الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفول المدمس...الأكلة الشعبية الأولى في مصر

عبد السلام الزغيبي

2019 / 10 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"ان خلص الفول انا مش مسؤول" عبارة كانت موضوعة على الحائط  في مطعم بوعشرين في بنغازي منذ سنوات طويلة واعتقد انه اول من ادخل اكلة الفول المدمس بالصونية او سندوتشات في بنغازي، ولهذا السبب تعرفنا على اكلة الفول مبكرا، وعندما اتيحت لنا فرصة زيارة مصر في السبعينات تناولنا سندوتشات الفول عندما كان سعره ربع جنيه مصري" الان وصل من 2 جنيه الى 5" جنيه حسب المكان، عربة أو مطعم شعبي صغير، او مطعم مشهور.في ذلك الوقت، كانت مصر تنتج كميات كبيرة من حبوب الفول، تغطي نصف استهلاكها تقريبا.. الان الوضع اختلف،مصر تستهلك الآن نحو 800 ألف طن من الفول سنويًا، لكنها لا تنتج الا 100 ألف طن .

وتستورد الباقي من أستراليا والمملكة المتحدة اللذان يعتبران من أكبر مصدري الفول، حيث يصدران نحو ثلثي الكمية لمصر، بينما تأتي البقية من دول البلطيق.

بعد ان قفل مطعم بوعشرين ابوابه، وبعد قدوم هجرة عمالية من مصر، فتحت في منطقة الفندق البلدي عدة محلات تبيع الفول والطعمية، زبائنها من المصريين والعرب والليبيين، وقد زرت احدها في عام 2012.

اثناء زيارتي الاخيرة للقاهرة حذرني احدهم بعدم اكل الفول المدمس من العربة الموجودة في الشارع، بأعتبارها غير صحية، وكلمة ( فول ) هى كلمة مصرية قديمة ، ومدمس كلمة ( قبطية ) معناها المطمور ( المطبوخ تحت الأرض).

لكن خبرتي مع مثل هذه العربات والمطاعم الشعبية، أثبتت عكس ذلك، عن تجربة شخصية، فقد قمت في عام 1997 بزيارة قصيرة الى مدينة الاسكندرية، وأقمت في شقة مفروشة في شارع في حي شعبي متفرع من شارع بورسعيد الشهير في المدينة،وكانت شرفة الشقة تطل على بيت شعبي يقيم فيه بائع على عربة فول في الشارع، أتذكر أسمه" الحاج الرفاعي" لغاية الان من كثرة ترداده على مسامعي من أطفاله الثلاثة" وكنت أراه عندما أمر في طريقي لدخول الشقة أو من الشرفة، هو وزوجته عند العصر يجهزان الفول قبل وضعه في القدر على النار.كانت المرأة  تفترش الأرض وتضع بجانبها طشت" ليان" فيه حبوب الفول، تنقي الفول الحب، وترمي البقايا للدواجن التي تحيط بالمكان، وتغسل ما تبقى وتعبيه في القدرة ثم تضيف الماء، ومن هناك تبدأ مهمة الزوج، حيث يرفعه ويضعه على نار هادئة، من المغرب حتى فجر اليوم التالي،حيث أراه يحملها على العربة ويسير بها الى نهاية الشارع، ليبيعها للناس، الذين يتوافدون عليه منذ ساعات الصباح الاولى، ويستمر في العمل حتى الساعة الثالثة عصرا، ليعود متعبا منهكا للبيت الصغير، الذي يعيش فيه مع اطفاله الثلاثة، يتناول طعامه ويستريح، ثم ينهض لمواصلة الكفاح اليومي..من اجل حياة شريفة نظيفة..

الحاج الرفاعي يطبخ فوله بنفسه، حيث بات كل صاحب عربية يعتمد على نفسه في توفير حاجته، لكن زمان كانت رحلة الفول لكي تصل لأفواه المصريين، تمر برحلة طويلة من صاحب " المستوقد" الموجود في حارة ضيقة بحي الجمالية وسط القاهرة، الذي يجهز الفول على نار هادئة وبخبرة السنين، يعمل اشخاص معينين على إنضاج "الفول"، أشهر أكلة اعتاد المصريون على تناولها في وجبة الإفطار.

فعلى مقربة من المعالم الأثرية في شارع المعز التاريخي، تتكئ "حارة المستوقد" -أو ما يعرف بـ"مستوقد مرجوش"- إحدى أبرز روافد "الفول" خلال العقود الماضية إلى أفواه المصريين، والتي كان يقطنها "الحرافيش"، وهم الطبقة الدنيا إبان العصر المملوكي في مصر القديمة. في الحارة الضيقة ، يقع سرداب طويل ينتهي بغرفة مزدحمة بأخشاب ومعدات بدائية .

أصحاب "المستوقد" كانوا لسنوات طويلة يمولون مطاعم وفنادق ومواطني القاهرة بوجبة الفول يوميا، بعد عملية طبخ تستغرق ساعات تبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. ويتم تسليم آخر كمية قرابة الفجر.

هذه الحارة التي تعرف ب حارة المستوقد تعود إلى عصر الاحتلال الإنجليزي لمصر (1882-1952)، ولا تزال بوضعها الحالي نفسه.

قبل سنوات، كانت حارة المستوقد تمد بائعي الفول بنحو ثلاثين قِدرة يوميا منه، لكنها حاليا بالكاد توزع لثلاثة في نطاق حيي المعز والظاهر في مصر القديمة، حيث بات كل مطعم وصاحب عربية فول يطبخه بنفسه.

أثناء تجوالي في مناطق القاهرة الشعبية قبل اسبوع من الان، كنت اتناول افطاري في بعض الاحيان عند عربة الفول حيث يتجمع الناس لتناول افطارهم من الطعمية والفلافل المقلية، وطبق الفول الشهير، الذي يقدم حسب الرغبة، فول

بالزيت العادي، وفول بزيت الزيتون وفول بالزيت الحار، مع اضافة بالطحينة والدقة" ليمون وكمون وثوم" وطبعا مع العيش البلدي الساخن، ومخلل الباذنجان..

هذا التجمع عند عربة الفول يعتبر ملتقى يومي  لطبقات عدة من المجتمع المصري، من الناس البسطاء من العمال والموظفين وحتى الطلاب، يواضبون على عربات بيع الفول المنتشرة في الاحياء الشعبية، أو المطاعم الشعبية، مثل مطعم " سعد الحرامي" في شارع شامبيلون في وسط البلد، الى جانب ورش تصليح السيارات وغير بعيد عن مطعم كشري ابوطارق. أو مطعم البغل" في شارع المواردى ، متفرع من شارع قصر العينى

أوالمطاعم باسماء شهيرة، مثل التابعي الدمياطي في ميدان عابدين، أو أخر ساعة، ش الالفى متفرع من ش عماد الدين، أو جاد في شارع 26 يوليو...

كل المصريون يتفقون ان طبق الفول هو الطبق الشعبي الاول على المائدة المصرية منذ مئات السنين، لانه تحول الى اسلوب حياة، يتعود عليها التلميذ والطالب عند ذهابه الى المدرسة وواخد معاه سندوتشات فول مثلما نراه في المسلسات والافلام المصرية، وهو سحوره الأساسي في رمضان الى جنب الزبادي، ولهذا اصبح الفول ضرورة لحياة الكائن المصري، يعتمد عليه الى جانب الطعمية" الفلافل" للتزود بالطاقة التي تساعده في اداء اعماله اليومية. وباعتباره مصدرا رئيسيا للبروتين الزهيد الثمن، بما يتناسب مع الدخل المتدني لقطاعات واسعة من المواطنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات| فيديو يظهر شجاعة مقاومين فلسطينيين في مواجهة جيش الاح


.. شبكات| مغاربة يدعون لمقاطعة مهرجان موازين بسبب غزة




.. عمليات البحث عن الرئيس الإيراني والوفد المرافق له


.. خبيرة بالشأن الإيراني: الدستور الإيراني وضع حلولا لاحتواء أي




.. كتائب القسام: استهداف قوات الاحتلال المتموضعة في محور -نتسار