الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وار معجورج أرثور غولدشميث .. قلق الصفحة الممتلئة

الحسن علاج

2019 / 11 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جورج ـ أرثور غولد شميت
قلق الصفحة الممتلئة
لقاء مع اسم كبير للترجمة الأدبية ، في الوقت المناسب حيث كرست فيه مدرسة جديدة نفسها لذلك في باريس .
أجرى الحوار : ألكسيس بروكاس
ترجمة : الحسن علاج
بتر هاندكه Peter Handke) (بالفرنسية ، إنه هو ! وفي الغالب هو كافكا المحاكمةو القصر ، زرادشت نيتشه ... مترجم ذائع الصيت ، فقد كرس جورج ـ أرثور غولد شميت Georges – arthur Goldschmidt) ( ثلاثين سنة من حياته لصالح هذا النشاط الملغز الذي يكمن في عبور الأدب الألماني [نهر] الراين الروحاني الذي يفصله عن القراء الفرنسيين . كاتب ، لقد روى ، في [كتاب] عبور الأنهار ، قصته : [قصة] مضطربة ، طفل صغير ، ولد سنة 1928 ، بالقرب من هامبورغ ، في كنف أسرة يهودية متحررة اهتدت إلى البروتستانتية ، كان أفرادها يتصورون أنفسهم كألمانيين متفوقين . طفل صغير متعجل بواسطة سيول التاريخ خارج بلده ، في إيطاليا أولا ، ثم بفرنسا ، حيث تعلم ما يسميه " لغة نشأته الثانية " . أخيرا ، فقد كتب جورج ـ أرثور غولد شميت ) ج أ غ ، مثلما يوقع في غالب الأحيان ( العديد من البحوث والمقالات الأدبية ، حيث تغذت معرفته الحميمية باللغات من تأملات المهاجمة للتقاليد أحيانا ، لكنها تأملات تظل ناجعة في غالب الأحيان .
غالبا ما ينظر إلى المترجم على أنه الحلقة الضعيفة في الإبداع الأدبي ، لا يتم ذكر اسمه إلا فيما ندر... وها أنتم ، جورج ـ أرثور غولد شميت ، تقدمون البرهان على أن المترجم موجود .
جورج ـ أرثور غولد شميت . لا ، إن المترجم لا يوجد تحديدا إلا باعتباره مترجما ، فلا ينبغي أن يُسمع سوى المؤلف ! يتم تهميش المترجم بشكل خاص في المسرح ، فهو يعتبر بمثابة متمم ، إن المخرجين بشكل عام ) مثل ستانيسلاس نورديه (Stanislas Nordey) يعتقدون في آن واحد أنهم يتممون المؤلفين والمترجمين ، ومع ذلك ، بدون مترجم حقيقي فإن النص لن يكون له وجود .
لقد كتبتم كثيرا حول موضوع : ليست الترجمة تقنية خالصة ...
ذلك ما يعتبر فظيعا ورائعا في الوقت نفسه في عمل الترجمة . فليست الكلمات هي التي تتم ترجمتها ، فما تتم ترجمته هو ما يقوله النص ، وليس بالطريقة نفسها . لا يُترجم النص بحسب ما يتم اعتقاده ، ذلك مثير للسخرية . فلا ينبغي على المترجم أن يُؤول أبدا . وفي الحقيقة ، أن المترجم هو من نلتمس منه ، بالرغم من تاريخه الطويل ، بالرغم من كل ما يعرفه ، بالرغم مما يفكر فيه ، ألا يقول شيئا حول النص . كما أننا نعول على سعة شخصيته الشفهية كي تتلاشى بالتحديد . عليه أن يصبح المؤلف ، وفي ذات الوقت ليس عليه أن يُؤول . لقد اعتقدت لوقت طويل أن اللغات تشكل عائقا لا يمكن تجاوزه . إنها كذلك ، جزئيا ، لأنكم لا تعيدون أبدا صوت الآخر في لغة ما . ومع ذلك ... فمنذ وقت ليس ببعيد ، كتب إلي هاندكه من أجل أن يقول لي : " لقد أعدت قراءة كتاب) نا( " ـ فقد كان الأمر يتعلق ب[كتاب] عودة بطيئة . إن الترجمة تعمل على إرضائه في الصميم إلى درجة ألاَّ لا يعرف جيدا من يكون ومن أكون . إنه لا يمكنكم الحصول على مزيد من الثناء .
بالضبط ، فكيف يحل المرء محل المؤلِّف من دون أن يؤول ؟
لا ينبغي على المترجم أن يتساءل : " آه ، إن هذا ما يود قوله . " فحينما نكون أمام جملة ذات تناغم سياسي تقريبا ، فلا يمكن إضافة أي شيء لهذه الجملة . عندما وضع هاندكه كتابه حول صربيا)1( ـ ويعلم الإله أن ذلك فُهم خطأ ـ ، حول المشاهد الطبيعية ، فقد كان ذلك بعيدا عما كان يحدث . على المترجم ألا يأخذ بعين الاعتبار تلك الأحداث . تكمن الصعوبة هناك . والانبهار أيضا . على أن الترجمة أقل صعوبة من الكتابة , وهي في نفس الوقت غاية في الصعوبة . إنكم لا تعانون من أهوال الصفحة البيضاء ، على أنه لديكم صفحة أكثر امتلاء أمامكم . ثم إن تلك الصفحة الممتلئة تماما ينبغي أن تصبح صفحة فارغة . وعليكم أن تعيدوا اكتشاف الكل دون إلحاق أي تغيير عليه ، ينبغي على النص الآخر أن يكون هو نفسه .
هذا يعني أنه من أجل ترجمة الشعر ، من الفضل أن تكون شاعرا ؟
لم يسبق لي أن ترجمت الشعر أبدا ، باستثناء [قصيدة] قصيدة للدوام لهاندكه ، غير أنها نوع من النثر . فأنا لا أؤمن بإمكانية ترجمة الشعر . إن الشعر يخجلني . إن الميل إلى الأبيات الشعرية ، الذي يفيد " لاحظوا ، فأنا شاعر " إن ذلك يجعلني أغير الاتجاه .
[كتاب] سعادة العابر ، تتكلمون ، عن الطريقة ، التي بدا من خلالها بودلير متكلفا بالألمانية ... حالة بول سيلان Paul Celan) ( مترجَماً بواسطة أندريه دي بوشيه André du Bouchet) ( ، ثم إنه " حل محل دي بوشيه " ، وقد تمت الإشارة إلى ذلك مرارا .
إن ترجمة أندريه دي بوشيه تعتبر مزحة . فهو لم يكن يجيد الألمانية آنذاك ... لم يسبق لي أن قرات سيلان بالفرنسية . فهو يكتب بالألمانية لغة لم تعد موجودة . إنها [لغة] مستقبل لن يحدث أبدا . لقد أنقذ الألمانية. إن سيلان ، يعتبر أقرب وأبعد من الشعر . فضلا عن ذلك ، لقد وقعت على ترجمة سوبيرفياي Supervielle) (عبر سيلان . ظلت القصيدة هي هي . نتيجة ترجمة سيلان كانت مذهلة . على أن ذلك لا يمت أبدا بأي صلة بالأصل .
هل تودون القول أن تلك الترجمة أمست عملا من نفس المستوى ، مثلما نعتبر ترجمة بو Poe) ( من قبل بودلير ؟
تماما . تتحول الترجمة ذاتها إلى نص مُؤَسس . وهو ربما ما نطلبه منها ، لكنها لعبة رهيبة ومحفوفة بالمخاطر .
هل تقرؤون ترجمات كثيرة ؟
لا أقرأ بتاتا ترجمات من الألمانية . أولا لأنها مزيفة . وبالتالي فإن ذلك يعتبر مخالفا لقواعد اللياقة بالنسبة إلى المترجم ، طريقة مراقبة بوليسية : " لقد أخطأت ، لا ! " دائما ما يتم الوقوع على تلك الأشياء حيث يُقال : " لم أترجم مثل هذه [الترجمة] ! "
صعب هو مصير المترجم . فحينما تكون الترجمة ناجحة ، فإنه نادرا ما تتم الإشارة إلى نجاحها . وعندما تعتبر مخطئة ، فإننا نقوم بمهاجمتها هجوما سريعا وغير متوقع . وهكذا ترجم ألكسندر فيالات Alexandre Vialatte) ( كافكا .
صحيح . دون علم من بعضنا البعض ، قام بيرنار لورثولاري (Bernard Lortholary) وأنا بإعادة ترجمة [رواية] المحاكمة في وقت واحد . ثم إن برنار ، صديق ، لا يجامل فيالات المسكين . إن ترجمة فيالات تعتبر ترجمة رديئة إلى أبعد حد . كان فيالات يترجم بمعية زوجته . فحينما كانت تذهب إلى حال سبيلها كان يستمر في الترجمة ، وعندما تعود لا يعرفان أبدا نقطة توقفهما ، حتى إن ثمة مقاطع رائعة ، وأخرى خاطئة تماما . غير أن تلك الترجمة تعتبر ترجمة مُؤسِّسة )2( ، وبفضل فيالات فإن الكل فهم ما كان كافكا يرغب في قوله . إني أتساءل إذا ما كانت ترجمة رديئة لا تقود بالتساوي نحو ما يرغب المؤلف في قوله .
إنها فكرة من [كتاب] سعادة العابر : لا يمكننا تفويت ترجمة نص عظيم تماما . إن المعنى يعبر دائما .
هو ذاك ، ومن ثم سيكون هناك وقت سوف يتم فيه إعادة ترجمة العمل . لحسن الحظ ، وهو ما ينقذ الأدب ، إذا ما بليت الترجمات ، فإن النص ، ذاته ، لا يشيخ ! ظاهريا على الأقل : إنه يحرص دائما على نفس المظهر ، لكن هل يُفهم على الدوام بذات الطريقة ؟ أعتقد أن الترجمات هي انعكاس لتغيرات الفهم . فلا شيء يبرهن على أننا نقرأ [مسرحية] فاوست لغوته كما تمت كتابتها . ثم إن اللغات تتغير . في غالب الأحيان تقول لي زوجتي أنني أتكلم فرنسية قديمة تماما ، فرنسية تعود إلى عام 1950 . وأقول لها : لقد وجدت الباب موصدا " ، ثمة عبارات مثل هذه لم يعد أي أحد يفهم معناها . فضلا عن ذلك ، فإني غالبا ما أكتب بالألمانية ، ثم إن مصححة ناشر كتبي ، فيشر فيرلاغ Fischer Verlag) ( ، تقول لي : " إن ما يعتبر رائعا في لغتك ، هو أن لا أحد يتكلمها . " ثم إن الجيل الفرنسي يتكلم لغة مختلفة تماما عن لغتنا . في اليوم الآخر ، كنت جالسا في المترو وكان هناك ثلاثة شبان من حولي . كانوا يتكلمون لغة لا أجدها مفهومة . كنت أصيخ السمع إليهم وهم يشيرون في حديثهم إلى دافيد بوفي (David Bowie) ، في ذلك الحين انخرطت في النقاش ، وقد أجابوني بفرنسية خالية من الأخطاء . فقد كانوا مزدوجي اللسان تماما ! على أن الفرنسية قد تطورت كذلك . وهو ما يدعو إلى إعادة صوغ كل الترجمات . ففي عقودي ، تتم الإشارة بطريقة محددة ومباشرة ، إذا ما رأى الناشر أن الترجمة طالها القدم ، بإمكانه أن يطلب من المترجم أن يعيد ترجمتها أو أن يعيد ترجمتها شخص آخر .
وهو ما يبدو مهيمنا لديكم ـ وحتى في كتبكم ، [كتاب] عبور الأنهار وسعادة العابر ـ ، إنها رغبة الانتقال .
لا قيمة للكلام إن لم يتم نقله . لا قيمة له بالنسبة إليكم ، إنه خلق للآخر . إني أتمتع بهذا الحظ الخارق ، والذي لا أستطيع أن أقاومه ، أن أتوفر على لغتين بداخل جسدي . إن الفرنسية والألمانية تسكناني . لا يتمتع غالبية المترجمين بهذا الحظ . وأتساءل ما إذا كانت مشاكل الترجمة لا تنشأ من كون أن الناس لا يجيدون أساسا اللغات التي يترجمونها . إنها مشكلة ال" كتاب المتَرجَمون " . أندريه جيد مُترجَمٌ إلى الألمانية ، هناك ما يكفي لجعل حصان خشبي يضحك . جيد جدا ، لكن ليس هو من قام بالترجمة . لقد نسق الترجمة . فمن أجل الترجمة ، لا يكفي فهم ما تريد الكلمة قوله ، ينبغي معرفة أيضا كل ما يحيط بالكلمة ، كل احتمالات الحلم التي تتواجد حول أدنى كلمة .
فهذا هو المكان الذي يقترب فيه عمل الكاتب . كل كاتب يعرف أن كل كلمة تفك كونا عن ارتباطاته .
فإذا لم ينسجم هذا الكون مع العبارة المترجمة ، فلا داعي إلى ذلك . بطبيعة الحال ، فإنه سوف لن يطابق تماما مع ، على أن المترجم بإمكانه أن يعطي الانطباع بأن العبارة هي أكبر مما تبدو عليه . لقد عشقت ـ منذ ثلاثين سنة ـ عمل ترجمة هاندكه . فمع هاندكه ثمة تأثير لفظي ونصي متبادل ، يقين " إنه جيد أيضا " . لديه إحساس بأن ترجمتي هي بالضبط ما كان يرغب في قوله . لأجل هذا ، فحتى لو أنتم لم تروا المناظر الطبيعية الموصوفة من قبل المؤلف ، ينبغي أن تجد نفسك مجتازا بواسطة إحساس ما يصف . لا بد من ترجمة الكلمات بحيث تتم رؤية أنها تتأتى من تلك السينما ، وليس من النص . فبمعية برنار لورثولاري ، لطالما تحدثنا عن ذلك . فقد ظهرت ترجمتانا ل[رواية] المحاكمة في وقت واحد . إنه النص ذاته بكل دقة ، ثم إن هذا ليس له ارتباط بذلك . لأنه فرنسي ، قبل كل شيء ، وقد ترجم بشكل رائع على الطريقة الفرنسية ، جيد جدا . أما أنا فقد جئت بحذاءيَّ الضخمين لقروي وقد ترجمت بغباء عبر قواعد النحو الألماني ، لما كان ذلك ممكنا . كانت فرنسيتي سميكة جدا ، لكنها أسهل من لغته ، على أنه ، في نفس الوقت ، فإن أشخاصا قالوا لي بأنها [اللغة] كانت أقرب إلى كافكا .
سبيلان نحو كافكا ؟
لقد جعل برنار لورثولاري أن كل متمسرحيات didascalie) ( ، لو شئنا استعمال كلمة المسرح هذه ، في السياق ، طريقة الشعور باللغة الفرنسية . فقد حاولت الحفاظ على اللغة الألمانية في الحدود القصوى . عاملا على قلب البناءات عندما كان الأمر يتطلب ذلك . لقد انتهكت بإخلاص ، وانتهك برنار بمبالغة فيما هو فرنسي . ومع ذلك ، لديكم كافكا في كلا النصين .فهذا هو الذي يعتبر غريبا .
لقد قلتم أن لديكم الفرنسية والألمانية في جسدكم . ففي سعادة العابر رويتم علاوة على ذلك كيف تم وضعكم في مدرسة داخلية ب[قرية] موجيف Mogève) ( في أثناء الحرب ، فقد لا حظتم أنكم كنتم تتكلمون الفرنسية بالاستماع إلى عبارة " نديفة " .
لم ألقن الفرنسية . لقد حللت في مارس [1939] بالمدرسة الداخلية . وفي شهر نونبر ، عندما جاءت أول نديفة ، أدركت أنني فهمت الفرنسية دون معرفة أنني " فهمت " ... قبل ذلك ، كنت أعتقد أنني لم أفهم شيئا . صبي ما يلج اللغة بدون ترجمة . صبي لا يشتغل مثل راشد . إنه المشكل الكبير للتعليم : يعتقد الراشدون بأن الأطفال يتعلمون بنفس الطريقة التي يتعلمون بها. عندما طُلب مني أن أترجم للمرة الأولى ، لم أفهم ما طُلب مني . لماذا أترجم ، حينما لم تكن لدي حاجة إلى ذلك ؟ وبالتالي ، لقد اجتزت امتحان البكالوريا ، الإجازة والتبريز . لقد تعلمت الترجمة ، على أنها نشاط كان بالنسبة إلي غريبا تماما . فالمترجم ، الذي لا يشعر بالحاجة إلى ذلك ، يترجم من أجل أشخاص هم في حاجة إلى ذلك ، الذين لا يستطيعون القيام بذلك لوحدهم . المترجَم ، هو نفسه ، يكون فائضا . إنه نشاط عبثي . ليس لدي أي مبرر لترجمة أي شيء مهما يكن . علاوة على ذلك ، فإن ذلك أصبح بالنسبة إلي غاية في الصعوبة .
تترجمون دائما ؟
لقد توقفت . يلومني هاندكه قليلا ، وأنا ألوم نفسي أيضا ، على أنه لاأجد الوقت لترجمة [كتاب] السقطة الكبيرة . لقد أصبحت مسنا جدا من أجل إنجاز ذلك ، ومسنا جدا كذلك من أجل الكتابة . تعمل الترجمة على أن تضخ قوة مشابهة لديكم . لأن الكل يتسكع ، وهوب ! ينبغي عليكم سحب القبضة اليمنى ، ومن الصعب معرفة أنها الأحسن . من ثم فقد فقدت قليلا الاتصال باللغة ، ولدي إحساس بأن الترجمة أصبحت شيئا فشيئا صعبة . ربما لأني أتراجع أكثر ، واها يا لسوء حظي!في لغة نشأتي . تعرفون أدلبير فون شاميسو (Adelbert von Chamisso) الذائع الصيت ، مؤلف [كتاب] بيتر شلوميهل أو الرجل الذي باع ضله . فقد كان يشغل محافظا للمتحف النباتي ببرلين . وكان فرنسيا . اسمه شاميسو دو بونكور Chamisso de Boncourt) ( وقد أساء والداه التصرف [قبل الثورة] حيث لم يتم العثور على أي أثر لقصرهما في بورغونيا Bourgogne) ( ، عمل كسب قوت أسرته اليومي بتقديمه لدروس في اللغة الفرنسية . وحينما داهمه الموت ، لم يعد يتكلم الفرنسية أبدا، ولم يتمكن أي أحد حوله من فهمه . أتمنى أن يأتيني الموت وأنا لا أتكلم الألمانية ، بل الفرنسية . سوف يكون من المزعج جدا الشروع في الكلام باللغة الألمانية ساعة احتضاري . وشيئا فشيئا ، سوف تتقدم لغة النشأة الأولى على الثانية . علاوة على ذلك ، سوف يتم وصل تلك صعوبة الترجمة . في العمق ، فهي [الترجمة] لن تصبح عملا إلا حينما يجيد الناس لغة الراشد بين الآخرين تماما . هناك الأمور تسير بشكل جيد . على أنه بالنسبة لي تعتبران لغتي طفولة .
فضلا عن ذلك ، فإن المعرفة الشخصية بالألمانية هي التي سوغت لكم اكتشاف البدايات النظرية الأولى للنازية في [كتاب] العامل لإرنست يونغر (Ernst Junger) ، وخصوصا دون توقف عن فضح الالتزام النازي لهايديغر ، لزمن طويل قبل إعادة اكتشاف ال" دفاتر السوداء " لم يقدم لكم البرهان على ذلك .
لقد انخرطت في ذلك كثيرا منذ أربعين عاما . تعتبر قضية هايديغر فضيحة بكل المقاييس . الآن ، يجد المرء نفسه مرغما على إدراك أن هذا الأبله غولد شميت كان محقا في ذلك ! طيلة أربعين سنة ، كتبت مقالات صغيرة في جريدة العالم (Le Monde) ، في مجلة La Quinzaine) ( ، لما كان المرء يعمل على إرضاء هذا العقل الشرير الذي يدس نفسه فيما لا يعنيه ... لا يمكن للمترجم أن يدرك ماالذي تشتمل عليه تلك النصوص ، ليس الإيديولوجيا ، هناك ما هو أسوأ من ذلك ،بل على الرؤية الأساسية النازية . من المستحيل في الفرنسية فهم [عنوان كتاب] الكينونة والزمان أساسا ما الذي يجعل منه كتابا قوميا ـ اشتراكيا . ففي [كتاب] سبل مقطوعة ، يتكلم هايديغر ببراءة عن " قوة الاستيلاء على الصيارفة " Wechsler) ( . على أن كلمة صيارفة في الألمانية تكون متبوعة بالضرورة بالمرابي Wucherer) ( ، ثم إنها تحمل كل الكليشيهات عن النزعة المعادية للسامية . تتضمن لغته كليشيهات حول اليهود الذين لا يظهرون في الفرنسية . ثم إن الطامة الكبرى هو أن لا أحد من أولئك المترجمين لا يجيد الألمانية كفاية بغية ترجمتها . أو أن لهم سوء طوية . إن الفيلسوف الفرنسي العادي لن يستطيع فهم تلك اللغة .
هل ستكون للنازية إذن لغة في حد ذاتها ؟
لطالما كُتب بخصوص تلك اللغة الفاسدة . ال[مقالة المختصرة] L T I) ( ، " لغة الرايخ الثالث " ، إنها لغة إجرامية يكمن جوهرها في الاغتيال والتي جرحت اللغة الألمانية بشكل دائم . إن لتلك اللغة النازية طريقة في التشكل لما يُلاحظ فورا ، يدركها الألمان فورا . لديكم في اللغة الألمانية 2500 جذر يضاعفونها إلى ما لا نهاية ، كما هو الحال بالنسبة لتربيعات الشطرنج . إنكم تبتكرون لغتكم بقدر ما تتكلمون . إنها لغة لا محدودة ، تبتكرون الكلمات وكل الناس يفهمونكم .
ثمة قلق يتكرر مرارا في كتاباتكم : إنه قلق الوضوح . ينبغي على نص ما وبشكل دائم أن يكون مفهوما فورا ؟
إن نصا فلسفيا لا [يقبل الترجمة] هو نص لا معنى له . يُترجَم ديكارت تماما ، وكانط أيضا : إن ترجمتا ترامسيغيس Tremsaygues) ( وبارني Barni) ( و أرشمبولت Archambault) ( هما ترجمتان تامتان . إن كانط مترجَما إلى الفرنسية ـ الذي يعتبر بالنسبة لي الفيلسوف الأخير ، بعد ذلك ثمة [فلاسفة] مثرثرون ـ ، إن الأمور تسير على ما يرام . في حين أن ، هايديغر ، لا يُعرف جيدا ماذا يعني هذا . يكتب نيتشه أو هاينه Heine) (لغة مذهلة وخالية من العيوب ، ذات جمل قصيرة . إنهما يكتبان مثل فرنسيين ـ وهو اللوم الذي وُجِّه لهما . لأن ألمانيا يكتب مثل فرنسي يعتبر في فرنسا غير ملائم . فُتن الفرنسيون بالجانب المتماسك ، الكثيف ، والغامض لهايديغر . خلافا لذلك ، فإن نيتشه يكتب بلغة ذات صفاء خارق للعادة . وهو ما يجعل ترجمته متيسرة جدا ـ ومع ذلك فإن بعض المفاهيم صدمتني وأنا أترجم زرادشت ، فعلى سبيل المثال عبارة der mensch) ( ، " الكائن البشري " . ثم إن عبارة الإنسان ، تعتبر في الفرنسية عبارة شديدة الغموض . لكن ذلك ليس أساسيا . يُفهم ذلك فهما جيدا . لطالما كنت داعية إلى تحري الدقة ... فقد كنت أتلهى بالترجمات المختلفة لفرويد . ولاسيما مجموعة لابلانش Laplanche) ( (4) التي ، لشدة تشبتها بالبقاء وفية للنص ، جعلته غير مفهوم . كل المشكلة تكمن هنا . لست على دراية بصحة هذا المثال على أنه يُحكى أن مترجم [رواية] الطبل الصفيح لغونتر غراس ـ جان أمسلر Jean Amsler) ( ، الذي كان يشتغل أستاذا ب[قرية] كوندورسيه Condorcet) ( ـ حدث أن ضاعت منه نسخته وقد أعاد كتابتها اعتمادا على ذاكرته . وكانت الترجمة رائعة . فقد كان ينبغي إعادة السرد بدلا من الترجمة . أو بالأحرى إعادة السرد أثناء الترجمة .
وإذن تم العثور على مصدر إلهام الكاتب ؟
ينبغي التوفر على نوع من الشعور المتقد ، على قوة محركة داخلية . إذا كنتم تترجمون بدون شعور متقد ، من الأفضل لكم البقاء في البيت . فلا جدوى من ترجمة لا تتمتع بالصعوبة اللازمة . زد على ذلك أنها ليست ترجمة . لديكم في الوقت الراهن آلات للترجمة تقوم بذلك بشكل جيد .
بهذا الخصوص ، لقد أوضح ريشار ماييه Richard Maillet) ( بأن انتشار أعمال مترجمة بالفرنسية سوف يبتكر نوعا من الفرنسية النوعية ، فرنسية مترجمة من الإنجليزية التي سوف تصبح لغة الكتابة للكتاب المعاصرين ؟
إن ذلك رهيب . وعادل جدا . ففي ترجمة ما ، على النص أن يحافظ على وجهه . تعتبر ترجماتي لهاندكه في حدود لغة لا وجود لها . فإذا كان النص واضحا ، وكُتب كما لم يكتبه أي شخص آخر ، وإذا لم يتم صيانة ذلك ، فإن الترجمة لا وجود لها إذن . إذا كنتم تترجمون في لغة متوسطة ، ففي تلك الحالة كل شيء يمسي سخيفا . هذا هو السبب في أن الترجمة لا يجب أن تبدو غريبة على اللغة الفرنسية لكن يمكن أن تمتلك مظهرا غريبا . لقد قمت بترجمة نصي النداء ، إلى الألمانية . نفس المصححة قالت لي : " لا أحد يكتب اللغة الألمانية على هذا النحو . ولن يكتب بها أي أحد إطلاقا لأنها لغتك ، لغة لا وجود لها . " أعتقد أن على المترجم أن يفعل هذا . طبعا ، ثمة كتب كُتبت مباشرة في لغة متوسطة ، لكن هذا ... يوجد في الألمانية ترجمة لبروست لسيدة طاعنة في السن اسمها إيفا راشيل ـ مورتنس (Eva – Rechel Mertens) وقد كانت بالضبط في ذلك الوجه الغريب للألمانية عندما يقول الأشياء بطريقة مغايرة عما يجب أن تكون عليه . ينبغي لذلك أن يكون proxissime) ( للنص دون أن يمتلك مظهرا غريبا .
لطالما فكرتم في الاختلافات بين اللغة الألمانية والفرنسية . هل تعتقدون بوجود شيء مثل روح الشعوب ؟
لا أؤمن بروح الشعوب ، لقد ظهرت هذه الأسطورةالمروعة في بداية القرن العشرين . ليس للشعوب روح . وإنما لها لغات . إن الاختلاف الكبير يصدر عن إصلاح مالهيرب Malherbe) ( الذي قام بتجديد الفرنسية . لقد تم استبعاد كل المحتوى المادي . على خلاف ذلك ، فإن اللغة الألمانية تمنحكم كل شيء . في الفرنسية ، يضع المرء منشفة على المائدة . وفي الألمانية ، يكون المرء مرغما على تحديد الحركة : فإما أن تكون المنشفة ممددة على المائدة ، أو موضوعة بشكل شاقولي . إن كل طفل عمره سبع سنوات يفهم ما يكتب هيغل ـ ليس المعنى ، بل التعرف على الكلمات . تمتلك الفرنسية بعض النقط المادية الملفتة للانتباه ، إنها أكثر " ترددا " منها من الواقع . تعتبر الفرنسية لغة حشمة ميتافيزيقية ، التي تحمي أهوالا ، على أنها تتستر كثيرا ، ففي الفرنسية ، يتم الحديث عن " معركة " ، كلمة جميلة جدا . في الألمانية ، يُقال لهذا الschlacht) ( ، ومعناها " مجزرة " . كذلك فإن " الحنين إلى الوطن " ، الذي يقال لها heimweh) ( . وهي كلمة لا وجود لها في الفرنسية ... بالإمكان التساؤل إذا ما كانت فصاحة وخطابة الفرنسية لا تجعلان ذلك لا واقعيا إلى حد ما ماعدا ذلك الإمساك الصلب بالواقع الذي يقدم للألمانية نجاعتها .
زد على ذلك أنكم وسعتم هذه المقارنة إلى الموسيقى .
بالطبع ، إنه الاختلاف المتضارب بين مارك ـ أنطوان شاربنتييه (Marc – Antoine Charpentier) وجان ـ سيباستيان باخ Jean Sébastien Bach) .(
لا تمتلك الموسيقى الفرنسية قط ذلك الجانب العسكري الذي يلاحظ لدى كارل أورف Karl Orff) ( أو فاغنر . يتلاءم ذلك مع هايديغر . ثم إن الفرنسيين يفتتنون بذلك ، الذي يعتبر مهددا بالنسبة إلى فرنسا . إن الموسيقى الباروكية الفرنسية سوداوية وباسمة . أما عند الألمان، فهي تبدو أكثر مأساوية . ليست البروتستانتية هدية بالضرورة ... كذلك ، فإن الرسوم الفرنسية ، والألمانية شديدتا الاختلاف . بقيام الألمانية بتقديم وصف للواقع في اللغة ، ليست في حاجة بالقيام بذلك ، في الرسم . وتصدر التعبيرية عن هذا . في حين أن الفرنسيين ، حتى وإن كانوا منزعجين مثل أوديلون رودون Odilon Redon) ( أو الرسوم الرومانسية ، فهم واقعيون . ففي القرن العشرين ، تتقاطع الرسوم الأوروبية ، غير أن سيزان Cézanne) ( سوف لا تحدوه الرغبة في أن يكون ألمانيا . وفان غوغ Van Gogh) ( لديه جانب فرنسي لافت للنظر .
أنتم لستم ببعيدين جدا عن البير كوهين Albert Cohen) ( مذكرا بسحر الألمان من أجل " القوى المظلمة للطبيعة " ...
ففي كتابه الثري جدا تكوين ، يتحدث بيير غويوتا Pierre Guyotat) ( عن خط ذاهب ، كما أعتقد ، من[مدينة] كانتربوري إلى البندقية . فما وراء ذلك ، يقول ، يوجد الليل . وهذا صحيح . في العالم المسيحي ، عمل الرومان على وضع الفرنسيين في ما هو إنساني ، فهم لا يستطيعون بسهولة السقوط في " القوى المظلمة " . بيد أن القوى تغري مثقفينا . إن الفرنسيين ، بفضل اليهودية ـ المسيحية ، فقد تمكنوا من التخلص من التضحية البشرية . وفي الألمانية ، فإن عبارة تضحية وضحية ، لهما نفس المعنى : Opfer) ( .
ـــ
هوامش
(1)Un Voyage hivernal vers Le danub , La save , La Morava et La Drina , traduit de l’allemand (Autriche) par Georges lorfévre, éd : gallimard , 1996 .
(2)قام ألكسندر فيالات بترجمة رواية المحاكمة لكافكا سنة 1933 بدور نشر غاليمار .
(3)L T I : lingua Tertii imperii , selon nom que lui donne le philologue allemand Victor Klemperer dans son ouvrage L T I , la langue du troisième réich , éd : Albin Michel 1996 .
(4) جان لابلانش (1924 ـ 2012)، فيلسوف ومحلل نفساني ، قام بالسهر على ترجمة الأعمال الكاملة لفرويد بدور نشر : (presses universitaires de France )
مصدر النص : المجلة الفرنسية الأدبية Le Magazine Littérai








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟


.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و




.. أطفال يروون تفاصيل قصف مدرسة نزحوا إليها في دير البلح بقطاع


.. كاميرا الجزيرة ترصد غارات إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوب




.. كيف استعدت إسرائيل للقضاء على حزب الله؟