الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السكيزوفرينيا : وحش الطب النفسي

أشملال حدو

2019 / 11 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السكيزوفريني والشخصية المفككة ! فعلى الرغم من قرن من البحث ، لا يزال هذا المرض لغزًا ويرمز إلى حدود المعرفة الطبية-النفسية.
جان فرانسوا مارميون


ما هي الأعراض؟

ليست جميع الأعراض محددة بدقة في شخص السكيزوفرني. وليس هناك نمط مرضي خاص أو أحادي البعد بالسكيزوفريني ، كما هو الحال في أنماط باتولوجية أخرى: لهذا السبب، لا يمكن للتشخيص إلا أن يكون نسبيًا ، إلا في حالة توافر جميع البدائل الممكنة التي تسمح بمقاربة دقيقة. بحيث هناك إمكانية لوصف حالتين من السكيزوفرينيا متى كانا على اختلاف على مستوى الأعراض.بالتالي، لا توجد ضمانة حقيقية لنفس التشخيص بين أهل التخصص. لهذا، يتم عادة وصف العلامات/الأعراض الإكلينيكية على أنها تنتمي إلى عدة أنماط:
• أعراض "ثابتة"،التي تعبر عن نفسها خلال المراحل الحادة من المرض ، وتغطي الاضطرابات ذات المستوى العميق من الناحية الواقعية، بما في ذلك، مثلا، الهذيان أو الهلوسة. في حين أن الهذيان البرانوييle délire paranoïaque يتبدى في شكل مخاوف فجائية إلى حد ما ولكن انطلاقا مما يستبطنه الشخص من أحكام هي على شكل احتمالات(كأن يقول:"هناك من يتآمر لأجل خسارتي") ، إلا أن السكيزوفريني غالباً ما يكون مجانبا للواقع ( كأن يصف حالته:"تملي الموجات خارج كوكب الأرض أفعالي"). أماالهلوسةhallucination فتكون سمعية بشكل أساسي: يسمع المريض حرفيًا أصوات يصعب كبتها اعتبارا لعدوانيًتها ومشروطيتها الآنية.
• الأعراض "السلبية"، أكثر ثباتًا ، تدل على عجزفي السلوك الطبيعي/العادي بما في ذلك: الافتقار التام للمبادرة والإرادة ، والملاحظات الخاطئة ذات الطبيعة الفوضوية ، وغياب انفعال السرور/البهجة ، واللامبالاة ، وفوبيا العواطف ...
• وتتمثل الأعراض الأخيرة في عدم تنظيم الكلام (لغة غير متماسكة ، وأخرى غير مفهومة) ، و اضطراب في السلوك (الإيماءات المتكررة ...) والسمات غير المنطقية (ضحك غير مناسب أوبدون سياق ...).

مرض اجتماعـــي؟

مع نظريته الرابطة المزدوجة ، اقترح غريغوري بيتسون(Gregory Bateson) ، في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ، أن السكيزوفرينيا هي نتيجة لضعف التواصل داخل الأسرة. خاصة فيما يرتبط ببرودة العلاقة العاطفية بين الأم و أحد أفراد الأسرة، والتي تشي بغياب الاستجابات التفاعلية وتعمق العواطف المتناقضة، ومنه الاضطرابات النفسية. تبقى هذه الفرضية ممكنة-التواصل الأسري- بشكل يؤكد أن العلاقة العاطفية مع الآخرين لها هامش كبير من الأهمية والتأثير في انبناء الشخص. وبالتالي ، فإن المرضى المعرضون لنوع من الإجهاد أو الضغط غير المعقول ، فضلا عن المشاعر التي يتم التعبير عنها بقوة في الأسرة – وبدون تنظيم - تضاعف أربعة أضعاف خطر الانتكاس ومنه شدة وطأة العدوانية بين أفرادها.بذلك،فإن غياب مشاعر الدفء المعبرة أو عدم كفايتها بين أفراد الأسرة أو من قبل الأقارب له تأثيره وخطورته. أظهرت دراسة حديثة فيما يتعلق بدائرة الأسرة الواحدة ؛ كلما كان هناك انخفاض/فراغ في التكامل الاجتماعي هناك احتمال/إمكان الاصابة بالسكيزوفرينيا ، بشكل يصعب التغلب على تداعياته اللاحقة والخطرة. لكن هذه البيانات تكشف أيضًا بشكل غير متوقع عن ارتفاع معدل انتشار السكيزوفرينيا في أطراف تتميز بيئتها بالصعوبة. هل مبرر ذلك خضوع الأفراد لقواعد اجتماعية صارمة للغاية؟ في الواقع، لم يتم دراسة هذه القضية ومقاربتها بالدقة الكافية. في أي حال ، من الصعب تجريم نوع معين من التوسع/الانفجار الاجتماعي.
أخيرًا، غالبًا ما توصف السكيزوفرينيا بأنها "اضطراب بالوكالة"، أي أن المريض/السكيزوفريني لا يعترف دائمًا بأنه هو المسؤول عن أفعاله و مؤلفها الحقيقي (فهو يعتقد أحيانًا أن هناك قوة غامضة تفرض الأمر). هذا من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات حادة في العلاقات الشخصية للسكيزوفريني والنتيجة، صدام دائم مع الآخر ؛ومنه صعوبة بناء علاقات إنسانية . هذه الفرضية الخاصة "بالوكالة" ، والتي لم يتم تأكيدها بعد ، متوافقة مع العديد من الملاحظات حول البنية الوظيفية - الخاصة بالسكيزوفرينيا- على مستوى مناطق الدماغ الموجهة ،عمليا، سلوك السكيزوفريني أو ما يرتبط بالمعالجة السمعية للغة. مما يلغي فرضية تأثير الغير أمام هذا الاختلال البيولوجي.

مرض بيولوجي؟

أكدت دراسات متعددة دور العامل الوراثي في قابلية الاصابة بهذا المرض. نحن نعلم الآن أنه لا يوجد "جين السكيزوفرينيا" ، ولكن تغير وتزحزح العديد من الجينات (ربما أكثر من مائة) ينتج عنه ضعف. علاوة على ذلك ، كلما اشتدت وطأة العامل الوراثي، زادت مخاطر تطور حالة الشخص السكيزوفريني. وبالتالي ، فإن التوأم الحقيقي للمريض ( 100 ٪ من جيناته) لديه فرصة في اثنين لعامل الاصابة. التوأم الخاطئ (50 ٪ من الجينات المشتركة) لديه فقط حوالي واحد من كل خمس فرص. لذلك ، من المستحيل إنكار تأثير علم الوراثة ... وليس عامل البيئة فقط: وإلا ، فإن التوأم الحقيقي للسكيزوفرينيا سيكون دائم الاستمرارية. يبدو أن الأطفال الذين لا يعانون من هذا الضعف الوراثي ولكن يتم تربيتهم في فضاء خاص بالحضانة –وهذا في الحالة التي يكون فيها أحد الوالدين مصاب بالسكيزوفرينيا- هناك إمكانية النجاة من هذا المرض. من ناحية أخرى ، فإن أولئك الذين يكون آباؤهم مصابون بالسكيزوفرينيا ، والذين ينشأون في أسرة حاضنة "طبيعية" ، يتعرضون لخطر الاصابة أو القابلية للاصابة. تشير بعض الدراسات – الدنمركية وغيرها- إلى أن هناك احتمال أكبر للاصابة بالسكيزوفرينيا بالنسبة للأطفال الذين يكبرون في نوع معين من المؤسسات .
تأثيرات كل من الجينات والبيئة الأسرية لا يمكن التنبؤ بها أو الحسم فيها بقدر ما لا يمكن فصلها فهي تطرح الكثير من التداخل والتمفصل. يبدو أن عوامل الخطر البيولوجي الأخرى مرتبطة بالحمل (تعرض الأم لفيروس الأنفلونزا أو سوء التغذية خلال الثلث الثاني من الحمل) والولادة ( مضاعفاتها). وقد أشارت الدراسات الخاصة بعلم الأوبئةépidémiologie إلى أن المصابون بالسكيزوفرينيا يولدون في فصل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي. بصرف النظر عن هذه الملاحظات المتباينة ، فإن الفرضية النمائية العصبيةNeurodéveloppementale التي دافع عنها الطبيب النفسي الأمريكي دانييل ويبرغرDaniel Weinberger هي في الوقت الحالي الأكثر مصداقية ، في انتظار تأكيد حاسم.أي أن تشوهات ما قبل الولادة أو فيما يحيط بها لها تأثير على شبكة معينة من الخلايا العصبية التي تلعب دورًا رئيسيًا في تنمية مناطق الدماغ وجعلها أكثر نضجا إلى أبعد حد خاصة في فترة المراهقة. وهو ما يفسر سبب ملاحظة مجموعة من الأنماط و العلامات الإكلينيكية لمرض السكيزوفرينيا خاصة في المراحل المبكرة من البلوغ. في الوقت الذي ، "يتم فيه مقاربة هذا المعطى المرتبط أساسا بعمل الدماغ واختلالاته ". فإننا نجد أن مناطق الدماغ المعنية هي ، و بشكل خاص قشرة الفص الجبهيCortex préfrontal وأطراف عضوية أخرى، والتي يتم الأخذ بفاعليتها فيما يخص قابلية الاصابة بالسكيزوفرينيا في المستقبل، حتى قبل ظهور الأعراض الذهانيةsymptômes psychotiques: الأمر الذي يتيح إمكانية السيطرة على المرض في فترة مبكرة، وهذا إذا أخذنا بعين الاعتبار عمل الذاكرة في تساوقها مع مناطق الدماغ المسؤولة عن التنظيم المعرفي والعاطفي خاصة فيما يرتبط بالدوبامين الذي يتم إنتاجه بكميات غير طبيعية لدى هؤلاء المرضى.فمن شأن الضغط أو العمل المجهد والمتسارع (خاصة خلال فترة المراهقة ، فترة الأزمات) من شأنه أن يؤدي إلى حدوث اضطرابات سلوكية مصاحبة، وهي مسألة على درجة كبيرة من الأهمية.

مرض عالمي؟

بالنسبة لجورج ديفيروGeorges Devereux ، كانت السكيزوفرينيا الذهان النموذجي والعام للمجتمع الغربي: كانت الأعراض تمثل نوعًا من الأزيز أو النشيش المنغص للمريض العقلي النموذجي في ثقافتنا. لهذا اعتبر مجموعة من العلماء،والذين هم في موضع تضاد مع مباحث الطب النفسي، في الستينيات من القرن الماضي أن هذا بمثابة اختراع خالص للطب النفسي بغرض إنتاج نوع محدد من الانحرافات. في ذات السياق، أظهرت العديد من الدراسات الاستقصائية والاستطلاعية التي أجرتها منظمة الصحة العالمية على ضوء تجارب واقعية أن مرض السكيزوفرينيا هو مرض عالمي: 1% من سكان العالم مصابون أو معرضون للاصابة ، مما يجعله واحدًا من أكثر الأمراض النفسية الخطيرة شيوعًا. إذا كانت الأعراض متطابقة أوثابتة ، فإن تطورها ، من ناحية أخرى ، يختلف وفقًا للثقافات والشروط البنيوية للمجتمعات : فبالرغم من الاختلاف الذي قد نتبينه بين بلدان متنوعة مثل كولومبيا والهند ونيجيريا ،فإن هذا لا يعفي من إمكانية تقديم تفسيرات على درجة كبيرة من المعقولية العلمية .
يتراوح عدد المرضى في فرنسا،على سبيل الذكر، بين 300000 و 400000 ، وخاصة في المناطق الحضرية ، في الوقت الذي يتم فيه دعم ومساعدة 225000 فقط. والبداية،طبعا، بتقدير محدد في 70% من الحالات ، مع احتمالية وقابلية تعرض النساء ولو بقليل للمرض، اللائي يبدو أنهن أقل تأثراً. فالملاحظ أن المرض غالبًا ما تسبقه اضطرابات سلوكية ، الأمر الذي يطرح صعوبة في إجراء أي تشخيص مبكر، بحيث يمكننا ملاحظة غياب حس المبادرة والمرح أو المتعة في فترة المراهقة بما هي فترة أزمة. ولكن هذا لا يعني تعمق المرض إلى حد الأعراض السلبية. أفادت كذلك مجموعة من الملاحظات في تثبيت بعض الأعراض من قبيل: اضطراب في الانتباه trouble de l’attention أو في التعلم،أو الميل نحو العزلة...لكن هذه الأعراض وغيرها غير كافية للحكم على قابلية الاصابة بالمرض ما لم نأخذ كشرط أساسي الظروف البيئية والعائلية والتي لها تأثير لا مناص منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** النص هو ترجمة لمقال : Jean-François Marmion : La schizophrénie, bête noire de la psychiatrie.Sciences Humaines,Mensuel-N199-Décembre 2008, P: 26-27-28-29
** إحالات ومراجع :
(1).James Kirkbride et al , « Testing the association between the incidence of schizophrenia and social capital in an urban area », Psychological Medecine, vol XXXVIII, n 8, août 2008
(2) . Christopher D. Frith, Neuropsychologie cognitive de la schizophrénie, 1992, trad.fr, PUF, 1996
(3) . Études citées par Marc-Louis Bourgeois, Les Schizophrénies, 4éd. Puf,coll. « Que sais-je », 2008
(4) .Marc-Louis Bourgeois, op.cit
(5) .J.Leff et al., « The International pilot study of schizophrenia : Five-year follow-up findings », Psychological Medecine,vol.XXII ,1992








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار