الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة سوسيولوجية لأغنية -عاش الشعب-

خالد الصلعي

2019 / 11 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


دراسة سوسيولوجية لأغنية -عاش الشعب -
***********************************
نعم قد يصل تراند أغنية أو مقطع فني لأعلى نسبة من المتابعة والمشاهدة والتنويه . . نسبة لم يحصلها أي حزب في ربوع الوطن بماكينته الانتخابية ورجاله بائعي الوهم اللفظي ونسائه ، ودعاياته الايديولوجية ووعوده الكاذبة وأمواله الضخمة المهدرة .في حين أن أغنية واحدة لثلاثة شبان حطمت الرقم القياسي لعدد المشاهدين والمتابعين بالمغرب في ظرف زمني قياسي : يومان !!!!!!!
كيف استطاعت أغنية واحدة ان تغزو مواقع التواصل الاجتماعي وتخترق حصانة الأذن المغربية المحافظة ؟ ولماذا لاقت كل هذا الترحاب ؟ ويصل عدد متبعيها أكثر من مليونين ونصف ؟ .هل هو بحث عن لغة جديدة ؟ عن مفهوم فني جديد ؟ هل تكمن شهرتها اللافتة في فنيتها العالية ؟ .أم في تعبيرها الصريح والفاضح عما يختلج في قلوب الشعب المغربي ، وأسلوب يعري عن مكبوت هذا الشعب ؟؟
اذن فالفن لا يزال حاسما في مواقع سياسية واجتماعية وذوقية في المغرب . وما حاولت ماكينة النظام اختصاره في أغاني المدح والميوعة ، دمرته أغنية واحدة ،مع العلم أن اغاني الحاقد والروفيكس لها جمهورها الكبير . وهي أغاني لاتهادن ولا تتراجع .
ان استقبال أغنية "ولاد الشعب " بهذه الحفاوة ، ورد السلطات الأمنية والاستخبارية عليها بالاعتقال المباشر يحيل توا الى ذلك الشرخ الحاصل بين السلطة والشعب ، بين النظام والفن ، بين الاستبداد والحرية . مع العلم ان للحرية ضوابط كما أؤمن بها . لكن أؤمن أيضا ان تلك الضوابط تنحل في مستوى أو درجة معينة ، وتذوب ما دام الانسان كائن منفعل ، غاضب ، متعضب ، تخالجه احاسيس متضاربة ومتناقضة .
فهل كانت أغنية "عاش الشعب " ردا مباشرا غير لبق على الأوضاع المزرية التي بات يعيشها الشعب المغربي ؟ ، وهل هي تعبير عن تقطع خيط الخوف والاحتراز والتحوط من بطش السلطة وقوتها ؟. والا كيف نفسر السقوف العالية التي لامستها الأغنية ؟ وكيف نفسر هذا الاستقبال المنقطع النظير لها من قبل الشعب المغربي .
عدد مشاهديها يفوق عدد المصوتين على حزب بنكيران سنة 2016 .
يمثل فنانو "ولاد الشعب" ، طبقة من الفئة الأكثر تهميشا ، واذا كان الراب يمثل فنا غنائيا قلوعه الحصينة هي الناطق المحصنة ووقوده اللافع هم أبناء الطبقة المسحوقة ، كولادة وتداول ، وصار فن من هب ودب ، كما هو حال الرجز في العمود الشعري ، او القصيدة الحرة في الشعر المعاصر . هذا الرأي لا يعني أننا نضع أنفسنا كحراس الأذواق العامة . فالشعب له اختياراته ، والديمقراطية تفترض الامتثال لذوق العامة وان كانت لنا أذواق مغايرة ، انه منطق العدد ، وهو أيضا عائد الى غياب واغتصاب وتهميش الغناء الرفيع ، غناء الوجدان والعقل والاحساس، ليستحوذ غناء الغريزة والمشاعر العابرة على ذوق العامة .وهو ما يدفعنا لدراسة تمكن هذه المشاعر العابرة من أذواق الناس . وهي درسة يلزمها وقت .
ان أغنية "عاش الشعب" تحتاج لتفصيل تركيبي ، فهي بؤرة تحتوي على نكهات متعددة ، سوسيولوجية واقتصادية وتربوية ، وثقافية وبيئية . لنتمعن مثلا في جسد اولاد الشعب ، نظرة بسيطة تشير أنهم من رواد السجون ، وهذا ليس قدحا ، بقدر ما هو تحليل للواقع ، وهم مدمنو الشجار بالآلات الحادة ، فالجرح الكبير الذي يشم وجه ولد الكرية ، علامة بارزة على واقعه وبيئته .بل ونفسيته ، كما الندب الظاهرة على جسد أهد الفنانين . مما أن نجزم أنهم جميعهم يعيشون في أحياء هامشية منكوبة وضائعة ، لايستفيد سكانها من أي دعم حكومي ، بل يتعرضون لشتى انواع الانحراف والضغط الاجتماعيين والنفسيين . وهم الى ذلك عاطلون عن العمل . فهل ننتظر منهم عكس ما أبدعوه . الابداع هنا في سياقه التداولي ،وليس الابستيمي الطبقي .
فمع امتهان كرامة المواطن المغربي ، ودفعه الى الذل والمهانة والعوز ، كان لزاما انتظار مثل هذه الأغنية . وهنا تتبدى مقولة "الضغط يولد الانفجار " في ازهى تجلياتها ، انه تفريغ ذكي للحقد المتراكم تجاه السلطة . ومن قال ان المهمشين والمقصيين لا يمتلكون نسبة هامة من الذكاء . فعوض الاكتفاء بشجب ولعن وذم السلطة ورموزها في المقاهي وفي زوايا ازقة الحي ، يمكن اخراج ذلك الى العلن في قالب فني قد يعود بامتياز رمزي ومادي عليهم .
لابد من الاقرار ان غياب الضوابط الاجتماعية والفنية والسياسية المشتركة في المغرب ، لم يفرخ لنا فقط اغنية " عاش الشعب " التي قد تكون تتويجا لمدى الهدروالفساد السياسي والاجتماعي الذي يرخي بظلاله على مغرب الآن .بل هي رد مباشر على تفاهة قيام أعضاء البرلمان لترديد النشيد الوطني على احراق علم المغرب ، مع العلم ان كل مغربي يجب ان يفوق في رمزيته ومكانته وقيمته ، رمزية ومكانة وقيمة العلم المغربي . فكم من مغربي تم حرقه وتشريده واهانته ؟ بعضهم عتبرون نخبة وزبدة الشعب ، كالأساتذة المتعاقدين والأطباء .
ويبقى ان كثير ا من مقاطع الأغنية تعبر بعفوية كبيرة عن آلام وواقع الشعب المغربي . ولربما كانت مقدمة لأغاني أكثر قوة وصلابة من هذه الأغنية . وهذا ما يفسر هذا الاستقبال الكبير لها من قبل المواطن المغربي المقهور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد لطفل مبتور الأطراف يلهو على شاطئ دير البلح


.. الجيش الإسرائيلي يقتحم طوباس ويشتبك مع مقاومين في الضفة الغر




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لمنزل في حي الصبرة


.. مجلس الأمن يتبنى قرارا أميركيا لدعم مقترح بايدن بشأن غزة




.. الكنيست الإسرائيلي يصادق على تمرير قانون استمرار إعفاء المتد