الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما کذب الفؤاد ما رأی (قرآن كريم)

راندا شوقى الحمامصى

2019 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هو الأبهی
الحمد للّه الّذی أشرق علی الفؤاد بنور الرشاد و نوّر القلوب بسطوع آيات القدس بکلّ روح و سداد و هدی المخلصين الی معين العرفان ببّينات ظهرت فی حقيقة الآيات و الکلمات و أخرج الطالبين الی عالم النور من بحبوحة الظلمات و الصلاة و التحيّة و الثناء الساطع من زجاجة القلب المقدّس الطافح بالبشارات و نزل الروح الامين علی فؤاده بالآيات المحکمات و آله الطيّبين الطاهرين أولی البراهين و الحجج البالغة بين الممکنات و وسائط فيض الحقّ بين الموجودات فاعلم ايّها الواقف فی صراط اللّه المتوجّه الی اللّه و المقتبس من أنوار معرفة اللّه بانّ الآية المبارکة الّتی نزلت فی الفرقان بصحيح القرآن قوله تعالی "ما کذب الفؤاد ما رأی" لها سرّ مکنون و رمز مصون و حقيقة لامعة و شؤون جامعة و بيّنات واضحة و حجّة بالغة علی من فی الوجود من الرکع السجود و نحتاج فی بيان حقيقتها لبثّ تفاصيل من موازين الادراک عند القوم و شرحها و دحضها حتّی يظهر و يتحقّق بالعيان انّ الميزان الالهی هو الفؤاد و منبع الرشاد فاعلم بانّ عند القوم من جميع الطوائف أربعة موازين يزِنون بها الحقائق و المعانی و المسائل الالهيّة و کلّها ناقصة لا تروی الغليل و لا تشفی العليل. و لنذکر کلّ واحدة منها و نبيّن نقصه و عدم صدقه فأوّل الموازين ميزان الحسّ و هذا ميزان جمهور فلاسفة الافرنج فی هذا العصر و يقولون بأنّه ميزان تامّ کامل فاذا حکم به بشیء فليس فيه شبهة و ارتياب. و الحال انّ دليل نقص هذا الميزان واضح کالشمس فی رابعة النهار فانّک اذا نظرت الی السراب تراه ماء عذباً و شراب و اذا نظرت الی المرايا تری فيها صوراً تتيقّن بانّها محققّة الوجود و الحال انّها معدومة الحقيقة بل هی انعکاسات فی الزجاجات و اذا نظرت الی النقطة الجوّالة فی الظلمات ظننتها دائرة أو خطّاً ممتدّاً و الحال انّها ليس لها وجود بل يتراءی للابصار و اذا نظرت الی السماء و نجومها الزاهرة رأيت انّها اجرام صغيرة و الحال انّ کلّ واحد منها توازی أمثال و اضعاف کرة الأرض بآلاف و تری الظلّ ساکناً و الحال انّه متحرّک و الشعاع مستمرّاً و الحال انّه منقطع و الأرض بسيطة مستوية و الحال انّها کرويّة. فاذا ثبت بانّ الحسّ الّذی هو القوّة الباصرة حال کونها أقوی القوی الحسّيّة ناقصة الميزان مختلّة البرهان فکيف يعتمد عليها فی عرفان الحقائق الالهيّة و الآثار الرحمانيّة و الشؤون الکونيّة و امّا الميزان الثانی الّذی اعتمد عليه أهل الاشراق و الحکماء المشّاؤن هو الميزان العقلی و هکذا سائر طوائف الفلاسفة الاولی فی القرون الأوّليّة و الوسطی و اعتمدوا عليه و قالوا ما حکم به العقل فهو الثابت الواضح المبرهن الّذی لا ريب فيه و لا شکّ و لا شبهة أصلاً و قطعاً. فهؤلاء الطوائف کلّهم اجمعون حال کونهم اعتمدوا علی الميزان العقلی قد اختلفوا فی جميع المسائل و تشتّت آرائهم فی کلّ الحقائق. فلو کان الميزان العقلی هو الميزان العادل الصادق المتين لما اختلفوا فی الحقائق و المسائل و ما تشتّتت آراء الأوائل و الأواخر. فبسبب اختلافهم و تباينهم ثبت انّ الميزان العقلی ليس بکامل فانّنا اذا تصوّرنا ميزاناً تامّاً لو وزنت مائة ألف نسمة ثقلاً لاتّفقوا فی الکميّة فعدم اتّفاقهم برهان کاف واف علی اختلال الميزان العقلی ثالثة الميزان النقلی و هذا أيضاً مختلّ فلا يقدر الانسان ان يعتمد عليه لانّ العقل هو المدرک للنقل و موزن ميزانه. فاذا کان الاصل ميزان العقل مختلّاً فکيف يمکن ان موزونه النقلی يوافق الحقيقة و يفيد اليقين و انّ هذا أمر واضح مبين و أمّا الميزان الرابع فهو ميزان الإلهام فالإلهام هو عبارة عن خطورات قلبيّة و الوساوس الشيطانيّة هی أيضاً خطورات تتابع علی القلب من واردات نفسيّة. فاذا خطر بقلب أحد معنی من المعانی أو مسألة من المسائل فمن أين يعلم انّها إلهامات رحمانيّة فلعلّها وساوس شيطانيّة. فاذا ثبت بأنّ الموازين الموجودة بين القوم کلّها مختلّة يعتمد عليها فی الإدراکات بل اضغاث أحلام و ظنون و أوهام لا يروی الظمآن و لا يغنی الطالب للعرفان و أمّا الميزان الحقيقی الالهی الّذی لا يختلّ أبداً و لا ينفکّ يدرک الحقائق الکلّيّة و المعانی العظيمة فهو ميزان الفؤاد الّذی ذکره اللّه فی الآية المبارکة لأنّه من تجلّيات سطوع أنوار الفيض الالهی و السرّ الرحمانی و الظهور الوجدانی و الرمز الربّانی و انّه لفيض قديم و نور مبين و جود عظيم. فاذا أنعم اللّه به علی أحد من أصفيائه و أفاض علی الموقنين من احبّائه عند ذلک يصل الی المقام الّذی قال علی عليه السلام "لو کشف الغطاء ما ازددت يقيناً" لانّ النظر و الاستدلال فی غاية الدرجة من الضعف و الادراک فانّ النتيجة منوطة بمقتضيات الصغری و الکبری فمهما جعلت الصغری و الکبری ينتجّ منهما نتيجة لا يمکن الإعتماد عليها حيث اختلفت آراء الحکماء. فاذاً يا ايّها المتوجّه الی اللّه طهّر الفؤاد عن کلّ شؤون مانعة عن السداد فی حقيقة الرشاد و زن کلّ المسائل الالهيّة بهذا الميزان العادل الصادق العظيم الّذی بينّه اللّه فی القرآن الحکيم و النبأ العظيم لتشرب من عين اليقين و تتمتّع بحقّ اليقين و تهتدی الی الصراط المستقيم و تسلک فی المنهج القويم و الحمد للّه ربّ العالمين.
حضرة عبدالبهاء : مكاتيب حضرة عبدالبهاء المجلد الأول، ص: 109








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24