الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترابي بين نارين

مهند عبد الحميد

2006 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فجر المفكر الإسلامي السوداني حسن الترابي قنبلة من الوزن الثقيل، عندما أفتى بزواج المرأة المسلمة من الرجل الكتابي. وساوى بين شهادة المرأة والرجل بل فضل شهادة المرأة في بعض الاحيان. وأجاز إمامة المرأة العالمة في الرجال والنساء والصلاة المختلطة شريطة التباعد وعدم الاحتكاك. ونفى عذاب القبر. وقدم تفسيرا مختلفا عن التفسير الشائع للحجاب والنقاب الذي اعتبره تفسيرا خاطئا لمقاصد الدين وللآيات الكريمة التي نزلت بخصوصها. وكل ذلك جاء في محاضرة القاها حول دور المرأة في تأسيس الحكم الراشد.
اجتهاد الترابي الذي أثار جدلا صاخبا، يعبر عن صراع فكري قديم جديد بين مدرستين في التأويل. المدرسة السلفية التي تملك رصيدا كبيرا من الفتاوي والتأويل وقد وضعته في عداد الحقائق الدينية المقدسة، بعد أن غيبت وسجنت العقول وصادرت الحق في الاختلاف والتأويل من غير موقعها ومواقفها. والمدرسة العقلانية التي تطرح تطوير وعقلنة الفكر الديني بما ينسجم مع احتياجات العصر وتحديات الحداثة.
قدم الترابي نموذجا للتأويل العقلاني مخترقا بذلك الوصاية التقليدية للمدرسة السلفية في مجال تأويل النصوص الدينية. إنها محاولة أخرى لكسر احتكار التفسير وملائمة التأويل مع التطورات الجديدة بعيدا عن الجمود ومحاولة تغييب وسجن العقول وهيمنة النقل على العقل. لم يكن إفتاء الترابي في قضايا حساسة وإشكالية من هذا النوع زلة لسان أو مناورة سياسية، بل كان امتدادا لما ورد في كتابه الشهير" الفقه السياسي" الذي يتضمن أفكارا شبيهة. ويجوز القول أن أفكار الترابي هي امتداد لمحاولات إصلاح الفكر الديني السابقة. فهي وثيقة الصلة بأفكار ابن رشد، وبدعوة ابن عربي للانفتاح على العقائد والأديان الأُخرى. وهي منسجمة مع دعوة اللجوء للبدعة من قبل الشيخ محمد عبده، ودعوة قاسم أمين إلى تحررالمرأة ومساهمتها في نهوض المجتمع وتطوره، وكل مثقفي النهضة الذين قادوا الانفتاح الفكري.
حاول الترابي إعادة الاعتبار للعقل، فقدم رؤية أخرى تسمح بوجود تفسيرآخر قائم على العقل والمنطق والتسامح، وغير مقيد بأحكام يقينية مطلقة من صنع البشر. وجاء اجتهاده في سياق تلمس الطريق لتجاوز محنة التخلف والانغلاق والهزائم المتواصلة التي أخرجت حضارتنا من الزمان والمكان. هل سيصمد الترابي أمام ردود الفعل الشديدة التي ليس أقلها إقامة دعوى قضائية تطالب بإقامة حد الردة عليه، واتهامه بالزندقة؟ إن صمود الترابي وأمثاله يرتبط باستفاقة النخب والأحزاب والمثقفين واصحاب الفكر من حالة التماهي مع الوصاية على العقول، بما في ذلك مصادرة الحوار حول مصير ومستقبل الشعوب العربية والإسلامية. وإلا بقي بين نارين، نار التكفير ونار المتماهين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah