الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختام الحورية

رستم محمد حسن

2019 / 11 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الاختام الحورية (الهورية)

أهمية دراسة الاختام :
كشف الأختام في المقام الأول الأحداث والرموز المقدسة مثل الألهة ، الشياطين ، والمشروبات الروحية ، والصفات المقدسة ،حيث توضع على الختم وتشكل مادته، فتوفر الأختام بذلك مزايا لدراسة التأثيرات الثقافية والتبادل التجاري بين الدول ، ولأن صاحب الختم يعتقد ويؤمن بأشياء يضعها على الأختام كمعاني مقدمة تمنح الختم هيبة وتشمل صاحبه وتحمي ما قام بختمه ، أو أنهم يخشون فقدان فضتهم ، بضائعهم ، موقفهم . كل هذه الدوافع كانت في وعيهم ، عندما كانوا ينقشون أختامهم ويتمنون الحماية من آلهتهم فهي عدا عن كونها دليل ملكية شخصية في حالة البضائع ودليل صحة الرسالة في المراسلات فإنها أيضاً تميمة تبعد الشر عن محتواها وعن صاحبها في نفس الوقت، ويمكننا ايضا معرفة الكثير عن التاريخ القديم سواء من النواحي السكانية أو الدينية والأساطير ، عدا عن الظروف الإقتصادية والإجتماعية، فالأختام ليست إلا مصورا مبهمة على شكل لغز يحتاج إلى من يفهمها، أي أن الأختام تعامل بوصفها وثائق في حد ذاتها .
والختم الهوري هو عبارة عن خرزة أسطوانية تصنع من مختلف أنواع الحجارة تكون مليئة بالعقائد الدينية والأساطير وصور الآلهة والأحداث الأخرى،و هنا لا يفوتنا أن الأختام لم تكن إسطوانية في بادئ الأمر بل قطعة مبسطة من طين أو حجر وكان الإسطواني أرقى الأشكال .

منزل بوشام في اوركيش :
اعتبر هذا المنزل من أضخم المنازل العائدة لفترة البرونز القديم والوسيط بحسب بفلسنر حيث كانت مساحته تعادل مساحة القصور، وقدكان للمنزل وظيفة اقتصادية بدليل الكتابة التي وجدت على ختم بوشام Pusham وهو حوري يدعي بأنّه وكيل لدى تاجر استيراد وتصدير من الجنوب، وهو ما يؤكد أيضاً ارتباط أوركيش بعلاقات تجارية مع مناطق بعيدة خلال فترة أواخر الألف الثالث ق.م.
عثر بداخل منزله على أكثر من 150 طبعة ختم، كما عثر على مجموعة كبيرة من الأختام وطبعات الأختام (أكثر من ألف طبعة ختم) حوالي 150 منها توجد عليها كتابة (48) بداخل القصر، وبالتحديد في المستودعات على أرضية بعض غرفها، وكذلك في ساحة القصر المخصّص للأمور الإدارية، التي كانت تستقبل البضائع من القرى والمزارع المجاورة, كانت هذه الأختام ممهورة على السلال والجرار الفخارية والصناديق والأكياس وكذلك على الأبواب, لتأمين محتوياتها ويعود تاريخ معظمها إلى الربع الأخير من الألف الثالث ق.م.
هذه الأختام منها ما تعود للأسرة المالكة كالملك توبكيش والملكة أقنيتوم والملكة تارام أكادا والملك إيشار كينوم، ومنها ما يعود لأشخاص مرتبطين بالقصر كالمربية زامينا والطباخة تولي وبعض الشخصيات المرموقة كالتاجر بوشام، ولم يعثر على أي مكان في ميزوبوتاميا وفي أي فترة تاريخية قديمة على أختام تحمل خصوصية محددة وتفاصيل تعبّر عن ثقافة مختلفة كالتي وجدت في أوركيش، فقد قدّمت هذه الأختام تفاصيل دقيقة من خلال طرحها لمواضيع كثيرة تعلقت بطبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأسرة الحاكمة والحاشية وأيدولوجية السلالة الحاكمة وفكرة الخلافة والتعاقب على العرش وطبيعة الاسماء والألقاب الملكية والمصاهرات السياسية, كما طرحت الأختام مواضيع إدارية كثيرة أظهرت دور المرأة الرئيس في متابعة تلك الأمور، ودورها في عملية الإشراف على البضائع وصرفها والتعاون مع أشخاص ينوبون عنها في المراقبة والتسجيل وذلك داخل القصر وخارجه، بالإضافة إلى مواضيع أخرى متعلقة بدور مطبخ القصر ونوعية الوجبات وكذلك أمور التربية والعناية بالأطفال.
ويعتقد أنّ الملكة أقنيتوم هي من كانت تشرف على المستودعات المتعلّقة أو المخصصة بالبضائع، وكانت تشارك زوجها أمور الحكم، حيث ظهرت على العديد من طبعات الأختام وهي تلبس ثياباً راقيةً وتجلس بمحاذاة زوجها، كما في طبعة الختم المسمى “مشهد العائلة” وكأنّها لا تقلّ مرتبة عنه، وكانت تطلق على نفسها ملكة أوركيش أو زوجة توبكيش.
كما أن زامينا المربية وتولي الطباخة اللتان كانتا تحملان طبعات أختام بأسمائهما ما يدل على مكانتهما الهامة في القصر ودورهما الحساس, فـزامينا وتولي كانتا مرتبطان بالملكة أقنيتوم – التي يعتقد أنّها من أصول أكادية – مباشرة حيث كانت زامينا تشرف على تربية الأولاد وتلقنهم الثقافة الحورية كاللغة وغيرها، كذلك تولي كانت تشرف على أمور الوجبات ونوعيتها لغاية تتعلق بالاهتمام بالأطعمة التقليدية والعادات المتعلقة بآداب الطعام.
كذلك عالجت الأختام الكثير من المواضيع ذات الصلة بالميثيولوجيا الحورية والآلهة ورموزها ودور الكهنة وواجباتهم تجاه المعبد والمدينة، كما طرحت الأختام مواضيع اقتصادية كثيرة متعلّقة بالإنتاج, بالإضافة إلى كلّ هذه المواضيع قدّمت لنا الأختام مادة لغوية من خلال النقوش الكتابية القصيرة ذات الصيغة التعريفية للمشاهد المصورة، كما قدّمت لنا أفكاراً عن نوعية اللباس والهدايا التي كانت تقدم للملك والملكة وللقصر في تلك الفترة.
يذكر أنّ الأختام التي كانت تحمل نقوشاً ذات طبيعة متعلّقة بالأمور الروحية والطقوس الدينية كانت نادرة، لكن في أوركيش عثر على أختام تتعلّق بتقديم الأضحية خلال الطقوس، كما في المشهد الذي يظهر كاهنات وثور وشجرة نخيل, منها ما هو عائد للملكة تارام اكادا، حيث وجدت العديد من الأختام باسمها أيضاً.

تفاصيل بعض الاختام الهورية :
في ختم إكتشف في تل موزان يعود لزوجة الملك ( توب . كيش ) الأكادية ، الأم والأب مع أطفالهم، في مشهد عائلي سعيد ، يبدو أنه يُلمح عن إعلان أو منشور سياسي ، لأن الملكة واحدة من الزوجات الكثيرات لدى الملك ، وهي تريد أن تؤكد أن إبنها هو الذي سوف يخلف أباه على العرش، وقد صرحت هذا على ختمها الذي يُصور المشاهد اليومية في القصر الملكة جالسة على كرسي ، في مواجهة الملك ، تشير رمزيا مساواتها مع الملك مثل هذا الملصق يراه جميع الناس الذين يخدمون في القصر .
الأختام الملكية المكتشفة في تل موزان تقدم ظاهرة جديدة : وهي تكرار الصور البصرية لإعطاء تعابير عن مخاوف الأسر الحاكمة او من خلال تصاميم خاتم الملك والملكة ، و إثنين من رجال البلاط الملكي ، الختم يوضح مدى قوتهم ، من خلال تجاور الملك إزاء الحيوانات البرية القوية ، مثل الأسد ، الذي هو أيضاً رمز مهم للإله ( Nergal ) .
واحدة من السمات غير المألوفة من فنون النقش في تل موزان هي الإرتباط الكبير بين المشهد والنقش ، ونقل تفاصيل دقيقة في القصر وكذلك الحياة اليومية للملك ووريثه أو مع عماله وكبار موظفيه بل حتى مطبخه، هناك ميزة ثانية هي فريدة من نوعها في تل موزان ، في تصوير بالمرآة أي يظهر إنطباع الختم مقلوباً عندما يختم.
ومن مكتشفات أوركيش هناك ختم يتألف من ستة عناصر في أيقونة هذا الختم، العناصر الأولى والثانية هي حيوانات ، أول على رأس الثانية، الحيوانات ذوات الأربع لديها أجنحة، وكلاهما في مواجهة العنصر الثالث الذي هو الإله ، يرتدي تنورة وشيئان يخرجان من كتفيه ، العناصر الرابع والخامس هما حيوانات مماثلة للأول والثاني ، كما تواجه هذه الحيوانات العنصر الثالث ، أما العنصر السادس والأخير فهو شخصية إنسان ، واقف وينظر إلى الخلف، و على ما يبدو أنه يحمل فأس في اليد اليمنى، ويمكن تأريخ الختم إلى الربع الثاني من الألفية الثانية .
إن الفن الذي نستطيع اكتشافه على أختام الحوريين ،هي الواقعية التي كانت ممتعة في الفن الحوري ، والتي أنتجت مجموعة هائلة من الرسوم عن الحياة اليومية، كمثال على هذا ، الملك والملكة يشربان نخبهما وخادمة المطبخ تخض الزبدة ، مغنية بصحبة عازفة غيتار ، وحمل صغير يرضع ، مع إمرأة تصنع قدور .
يعد النخب الملكي من الرسوم المكررة على الأختام ، ومن أكثر الأواني الفخارية تكراراً في الأختام ، هي الأكواب المخروطية، ومن أفضل الأمثلة التي توضح التأثير الحوري على سكان إقليم الشمال الرافدي ما أورده ( مور تكات ) على الصفحة (333) من كتابه الموسوم الفن في العراق القديم ، حيث يوضح ( مورتكات ) بشكل واقعي إنتقال هذا الرمز الأجنبي من الأختام الحورية إلى الأختام في شمال الرافدين إبان العصر الوسيط .

مقارنة بين الاختام الميتانية وغيرها في بلاد الرافدين :
على النقيض من أختام بلاد ما بين النهرين ، الأختام الميتانية كانت معمولة بعناية ، وخلق شعور من التوازن ، كانت التصاميم متناظرة ، وكانت المساحات الميدانية مفتوحة.
كانت التصاميم الميتانية أكثر تجريداً من تلك العائدة لبلاد الرافدين ، ربما بسبب ما تحمله من ثقافة آرية والمعتقدات الأرية ، ففي تل براك ، وجدت أختام في القصر الميتاني والمنازل المتاخمة له وفي المعبد الميتاني شكل ختم ( SauStalar ) نموذجاً للأختام الميتانية، ، وإتصالهم الوثيق باريي الهند ، حيث يظهر طائر الطاووس في الختم والذي يرمز إلى الإله ( فارونا ) أما الشخصية المركزية فهي رجل بجناحي نسر وارجل أسد وهو يشي بعبادة ( ميترا ) وقد وجد هذا الختم في ( نوزي وأم الفحم وتل براك ) .

المادة المصنوعة للاختام:
من حيث المادة المصنوعة فيمكن تقسيم الأختام الحورية إلى نوعين : الأول : هو نمط مشترك مادته من الفخار المزجج أو من الحجر الصابوني ، إكتشف في منطقة الشرق الأوسط في مستويات تعود إلى القرنين الخامس عشر والرابع عشر . مع إنتشار جغرافي واسع إنتهى مع تدمير الإمبراطورية
أما النوع الثاني فهي مجموعة متنوعة من الاختام عادة ما تكون من الاحجار الملونة: الرخام، حجر الصوان أو الهيماتيت
اما الأختام الحورية العائدة إلى مدينة أوركيش، فيمكن تقسيمها إلى ثلات مجموعات 1 - أختام منحوتة محلياً بأسلوب رسم تخطيطي .
2 - الأختام الصغيرة التي تعود الى تشبيه العائد للجنوب الرافدي في بدايات الفترة الاكادية.
3_ تتكون هذه المجموعة من الأختام التي تعود إلى العائلة المالكة، وفي هذه المجموعة الاخيرة لدينا أختام الملك والملكة واطفالهم

المصادر :
كتاب الحوريون ل عبدالجبار رشيد رشيد
دراسة ل رستم عبدو في مركز الفرات للدراسات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة