الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنهج البنيوي و فلسفة موت الإنسان

سلام المصطفى

2019 / 10 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كتابه " هكذا تكلم زرادشت " أعلن نيتشه موت الله ، و كان هذا الإعلان بمثابة كشف منذ ذلك الحين عن وحدة الإنسان ، لأن القول بموت الله يعدل القول بأن الإنسان وحيد في هذا الكون ، لكن توكيد نيتشه يذهب إلى أبعد من ذلك ، فما ينفيه هو وجود ما هو مغاير ، في أي شكل كان .

إذن فقتل الله لا يكفي لإنجاز عملية تغيير القيم ، و إنما يطال النفي أيضا جميع القيم المسماة ب" العليا " أي مجمل الأسباب الذي أعطاها الإنسان لنفسه ، لا منذ أيام المسيح فحسب ، بل منذ أيام سقراط ، و بالتالي ازدواج العالم ( الله و الإنسان ) جعل من الفلسفة تاريخ خضوع الإنسان .

إن نفي الحياة بإسم القيم العليا ، سواء كانت إلهية أو بشرية ، يجعل من الحياة قوة قامعة و نافية ، و نيتشه يعلمنا أن نرفض هذا النفي ، هنا أتى بفلسفته الكبرى " الإنسان الأعلى " الذي تحرر من كل ماهو ارتكاسي لسعيه نحو مرتبة " الإله " ، لكن هذا الإنسان الأعلى أما يزال هو الإنسان ؟ أما يزال المركز الشخصي لجميع أفعال الفكر و لجميع المبادرات التي بها يبنى و يتكون التاريخ الإنساني ؟ و هل يمكن للإنسان في المنظور التي فتحه نيتشه أن يبقى هو ذات المعرفة و ذات التاريخ ؟

لقد وجد هذا السؤال من يطرحه منذ أواخر القرن التاسع عشر ، ففي عام 1892 كتب جول دي غولتييه (و كان تلميذا فرنسيا لنيتشه) في كتابه " البوفارية سيكولوجيا في آثار فلوبير " يقول : [ إن الأنا ، الأنا الذي ما هو إلا محض عنوان عام ، محض تمثل مجرد ، كالحضارة أو الدولة ، مأخود هنا على أنه كائن محبو بوحدة فعلية ] ، إذن فليست قيم الحرية ، أو الحقيقة هي وحدها الوهمية في نظره ، و إنما الأنا نفسه وهم ! .
إن نيتشه في نظر جول دي غولتييه هو مثال الفيلسوف الصاحي الفكر الذي لا يريد الانخداع بأي وهم ، و هو تجسيد مسبق لفيلسوف الغد التي ستكون سمته الأولى " غياب البوفارية " ، فمع نيتشه تم نزع الغلاف الاسطوري عن صورة الإنسان الأخلاقية و الميتافيزيقية ، كما رسمتها ألفا سنة من الاكاذيب و الاضاليل ، أكاذيب المذهب العقلاني الاغريقي و اضاليل المذهب الصوفي اليهودي-المسيحي ، لقد اوضح نيتشه أنه « قد جرى تجريد الواقع من قيمته و معناه و حيويته ، عن طريق اصطناع عالم مثالي شيد بالاكاذيب » .
وهنا نطرح السؤال " هل يقودنا موت الله بالضرورة إلى موت الإنسان ؟ " .

هنا يأتي أسياد البنيوية ليجيبو عن هذا السؤال الجوهري ، وهم عالم اللغة دي سوسير و الفيلسوف و المؤرخ الفرنسي ميشيل فوكو و سيد البنيوية و عالم الانثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس فالبنيوية في نظرهم هي فلسفة تمثل ، هي نقطة الوصول لفلسفة موت الإنسان ، هي الفلسفة التي بلا ذات ، و بالفعل إن المقولة الأساسية في المنظور البنيوي ليست هي مقولة الكينونة بل مقولة العلاقة ، و الأطروحة المركزية للبنيوية هي توكيد أسبقية العلاقة على الكينونة ، و أولوية الكل على الاجزاء ، فالعنصر لا معنى له و لا قوام له إلا بعقدة العلاقات المكونة له و لا سبيل بتعريف الوحدات إلا بعلاقتها فهي أشكال لا جواهر ، و لقد طرح كارل ماركس مبدأ هذه البنيوية المطبقة على الإنسان حين كتب في أطروحته السادسة عن فيورباخ : [ إن الفرد هو جملة علاقاته الإجتماعية ] ، فالبنية إذن هي منظومة من علاقات و قواعد تركيب و مبادلة تربط بين مختلف حدود المجموعة الواحدة بحيث تعين هذه العلاقات وهذه القواعد معنى كل عنصر من العناصر ، و بالتالي تحول الإنسان من الكينونة إلى العلاقة في منظور البنيوية و أصبحت البنية هي محرك الإنسان .

__________________
المراجع :
البنى الأولية للقرابة : كلود ليفي شتراوس .
البنيوية : جان ماري أوزيامن
مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة : محمد مهران رشوان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا