الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المثقف العربي

سلام المصطفى

2019 / 11 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقع المثقف العربي بين نارين ، و لا يدري كيف ينجو بنفسه منهما ، فهو إذا نظر إلى الأمام وجد الثقافة تعصر عليه أعاصيرها من الغرب بكل ما تحمله من علوم و فنون و آداب و نظم سياسية و تيارات فلسفية ، فيحس و كأنه الغريب الذي يبسط الكفين ابتغاء الصدقة ، و إذا رأى إلى تراثه الجامد و الساكن من مخلفات أجداده وجد نفسه أنه لا ينتمي إلى هذا العصر [ التطور و التكنولوجيا و الإزدهار الفكري للثقافة الغربية ] .

و هكذا يجد المثقف العربي نفسه بين هاتين النارين : فإما أن يختار حياة فكرية حقيقية تنبض بمشكلاته و أزماته و ما يقترح لها من منافذ للنجاة ، لكنه في هذه الحالة يكون في حياته الفكرية متسولا ، كما هو بالفعل متسول في حياته المادية بأنظمتها و أجهزتها ، و إما أن يلوذ بأصالة آباءه فيما خلفوه من إرث عظيم ، لكنه في هذه الحالة الثانية مضطر أن يقضي حياته في متحف الآثار النفسية ، فهذه الحالة يحس المثقف العربي بمرارة الغربة ، فلا هو بين أهله إذا شرب من ينابيع الثقافة الأروبية ، و لا هو غني بنبض حياته إذ قفل راجعا إلى ثقافة آباءه .

إننا هنا في أزمة ؟ نعم إنها أزمة مثقف مشدود إلى طرفين يتجاذبانه و بعنف : المعرفة الحية النشطة التي مركزها الغرب ، و المعرفة المجمدة الساكنة التي مصدرها التراث ، و المثقف هنا إما أن يحيا الحاضر فيغترب عن أصالته ، أو يحيا في التراث فيغترب عن الحياة ، في الحالة الأولى يكون المثقف متسولا يبحث عن الصدقة [ و هذا اغتراب عاطفي ] ، و في الحالة الثانية يكون المثقف سعيدا بإنجازات آبائه [ نفي للاغتراب العاطفي ] ، لكنه يقع في اغتراب فكري ، هكذا تتلخص أزمة المثقف العربي في هذا التعارض بين " العاطفة " و " الفكر " .

هذه الأزمة ، أدت إلى ظهور العديد من المشاريع الفكرية العربية من ابرزها : مشروع النهضة لرفاعة الطهطاوي و مشروع تجديد الفكر العربي لمحمد عابد الجابري و مشروع فقه الفلسفة لطه عبد الرحمن ...الخ ، و لكن يكفي أن نأخذ هنا أحد أبرز المشاريع الفكرية التي ظهرت في مصر ، إنه مشروع القامة الفلسفية المصرية الكبيرة زكي نجيب محمود و الذي يتجلى في " القراءة البراغماتية " لتراثنا الجامد و انتقاء كل ما هو صالح و مستفاد منه في عصرنا الحالي ، أما المشروع الثاني فهو للمفكر و الباحث المصري نصر حامد ابو زيد و الذي يكمن في " القراءة التأويلية " و " آليات التأويل " لتجديد التراث الذي يتوافق مع عصرنا الحالي بالإضافة إلى تجديد الخطاب الديني و إقامة نيوهيرمينوطيقا للنص الديني بما و يتوافق مع عصرنا الحالي ، و هذا في نظر نصر حامد ابو زيد يخلصنا من السكون و الجمود لتراثنا العربي .

___________________
المراجع :
الخطاب و التأويل : نصر حامد ابو زيد .
تجديد الفكر العربي : زكي نجيب محمود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا


.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو




.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط