجدي من تكرار أن الأمر يتعلق هنا بنص ينتمي إلى المرحلة الأولى من فلسفة نيتشه ( حسب التفريع الذي رسمه مازينو مونتناري في بداية رسالته Nietzsche contra Wagner) ( ؛ صيف 1878 " ، الموجود بنفس الدفتر ) . وباعتبارها كذلك ، فإن [الكتاب] الثاني لاعتبارات في غير أوانها ، يتضمن تصورات تخلى عنها نيتشه على التوالي والتي ، وحتى في الفترة ذاتها التي ابتكرها فيها ، لا يصدقها . بهذه الطريقة ، من خلال نظرة استعادية لعام 1883 ، كتب نيتشه أنه " خلف حقيقتي الأولى ، يوجد وجه اليسوعانية Jésuitisme) ( الذي يقطب : أرغب في القول ، التشبت عن وعي بالوهم ، ثم إدماجه بطريقة مقنعة كقاعدة للثقافة " ( مقطع 16 [23] لعام 1883 ) ، أعني إثبات ما لا يتم تصديقه بهدف إعداد مجئ ثقافة جديدة مشيدة بدورها على الوهم والكذبة الجميلة لفن فاغنر . إن ولادة التراجيديا واعتبارات في غير أوانها متأثرة بثيمات فاغنرية وعلى سبيل المثال ، فإن مفهوم ال" التاريخ العظيم " هو نظير لمفهوم العمل الفني المثالي أو العظيم مثلما عبر ريشار فاغنر في كتاب تواصل مع أصدقائي ( " العمل العظيم ، هو : العمل الفني الذي ، لا ينتمي لا إلى الزمان ولا إلى المكان ، ليس في حاجة إلى تقديمه من قبل أشخاص معينين ، ضمن شروط معينة وأمام أشخاص محددين كي يتم فهمه [ العمل الفني ] ، ـ إنه مسخ مثالي ، خيال ظل صيني للخيال الاستتيقي الجامح " ، فاغنر ، 1910 ، ص : 7 ـ 8 . ضد العمل الفني التذكاري ، الذي يعتبر ابتكارا للعلماء الإسكندرانيين العظام الذين جاؤوا بعد موت الفن الإغريقي ، وضد الموضة ، التي لا تشبع حاجة الإنسان الحقيقية " ، عمل فاغنر على البحث مجددا عن فن حي ، " يتعارض بحق ، عبر خاصيته ، مع العمل الفني التذكاري الذي يتصوره ، مثلما يتعارض الإنسان الحي مع تمثال الرخام " ، فاغنر ، 1910 ، ص : 11 ) . هذا لا يمنع أنه حتى في أعمال المرحلة الفاغنرية توجد متفرقة هنا وهناك ، بطريقة متنافرة تماما نسبة إلى التسلسل الإقناعي المهيمن ، بعض التوقعات للثيمات والمفاهيم التي يتم تطويرها وإنضاجها فيما بعد ، بداخل الفلسفة الحقيقية لنيتشه ، تلك التي تبتدئ انطلاقا من [كتاب] إنسان مفرط في إنسانيته . فالفيلسوف الذي كان واعيا جدا أنه قام في شبابه ب" صناعة قنطورسات Centaures) ( " ، كتب في شذرة تعود لعام 1876 : " في اعتبارات في غير أوانها سمحت لنفسي ، هنا وهناك ، بترك نوافذ إغاثة " ( مقطع 17 [36] لسنة 1876 ) ، وهو ما أفهمه مثل تلميح إلى بعض الأفكار التي كانت تتموضع في السياق بخارج الدائرة الخطرة لأفكار مرحلته الفاغنيرية والتي انفتحت على مستقبل فلسفة نيتشه الحقيقية . إحدى نوافذ الإغاثة هو هذا المقطع من الفقرة الأولى من [كتاب] اعتبارات في غير أوانها حيث نيتشه ، قبل أن يبني التنظيم الإقناعي المهيمن الموجه نحو اللاتاريخي أو الفوتاريخي ، لقد كتب : " بقدرما تمتلك الطبيعة العميقة لفرد ما جذورا عميقة ، بقدرما تصبح حصة الماضي كبيرة التي سوف يستطيع تمثلها أو احتكارها ، ثم إن الطبيعة الأكثر تفوقا ، الأكثر روعة تتماهى مع ما سوف يكون بالنسبة لها بلا حدود حيث المعنى التاريخي يصبح مهيمنا ومؤذيا ؛ إن كل شيء مضى ، قريب أو بعيد ، سوف يقوم بجذبه ، بتمثله ثم يحوله على وجه التقريب إلى دمه الشخصي " ( حول " جيل القنطورسات " في المرحلة الأولى من فلسفة نيتشه انظر بورشيه Borsche) ( ، 1994 ) .
25 . مقطع 4 [81] و 5 [1] 205 لسنة 1882 ـ 1883 .
26 . 14 أغسطس 1882 ، بعد نشر المعرفة المرحة ، كتب نيتشه إلى بيتر غاست : " لقد احتفظت بربع المادة الأصلية ( لصالح أطروحة علمية ) " .
27 . علاوة على ذلك فقد كتب كل من كوللي ومونتناري بدقة أن نيتشه " احتفظ بالدفتر III M 1 طيلة الفترة الختامية لنشاطه الإبداعي " ( انظر كوللي / مونتناري ، 1972 ، ص : 60 ) . مما لا شك فيه أن الفيلسوف كان يمتلك هذا الدفتر بين يديه في خريف 1888 ، على أننا نعثر أيضا على أثار إعادة قراءته في سنة 1883 ، 1885 وأثناء ربيع 1888 . على سبيل المثال ، في الرسالة إلى بيتر غاست المؤرخة بتاريخ 3 شتنبر 1883 ، كتب نيتشه أنه عثر على المسودة الأولى للعود الأبدي ؛ في صيف 1885 قام بقراءة جديدة لهذا الدفتر تؤكده حقيقة أن مقطع 36 [15] لعام 1885 مستمدة من المقاطع 11 [292 ، 345] لعام 1881 ، مقطع 36 [23] لعام 1885 مقاطع 11 [150 ، 281] لعام 1881 ، مقطع 35 [53] لعام 1885 من مقطع 11 [70] لعام 1881 وهلم جرا . وأخيرا ، فإن الصياغة الإجمالية للمذهب في المقطع 14[188] لربيع 1888 مستمدة تماما من المخطوط III 1 .
28 . انظر كوللي / مونتناري ، 1972 ، ص : 59 ـ 60 .
29 . لقد عثرنا على الأقل على سطرين ثيمائيين آخرين ، مختلطين بالتأملات حول العود الأبدي . من جهة ، فإن رؤية العالم بوصفها تدفقا مستمرا لقوى تفتقد إلى هدف ، قوانين ، قواعد الصيرورة . الفوضى أو الطبيعة chaos sive natura) ( المدنسة والخالية من التجسيم التي تشكل ال" جوهر الأنطلوجي " لكل تأملات نيتشه . من جهة أخرى ، فإن مجموعة من الشذرات ذات ميزة أنثروبولوجية ـ اجتماعية ، ترسم مسارا تحرر يقود إلى ابتكار أفراد متفوقين عن طريق عن تحول عميق لبنيتهم الغريزية . إن العزلة والمقاومة الداخلية من أجل التحرر من التمثلات القديمة للعالم والقيم القطيعية المدمجة ، هي الوسائل التي بواسطتها يتم إنجاز هذا التحول . ولتحليل ذينك السطرين الثيمائيين ، أسمح لنفسي الإحالة على ديوريو D’iorio) ( ،1995 a ، ص : 233 ـ 322 .
30 . يتعلق الأمر بالصفحة 55 بحسب ترقيم نيتشه ، الصفحة 49 بحسب الترقيم الأرشيفي . إن الجزء المركزي لهذا النص تم نشره بواسطة دار نشر كوللي ـ مونتناري كشذرة بعد الوفاة 11 [142] لسنة 1881 ، ومع ذلك فإن البقية ، باعتبارها مسودة للقول المأثور 109 من كتاب المعرفة المرحة لم تنشر في شذرات ما بعد الوفاة لصيف 1881 ، لكن فقط في الآلة النقدية الألمانية للمعرفة المرحة (KSA vol . 14 , pp. 253 sq.) . إن الاختيار التحريري هنا يقوم على التفريق بين مسودات تمهيدية Vorsstufen) ( وشذرات ما بعد الوفاة Nachgelassene Fragmente) ( يبرز عدم كفايته كلها ؛ حول هذه الإشكالية انظر غرودايك Groddeck) ( ، 1991 .
31 . من أجل إعادة بناء تامة لهذا النقاش في مختلف مراحله ، أسمح لنفسي بالإحالة على ديوريو ، 1995 a ، الجزء الأول ، ص : 27 ـ 182 ـ و 365 ـ 371 .
32 . كتب هذا العمل بين 1864 و 1867 ، وقد شكل نجاحا استثنائيا كما أن مؤلفه ، الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الحين سبعا وعشرين سنة ، عرف شهرة غير متوقعة ؛ نشرت الطبعة الحادية عشرة عام 1904 وتضمنت لائحة من 103 عنوانا للكتب ، مقالات وتقارير تصب في صالحها ؛ الطبعة الثانية عشرة بتاريخ 1923 ( انظر (Weyembergh , 1977 , p. 4 et Gerratana, 1988 ,p. 391 ) . في سنة 1877 كتب د. نولن (D. Nolen) في بداية مقدمة الناشر الفرنسي : " إن نجاح الكتاب الذي سوف نقدم ترجمته الفرنسية للجمهور الفرنسي ، قد ينظر إليه ربما كأهم حدث فلسفي في أوروبا منذ عشر سنوات " ( هارتمان ، 1877 ، ص : 5 ) .
33 . انظر رقم المقطع 9 من [الكتاب] الثاني من اعتبارات في غير أوانها والمقطع 29 [52] لعام 1873 : " هارتمان يكتسي أهمية لأنه يغتال ، عبر انسجامه ، فكرة سيرورة العالم " .
34 . انظر طومسون Thomson) ( ، 1854 ، ص: 37 ، انظر أيضا طومسون ، 1852 .
35 . حول قراءة سابير Spir) ( في السنوات 1873 ، 1877 ، 1881 ، 1885 ، أسمح لنفسي بالإحالة على ديوريو ، 1993 . تجب الإشارة أنه في عمل كاسباري ، أنه بالإضافة إلى الكتب التي لم يطلع عليها والتي طلبها من أوفربيك ، كان بإمكان نيتشه العثور على الكتب المذكورة ومناقشة الفقرات الكوزمولوجية لبعض الكتب التي انكب عليها سابقا ، على سبيل المثال أعمال ستراوس ، هارتمان ، دوهرينغ ، زوللنر Zollner) ( . لو أضفنا إلى تلك الكتب عمل بروكتور Proctor) ( ، وجهة نظرنا في الكون ، ميكانيكا الحرارة لمايير Mayer) ( ، ودرس الفلسفة لدوهرينغ ، فإننا نستطيع تكوين فكرة عن الثيمات والمخاطبين الذين معهم تحدث نيتشه طيلة النزهات مشيا على الأقدام قريبا من بحيرة سلس ماريا والمساء ، في بيته ، في ظل هدوء المكان الأكثر سحرا ، في وسط " أنشودة رعوية أبدية " انظر شذرات ما بعد الوفاة 11 [24] لعام 1881 ، الرسائل إلى غاست بتاريخ 10 و 16 أبريل 1881 ، رسالة إلى إليزابيث نيتشه بتاريخ 7 يوليوز 1881 ورسالة إلى غاست بتاريخ 8 يوليوز 1881 ) .
36 . تم نشر الشذرة الأولى المذكورة فقط في الجهاز النقدي الألماني في المعرفة المرحة (KSA vol . 14 , p . 253 ) ، الشذرة الأخرى هي المقطع 11[265] لسنة 1881 . إن إسناد الحالات الداخلية ومعنى الحفاظ الذاتي للذرات يعتبر أحد أسس فلسفة كاسباري . وقد كان ذلك منتشرا جدا ، في تلك الفترة ، على سبيل المثال لا الحصر لدى زوللنر ، فيشنر Fechner) ( ، فيسك Fick) ( . انظر كاسباري (1881 ) ، وسوف يوجد فقط على الصفحات 126 ـ 127 ـ 287 ، 344 ، 347 ، 422 ، 441 . وقد كتب نيتشه ، ابتداء من المقطع 11[108] ، شذرة سابقة على فكرة العود ، بطريقة بليغة ، محيلا على وجه الاحتمال على كاسباري : " لا وجود لغريزة الحفاظ الذاتي ! " .
37 . انظر من بين المقاطع الأخرى المقطع 11[201 ، 202] 1881 الذي سنحت لنا فرصة الإشارة إليه والمسودة الأخرى للحكمة 109 من المعرفة المرحة في الصفحة 18 للمخطوط III 1 (المنشور بKSA ، مجلد . 14 ، ص : 254 ) . بخصوص الانسجام النصي ، يبدو لنا أنه من الأفيد التأكيد أنه في المقطع 11[148] ، التقديم الأول للعود الأبدي الذي تتبع المسودة الأولى ، والتحرير الأولي للمثل الشهير 341 من المعرفة المرحة ، استعاد نيتشه عنوان كتاب كاسباري : " وماذا بعد ذلك سوف ترى عاثرا على كل ألم وكل لذة ، كل صديق وكل عدو ، كل أمل وكل زلة ، كل قشة عشب وكل شعاع شمسي ، التسلسل الكامل لكل الأشياء (den ganzen Zusamnenhang aller Dinge) " .
38 . في المخطوط ، فقد تقدم هذه الشذرة شذرة بعد الوفاة 11[265] لسنة 1881 ، التي أشرنا إليها أعلاه .
39 . إن استعمال عبارة herzlos) ( يتكرر كثيرا عند كاسباري ( خمس مرات في الصفحة 287 ، مرتان في الصفحة 288 ، ثم في الصفحة 445 ، إلخ . ) ، في الصفحتين 287 ـ 288 نعثر أيضا على أربع مرات على عبارة متوحش gefuhllos) ( ، ثلاث مرات على عديم القيمة Werhlos) (وعلى شعور نبيل edle Gefuhl) (في الصفحة 287 .
* باولو ديوريو Paolo D’Iorio) ( : فيلسوف وفقيه لغة إيطالي . يشغل مديرا للبحث بمركز البحث العلمي ، كما يسير معهد النصوص والمخطوطات الحديثة للمدرسة العليا للأساتذة . متخص في أعمال نيتشه الفيلولوجية ؛ مسؤول عن الطبعة النقدية الرقمية للأعمال الكاملة ومخطوطات نيتشه . La Digitale Kritische Gesaumttausgabe Werke und Briefe( ekGWB)
ـ مصدر النص : مجلة Les Cahiers de L’Herne ) ( ، عدد خاص بنيتشه ، تحت إشراف قسطنطين تاكو Costantin Tacou ) ( دار نشر إرنا سنة 2000 . وقام بالإشراف على هذا الدفتر السيد مارك كريبون Marc Crépon) (.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شرق أوسط جديد.. مفاجآت قد تغير مصير فلسطين ولبنان


.. أضرار جراء سقوط صواريخ أطلقت من لبنان على قرية ترشيحا شمال ع




.. تعرف إلى صاروخ -المقادمة- الذي قصفت به القسام تل أبيب


.. مشاهد من داخل طائرة في بن غوريون تزامنا مع إطلاق صاروخ من ال




.. -تاجر الموت- فكتور بوت يعود كوسيط لتزويد الحوثيين بالأسلحة و