الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهدي عامل .. شهيدُ الفكر

هيثم حسين

2006 / 5 / 19
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


مهدي عامل ... المفكّر الثوريّ الذي يشحذ بالفكر الثائر والصراع لإحقاق الحقّ ، فكره العلميّ الساعي إلى التأكيد على ما يؤمن به ، وينطلق منه ، من تسلّحٍ معرفيّ وسعة اطّلاعٍ تكفل له الديمومة ..
إن لم يكن اليومُ يومَ مهدي عامل ، أو البارحة يومه ، فالغد – لا شكّ – مضمون بالنسبة له ، وبخاصّة هو الساعي إلى المستقبل ، العامل له ، الثائر على قيود الفكر، المحطّم الأوثان ، القائل بأنّ الثقافة لم تعد حكراً على نخبة من الكَهنة ، ومنطق البداهات المعمول به والذي جرّده من بداهته بكلّ بداهة .. ولم يسلّم بأيّ مسلّمة إلاّ بما يتوصّل إليه عن طريق فكره المستند والقائم على أسسه العلميّة التي آمن بها فقط، دون أيّ فكر انغلاقيٍّ ظلاميٍّ ، أو أيّ فكرٍ مجتزأ متنكّرٍ بلبوس الفكر المنفتح ، المستخدم اصطلاحاته ومفاهيمه في سبيل غاية هي عكس ما يجب أن يؤدّي إليه ذاك الفكر..
لا بدّ عند الانتهاء من قراءة مجموعة مهدي عامل ، أن يرفع المرء القبّعة احتراماً لمنتجِه ، هذا الذي حرّر بالنقد ؛ نقده ، كلّ النصوص التي نقدها ونقضها ، هذا الذي أسقط عنها الحصانة والقداسة ، أنزلها إلى مستواها الأرضيّ الذي هو مستواها الذي يجب أن تدرس في إطاره ، وليس في برجٍ وهميٍّ متذرّع بكلّ مسلّمة لا يعتدّ بها ولا يسلَّم لها ... استخدم كلّ مفهوم بمفهومه ، دون تقديسٍ ودون تدنيسٍ ، وليس المقدَّس عنده إلاّ ما يؤمن به عن قناعة واعية ، وكذلك ليس المدنّس إلاّ ما يجرّ الويلات تلو الويلات إلى ساحات يراد أن يعمّق فيها الفكر المغالَط بالسلوك المغالِط ، بالممارسة المنظِّرة والنظرية الهاربة من كلّ ممارسة ..
تراه يعرّي الفكر و السلوك الذي يمحي ذاته بذاته ، والذي يناقض نفسه بنفسه ، والذي يثور على ما يقوله ، والذي يقول ما لا يفعله ، والذي يفعل ما يؤمر به للمحافظة على ما هو قائم بذريعة إلغائه..
يُرجع مهدي عامل الأزمات والمآزق إلى أسبابها الحقيقيّة ، وواقعها المغضوض عنه الطرف من قبل القيّمين عليه ، الساعين إلى تجميده على حاله لئلاّ يذوب فيبين عريهم وعارهم ، من جهة حصر الشعوب في الزاوية الأضيق ، وحظر كلّ ممارسة أو سعي أو محاولة لتكسير وتجاوز هذه الأزمات والمآزق المسعيّ إلى تسييدها وتأبيدها ، لتسييد وتأبيد مصالحهم التي ترتبط بهذه الأشكال ارتباطاً يميتها فكاكه ..
يضع النقاط على الحروف ، ويسمّي العيوب والخروقات بأسمائها دون التفافٍ أو مخادعة ، دون ضحكٍ على الذات ، ودون الضحك على الآخر ، الذي هو هو ذاته ..
يوضح لماذا يفرَّق بين الإخوة ، بأنا وأنت ، وسيادة الخطاب التذويتيّ على الخطاب العامّ ، كما يوضح ويشرح ويسهب في شرحه ويضطرّ إلى التكرار على الفكرة نفسها في أكثر من مكان ، لأنّه ينقض الفكر القاصر الناطق بأكثر من لسان ، والكاتب بأكثر من يدٍ ، بفكر واحد هو فكره الثائر على الخطأ المرتكب بحقّه وحقّ الشعب المقسّم شِعباً بحسب شريعة المقسّم لصالح المخطِّط الآمر بالتقسيم ...
لو عُمل بما كان ينادي به لالتغت الأنا السائدة ، ولتحرّر الجميع من أنويّتهم المستبدّة ببلدهم ، ولأُفقد رأس المال الناهب ماله ، أو رأسه ، أو كليهما ، ولانجرم بنفسه ، ولحوسب على الكولونياليّة التي طبعته ، والتي لم يتبلور في ظلّها بل بقي مخلَّّلاً في خلّها الكاوي ، والتي لن يرضى عتاتها بالمآل الذي ستؤول إليه ..
نعم هو مهدي عامل .. الدكتور الذي شخّص كلّ العلل وأشرف على معالجتها رافضاً أساليب الاستشعار عن بعد ، بل أصرّ على الالتفاح بلفح النار في سبيل إطفائها ، وهو الذي استمرّ في مشروعه فكراً وممارسة مجسّداً القول العالِم بالفعل العامِل ، فادياً "لبنان: ـه" بدمه ، لاعناً " ملوك الطوائف " وملوكهم ومملوكيهم ، مقدّساً " لبنان: ـه" ، فكان له " لبنان: ـه" ، وكان لهم " لبنان: ـهم" ، وأراد أن يؤمّم " لبنان: ـه" ليكون لبنان الطموح ، لبنان الذي يجب أن يكونه .. يقول مهدي عامل في كتابه مناقشات وأحاديث :
(( متى كان للدولة فكر ؟ متى كان للفكر الثوريّ طابع رسميّ ؟ إمّا أن يكون الفكر نقديّاً ، وإمّا أن يكون مخصيّاً . وهو المخصيّ إذا استمدّ من سلطة لدولة سلطته . إذ ذاك يتمأسس ، فيستحيل فكراً بيروقراطيّاً . وما هذا الفكر بفكر . إنّه خادم السلطان وخائن نفسه . إنّه المرتدّ بامتياز .))
هو مهدي عامل الذي ما كان ينبغي له أن .... .. بل كان لابدّ له أن يستشهد ليكمل الباقي من مشروعه ويبصم بدمه ما كتبه ، وليضع آخر كلمة في كتاب حياته دون أن يُتبعها بنقطةٍ في نهاية السطر ، ليبقي الطريق مفتوحاً لإكمال ما بدأه ..
إعادة قراءته تؤكّد ديمومة فكره واستمراريّته ، وتؤكّد قوّة منهجه العلميّ الواضح غير المتذبذب وغير المتحوّل حسب تحوّل موازين القوى والمال ، فكان فكره مصدر قوّته الكبيرة ...
مهدي عامل في ذكرى استشهاده شرفٌ لكلّ الشرفاء والأحرار ، واغتياله عارٌ على كلّ داعية للجهلٍ والظلامٍ والتعتيم ... وتصفيته الجسديّة كأمثاله من الخالدين الهازّين عروش الطغاة يؤكّد بأنّه في استشهاده أقوى منهم في جبروتهم الآيل للسقوط عليهم ، ليكون سافلها أسفلها ، وليثبت لهم بأنّه في موته أقوى منهم في حياتهم ...
ويبقى مهدي عامل ككلّ شهداء الفكر والرأي والضمير والقضيّة كالماء يتسرّب إلى كلّ مكانٍ ، لأنّ من فكره الحيّ ، ومن كلّ فكرٍ حيٍّ كفكره يكون كلّ فكر حيّ .. يداوم و يحيا ..
لستَ مهزوماً ما دمتَ استشهدت ... لستَ مهزوماً ما دمتَ تُذكر ...
لستَ مهزوماً مادام فكرك وعلمك .... " لستَ مهزوماً ما دمتَ تقاوم "...
بذكرك يقاوَم الجهلُ ، وبفكرك سينهزم ... ونردّد معك :
(( لصغار الفاشيست نقول : سنبني وطناً ينهض حجراً حجراً فوق قبور تتّسخ بكم ..)) مهدي عامل .
ــــــــــــــــــــــــ
* اغتيل مهدي عامل في بيروت في 18 / 5 /1987 م .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا


.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.




.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع