الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل والعرب فى وعى لطفى الخولى

طلعت رضوان

2019 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من بين الكتب المهمة التى تركها الراحل لطفى الخولى، كتابه (العرب وإسرائيل) الصادرعن هيئة الكتاب المصرية- مكتبة الأسرة- عام1995)
فى هذا الكتاب رأى الخولى أهمية إبرازالتناقض داخل المجتمع الإسرائيلى، ومن أمثلة ذلك أنّ إسحاق رابين (رئيس الوزراء عام1992) تحدى حزب الليكود وحكومته، بسبب معارضتهم الاشتراك فى مؤتمرمدريد..وأجبرهم على الاشتراك، بوفد رأسه إسحاق شاميربنفسه..وكذلك موقف حزب العمل الإسرائيلى، الذى أعلن فى برنامجه الجديد تأييده للتسوية السلمية مع الفلسطينيين..وتوليهم السلطة فى دولة مستقلة..ويرى الخولى أنّ الاعتراف المُـتبادل بين منظمة التحريرالفلسطينية وإسرائيل هو- فى جوهره- التعبيرالسياسى للاعتراف المُـتبادل ((بحالة الانهاك الواقعى الذى أصبح يـُـشكل معاناة فوق الطاقة لإسرائيل كدولة..ولمنظمة التحريركثورة شعبية، بعد ما يقرب من نصف قرن من صراع تحكمه رغبة الموت الآخر)) أى الرغبة المُـتبادلة بين الخصميْن التاريخييْن، لكى يفنى أحدهما خصمه.
والمثيرللانتباه أنّ إسرائيل التى ظلــّـتْ لاتعترف بوجود قضية للشعب الفلسطينى..وترى فى منظمة التحريرالفلسطينية، مجرد مجموعة من القتلة الإرهابيين..ولكنها حرصتْ- مع ذلك- فى سبتمبر1993، على أنْ تحصل على وثيقة مكتوبة من منظمة التحريرتعترف فيها ((بحق إسرائيل فى الوجود)) وفى المقابل حرصتْ منظمة التحريرالتى حكم حركتها النضالية والسياسية، ميثاق يؤكد على تحريركل فلسطين (من البحرللنهر) وأنْ تحصل على وثيقة من إسرائيل (الدخيلة على المنطقة) تعترف فيها بأنّ المنظمة هى الممثل للشعب الفلسطينى. وأشارالخولى إلى أنّ الانتفاضة الفلسطينية تسبــّـبت فى خسائركبيرة للاقتصاد الإسرائيلى، تـُـقـدّربملياردولارعلى امتداد عمرالانتفاضة، الذى قارب الست سنوات، حتى لحظة التوقيع على اتفاق إعلان المبادىء..ومصافحة ياسرعرفات لإسحاق رابين (رئيس حكومة إسرائيل وجزارالانتفاضة) فى البيت الأبيض الأمريكى يوم13سبتمبر1993.
التطورالملحوظ فى هذه الوثيقة: 1- موافقة الحكومة الإسرائيلية على أنْ يعدل وصف الطرف الفلسطينى فى الاتفاق إلى أنّ ((منظمة التحريرالفلسطينية الممثل للشعب الفلسطينى)) وكان الاعلان الذى وُقع فى أوسلويوم20 أغسطس1993 يصف الطرف الفلسطينى بأنه الفريق الفلسطينى فى الوفد الأردنى/ الفلسطينى، إلى مؤتمرالسلام فى الشرق الأوسط 2- التصريح اللافت للانتباه الذى صدرعن إسحاق رابين (رئيس الحكومة الإسرائيلية) غداة عودته إلى القدس بعد التوقيع على الإعلان فى واشنطن، حيث قال ((ليس من شك أنّ أى حكم ذاتى يحمل فى طياته امكانية أنْ يتحوّل إلى دولة مستقلة..وسأعمل على منع ذلك بأقصى ما أستطيع))
قال رابين ذلك بالرغم من أنّ النص فى ديباجة الوثيقة جاء به إنّ ((حكومة دولة إسرائيل..ووفد منظمة التحريرالفلسطينية، ممثلا للشعب الفلسطينى، يتفقان على أنّ الوقت قد حان لانهاء عقود من المواجهة والنزاع..والاعتراف بحقوقهما السياسية المشروعة..والسعى للعيش فى ظل تعايش سلمى..وبكرامة وأمن متبادليْن..ولتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة..ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها))..وبالرغم من هذه الصياغة الدقيقة..والمُـنصفة للشعب الفسطينى، تجـدّدت الخلافات بين الطرفيْن فى مؤتمرمدريد، أثناء المفاوضات الثنائية، ظلّ الموقفان الفلسطينى والإسرائيلى على تناقضهما الحاد، الأمرالذى هـدّد المفاوضات بالانهيار..واغتيال عملية السلام بمجملها..وإزاء تدخلات أمريكية وأوروبية ومصرية متعددة، قبلتْ إسرائيل- من حيث المبدأ- أنْ تكون قضية القدس احدى مسائل جدول أعمال المفاوضات (حول الوضع الفلسطينى الدائم) بعد خمس سنوات من بدء تنفيذ الحكم الذاتى الانتقالى..واقترح الوفد النرويجى أنْ يتضمن اتفاق إعلان المبادىء ((حق سكان القدس الشرقية فى التصويت خلال انتخابات المجلس الفلسطينى الانتقالى))..وقد وافق الإسرائيليون على الاقتراح الترويجى..ولكن الفلسطينيين علقوا موافقتهم على شرط أنْ يتحقق لسكان القدس، الممارسة الكاملة لحقوقهم السياسية، التى لاتقتصرعلى التصويت (فقط) وإنما لابد أنْ تشمل حق الترشيح لعضوية المجلس الانتقالى للسلطة الفلسطينية (من ص64- 68)
ويجب ملاحظة أنّ هذه المفاوضات تمّـتْ تحت تأثيرالانتفاضة الفلسطينية، وبالرجوع إلى الأسابيع الأولى منها، أيقنتْ القيادات العسكرية الإسرائيلية من خطورتها على أمن إسرائيل..وقد اعترف الجنرال (دان شمرون) رئيس أركان القوات المسلحة آنذاك، فى حديث مع صحيفة (دافار) الإسرائيلية فى1يونيو1988، أنّ ((هذه الحرب التى يخوضها الجيش الإسرائيلى..والمؤشرات تقول أنها ستستمرفترة طويلة، فى الضفة الغربية وغزة..وهى أصعب كثيرًا من الحروب التقليدية، لأنّ الجندى مُـؤهل بشكل أساسى لخوض الحرب ضد الجيوش الأخرى)) وأضاف: إننى على قناعة بأنّ استخدام القوة العسكرية لن يـُـسفرعن اخماد الانتفاضة، بشكل مطلق، إلاّ إذا أرادتْ تلك الجماهيرالثائرة الهدوء وحدها..ولأسباب خاصة من جانبها، باختصار((نحن نجلس فوق برميل بارود))
وفى نفس التاريخ أعلن الجنرال المتقاعد (أورى أور) عن تكوين منظمة باسم (المجلس الإسرائيلى للسلام والأمن) تضم مائة وخمسين ضابطــًـا كبيرًا، يدعون إلى ما كان يـُـعتبرمن المحرّمات..وهوحتمية انهاء الاحتلال، لأنّ الاستمرارفيه يلحق ضررًا فادحـًـا بإسرائيل..ويقضى على كل أمل لتحقيق السلام فى المنطقة. وقد ترتب على الانتفاضة فرارصغارالضباط والجنود من أداء الخدمة العسكرية فى الضفة الغربية وغزة..وتزايدتْ حالات الانتحاربين الجنود الشباب، مع ظاهرة رفض تنفيذ الأوامرالعسكرية فى ميدان العمليات..وتكوين جمعيات مضادة للحرب وضد الانتقاضة الفلسطينية..وذلك فى أوساط الشباب الذين أصبحوا على وشك الاستدعاء للخدمة العسكرية..وقد أسّـسوا موقفهم من منطلق ((رفض المشاركة فى قمع ومطاردة شعب يريد الاستقلال..وذلك كما جاء فى بياناتهم..وكانت جماعة (طلاب فى سن التجنيد) أحد أهم هذه الجمعيات التى هزّتْ المجتمع الإسرائيلى، والقوام العسكرى..كما حذّرتْ (جماعة الأطباء النفسيين الإسرائيلية) من أنه فى مناخ الصدام بين الجيش والانتفاضة..هناك اثنان من كل ثلاثة جنود، أصيبا بعاهات نفسية مختلفة..وأشارتْ التقاريرالعسكرية إلى ارتفاع فى أعداد الجنود الذين يهربون من واقعهم الدموى، عن طريق تعاطى المخدرات))
أما يوسى ساريد (أحد زعماء حزب ميرتس اليسارى..وتولى وزارة البيئة) فكتب فى فبراير1989بجريدة (ها آرتس) مقالابعنوان (المستوطنات ثقب فى الرأس قال فيه ((لوأنّ جيش الدفاع انسحب من المستوطنات..وتركهم يـُدافعون عن أنفسهم، عندها ستسقط تبجحاتهم، سقوط سورأريحا)) وردَا على السياسيين الإسرائيليين الذين رأوا أنّ الانتفاضة الفلسطينية لن تستمر..ولن تحقق أهدافها..وأنّ الجيش الإسرائيلى سيعمل على إنهاكها، كان تعقيب الخولى ((صحيح أنّ الانتفاضة أصيبتْ بقدرملحوظ من الانهاك..ولكنها ظلــّـتْ قادرة على الحركة المُستنزفة للأمن والنظام والاقتصاد الإسرائيلى..وهنا تحوّل رابين إلى موقف المعارضة..وفاجأ به مؤيديه ومعارضيه الإسرائيليين، عندما قال ((لاحل عسكرى للانتفاضة..وأنّ الحل الوحيد هوالحل السياسى، من خلال التفاوض مع الفلسطينيين)) (ص24)
وفى عام1983عشية انتهاء أعمال الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطنى الفلسطينى..والتى شهدتْ جدلاحادًا حول ما عـُـرف (باسم الاتصالات الفلسطينية من الأبواب الخلفية المُـتعددة، مع قوى إسرائيلية فى الداخل والخارج) فى هذا الوقت قـدّم محمود عباس (أبومازن) أحد القادة المؤسسين لحركة فتح..والذى أنتخب عضوًا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية، مذكرة سرية إلى اللجنة بعنوان (الاتصالات مع القوى اليهودية) أى أنّ الاتصالات مع اليهود بدأتْ منذ عام1983، ولكن فى سرية تامة..وفى نفس السنة (1983) كانت المقاومة الفلسطينية فى المنفى فى تونس..وكان على منظمة التحرير- إذا ما قرّرتْ مواصلة المسيرة- والخروج من (كهف المنفى) أنْ تــُـعيد برؤية نقدية صارمة حساباتها التكتيكية والاستراتيجية، ووسائل حركتها النضالية والسياسية..وفى لقاء جمع بين الخولى وياسرعرفات، قال الأخير((علينا أنْ نعترف، لقد قاومنا ولم ننهزم أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، غيرأنّ ظهرنا المُـثخن بالجراح، بات على بعد خطوة واحدة من الجدارالأخيرالبعيد عن الوطن..وهذه حسابات إسرائيل..ولن نستطيع مواجهتها بحسابات ما قبل حرب 1982. لقد تعلمنا بثمن فادح درس حياتنا كلها..وإذا كنا قد قرّرنا أنْ نقاوم النفى والقبرمعا، فلا مفرلنا من حسابات جديدة..وأنْ نــُـرتب أمورنا وأوضاعنا على نحوجديد..والجديد أنْ نبدأ بثورة مختلفة فى كل شيىء. نبدأ من حيث لايتوقع أحد، وفى ميدان يظن العدوأنه آمن تماما..وذلك رغم كل ما نعانيه من جراح..ومن زرع بعض الانقسامات والألغام العربية فى صفوفنا..وعجزالعرب عن التدخل فى حربنا ضد الجيش الإسرائيلى فى بيروت..وانهيارجبهة الصمود والتصدى)) (ص32)
وذكرالخولى أنّ العرب نجحوا فى إنجازهدف التحررمن الاستعمارالنقليدى، لكنهم لم يتمكنوا من التخلص من روابط التبعية (ص59) وأنه عند تأسيس منظمة التحريرالفلسطينية عام1964كممثل للشعب الفلسطينى..وبدعم من مصر((على الرغم من اعتراض عدد من الدول العربية، على قيام مثل هذه المنظمة)) وبناءّ على ذلك ظلــّـتْ منظمة التحريرأسيرة الصراعات العربية/ العربية..ولاتملك- واقعيـًـا- قرارها الوطنى المستقل (ص94، 95) وذلك بالرغم من أنّ الأنظمة العربية كانت تعانى ((من التمزق القومى)) (98) ليس ذلك (فقط) وإنما وصل الشطط ببعض الأنظمة العربية إلى اتهام أعضاء منظمة فتح بأنهم ((مجموعة من العملاء)) ويسعون إلى توريط الدول العربية (وبصة خاصة التقدمية) فى معركة عسكرية مع إسرائيل قبل أوانها..وذلك لحساب المخابرات الأمريكية (من ص41- 43)
وفى هذا السياق فإنّ الرئيس السورى حافظ الأسد ((حذّرقيادات فتح فى دمشق من خطورة ما فعله أبومازن، عندما عقد لقاءً مع (حزب راكاح الإسرائيلى الشيوعى) رغم أنّ هذا الحزب اعترف بحق الشعب الفلسطينى فى تقريرمصيره، وإقامة دولته الوطنية المستقلة..وكان تبريرحافظ الأسد أنّ ((هذه اللقاءات تؤثرعلى مجمل النضال الفلسطينى)) وقال لعرفات: إنّ لقاءكم مع الشيوعيين يوحى للأنظمة العربية التقليدية، أنكم تريدون أنْ تبنوا دولة شيوعية فى فلسطين..وهذا يجعلها تتوقف عن مساعدتكم..كذلك فإنكم إذا أجزتم لأنفسكم أنْ تلتقوا مع اليسارالإسرائيلى، فهذا سيبرّرلليمين العربى أنْ يلتقى مع اليمين الإسرائيلى..وكان تعليق أبومازن على كلام حافظ الأسد: إنّ اللقاء مع الشيوعيين لايعنى أننا سنصبح شيوعيين..وإنكم فى سوريا- يا سيادة الرئيس- على علاقة وثيقة مع الاتحاد السوفيتى..ودولتكم ليست شيوعية. إنّ لقاءنا مع الحزب الشيوعى الإسرائيلى له طابع سياسى، خاصة وأنّ هذا الحزب يؤمن بحق تقريرالمصيرللشعب الفلسطينى..وبإقامة دولته المستقلة (ص46)
ورصد الخولى فى كتابه ظاهرة التناقض فى تفكيرالشباب العربى، حيث يرون أنّ الحرب ضد إسرائيل ((يضعها فى حصارعربى على الرغم من قوتها)) بينما فى حالة السلام ((فسوف يتاح لإسرائيل أنْ تخترق المجتمعات العربية..وتمزقها وتستغل نواحى الضعف فيها..وتسيطرعليها)) وانتهى الخولى- فى تحليله الأخير- إلى أنه بالرغم من الاتفاقيات المعقودة بين الفلسطينيين وإسرائيل..وتعدد اللقاءات، وبالرغم من (تيارالسلام الآن الإسرائيلى) وقوة تأثيره، فإنّ السلام مازال بعيدًا (من ص127- 130)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah