الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصل الانسان حمارًا وليس قردًا

داود السلمان

2019 / 10 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حتى تجاوزت عقدي الثالث بكثير، وأنا كنت حمارًا- حمارًا بالمعنى الاصطلاحي، وربما بالمعنى اللغوي ايضًا. وكلنا يعلم إن الحمير هي على نوعين: حمير أهلية وأخرى وحشية، وأنا – بحمد الله - كنت من النوع الاول. ولي أسبابي التي جعلتني أكون كهذا الحيوان الوديع المسالم، الذي يحمل أسفارًا؛ وهذه ليست سبُة (أعني حمله الاسفار) أو استنقاصًا من منزلته وقدره، لأن واحبه وعمله الواقع على عاتقه هو هذا العمل الشريف، إلا وهو خدمة سيده الانسان. الانسان الذي يحمل وحشية وجرم بأبناء جنسه لا حدود لها، وهو مما لا شك فيه.
أما لماذا كنت حمارًا؟، وما هي الاسباب الحقيقية؟، التي جعلتني هكذا: حيوان ذو أربعة أرجل وبجسم غير متسق، وبصفات أخرى أعرضت عن ذكرها درءًا للفضيحة، ولعل من أهم هذه الاسباب هي البيئة التي ولدت فيها، وترعرعت فيها، وعشت فيها، حتى اشتد ساعدي وتصلب عودي، حيث إنّ هذه البيئة هي أرض خصبة وصالحة لتربية الحمير أمثالي قبل أن أتانسن.
تلك البيئة علمتني، بل ونفخت في اوداجي افكارًا رتيبة ومعدة سلفا، وبحسب المقاس الذي يتسع لأطار عقلي الغرير، فطفقت تلك البيئة تشحن تلك الافكار بكل غث وسمين، وشجعني على تبنيها والاخذ بها على انها افكار ومتبنيات صالحة لك زمان ومكان، محذرة - في الوقت نفسه – من عدم تبنيها او تجاوزها والركون الى افكار اخرى مضادة لهذه الافكار والمتبنيات. وتحذيراتها تأتي من باب الترغيب والترهيب. فتارة تدعي بأن هذه الافكار، ودعونا نسميها "تعليمات"، وهذه التعليمات هي الحقيقية ولها هالة قدسي الهية لا يتسرب اليها الشك قطعًا، وهي – بعدُ - منجية من الهلاك وتضمن لمتبنيها خير الدارين. وتارة أخرى تحذرنا من مغبة تجاوزها، والذي يفعل ذلك ستقع فيه اقصى العقوبات في الدنيا والآخرة. وعلى اعتبار أننا كنا اطفالا، وعقل الطفل هو بمثابة الورقة البيضاء، يستطيع المجتمع أن يكتب عليها ما يشاء، الخير والشر، والحسن والسيء، الجميل والقبيح؛ فحشوا افكارنا، ذلكم المقيمون على تلك البيئة، بتلك التعليمات وبحسب أيديولوجيتهم، وحتى لا نفلت من قبضة إنانيتهم، وسذاجتهم في الوقت ذاته، والسبب لأنهم مقتنعون عن طيب خاطر بتلك التعليمات ويحملونها محمل الجد.
والسؤال المطروح هنا: هل لنا ذنب بذلك خصوصًا ونحن ولدنا في هذه البيئة؟، وبمعنى آخر: هل نتحمل هذا الوزر او العبء الكبير، حينما يحكم علينا الآخر بالسذاجة تارة، وبالجهل والغباء تارة أخرى؟. والتمس الجواب من القارئ اللبيب.
وبعد عقدي الاربعين، عرضت تلك التعليمات على عقلي - بعد أن لعب بعبي القلق والواقع المرّ- واعطيته فرصة سانحة للنظر والتدقيق بتلك التعليمات، ليعطيني الجواب فيما بعد، وطلبت منه أن يكون حرًا، وأن لا يخذلني. فذهب يخوض في مياه الكتب العذبة ويرتشف من مختلف الثقافات الانسانية وينهل من كل ثقافة شربة لتقيه من ظمأ الجهل، وأن لا تؤثر عليه الثقافات القديمة المستهلكة، التي لازال مشبع بها.
ومرّت الايام، بلياليها، وهي تجري في اعنتها، واذا بذلك البصيص من نور الحقيقة يضيء – وبالتدريج - الغياهب المدلهمة، ليقشع الظلام الدامس من جذوره، الذي كان جاثمًا على البصر والبصيرة. واذا بي انساناً سوي، عائدا الى أصلي. وتيقنت ساعتها أن الانسان ليس أصله قرد، كما قال داروين، بل أصله حمار، والحمد للقراءة، لأن الانسان حيوان قارئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الايمان بالغيبيات كـ سراب بقبعة.
سمير آل طوق البحراني ( 2019 / 10 / 15 - 04:07 )
يقول الرصافي:
لقنت قي عهد الشباب حقائقا ** في الدين تعجز دونها الافهام
لما انقضى عهد الشباب وطيشه ** واذا الحقآئق كلها اوهام

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال