الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنسألْ...بحثا عن مخرج

علي الظاهري

2019 / 10 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


رحل الفيلسوف الألماني "ايمانويل كانط" سنة 1804، ولا زالت أسئلته حاضرة بيننا، ومؤثرة. أسئلة، وإن طُرِحت في سياق زمنيٍّ، غير زمننا، وفي بيئة غير بيئتنا، وفي مناخ غير مناخنا، فهي تعود آنية-راهنة. تدعونا للتأمل في ذواتنا وكينونتنا، وفي واقعنا المعيش بكلّ أبعاده. أسئلة، ما أحوجنا إليها، في كل وقت، وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات.
هي ذاتية وجماعية، في آن معا.
1- ما الذي يمكنني معرفته؟
2- ما الذي يجب علي فعله؟
3- ما الذي يمكنني أن آمل؟
4- ما الإنسان؟
هذه الأسئلة، كانت بالفعل منطلقا لتنوير حقيقي، ونهضة غربية، وحداثة معيشة ملموسة. ألمانيا – كانط، فرنسا – ديكارت، وغيرهم كثر: ماركس، هيقل، نيتشة، فيبر، فيخته، هيديقار، التوسير، فوكو، رورسو، جيل دولوز...استطاعوا أن يُقدّموا الكثير لأوروبا وللإنسانية قاطبة...استطاعوا، لأنّهم فكّروا وتساءلوا وشكّوا... انطلقوا من السؤال، فأسئلة متتالية...
لم نكن، نحن، العرب والمسلمون، في زمن مضى، بعيدا عن منطق الحكمة والسؤال، وحُبّهما... نفتخر بأعلام كالغزالي وابن رشد وابن خلدون وابن سينا وابن الهيثم والفرابي وابن باجة، ومحمد عبده، والأفغاني، ومالك بن نبي، وكثيرون... استطاعوا، هم، أيضا، أن يصلوا إلى أصقاع الدنيا، ويُؤثروا أيّما تأثير في الفكر الغربي، والإنساني عموما...لا لشيء إلاّ كونهم، مثل نظرائهم، في الغرب، لم يكونوا دغمائيين، بل كان السؤال طريقهم إلى الحقيقة والحرية، منهم من مات كمدا، ومنهم من قتل ظلما، ومنهم من أحرقت كتبه. مِحنُهم كبيرة... ولم نقدّرهم حقّ قدرهم...
آنئذ، هل نحتاج العودة إلى الماضي؟ أم نمضي قدما ؟ هل فهمنا ماضينا؟ وقرأناه بما يكفي؟ وبما يقتضيه المستقبل؟ هل فكّرنا في المستقبل بعمق؟ هل لدينا وعي عميق بذواتنا؟ وبمحيطنا؟ وبالآخر مهما كان نوعه؟ هل نحن على هامش التاريخ؟ أم نحن فاعلون فيه؟ أين نحن من الحداثة؟ هل نحياها فكرا وعقلا ومعرفة وسلوكا؟ أم نحن في الوهم غارقون؟
ها نحن، كما اعتقد، عود على بدء...لازلنا ندور في حلقة مفرغة، بل الأصحّ، ندور في حلقة ممتلئة أضدادا...نقول الشيء ونأتي بضدّه...نسترجع حياة في قرون غابرة، ونُحلّق في وهم جديد باسم الحداثة، ونحن عنها غرباء. نمشي مع التيار وضده... نُصارِع ثنائيات لم نفكّ أسرنا منها: تراث - حداثة، أصالة- معاصرة الأنا - الآخر... ثنائيات، تضعنا في دائرة الوهم والديماغوجيا، أكثر ممّا تُنير طريقنا. تلبسنا وتبعدنا عن حقيقة ما يجب علينا فعله حقيقة... هل الحقيقة مطلوبة لذاتها؟ أم لأجلنا؟ لأجلنا لكي نحيا حياة كريمة، ونبتغي من وراءها السعادة لأنفسنا ولبني جلدتنا.
حقيقة، تضعنا في دائرة الوهم، إذا بُنيت على وثوقية مطلقة. الحقيقة، التي تشيّؤنا بوثوقية عمياء، تضعنا في خانة الشيء المُشيّئ. الشيء، الذي يُراد له أن يظل بلا معنى ولا قيمة. حقيقة، تضعنا في دائرة المحدودية، وتحدّ من تفكيرنا وآمالنا، ومن وجودنا أيضا. تُنهينا إلى إنسان ذو بعد واحد بلغة ماركيز. إنسان لا يفكر ولا يحس ولا يتأمل ولا يطمح.إنسان، لا يقول لا برأي آلان. فأيّ معنى بعدئذ، لحياتنا، في دوام الرأي الواحد، والفكر الواحد، والنهج الواحد...وبالأخير الموت الواحد أو "الموت بالحياة".
لا نغالي، إن قلنا نحن في زمن، إمّا أن نكون أو لا نكون. أن نكون، بعيدا عن منطق الاستسلام، والتفاهة، والدغمائية، ونجعل من السؤال طريقنا إلى الحق والحقيقة والحرية. أن لا نكون، هو أن نبقى حيث يُراد لنا، في زمن رأسمالي متوحّش. زمن، يعلن بوضوح قيم الربح والمادة ويعليها على كل القيم...
نحن في دائرته- الرأسمالي المتوحّش- سلع، وسلع تُباع وتُشترى بأتفه الأثمان. نحن في الواقع إزاء خيارين، في عالم تصّاعد فيه الشعبوية وتتصاعد. وفي عالم مواز ينشد حريته بكرامة وبتحدّ. بات من الواضح، أننا إزاء عالم، أولويته مادية، ولم تكن القيم الإنسانية الفضلى لتعنيه. عالمان متصارعان، ونحن في الحقيقة في أسفلهما، وفي أفضل الأحوال على هامشهما. نحن العرب، وكثير من الشعوب المظطهدة من حولنا، في إفريقيا وآسيا، فرّطنا في مقوّمات وجودنا، وأسئلة خلاصنا. ركبنا القضايا الكبرى وهما وزيفا وبهتانا. اعتقدنا في الحضارة والبطولات الكبرى والتاريخ المجيد. عشنا على أحلام الماضي، وترهاته أيضا. ظننا أنفسنا مالكي الحقيقة، وأصحاب الحق لوقت طويل. الكثير منا، للأسف الشديد، يعيش في زمن غير زماننا الذي نعيش. الأزمنة لدينا متداخلة، وفي تداخلها تفقد معانيها، ونصبح على غير منهج ورؤيا، ونفقد معها، بوصلتنا نحو المستقبل. كل هذا لأننا غيّبنا السؤال، ورضينا بالجاهز، والكاذب والمخادع والمتحايل، رضينا لأننا لم نحرك" المادة الشخمة " فينا بلغة الزعيم بورقيبة. السؤال، طريقنا إلى النجاة، واستعادة الذات المجروحة. لا خير في أمّة لا تسأل ولا تفحص، ولا تتفحّص في كل شيء.

قد يدفعنا السؤال إلى الأمل، أو الأسئلة التي وضعناها جانبا، الأسئلة الحقيقية الإجرائية، بحثا عن مخرج، وبحثا عن موقع لنا، في هكذا عالم وحياة. أسئلتنا، في الحقيقة، لا حصر لها، ولكن كما أعتقد، تظل هذه الأسئلة الكانطية، أعلاه، منطلقا لنا، أيضا، للتحرّر من جهلنا، و كثير من دغمائيتنا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -