الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

ميشال شماس

2006 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنها الحرية الإنسانية تتجلى بأبهى صورها ومعانيها في أن يكون الإنسان حراًً في اختياره حتى مع الله القادر على كل شيء، الذي لم يشأ أن يكون الإنسان عابداً له بالإكراه، بل منحه حرية الاختيار وهذا ما أكد عليه الإنجيل المقدس : " وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن به فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم" (يوحنا 12/47) "أدخلوا من الباب الضيق. لأنه واسع الباب، ورحبٌ الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك" ( متى 7/13) وجاء في القرآن الكريم : "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(الكهف29) وجاء أيضاً " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" ( يونس 99).
إنها أقوال عظيمة بلا أدنى شك أسست لحرية الإنسان ليس في مسألة الإيمان وحسب، بل في مسألة الكفر أيضاً, بصفتها حقيقة موضوعية غير خاضعة للمناقشة أو حتى الرفض. ويبقى علينا نحن المسيحيين والمسلمين، اليهود والبوذيين والهندوس وجميع بني البشر، أن نؤمن بهذه الحقيقة الساطعة. فليس بعد ذلك لأحد منا سواء كان مؤمناً أو غير مؤمن، وسواء كان حاكماً أو محكوماً، أن يحجب هذه الهبة الإلهية العظيمة عن الناس. لابل يجب أن تبقى مهمتنا الأولى التي يجب أن نتصدى لها نحن البشر وبلا إبطاء في أن نمنع الكفر من أن يتحول إلى ظلم اجتماعي ومعرفي أو اقتصادي أو سياسي..الخ.
ولم يشأ الله القادر أن يجبر أحداً من الناس، ولم يكره أحداً أيضاً على الالتزام بدين أو مذهب معين، بل ترك للناس حرية الاختيار كما يشاؤون " فإنكم إنما دعيتم للحرية.. فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها " (رسالة بولس إلى أهل غلاطية 5/13و1) وفي قوله :"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ( البقرة :256 ).
ولم يوصِ الله جميع الرسل والأنبياء بحفظ وصيانة حرية الإنسان وحسب، بل وأوصاهم أيضاً بتكريس السلام والتسامح المحبة والعدل بين بني البشر "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى5/11) هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم(يوحنا 15/12) "إن لم تغفروا للناس زلاَّتهم، لا يغفر لكم أبـوكم أيضاً زلاَّتكم" (متى 6/ 15)، "لاتحكموا حسب الظاهر، بل أحكموا حكماً عادلاً "( يوحنا 7/24). وقوله في القرآن أيضاً : " ادخلوا في السلم كافة " (البقرة: 208). قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"(آل عمران: 31)." فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"( المائدة 13) ""إن الله يأمر بالعدل والإحسان( الشورى 15).
وجاءت المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية لتكرس أيضاً وأيضاً حرية الإنسان في ممارسة حقوقه العامة بحرية دون إكراه، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في مادته الأولى: "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء" ونص في ( المادة- 18): ": " لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده".. ونص في ( المادة- 19): "" لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
وجاء العهد الدولي الخاص في الحقوق المدنية والسياسية ليعزز أيضاً من حرية الإنسان ويضفي عليها مزيداً من الحماية: (المادة-18): "1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة..2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.3- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. 4- تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة ".وجاء في (المادة -19): "1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
وهكذا نجد أن حرية الإنسان ومحبته وسلامه وعدله وتسامحه شكلت محور الرسائل السماوية والأساس التي بنيت عليها مختلف العهود والمواثيق، بصفتها أعظم هبة من الله منحها لجميع بني البشر بصرف النظر عن دينهم أو جنسهم أو عرقهم، هبة منحها الله للإنسان ليس باعتباره مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً أو صابئاً أو هندوسياً أو بوذياً أو وثنياً..إلخ، بل باعتباره إنساناً.
فأين نحن من كل هذا؟ وماذا فعلنا نحن البشر حكاماً ومحكومين بالحرية التي وهبنا إياها الله حتى الآن ؟ وهل تركنا لبعضنا حرية الاختيار كما وهبنا إياها الله ؟ أو هل تعاملنا حتى مع بعضنا بالمحبة والتسامح بعيداً عن أي إكراه كما أوصى بذلك الله من خلال رسله إلى بني البشر ؟ فإذا كان لا إكراه في الدين فمن باب أولى أن لا يكون في السياسة إكراه أيضاً، ولا في الزواج إكراه ، ولا في التربية إكراه، ولا في الثقافة إكراه، ولا في الاقتصاد إكراه ..إلخ
لذلك أعتقد إن الترجمة الحقيقية والصحيحة لما جاءت به الرسالات السماوية وأيضاً ما جاءت به المواثيق والعهود الدولية عن حرية الإنسان وحرية الاعتقاد والدفاع عن حقوق الإنسان بصفته إنساناً، هو في أن نعيد بناء وطننا من جديد "كدولة حديثة" وطناً يكون لجميع أبنائه، ولكي يصبح الوطن كذلك حقاً، لابديل لنا من العمل على إضفاء الطابع المدني الديمقراطي على وطننا وتنشئته وتنميته على هذا الأساس، وطناً يرتكز أولاً وأخيراً على مبدأ المواطنة الكاملة، والمبنية على الحقوق المتساوية لكافة المواطنين وتمتعهم على وجه الخصوص بحرية الفكر والعقيدة وسائر الحريات العامة والخاصة بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق..
دمشق 22/5/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah