الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عجائب الحكم العسكرى الناصرى

طلعت رضوان

2019 / 11 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اشتبك إحسان عبدالقدوس مع الواقع السياسى منذ مرحلة شبابه..وبالرغم من صغرسنه النسبى، فإنه عبــّـرفى مجلة روزاليوسف (عندما كان عمره يقترب من سن الثلاثين) عن وجهة نظره ورؤيته عن علاقة الجيش بسلطة الحكم..وكان من رأيه أنّ الأمم لاتستطيع أنْ تقف على قدمها إلاّمستندة إلى الجيش..ولكن نجاح هذه الأمم وتقدمها، ارتكزعلى الإيمان بأنه ليس من حق الجيش التدخل فى سياسة بلده.. أويـُـسيطرعلى الشعب ويـُـحـدّد مصيره (مقال بعنوان: الجيش والسلطة- روزاليوسف- 6/4/1949- نقلا عن كتاب: المجتمع المصرى قبل يوليو1952- تأليف د.نجوى حسين خليل- هيئة الكتاب المصرية- عام 1993- ص123)
وإذا كان إحسان أدرك (سنة1949وعمره 30سنة) خطورة تدخل الجيش فى سياسة الوطن، فإنّ هذا الوعى المـُـبكركان قد نضج بعد سيطرة الضباط على حكم مصربعد يوليو1952، حيث كتب مقالاعام1954طلب فيه عودة الجيش إلى الثكنات العسكرية، وإقامة حكومة مدنية..وفى نفس المقال طالب بحرية تكوين الأحزاب..هذا المقال أغضب عبدالناصرفأمربإعتقال إحسان (بالرغم من علاقة الصداقة الوطيدة بينهما) وقال إحسان: إنّ عبدالناصربعد الإفراج عنى اعتذرلى. ودعانى للعشاء أكثرمن مرة فى بيته..وعرف وتأكد من أننى عندما كتبتُ هذا المقال كنتُ أثق فيه..وأريده قائدًا لحزب سياسى، لأنّ الثورة لن تعيش للأبد..وكنتُ أتمنى عودة الأحزاب، لأنّ ما حدث بعد إلغائها فى يناير1953 أنْ انطلق (الحكم الفردى) لأنّ الحكم الفردى لايــُـطيق التعددية الحزبية..ومجلس قيادة (الثورة) لم يتحمل وجود هذا التعدد الحزبى..وبالرغم من ذلك فإنّ مجلس قيادة (الثورة) انتهى دوره عندما أصبح عبدالناصر- وحده- هومجلس القيادة.
ومن بين الأسباب التى جعلتْ عبدالناصريعتقله مقاله (شديد الجرأة) الذى انتقد فيه مجلس قيادة (الثورة) بعنوان (الجمعية السرية التى تحكم مصر) ونُـشرقى مجلة رزاليوسف فقــُـبض عليه، عقب نشرالمقال..وقضى فى السجن الحربى ثلاثة شهوربأمرعبدالناصر..كتب إحسان بالنص ((من يحكم مصرمنذ قيام حركة الجيش؟ إنه مجلس قيادة (الثورة) ماذا تعلم أنت أيها القارىء عن مجلس (الثورة) وما يدورفيه؟ ماذا يعلم عنه أى مصرى؟ سواء كان مُـقرّبـًـا من أعضاء هذا المجلس أومُـبعدًا عنهم؟ لاشىء..لاشىء. إنه جمعية سرية لاتزال كما كانت قبل الحركة..وتعمل تحت الأرض..ويجتمع أعضاؤها بالنهاروالليل..ولايعلم أحد فيما يتحدثون..وماذا يقررون.
وأضاف :وكان هذا هوالخطأ الأول والأكبر، فأعضاء مجلس (الثورة) لم يستطيعوا– دون قصد منهم– أنْ يفرّقوا بين وضعهم قبل الحركة..ووضعهم بعدها ولم يستطيعوا أنْ يفرّقوا بين واجبهم كجماعة تعمل لقلب نظام الحكم..وجماعة تعمل لاستيعاب الحكم..ويخالفون القانون..ويفرضون البوليس (السياسى) والمخابرات. والأيام التى جمعتْ فى أيديهم القانون والبوليس والمخابرات..وكانوا قد تعوّدوا العمل كجمعية سرية..وارتاحوا إلى هذه الطريقة فى العمل..ونجحوا فيها، فلم يحاولوا تبديلها أوتعديلها..وظلوا دائمًـا بعيدين وراء الجدران، حيث لايراهم أحد ولايسمعهم أحد..ويـُـصدرون قرارتهم فجأة بلا مقدمات..كأنها منشورات سرية، لايدرى أحد من أين صدرتْ قبل أنْ تصدر..وكان الشعب فى فرحته (بالثورة) خلال أيامها الأولى، يتلفت حوله باحثــًـا عنهم، فلا يجد أحدًا منهم إلاّمحمد نجيب. وكنا جميعـًـا نعلم أنّ محمد نجيب ليس هوالذى يحكم..وكنتُ خلال هذه الأيام ألحُ عليهم إلحاحًـا مستمرًا ليظهروا أمام الشعب..وكتبتُ فى روزاليوسف وفى المصرى أكثرمن مرة..وطلبتُ منهم أنْ يتقدموا بأشخاصهم وبأوضاعهم إلى الناس، لا ليصفــّـقوا لهم..وإنما ليحاسبوهم على أعمالهم..ويظهروا أمام الناس فى العلن..وليس ليظلوا فى الخفاء مثل أية جمعية سرية)) (مجلة روزاليوسف- العدد1345 بتاريخ 22مارس1954)
وبحكم الصداقة بينه وبين عبدالناصر..وفى جلسة مصارحة ومكاشفة من الإثنيْن، فإنّ إحسان سأل عبدالناصر: هل تعلم بما يقوم به صلاح نصرمن أعمال مُـشينة؟ فكان رد الرئيس عبدالناصرالصريح حيث قال: اسمع يا إحسان فيه حاجة اسمها الأعمال القذرة..وهذه الأعمال تحتاج لناس أقذار..وأنا وضعتهم فى هذه الأماكن ليقوموا بهذا الدور..ومن آرائه السياسية التى أغضبتْ كثيرين ما صرّح به للصحفى (جمال الدين حسين) فى مجلة روزاليوسف، حيث سأله الصحفى عن سياسة مصرالخارجية، ومن بينها قوات الجيش المصرى فى اليمن..والوحدة مع سوريا، فقال إحسان: دخول مصرفى حرب اليمن خطأ..وفشلنا فى اليمن وفشلنا فى سوريا..ونظرًا لهذه الأخطاء المتراكمة كانت النتيجة الطبيعية هزيمة يونيو1967، وسأله الصحفى عن حرية الصحفى قبل وبعد يوليو1952فقال: قبل يوليوكان الصحفى أكثرحرية.. فإذا رفضتْ بعض الصحف نشرمقاله، يجد عشرات الصحف أوالمجلات التى تـــُـرحب بكتاباته..كما كان المواطن (العادى) يمارس العمل السياسى بكل أشكاله. أما بعد يوليو1952 فقد تغيرالوضع، وأصبح الصحفى مثل أى موظف..وعليه الامتثال لأومر رئيسه..وقال: إنّ ملكية الدولة للصحف حوّلتها إلى أبواق دعاية لسياسة الحكومة)) (صحيفة الأنباء– 9/12/1985)
كان إحسان صديقــًـا لعبد الناصرالذى منحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وأيـّـد عبدالناصربمناسبة بعض قراراته..ولكنه اختلف مع الصورة الكلية للمجتمع المصرى الذى تمناه..ولخــّـص إحسان صورة هذا المجتمع عندما قارنه بالمجتمع المصرى قبل يوليو1952، فقال فى حديث مع الصحفية (نادية خليفة) أنّ ((عبدالناصراستطاع أنْ يهدم مجتمعـًـا..ولكنه لم يستطع بناء المجتمع الجديد المُـختلف)) (مجلة صباح الخير- 10سبتمبر1987)
وفى الندوة التى كانت تعقدها مجلة صباح الخيرتحت عنوان (صالون إحسان الاقتصادى) قال: لقد اعتمد النظام المصرى على رؤوس الأموال الأجنبية، وتطرفنا فى هذا الاعتماد.. الذى فيه الكثيرمن المؤشرات الخطيرة على كياننا ومستقبلنا الوطنى..وعندما يكون رغيف الخبزأمريكانى، فإنّ علينا جميعـًـا أنْ نتبنى تلك القضية الوطنية ونقول: رغيف مصرى لكل مواطن مصرى..وقال إنّ كل حقبة لها ثغراتها التى تفتح مجالا للفساد..وعلى سبيل المثال كان الفساد بعد يوليو52 طريق التقرب من الحـاكم..ويكفى أنْ تكون ضابطــًـا وتعتمد على علاقاتك بالقيادة، لتمارس الفساد..وفى عهد السادات كان الفساد طريق التقرب من الحاكم أيضــًـا..كما كان فى عهد عبدالناصر.. وبالتالى فعندما يـُـغلق باب الحــُـكم أمام أى محاولة فساد، فإنّ كل الأمورتنصلح تلقائيـًـا..وقال: أحزابنا أفرزتْ قيادات إدارية..ولكنها لم تــُـبرزقيادات سياسية وطنية..ولم تتحمل مسئولية أى دعوة وطنية حقيقية..وعن الانفتاح الاقتصادى/ الساداتى..وصف نجوم هذا المجتمع الانفتاحى باللصوص الذين ((هم أشبه بجماعة اكتشفوا (مغارة على بابا) وأقبلوا على ما فيها من ذهب وفضة..وهم يشعرون (بإيمان ويقين) أنّ هذه المغارة لاصاحب لها..وهوما أدى إلى الانحراف الوطنى (مجلة صباح الخير- 19 أكتوبر1987)
000
لاحظتُ- من خلال قراءاتى- أنّ ما ذكره إحسان يتطابق مع ما ورد فى كتب أخرى كثيرة، من بينها كتاب جمال حمــّـاد (الحكومة الخفية فى عهد عبدالناصر) الصادرعن دارالزهراء للإعلام العربى- عام1986..وبدأ كتابه بعجيبه من عجائب البكباشى عبدالناصرعندما رقىّ الرائد عبدالحكيم عامرأربع ترقيات دفعة واحدة، بالرغم من سخط واعتراضات زملائه..ومن كوارث ضباط يوليو1952 فإنّ القرارالأول الذى أصدره محمد نجيب..كان تعيين الرائد عبدالحكيم عامرقائدًا عامـًـا للقوات المسلحة..ومنحه رتبة اللواء (قراررقم1فى18يونيو1953) ومع مراعاة أنّ عامرلم يثبت أى ((نبوغ عسكرى..ووجود من هم أكفأ منه)) فلماذا فعل ناصرذلك؟ وما سرتلك العلاقة الغامضة بينهما؟ ولأنّ ناصرلايطيق المعارضة، لذلك أمرباعتقال ضباط سلاحىْ الفرسان والمدفعية، أصحاب التوجه الليبرالى..وكان ذلك فى15يناير53..وللتمهيد لإقامة نظام عسكرى دكتاتورى، صدرفى10ديسمبر52 قرارإلغاء دستورسنة23..وفى16يناير53 قرارحل جميع الأحزاب..ومصادة أموالها ومقارها..وفى18يناير53صدرمرسوم بقانون باعتبارالتدابيرالتى يتخذها رئيس الجيش ((من أعمال السيادة..ولاتخضع لسلطة القضاء))
وفى مطلع عام1954لم يكن باقيــًـا فى الساحة السياسية غيرجماعة الإخوان المسلمين، الذين آزروا وأيــّـدوا الضباط (منذ بداية سيطرتهم على مصر) ولذلك رفض عبدالناصرتطبيق قرارحل الأحزاب عليهم (بحجة) أنهم (جماعة دعوية) ولكن بعد تصاعد الصراع بين الطرفيْن على (عرش مصر) صدرقى14يناير54 قرارباعتبارهم (جماعة سياسية) وهكذا أثبت ناصر- اللاعب الأساسى فى مخطط يوليو52- أنه يــُـجيد اللعب بالبيضة والحجر(وفق تعبيرشعبنا المصرى عن مهارة الشخص الديماجوجى) وبناءً على هذا القرارتمّـتْ مصادرة أموال الإخوان ومقراتهم واعتقال الرموزالكبيرة..وعندما شعرناصربأنّ القاعدة الإخوانية تناصرمحمد نجيب وتعمل على عودته إلى رئاسة المجلس العسكرى، اضطرإلى الإفراج عن الإخوان..ولم يكتف بذلك وإنما زارمـُـرشدهم (حسن الهضيبى) فى منزله (سرًا) فى منتصف الليل..وبعد محاولة قتل ناصر(المزعوم) فى الإسكندرية يوم26 أكتوبر54 استغلّ ناصرهذا الحادث وشنّ حملة اعتقالات كبيرة ضد الإخوان شملتْ عدة آلاف، وتشكـــّـلتْ محكمة (عسكرية) سُـميتْ (محكمة الشعب) التى أصدرتْ حكمها بالإعدام على سبعة أفراد أولهم المرشد (حسن الهضيبى) وخــُـفف الحكم عليه إلى السجن المؤبد..وتـمّ تنفيذ الحكم على الآخرين..وبلغ عدد الذين حكمتْ المحكمة عليهم من الإخوان867 ما بين الأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة.
ولأنّ الإعلام الناصرى نسخة كربونية من إعلام (وزيرهتلرجوبلز) فإنّ استفتاء عام1956على رئاسة الجمهورية، فازناصربنسبة9ر99% وهى نسبة حجبتها السماء عن رؤساء الدول الديمقراطية، لأنّ شعوبها ترفض تدخل السماء فى شئونها وترفض إعلام (جوبلز) حبث فازإيزنهاور(رئيس أمريكا) بنسبة86ر33% .
وبعد حرب 1956ونظرًا لأخطاء كبارالضباط الفادحة، طلب ناصرمن عامرإبعاد الضباط المسئولين عن الهزيمة..ولكن عامرتحدى ناصرولم يــُـنفــّـذ الأمر..وأسبغ حمايته على بطانته من تابعيه..وبالرغم من ذلك فإنّ إعلام ناصر/جوبلزصوّرهزيمه56على أنها (نصرعسكرى) وفى اجتماع ناصرمع قادة المجلس العسكرى قال عام1962: هل يعتقد عبدالحكيم عامرأنه هوالذى بنى بنفسه هذه القوة السياسية، أنا الذى عملت على بنائها..وكنت اعتقد أننا شخص واحد..وفى لحظة مكاشفة قال للسادات: مصر((تحكمها عصابة)) واعترف محمد فوزى فى مذكراته أنه نفــّــذ أوامرعبدالناصرفى التخلص من عامر.
اختارعبدالناصرخليفته أنورالسادات ليجلس على (عرش مصر) ووصفه إعلام جوبلز/هيكل بأنه (الرئيس المؤمن) وفى تحليله لشخصية السادات ذكرزميله المؤرّخ العسكرى (جمال حمــّـاد) أنه فى البداية قال إنه لايستطيع الحكم بمفرده..وأنه سيتبع أسلوب القيادة الجماعية..ولكن التجربة أثبتتْ أنه لم يكن يعنى ما يقول..وأنّ أسلوب القيادة الجماعية غيروارد فى تفكيره..وبات واضحــًـا من تصرفاته أنه لايطيق المعارضة..واختارالحكم الفردى المطلق..وكان هوأول من انتقد عبدالناصرالذى عينه (نائبـًـا له) ليضمن أنْ يخلفه من بعده..ومثل سلفه انتهج الأسلوب الدكتاتورى. وعندما سأله صحفى بريطانى: لماذا لم يكن لك أى صوت فترة حكم ناصر..ولم تختلف معه مثل بعض زملائك الضباط؟ قال: لقد تجنبتُ الصراعات حتى أتجنب المصيرالذى تعرّض له البعض، سواء بالاعتقال أوالطرد من السلطة..وهنا ينطبق عليه التعبيرالشعبى الذى أبدعه الأميون من شعبنا ((فلان لابد فى الدره عشان يقدر يقتل عدوه)) وبينما هو(لابد فى الدرة) وانتظرحتى وفاة ناصرفإنّ غيره نجح فى السيطرة على الكثيرمن مؤسسات الدولة الحيوية (مؤسسات القطاع العام، المخابرات العامة والحربية..إلخ) وهوماجعل عبدالناصريقول لزملائه ((مصر يحكمها سامى شرف)) (ص88) ولكن فى مايو71 اعتقله السادات مع على صبرى ومحمد فوزى وشعراوى جمعة..وبتفتيش فيلا سامى شرف يوم24مايو71عــُـثرعلى تسجيلات لبعض الممثلات (مخلة بالشرف) كما فعل صلاح نصر..وتسعة أفلام8 ملم وفيلم16ملم إضافة إلى فيلم صامت لعبدالناصر((يـُـعتقد أنه قد التقط خلسة))
وأضاف حماد إنّ أغرب نشاط قام به سامى شرف (هوتنصته على عبدالناصر) وذلك بالرغم من أنّ ناصرهوالذى اختاره وهوضابط صغيرفى إبريل1955 يعمل سكرتيرللرئيس للمعلومات..وبينما كان أقرانه من ضباط دفعته لايزالون فى رتبة النقيب، توالتْ ترقياته وقفزاته، فعــُـين مستشارًا للرئيس بدرجة نائب وزيرعام65 وتــُـعادل رتبة فريق فى الجيش، أى أنه ترقىّ خلال عشرسنوات من رتبة نقيب إلى ما يوازى رتبة فريق..وفى27 إبريل صدرقرارناصر رقم685 لسنة70بتعيينه وزيرًا للدولة، ثـمّ وزيرًا لشئون رئاسة الجمهورية فى نفس العام، فلماذا ميــّـزه ناصربهده المعاملة؟ الجواب جاء على لسان سامى شرف فى التحقيق معه بعد محاكمته أمام محكمة (الثورة) مع بداية حكم السادات، حيث اعترف بأنه وشى بشقيقيه وقال: أبلغتُ عن شقيقين لى أحدهما ضابط شرطة ينتمى للإخوان المسلمين..وقلتُ إنه إخوانى خطير..وشقيقى الثانى (ضابط فى الجيش) وكان ((بيعمل اتصالات مع بعض الضباط شفت أنها ضارة بأمن وسلامة مصر..وقلتُ: لوأنّ الرئيس طلب منى أنْ أرمى أولادى الأربعة تحت عجلات القطارفلن أتردّد)) (من ص88-113)
وما نقله حماد عن اعتراف سامى شرف أثناء محاكمته، يتطابق مع ما ذكره الضابط/ المثقف (ثروت عكاشة) فى مذكراته..ولكن على لسان عبدالناصر..كتب عكاشة: أصرّعبدالناصرعلى تصعيد سامى شرف من مجرد سكرتيرلمكتبه إلى أنْ أصبح قيصرًا يُدين له الوزراء والسفراء وأصحاب المراكزالعليا بالولاء ويـُـثيرالذعرفى نفوس الكبارقبل الصغار؟ ولماذا التمسك به؟ فجاء رد عبدالناصرالصادم أنه ((شهد ضد شقيق له. كما أقسم لى أنه على استعداد لأنْ يذبح أبناءه إذا أمرته بذلك)) فما هوشعور ثروت الذى يتصارع داخله المثقف والســياسى؟ كتب ((كاد حلقى يغص بالطعام.. وعاجلنى إحساس غريب بالخشية والتشاؤم والذهول..وقلتُ لنفسى: إنّ شهادة هذا الضابط تسلخه من إنسانيته ولاتصدرعن إنسان سوى. وقرّ فى أعماقى لحظتها أنّ بقاء هذا الضابط إلى جوارالرئيس سيكون مصدرشربغيرحدود لاعليه وحده بل على الوطن عامة)) (مذكراتى فى السياسة والثقافة- دارالهلال- ج2- عام 1990- ص436، 437، 450) ونتيجة سيطرة سامى شرف على مفاصل الدولة (المدنية والعسكرية والاقتصادية) أضاف ثروت عكاشة ((وسرعان ما سرتْ على ألسنة الناس النكتة التى تقول ((إذا كان لأحدكم حاجة عند سامى شرف فليتوسط لها جمال عبد الناصرالذى عــُـرف أنّ له حظوة عند سكرتيره سامى شرف)) (ص437)
وذكرجمال حماد أنّ سامى شرف اعترف على أعزأصدقائه (شعراوى جمعة) بشأن تدبيره لانقلاب عسكرى..وقال: كان نظام العمل أنّ الاتصال بالرئيس يكون ((عن طريقى)) وأنّ توجيهات الرئيس تــُـبلغ لى..وأنا أبلغها لوزيرالدولة لإبلاغ رئيس الوزراء..وبالعكس إذا أراد إبلاغ أى أمرللرئيس، فعليه الاتصال بى..وأنا أتولى إبلاغ الرئيس)) ومعنى ذلك 1- أنّ ناصرأقام ساترًا بينه وبين وزرائه، وليس بينه وبين الشعب (فقط) 2- أنّ سامى شرف امتلك سلطة (تقدير) ما يستحق العرض على الرئيس، أوما يرى تجاهله، خاصة وأنّ الختم الممهوربتوقيع ناصركان فى درج مكتبه..وكان تعليق حماد أنه استطاع إصدارقرارات جمهورية كثيرة دون أنْ يعرضها على الرئيس (ص116)
وفى التحقيق مع شرف سأله المحقق: ماهى الدواعى المتعلقة بالمصلحة العامة، التى تسمح بمعاش استثنائى لأرملة ضابط الشرطة السابق (العباسى) بعد أنْ طلقها الفريق أول محمد فوزى؟ أجاب: أى وزيرمن الوزراء بيطلب زى دا بيمشى.
س: هل أخطرت رئيس الجمهورية بهذا الموضوع..وخاصة أنه يتعلق بإحدى زوجات الفريق أول محمد فوزى؟
ج: لا لم أخطرالرئيس.
س: هل صدرقرارجمهورى بفصل عطية البندارى (زوج السيدة نوال المحلاوى، سكرتيرة مكتب هيكل بالأهرام)؟ وقمت أنت بالاتصال بالمسئولين وطلبت منهم اعتبارقرارالفصل كأنْ لم يكن..ولم تــُـرسل لهم قرارًا بسحب القرارالسابق، فهل كان من اختصاصك أنْ تلغى قرارات رئيس الجمهورية شفويــًـا بالتليفون؟
ج: دى كانت أوامرالرئيس.
س: قرّرمحمد سعيد (لايوجد تعريف عنه فى التحقيق) أنك أخذت مبالغ طائلة من النقد الأجنبى..وأعطيتها لزوجتك..وهى مسافرة إلى لندن بصحبة شقيقها..وأنّ الكثيرمن هذه المبالغ أنفقتها أنت وزوجتك لشئونكما الخاصة، فهل أذن لك الرئيس السادات باستعمال النقد الأجنبى المملوك للدولة فى شئونك الخاصة؟
ج: سفرزوجتى للعلاج كان بأمرالرئيس السادات..وفضــّـل إنه ما يطلعش قرار.
وكان تعقيب حماد: أنه منذ عهد الرئيس عبدالناصركانت المبالغ تــُـصرف على دفعات من ((خزانة المصروفات السرية لرئاسة الجمهورية بالعملة الصعبة (ومعظمها دولارات) بناءً على أوامرسامى شرف..وأضاف أنّ شرف اعترف فى التحقيق بأنّ كل الأصناف المذكورة فى الكشوف (من المصرفات السرية لرئاسة الجمهورية) معظمها ((فساتين وأقمشة وسجاد خاصة به وبأسرته وكانت بالعملة الأجنبية..وبإذن خاص من الرئيس عبدالناصرالذى كان على علم بهذه المشتريات.. وكان عبدالناصريقول له: أنت يا سامى تستحق أكثرمن هذا مقابل جهدك واللى انت بتعمله عشانى..واعترف شرف- كذلك- أنّ عبدالناصرلم يـُـحدد له قيمة المبلغ (من المصروفات السرية) وأنه هو(شرف) الذى حـدّد المبلغ قياسًـا على المنح التى كان يمنحها عبدالناصركل سنة للوزراء..وكانت فى حدود خمسة آلاف جنيه (بسعرالستينيات) وعترف شرف بأنّ حفل زفاف كريمته تكلف أكثرمن 1500جنيه من المصروفات السرية (من ص111- 120)
وفى20مايو1971قال السادات فى خطابه أمام مجلس الشعب: لقد أمرنا النائب العمومى بفتح خزانة سامى شرف والتحقيق معه..وبتفتيش الفيلا التى كان يعيش فيها مع أسرته..وكانت مكوّنة من ثلاثة طوابق..ولها حديقة كبيرة..ومستأجرة من شركة مصرالجديدة بإيجار20جنيها..وجاء فى محضرالتفتيش العثورعلى أشرطة تسجيل وزجاجات خمر..ونظرًا لضخامة المضبوطات وتنوّعها بدرجة تثيرالشك فى مصادرها..وكيفية الحصول عليها، نرى اتخاذ اللازم نحوالتحفظ عليها..والتحقيق بشأنها- توقيع عميد السيد فهمى- مديرالمباحث العامة.
تبيــّـن من أشرطة التسجيل- وبعد تفريغها شريطيْن لجلسات (تحضيرالجان والأرواح) وحضرالجلستيْن كل من: شعرواى جمعة (وزير الداخلية فى عهد عبدالناصر) والفريق أول محمد فوزى (وزيرالحربية فى عهد عبدالناصر) وسامى شرف..وجــّـه الحاضرون أسئلتهم للوسيط الروحى عن كيفية مقاومة إسرائيل.
فى البداية دعا الوسيط لهم بأنْ يـُـبصرهم الله بالطرق الصائب..ويوصلهم إلى بر الأمان.. فسأله فوزى عن (مواقع الهجوم على العدو..واتجاهات التقدم فى المعركة القادمة. ثـمّ وجــّـه كلامه لسامى شرف..وقال له: يا سامى إنّ موضوع الإجراءات التأمينية يجب أنْ يستمرلتأمين الدعم لصالح مصر..وإلاّيصيرالوطن فى يد رجل آخر(فى تلميح فج للحاكم الحالى- السادات) واستمرّالوسيط الروحى كلامه فقال: وأنت يا فوزى عليك أنْ تتأكد من الصف الثانى فى قيادة السلاح الجوى..وأنت يا شعرواى إنّ بعض الناس استغلوا اتصالا كنت تقصد به لم شمل عناصرمختلفة، ولكن ذلك لم يلق أذن مصغية..وندعوالله إلى توفيقكم..وأضاف: احذروا سوريا (وهنا يتبادرإلى ذهن القارىء العقلانى) إذا كانت جلسات (تحضيرالجان والأرواح) جلسات (مسيسة) فلماذا كان تحذيرالوسيط (المسيس) من سوريا؟
وجاءه سؤال: ما هى أفضل أساليب التعامل مع السادات..وما هى نواياه بشأنهم؟ أى أنهم لم يسألوا عن نوايا السادات نحومصر..وإنما نواياه عنهم.
وسأله شعراوى جمعة: أنا لوسمحت لى، فيه انطباعات عندى، أنا حاسس إنْ فيه قيادات بتعمل ضدنا. فقال الوسيط: عليكم بالمحافظة على الطريق..وأنْ تتبوأوا أماكن التحكم فى الأمور..وإنّ المهادنة السائرة حاليا (مؤقتة) فسأله شعراوى: فهل تقديرنا نحوالسادات تقديرسليم؟ فقال الوسيط: نعم لكن العبرة بتجميع أصحاب الرأى..وسأله سامى: هل أكبر رأس بيحطنا فى مقدمة العمل..ويستفيد مننا وبعدين يرمينا..وإلى أى مدى نــُـسالمه؟ فقال الوسيط: عليكم بالمهادنة المؤقتة.
س: ما هوالتوقيت المناسب لبدء المعركة مع إسرائيل؟ وهل من الأفضل القيام بانقلاب عسكرى ضد السادات قبل معركة التحريرأم بعدها؟ وسأل فوزى: هل تأمين الجبهة الداخلية يسبق المعركة؟ أم المعركة تسبق تأمين الجبهة الداخلية؟
الوسيط: المعركة سابقة توقيتا.
شعراوى: تفسيرالعزم الذى كرّرته كثيرًا يحتاج إلى جهد كبير.
الوسيط: نعم.
فوزى: توقيت المعركة الموجود فى ذهنى هل هومناسب أم لا؟
الوسيط: مناسب جدًا..واستعدوا.
فوزى: الانقلاب ضد السادات يكون قبل معركة التحريرأم بعدها؟
الوسيط: بعدها.
فوزى: الموجودون حولى فى العمل، هل جميعهم مخلصون؟
الوسيط: من حيث الإخلاص لاينطبق على أحدهم صفة الخيانة.
شعراوى: هل سأكلــّـف بتشكيل الوزارة ؟ وإذا عــُـرضتْ علىّ هل أقبلها أم من الأفضل التأجيل؟
الوسيط: تــُـقبل الآن؟
شعراوى: وهل تعتقد أنّ السادات سيعرضها علىّ؟
الوسيط: سيعرضها.
ما سبق نماذج من أسئلة قادة كبارفى مؤسسات الدولة للوسيط (الروحى) وكان تعليق المؤرّخ العسكرى (جمال حماد) أته لولا أنّ سامى شرف استخدم هوايته فى تسجيل جلسات (تحضيرالأرواح) لظننا أنها من الحواديت الخرافية أومن قصص ألف ليلة وليلة..وكم هوشيىء يدعوللخزى والعارحينما تكون سياسة مصرتــُـرسم فى غرف تحضيرالأرواح..ويكون المستشارأحد الدجالين (من ص134- 140)
ونقل حماد نص حكم محكمة (الثورة) يوم10ديسمبر1971ضد الفريق أول محمد فوزى..وحكمتْ عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة..وعند التصديق عليه من رئيس الدولة خفــّـف العقوبة لتكون الأشغال الشاقة15سنة..وذلك بالرغم من أنّ المادة رقم138 من قانون الأحكام العسكرية- فى مثل حالة فوزى- هى الإعدام..وأنّ تلك المادة أضافها فوزى عندما أصدرالقراربقانون رقم82سنة1968..وذكرحماد: وهكذا شرب فوزى من الكأس التى أعدها لغيره..ولكنه لم يمض من مدة العقوبة المُوقعة عليه غيرعاميْن قضاهما بين مستشفى الحلمية العسكرى ومستشفى المعادى العسكرى..ولم يدخل السجن مطلقــًـا مثل زملائه الذين صدرتْ ضدهم الأحكام بالأشغال الشاقة..ولما تظلم هؤلاء وطلبوا من السادات المعاملة بالمثل ردّ عليهم بأنّ القائد العام للقوات المسلحة، لايوضع فى السجن أبدًا لأنه ((رمزمن رموزالجيش. وحتى لوأخطأ فيجب ألاّيكون حزاؤه ما يمس كرامته أوكبرياءه)) وبعد قضاء العاميْن فى المستشفى أصدرالسادات فى27يناير74قراره بالإفراج الصحى عنه.
000
أعتقد أنّ ما حدث تحت سنابك حــُـكام يوليو52بقدرما كان كارثة على شعبنا المصرى، فإنه يصلح لإبداع أدبى فانتازى..وخاصة جلسات تحضيرالأرواح لمعرفة كيفية مُـجابهة إسرائيل.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الضباط الاحرار ؟؟
على سالم ( 2019 / 11 / 11 - 04:25 )
واضح ان مصر حظها اسود دائما , البلد محكومه بعصابه من البلطجيه واللصوص والقتله والغوغاء والشبيحه منذ مايقرب من سبعين عام !!؟؟


2 - رغم غرابة ما قرأت
عدلي جندي ( 2019 / 11 / 11 - 16:29 )
إلا إنه واضح ولا يزال قراءة الغيب والطالع هما القاسم المشترك للعسكر ف قيادة مصر المنكوبة بهم
فقد ذكر السيد الرئيس السيسي إنه إستخار ب الله في أكثر من مناسبة وإنه مولود ف حي.......وسط كان يسمع ويثقف ويكتمل وعيه من خلال خطب الشعراوي ومش فاكر إيه كمان
وقال لشيخ الأزهر (الغير شريف ) سوف يحاكيه أمام الطوطم 
ولا عزاء لشعب مصر المتدين بالفطرة
تحية لك أيها الوطني الموسوعي وتحية لمجهوداتكً

اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah