الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الإنسان المهدور

هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث

(Hashem Abdallah Alzben)

2019 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا أدري كيف سأبدأ في الكتابة عن "الإنسان المهدور".

بعد قرآءتي قبل عدة أشهر لكتاب "التخلّف الإجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" للدكتور مصطفى حجازي، وفي هذه الفترة بعدما قرأت "الإنسان المهدور" وهو دراسة تحليلية نفسية إجتماعية للدكتور حجازي وتُعتبر تتمة للكتاب الأول، بعد ذلك وجدتني لا أستطيع إلا الكتابة عن الإنسان المقهور والمهدور.
بدون مُبالغة، قليلة جداً هي الكُتب التي وكأنها عدسة مُكبرة للواقع غير الواضح تمامًا أو الضبابي، ترى من خلالها مشاهد واقعية كنت تُدركها بشكلها العام... تشعر بشيء واقعي لكنه غير واضح تمامًا وتأتي صفحة من الكتاب توضّح ذلك المُبهم،
هي الكتب التي ما أن تبدأ بقراءتها حتى تجد نفسك غارقًا بين صفحاتها، وما أن تنتهي من أحد فصولها حتى تُحاصرك رغبة مُلّحة في إعادة قراءة الفصل مِرارًا وتكرارًا.

لستُ بصدد الكتابة عن كتاب الإنس المهدور بعينه، سأكتب عن إنطباعي الشخصي حول شعور خاص/عام ملموس ومحسوس جدًا في واقعنا اليوميّ المُعاش، وهو الشعور بالهَدر،

القهر هو فُقدان السيطرة على المصير إزاء قوى الطبيعة وإعتباطها وقوى التسلّط في آن معًا، والقهر هو أحد أشكال الهدر، فكلمة الهدر تعني إستباحة شيء بإعتباره لا شيء، وبالتالي تنعدم قيمته وحصانته، كإستباحة حياة الآخر وكأنه لا شيء، وأيضاً الإعتراف المشروط بالإنسان وقيمته الإنسانية، فهو مقبول ما دامه يمتثل للشرط/الشروط الذي أوجدته/أوجدتها قوة ما، وكذلك هَدر طاقات الشباب ووعيهم، وهَدر الفكر والحقوق والمواطنة، والهَدر المُتبادل في علاقات تتسم بالصراع سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.

يكون الإنسان مهدور عندما يتحول لأداة تُستخدم لمصلحة العصبيات والإستبداد. ويُهدر الإنسان لصالح إستمرار النظام الإستبدادي سياسيًا أو إجتماعيًا، ويُصبح مريضًا بواقعه وعالقًا في مأزق وجوده، يُعاني الأكتئاب الوجوديّ المُزمن والسجن المعنوي والخوف الطفولي وصولًا إلى حالة من الشلل-العجز الإجتماعي والنفسي على حدٍ سواء،

في مجتمعات الهَدر يفقد الإنسان ذاتيته وتُصبح إرادته مُقيّدة، يتحول كما أسلفت أو يُولد ليكون أداة بلا أيّ أرادة أو غاية، إلا ما يفرضه الواقع والخارج عليه،
ليقوم بدوره الإجتماعي وفق خطة مُحددة والمُكافأة ستحدث إذا أتمّ الفرد دوره بإتقان، ويكون القلق من الفشل الإجتماعي ناتجًا عن خوف نكوصي(طفلي) من الفشل بالدور الإجتماعي(الرغبة الوالدية)،

ففي واقعنا اليومي نرى بوضوح علائم الهدر وملامحه المألوفة، نراهُ في إنعدام قيمة الحياة الإنسانية من حوادث مرورية يومية تحصد أرواح الناس إلى جرائم قتل بدواعي الشرف أو الغضب أو المُشاجرات في الأماكن العامة وصولاً إلى قتل المتظاهرين مثلاً أو تعذيبهم وقمعهم،
إلى واقع الشباب المُثقل بمخاوف مُستقبلية وبأعباء آنية تتمثل في هَدر طاقاتهم وكفاءاتهم وطمسها أو تحويلها بفعل الإستبداد لمُجرد فراغ مملوء باللاشيء، ووحش البطالة والعمل الذي يُعزز الكسل الذهني والجسدي، وإنحسار أُفق الإبداع والإبتكار وصولًا للإنجاز.

كل الهدر الوجودي للإنسان يُؤدي لإحتقان الطاقات وردات الفعل لتنفجر على شكل عنف وغضب إجتماعي يُفضي لواقع مأزوم وفوضى حتميّة!
مُجابهة الهَدر تبدأ بكشف التواطؤ الذاتي مع الهدر وأسبابه وإدراك نتائجه، وكما يتأثر الفرد بواقع الجماعة، يُمكن لتعزيز الفرد وتقويمه ذاتيًا أن يكون بداية إيقاف نزيف الهدر الإنساني، بحيث يكون الإنسان فاعلًا ومُنتجًا لا مُجرد أداة تفتقد للإرادة والقوة، ولا مُجرد كائن مهدور لأنه مقهور بفعل قوى خارجية إعتباطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز