الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان العربي والنزعة التشاؤمية..

أسماء الملاحي

2019 / 10 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن المشاعر المضطربة التي تجتاح كيان الإنسان كالخوف والقلق والضياع، لم تنتج من فراغ، بل هي وليدة سياق تاريخي واجتماعي عميق ومرير، فالمجتمع -الذي يتجه نحو التفكك ويتعايش جنبا إلى جنب مع ظواهر الفقر والعنف والكراهية واتساع رقعة الجرائم وتفشي الانحلال الأخلاقي ... مقابل تراجع القيم الإنسانية النبيلة- لا شك سينجب وليدا شرعيا يحمل في نظرته للحياة بعدا وجوديا "غير سليم" أو تشاؤمي إن صح التعبير، وهذا المشهد الدرامي قريب كل القرب مما يعيشه الإنسان العربي اليوم في المجتمعات العربية، وهو في الآن نفسه ، الواقع ذاته الذي تعايشت معه أوروبا "الصناعية" في تسعينات القرن التاسع عشر، والتي كان لها من الحظ الكثير، حين وجدت من عبر وكتب وحلل هذه الفترة البئيسة في تاريخ أوروبا من روائيين ومفكرين وفلاسفة ومثقفين... فبعد أن أيقظت أفكار "فولتيير" الطبقات المظلومة وتفهم الناس أسلوبه الأدبي الساخر ظهرت مجموعة من الكتابات التي تحمل نظرة قاتمة للواقع الاجتماعي من قبيل ما كتبه "إيميل دوركهايم" في كتابه" الانتحار" والذي فند من خلاله الأصل النفسي لظاهرة الانتحار مقابل ربطها بما هو اجتماعي، و كتاب "سيغموند فرويد" الذي عنونه تحت مسمى"قلق في الحضارة" والذي خالف من خلاله النزعة التفاؤلية الإيديولوجية مقابل الانتصار لنظرة تشاؤمية لمستقبل الحضارة الإنسانية، وغيرها الكثير من الكتابات السوسيولوجية والسيكولوجية والفلسفية والأدبية...
بيد أن الفلسفة التشاؤمية عرفت في الحقل الفلسفي بشكل صارخ خاصة مع الفيلسوفين شوبنهاور ونيتشه.
فشوبنهاور فيلسوف التشاؤم كما يلقبه البعض، له موقفه الخاص من هذا الوجود ومن العالم، فهو يؤمن بأن هذا العالم، لا يحمل معنى يستحق العيش من أجله، وأن الإرادة التي توجه سلوكات وأفعال الإنسان وتحركه هي "إرادة عمياء" على حد تعبيره، فنظرته القاتمة للعالم تحمل بعدا كئيبا، على اعتبار أنه عالم مليء بالشرور والآلام...أما نيتشه الذي بدأ كتلميذ لشوبنهاور، "تشاءم مثله، ورأى أن الحياة تعاقب ألم وضجر، نتألم إذا ما افتقرنا إلى شيء ما، ونضجر إذا ما حصلنا على ما إليه افتقرنا" ففي كل الأحوال القدر الكئيب هو الذي يرافق الإنسان في العالم.
إن الإنسان العربي اليوم عموما، يعاني وضعا عصيبا من مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... فوجوده وجود فعلي ضمن السيرورة التاريخية، لكن تقدمه في المجالات السالفة الذكر رهين بتطور الحضارات الأخرى، لذا فهو في موطن ضعف يعاني تبعية فكرية للآخر، والتي تؤثر لا محالة على سيكولوجيته، لتصبح سيكولوجية متعبة لإنسان مقهور، يعاني "العجز"، كيف لا والتاريخ يشق طريقه نحو التقدم للأمام، لكنه عاجز كل العجز عن مواكبة سرعته، فالعجز أمام حل المشاكل الاجتماعية...، والعجز أمام إنتاج المعرفة...كلها أسباب تجعل النظرة نحو المستقبل قاتمة في مجتمعات كهذه، ومع توالي النكبات والهزائم، وتزايد خيبات ما بعد الربيع العربي، الذي كان الأمل الذي يحمل أحلاما وردية لهذا الإنسان، أصبح من الملح لفت النظر نحو النظرة الأنطولوجية لهذا الإنسان نحو العالم، فأمام كل ذلك سوف لن ننتظر غير تراجع منسوب الحب والمودة، وسوف لن ننتظر أيضا حتى من هذا الإنسان أن يكون إنسانيا، ولا أن يؤمن بفلسفة التفاؤل والسلام ... لكن هذا لا يعني أنه عاجز على أن يكون كذلك، بقدر ما يعني أنه تبرير منطقي لوضعية ومآل عقل الإنسان العربي اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة