الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى مولد التنويرى الكفيف

طلعت رضوان

2019 / 10 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى يوم 15 نوفمبر1889 كان مولد عميد الثقافة المصرية (طاها حسين) كما كان يرى ضرورة كتابة اسمه..وفق القاعدة العلمية فى (علم اللغويات) والتى تنص على أنّ ((المكتوب يجب أنْ يتبع المنطوق)) لأنه إذا كان عمر اللغة المنطوقة مليون سنة ، فإنّ عمرأقدم لغة مكتوبة ستة آلاف سنة، بعد اكتشاف الكتابة على البرديات وعلى جدران المعابد فى مصر القديمة. فى هذه المناسبة ، فتذكــرتُ دوره التنويرى.. وقلتُ – بينى وبين نفسى – إنه الأعمى الذى أنار طريق المُـبصرين.. لأنه كان من أشد المُـدافعين عن الدولة المدنية.. والتى يختفى منها النص فى الدساتير الحديثة، على (دين الدولة).. ولذلك انتقد – هو والليبراليون المصريون من عصره اللجنة التى صاغتْ مواد دستورسنة 1923.
قعل طاها حسين ذلك ، بالرغم مما حدث له فى سنة1926حيث وجـّـه الأصوليون عدة سهام أصابتْ وجدانه وعقله، وبالرغم من ذلك لم يرفع راية الاستسلام.. ولم يتراجع فى الدفاع عن معتقداته.. وكتب مقالا (بعد عام واحد من معركة كتابه (فى الشعر الجاهلى) دافع فيه عن مفهوم الدولة المدنية.. وكان مدخله لذلك انتقاد لجنة دستور1923بالرغم من وعيه بأنّ به الكثير من المواد التى تــُـدعم فكرة الدولة الحديثة مثل المادة رقم (1) ونصها أنّ " مصر دولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة " والمادة رقم (3) ونصها "المصريون لدى القانون سواء.. وهم متساوون فى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.. وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة.. لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين" والمادة رقم (4) ونصها " الحرية الشخصية مكفولة " والمادة رقم (12) ونصها "حرية الاعتقاد مطلقة " والمادة رقم (15) ونصها " الصحافة حرة فى حدود القانون.. والرقابة على الصحف محظورة.. وإنذارالصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإدارى محظور" والمادة رقم (20) ونصها "للمصريين حق الاجتماع فى هدوء وسكينة غير حاملين سلاحًا..وليس لأحد من رجال البوليس أنْ يحضر اجتماعهم ولاحاجة بهم إلى إشعاره" والمادة رقم (23) ونصها أنّ "جميع السلطات مصدرها الأمة (عبدالرحمن الرافعى فى كتابه "فى أعقاب الثورة المصرية- ج1مكتبة النهضة المصرية- عام1947- من ص310- 327)
وبالرغم من ذلك امتلك طه حسين شجاعة الكتابة، فقال " لستُ أرضى عن هذا الدستور الرضا كله ، ففيه نقص وفيه تشويه وفيه نصوص لابد من تغييرها " ثم هاجم الذين صاغوا مواد الدستور هجومًا عنيفــًـا بسبب المادة التى نصّـتْ على أنّ الإسلام دين الدولة.. وببصيرته الرحبة انتقد هذا النص.. ومن يقرأ المقال (اليوم) يُدرك أنّ طاه حسين كان يستشرف المستقبل المتردى الذى نعيشه الآن ، حيث ذهب إلى أنّ النص فى الدستورعلى أنّ ا "لإسلام دين الدولة " مصدر فرقة. لا نقول بين المسلمين وغير المسلمين (فقط) وإنما نقول إنه مصدر فرقة بين المسلمين أنفسهم، فهم لم يفهموه على وجه واحد.. وأنّ النص على دين للدولة يتناقض مع حرية الاعتقاد ، لأنّ معنى ذلك أنّ الدولة مكلفة أنْ تمحو حرية الرأى محوًا فى كل ما من شأنه أنْ يمس الإسلام من قريب أو من بعيد، سواء أصدر ذلك عن مسلم أوعن غير مسلم..ومعنى ذلك أنّ الدولة مكلفة بحكم الدستور أنْ تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأيــًـا أو أّلــّـف كتابًا أو نشر فصلا أو اتخذ زيًا.. ورأى الشيوخ فى هذا مخالفة للدين ونبّهوا الحكومة إلى ذلك، فعلى الحكومة بحكم الدستور أنْ تسمع لهم.. وتــُـعاقب من يخالف الدين أو يمسه" وفى هجومه على الأصوليين ذكر أنهم " كتبوا يطلبون ألاّ يصدرالدستور، لأنّ المسلمين ليسوا فى حاجة إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله..وذهب بعضهم إلى أنْ طلب من لجنة الدستور أنْ تنص على أنّ المسلم لا يُـكلــّـف بالقيام بالواجبات الوطنية ، إذا كانت هذه الواجبات معارضة للإسلام.. وفسّروا ذلك بأنّ المسلم يجب أنْ يكون فى حل من رفض الخدمة العسكرية، حين يُـكلف بالوقوف فى وجه أمة مسلمة ، كالأمة التركية مثلا " (مجلة الحديث- فبراير1927وأعاد نشره فى كتابه: "من بعيد"- الشركة العربية للطباعة والنشر- ط2نوفمبر1958- 232وما بعدها)
000
والملفت للنظر أنّ طه حسين لم يكن لوحده.. وإنما انضـمّ إليه جيل الليبراليين المصريين الذين انتقدوا الدستور، لما فيه من عيوب ونقص وتناقض. .وركّزوا هجومهم على المادة رقم (149) ونصـّـتْ على أنّ "الإسلام دين الدولة " وهى المادة التى نجح التيار الأصولى فى فرضها.. ومع ملاحظة أنها جاءتْ فى المواد المتأخرة البالغ عددها169مادة..وكان أبرز من كتبوا ضد اللجنة التى خضعتْ لرأى وضغوط الأصوليين (محمود عزمى) فبينما كانت مواد الدستور مجرد (مشروع) أى قبل أن يُعتمد الدستور رسميًا للعمل بمقتضاه ، كتب مقالا بعنوان (العقيدة الدينية فى لجنة الدستور) قال فيه "إنّ ذلك النص المُـقررللدولة دينــًـا رسميًا هو ذلك الذى يريد أنْ يستغله أصحاب الآراء العتيقة.. وهو الذى سيجرعلى البلاد ارتباكــًـا قد ينقلب إلى شر مستطير" وطالب البعض أمثال الشيخ (شاكر) نتيجة ذلك النص بضرورة " اشتمال مواد الدستور بما يجعل أحكام الدين هى المُـتفوقة على كل تشريع وأضاف : وبالتالى سيأتى وقت على سكان مصر فى هذا القرن العشرين، فتــُـقطع الأيدى والأرجل من خلاف..والرجم بالحجارة..ويكون السن بالسن والعين بالعين، نحن نــُـلفت النظر وسنستمرعلى لفت النظرإلى الخطرالمحدق الذى يجيىء عن طريق ذلك النص".. وبعد أنْ صدر الدستور واصل محمود عزمى، ذلك المفكرالمصرى الشجاع، دفاعه عن الأمة المصرية التى يجب أنْ تكون ليبرالية الفكر والسياسة، فكتب أنّ الدستور جاء" هجينًا يجمع بين الشىء ونقيضه، فالأمة مصدرالسلطات.. والملك له الحق مع المجلس النيابى فى التشريع.. ويوازن بين سلطة الملك الأوتوقراطية وبين سلطة الأمة ذات المضمون الديموقراطى.. وينص على أنّ حرية الاعتقاد مطلقة.. وفى نفس الوقت (ينص على) أنّ الإسلام هو الدين الرسمى للدولة.. وهكذا أصبحتْ البلاد فى مفترق الطرق.. وأصبح الدستور ثوبًا فضفاضًا.. ويسهل تأويله على أوجه عدة..إلخ (جريدة الاستقلال-22سبتمبر1922)
وعن ظروف تكوين لجنة الدستور ذكرالرافعى أنه فى يوم19إبريل1923 ذهب يحيى باشا إبراهيم إلى سراى عابدين.. وقابل الملك وقال له إنّ مصلحة البلاد تدعو إلى توقيع الدستور الليلة، فوقع الملك.. وكلف السلطان فؤاد عبد الخالق باشا ثروت بتشكيل الوزارة فى أول مارس22 فكان رد ثروت باشا أنه لابد من صدورالدستور.. وأنْ يتضمّن إلغاء الأحكام العرفية. وألــّـفتْ وزارة ثروت باشا فى 3إبريل22 لجنة لوضع مشروع الدستور وقانون الانتخاب عهدتْ برئاستها إلى حسين باشا رشدى.. وتكوّنتْ اللجنة من30عضوًا ولذا سُميتْ لجنة الثلاثين و((هى فى مجموعها تنتظم طائفة من المفكرين وذوى الرأى.. ورجال القانون والعلماء ورجال الدين والسياسيين المُعتدلين)) أطلق الوفد عليها لجنة الأشقياء..واعتذرالرافعى عن عضوية اللجنة، لأنّ ((الدستوركان يجب أنْ تضعه جمعية وطنية تأسيسية تـُمثل الأمة لا لجنة تؤلفها الحكومة)) وهذا ماورد فى برنامج عدلى باشا فى وزارته التى ألــّـفها فى مارس21..وكان ثروت باشا عضوًا فى تلك الوزارة ومُقرًا برنامجها (لذا) فإنّ ((وضع الدستور بمعرفة لجنة حكومية هوخروج على هذا البرنامج)) ثم حدثتْ محاولة للانقلاب على مشروع الدستوربمعرفة وزارة نسيم باشا، بأنْ أدخلتْ على المشروع بعض التعديلات الرجعية، مثل حذف النص على أنّ الأمة مصدرالسلطات..والتوسع فى صلاحيات الملك..واستقالتْ وزارة نسيم باشا.. وكتب عبدالعزيزباشا فهمى عدة خطابات إلى يحيى باشا إبراهيم مُنتقدًا تعديلات نسيم باشا.. وصدر الدستور بمواده التى أقرّتها اللجنة. (عبدالرحمن الرافعى- مصدرسابق)
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah