الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبلنا وليد وعينا

صليبا جبرا طويل

2019 / 11 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"المعرفة الظاهرة في الوعي، أقل رعبا من تلك المتراكمة في اللاوعي، التي خضعت لمؤثرات اجتماعية عدة، ولأهداف تربوية ممنهجة تلقاها الفرد في طفولته".

معرفتك تشكل وعيك ، وعيك يشكل هويتك، هويتك تشكل شخصيتك، هناك جوانب تمتاز بها عن غيرك، انت تعيش في مكان معين، أنت جزء من المكون الكلي للعالم، جزء من هذه الملايين، فلا يمكن ان تدرك نفسك، وتبني وعيك بوجودك، ما لم تتفاعل مع محيطك اولا، والعالم ثانيا. ادراك الواقع العالمي في عالم اليوم أصبح سهلا وضرورة حضارية، وسائل التواصل الاجتماعي والمعرفة باتت مفتوحة وفي متناول الجميع، وهي ضرورة اساسية. تعرف الويكيبيديا الموسوعة الحرة "الوعي: بأنه محصلة ما يُكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله". وما تكون سلفا من افكار تتعلق بالألم ( مآسي) واللذة (متعة) منذ طفولتنا يختزن في اللاوعي، والافكار – في الوعي - التي تتوافق مع تلك الموجودة في اللاوعي تبني سلوكنا. ويُعرف عن اللاوعي انه اكثر تحكما من الوعي في الانسان.
هل تمكن وعي الانسان العربي في الزمن الحاضر، من بناء وتشكيل مفاهيم جديدة اكثر مرونة من تلك التي تلقاها في طفولته؟ هل الوعي عند الانسان البدائي كمثله عند الانسان في عالم اليوم؟ هل الوعي في العصر الحاضر يختلف عن الوعي في العصور الماضية؟ هل هناك قواسم بين وعي الانسان الاسيوي والانسان الاوروبي؟ هل هناك فرق بين وعي الذكر ووعي الانثى؟ هل هناك تماثل في الوعي بين كل الاجناس البشرية؟ هل هناك شعوب وعيها يعشعش خارج حاضرها؟ لماذا البعض يريد ان يسيطر على وعينا، ويشكله ؟ هل وعي المؤمن أرقى من وعي الملحد؟ هل يوجد اختلاف في الوعي بين افراد العائلة الواحدة؟ ما هو الاختلاف بين وعي الفرد ووعي المجتمع؟ ... عشرات الاسئلة تتعلق بالوعى يمكن طرحها، ومئات الاجابات يمكن ان نخرج بها.
المصادر التي تشكل وعينا، هي: الفلسفة، الثقافة، علم النفس، السياسة، الاقتصاد، علم الاجتماع، العقيدة، العادات، التقاليد، قيم المجتمع الاخلاقية، الطبيعة ، الاحداث التاريخية... الخ تستقبلها حواسنا لتدخل عبرها الى العقل، وخلايا العقل العصبية تعالجها، تم يصدر العقل مخرجاته لتسير تصرفات وسلوك الانسان وتعبيراته، واقواله، ومواقفه، في الموقع المكاني الذي يعيش فيه الفرد. لذلك نستنتج، ان لكل زمان تفسير خاص لوعي الانسان يساهم في بقائه كجنس بشري، كوننا نتميز عن الكائنات الحية الاخرى بالتفكير، لا بالغريزة ، فان الهدف السامي لذلك هو استمرار الوجود البشري وتمكنيه من السيطرة على الكون، لا امتلاكه.
الوعي لا ينشأ تلقائيا، بل يتكون كناتج تراكمي يتزايد باضطراد من خلال المصادر المعرفية المتنوعة العديدة التي اختزنها الدماغ خلال مسيرة الحياة منذ طفولتنا لتشكل في النهاية افكارنا. الاختلاف المعرفي بين البشر يمكن تحديده، فهو يكمن في الاهتمام، وبالكم، وبالمصدر الذي استقى منه معارفه، كما ويرتبط بعوامل طبيعية، وبعوامل ايحائية ، أو الهامية نحصل عليها من مصدرين: الافكار الروحانية الإيمانية القائمة على وجود خالق للكون، التي تطورت بذاتها خلال مسيرة الحياة على الارض من بدائيته الى صورتها الحالية، أو من الافكار الالحادية القائمة على التفسيرات العلمية لتكوين الكون. هذان الطرحان ولدا صراعات، ونزاعات دموية بين كل من المؤمنين والملحدين وكل منهم ما زال حتى يومنا هذا يدافع عن تفسيراته. لا يمكننا ان ننكر ان هناك طرح ثالث يربط بين العلم والايمان فكل من المصادر الثلاث السابقة الذكر ساهم في بناء وعي الانسان واثر في صواب، وخطأ قراراته واستنتاجاته.
ازمة الوعي عند الفرد والمجتمع، سببها استدعاء المعرفة المخزنة في اللاوعي، فعند الشعوب التي تتحكم الغيبيات بكل تفاصيل حياتها ، المعرفة التي تكونت لديها نتيجة ضعفها من الخروج من واقعها الفكري المأزوم، العاجز عن التحرر من قيود الماضي، يمنعها من التفكير. ازمة الوعي ايضا جاءت كمحصلة لعجز هذه الشعوب من الولوج والالتحاق بالركب العلمي والفكري في عالمنا المعاصر، فكبت في زمن غير زمانها. خوف هذه المجتمعات على التقليد والتراث، وعجزها على نقله نحو الحاضر استنزف طاقاتها وهدرها، وشوش قدرتها على التفكير، واغلق بوابة المعاصرة امامها، وشكل وعي لا يناهض التغير والتقدم . بل يخدم في ابقاء وعيها يعشعش في الماضي، ويعيش كل انسان ومجتمع فيها خارج وعي زمانه ، مما يدفعه على تقزيم علمائه ومفكريه، يزدري التطور، ينافق ويفسد بأفعاله، عنيف بتصرفاته، لئيم بموافقه، خبيث غدار يدعى الاخلاق ولا يمارسها، ظالم بقراراته وعدالته، يحظر الحريات ويمنعها، ببساطة لعنة على الوعي الفردي والجمعي...أتساءَل، هل سيخرج انسان هذا المجتمع ، وينطلق بشكل سوي سليم، لا يغمره انحطاط فكري في فكره ووعيه؟؟؟ الوعي القائم على الولاء عند هذه التجمعات، يتكون حتما دون تمحيص وتفكير، مما يدل على تكوين عقول غير ناضجة معرفيا، نبتت في مجتمع متخلف مدمر. يجب ان يحرر الوعي من كل من له دور في تقنينه، ومنعه، ومصادرته.
الحقيقة الثابتة، أن كل تقدم علمي، وتطور تقني يساهم في تشكيل المجتمع، لينقله نحو واقع جديد، واقع تكنولوجي ينقلنا نحو معرفة جديدة لا تخضع لمعايير ايجابية أو سلبية ، الا انها قائمة ومستمرة، فيها الخير لبناء عالم مسالم، وفيها الشر تؤدي الى هلاك الجنس البشري. كلا الامرين يحتاجان الى وعي يتطابق والمعايير الجديدة، يقف عندها وعي البشر نحو منعطف البقاء أو الفناء. المرونة في هذه المرحلة ضرورية لأجل الاستمرار في بناء نظام عالمي موحد الجهود والافكار. عالم ينتصر فيه الوعي المنفتح على الوعي المنغلق. . خلال هذه النقلة يجب مراعاة، ومعالجة الافكار التي تسيطر على المجتمع واعطاؤها دفعة ديناميكية نوعية ومناسبة، كي يتمكن المجتمع من المرور بسلام خلال مخاضه العسير الذي قد يرافقه الكثير من الآلام والدماء التي قد تستمر لعقود، النقلة من الجمود الى الحركة هو اندماج في عالم يتصاعد نحو تحقيق علمي وخلق انسان اكثر اعتمادا على العلم. لذلك من لا يتجدد مع كل طرح جديد يبقى يعيش رهينة الماضي، يصارع من اجل بقائه، واستمرار ديمومته، في النهاية اما ان يساير الواقع واما أن يبقى في مربع الماضي ليذوى ويلقى فناءه.
لا يوجد مجتمع لا يعرف الانحراف والفساد وسوء الاخلاق – لها درجات - ، الا في قاموس المثالين الطوباويين المزيفين الذين يرو العالم بلون واحد. بالجمود والتكلس من صفات المجتمعات البدائية ،التي لا تهضم ، ولا تدرك معنى بناء وعي فردي وجمعي على مستوى المواطن والوطن، بعيدا عن مفاهيم دينية تم تقيدها من قبل رجال دين، وتم قولبتها لا لتناسب العصر بل لتناسب عصور مضى وعفا عليها الزمن، متناسين ان العقيدة جاءت لكل زمان ومكان. ان كمالية البناء الاجتماعي تقاس في مقدار حجم الحريات الممنوحة، وفي تحقيق العدالة والمساواة بين كل مكونات المجتمع، وبعدم التمييز بين الذكر والأنثى، وبين طائفة واخرى . مجرد تلقي الفرد معلومات تشير الى اختلاف بين طرف واخر فذلك سيشكل اختلاف وعي مجتمعي، وتكون قوته المؤثرة على الوعي والسلوك الناتج عنه بمقدار اظهار الاختلاف العقائدي.
دفع وعي الفرد نحو التغيير، يتطلب تحرر نظام التربية من كل القيود والمؤثرات والتقنيات التي تؤطر الفكر وتشكله، واستبدالها بنظام أخر اكثر انساني، وعالمي، الى جانب المحلى المتحرر من لحظة الولادة. يبدا الخروج على ومن المعيقات الاجتماعية يتطلب جهوداً مكثفةَ لإحداث هذه النقلة النوعية، فان حدثت ستتمكن البشرية من تحقيق نقلة جبارة نحو وحدة ليست محلية فقط، بل عالمية لكل شعوب الارض. فيها تسود العدالة والمساواة...الخ، منها ينطلق العالم كله بقفزة عالمية نحو الكون.
نركز على الوعي ولا نركز على ما اختزن في اللاوعي. الوهن الذي نعاني منه سببه يكمن في المدخلات التي تلقيناها في طفولتنا. وعينا اشبه بمارد يعيش في قمقم لاوعينا يستدعيه كل ألم، أو لذة تصيبنا، نَمر بها خلال مسيرة حياتنا. الوعي لا تبنيه قوة من خارج الكون ، بل يبنى بقوة حجم المعرفة ، ونوعها المتجذرة في داخل المجتمع وتوجهاته الثورية الثقافية . الوعي الذي نريد تحسينه، واللاوعي الذي نريد تحطيمه ، اعيد لا يمكن تحقيقه الا بنظام تربوي سليم. دون البحث في مخزون اللاوعي الذي تلقيناه في طفولتنا لن يحقق أي تغيير، خاصة ان كنا سطحيين، ومتلاعبين في التفسير والتحليل والتمحيص. لا نبحث عن من تسبب في تخلفنا وكوارثنا، فنحن عميان ولا بصيرة لنا، نستمر في بناء انسان قديم في وعيه، جديد في مظهره. علينا ان نتذكر بأن المفاهيم الخاطئة، التي رسمت سلوكنا بالأحقاد، والكراهية، والانتقام، والعنف، ارتدت الى ذاتها ولم تعالج قضيانا. وجود عقل كوني / الله ، ووجود تفسيرات علمية للكون، تؤكدان، وتجزمان، على ان الانسان يمتلك العقل، والحرية، والمسؤولية، والارادة.
الوعي الذي يتأرجح غير مستقر بين الماضي والحاضر، غير قادر على التخلص من الماضي، وغير قادر على النهوض المجتمعي في الحاضر ، لأنه ما زال متعلقا في نقطة انطلق منها في الماضي، الماضي المتشدد الذي قولب الجمود، وفرضه على الاغلبية الساحقة - كونها فئة غير مثقفة - من منطلق جهلها للأمور. فكان التشدد اكثر قبولا، ليس عن قناعة بل عن خوف فأختبأ في لا وعينا، وما زال يقرع على ذاكرتنا يحثها على رفض واستيعاب وتفهم الحاضر، ومقاومة أي تشكيل لوعي يلائم العصر. أتساءَل هل تأثر وعينا من تجارب الشعوب وثوراتها للتحرر من قيود السلطات الدينية والسياسية
أردد للمرة الثانية، أن مالك الكون - العقل الكوني الجبار/الله - وهب الانسانَ عقلاً، ليكون صاحب ارادة حرة ومسؤولة، اغفال هذه الحقيقة، دليل على أن جهاز قياسنا، ومعاييرنا العقلية والسلوكية نشأت على وعى يسيطر عليه نظام، وفكر، وتراث قديم، وحياتنا الفكرية الحاضرة تمثل استجابة صريحة لاستمرار وعينا في تقوقعه، وفهمه على اننا الافضل، والأميز من كل شعوب الارض. رؤيتنا هذه لأنفسنا حتما ستصدمنا يوما ما بواقع أليم جسيم، عندها سيصحو ويثور المجتمع على كل هذه المعايير. التحدي الاكبر يبدا في اعادة النظر – من قبل المثقفين، والمعنيين -، وتصحيح ، وتشذيب، واعادة تقييم، كل ما تعلمناه تربويا خلال الطفولة، ونستثمر كل جهودنا وطاقاتنا في بناء وعي يلائم الحاضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah